أفادت دراسة جديدة بأن الأدلة الحديثة المستقاة من رفات ضحايا جائحة الإنفلونزا عام 1918 (الإنفلونزا الإسبانية)، تتناقض مع الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الشباب الأصحاء كانوا معرضين للخطر والوفاة بشكل خاص.
تحليل رفات ضحايا الإنفلونزا
ويشير تحليل جديد للهياكل العظمية من جائحة الإنفلونزا عام 1918 إلى أن أولئك الذين كانوا ضعفاء بالفعل كانوا الأكثر عرضة للوفاة، وهو ما يتوافق مع النمط المعتاد للأوبئة. وكانت فرضيات مختلفة قدمت لتفسير تعرض الشباب بشكل خاص لإنفلونزا عام 1918؛ إذ افترض بعضها أن أجهزتهم المناعية لم تكن مستعدة بشكل جيد بسبب عدم التعرض المسبق للفيروس، بينما افترضت أخرى أن استجاباتهم المناعية (أي رد فعل الجسم) القوية ربما كانت هي القاتلة.
واستخدم الباحثون بقيادة أماندا ويسلر، الأستاذة المساعدة في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة «ماكماستر هاميلتون» في أونتاريو بكندا والمؤلفة الرئيسية للدراسة التي نشرت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بمجلة «PNAS Proceedings of the National Academy of Sciences»، هياكل العظام لمجموعة من الأفراد الذين توفوا في الفترة ما بين عامي 1910 و1938 وقسموهم إلى مجموعتين؛ مجموعة مرجعية توفيت قبل الوباء وبالتالي لم يتعرضوا للفيروس، وأخرى توفيت خلاله.
وكشفت نتائج هذه الدراسة عن أن الضعفاء كانوا لا يزالون هم الأكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا، مما يتناقض مع الفكرة السائدة بأن الشباب الأصحاء كانوا هم الأكثر تأثراً. وهذا يظهر أهمية التفاعل بين العوامل الاجتماعية والثقافية والمناعية في تحديد مصير الأفراد في حياتهم ووفاتهم حتى في الماضي البعيد.
يتفق العلماء على أن الإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى عادةً ما تصيب الأطفال الصغار وكبار السن بشدة؛ لأن أجهزتهم المناعية لا تستطيع محاربة مسببات الأمراض بشكل فعال، ومع ذلك خلال جائحة الإنفلونزا 1918 - 1919 لاحظ الأطباء والمراقبون الآخرون ارتفاع عدد الوفيات بين الشباب الذين يفترض أنهم أشخاص بالغون في صحة جيدة. وقد أكدت مجموعة كبيرة من الدراسات الحديثة التي تستخدم بيانات من جميع أنحاء العالم ارتفاع معدل الوفيات بين سن 20 و 40 عاماً تقريباً.
فرضيات مختلفة
وقد ابتكر مختلف الباحثين فرضيات مفصلة لتفسير هذه النتيجة غير المتطابقة؛ إذ افترضت إحدى المجموعات أنه في أوائل القرن العشرين لم يواجه الشباب سوى نسخ مختلفة من فيروس الإنفلونزا الذي بدأ ينتشر في أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر. وعندما وصل فيروس الجائحة في عامي 1918 و1919 لم تكن أجهزتهم المناعية مستعدة لمحاربته. وفي المقابل، كان كبار السن قد تعرضوا في السابق لفيروسات الإنفلونزا الأكثر تشابهاً مع الفيروس الوبائي، وبالتالي حصلوا على بعض الحماية، وألقى علماء آخرون اللوم على أجهزة المناعة القوية لدى الشباب بحجة أنها بالغت في رد الفعل تجاه الفيروس، مما أطلق العنان لاستجابة التهابية قاتلة، وهذا ما حدث بالفعل قي تأثير مماثل لدى بعض المرضى الذين ماتوا بسبب «كوفيد19».
انتشار مرض السل عامل مساهم
ولكن إذا كانت أماندا ويسلر، وشارون ديويت، عالم الأنثروبولوجيا في جامعة كولورادو، على حق، فإن الباحثين بحاجة إلى معرفة السبب الذي يجعل كثيراً من الشباب ضعفاء وضعفاء جداً، وتجسد في أحد الاحتمالات، الذي اقترحه آندرو نويمر، عالم الأوبئة من إدارة الصحة السكانية والوقاية من الأمراض في «جامعة كاليفورنيا إيرفين» والذي لم يكن مشاركاً في البحث، وهو أن مرض السل الذي كان شائعاً في ذلك الوقت ويؤثر عادة على الناس في وقت مبكر من الحياة أضعف كثيراً من الشباب وجعلهم عرضة للإصابة بالإنفلونزا.
فهم الأنماط التاريخية لدرء مخاطر الأوبئة المستقبلية
يقول شارون ديويت، الذي قام بتحليل الهياكل العظمية لـ81 شخصاً ماتوا في كليفلاند أوهايو بين سبتمبر (أيلول) 1918 ومارس (آذار) 1919؛ حيث ضرب الوباء المدينة بين هذين التاريخين، إن فهم مثل هذه الأنماط التاريخية أمر مهم؛ لأن المعرفة قد تساعدنا في التخفيف من مخاطر الأوبئة المستقبلية، وأظهرت أماندا ويسلر وباحثون آخرون أنه خلال فترة انتشار الموت الأسود (الطاعون الرئوي) في القرن الرابع عشر الميلادي كان الأشخاص الذين يعانون من علامات الضعف أكثر عرضة للوفاة.
وبالمثل أثبت مرض فيروس «كورونا» (COVID-19) أنه مميت للمرضى الذين يعانون من مشكلات صحية كامنة مثل السمنة وأمراض القلب والسكري وأمراض مزمنة أخرى.