لماذا يمرض بعض الناس أكثر من غيرهم؟

الحساسيات الجينية والبيئة واستجابة الجسم المناعية تؤثر على احتمالات الإصابة

لماذا يمرض بعض الناس أكثر من غيرهم؟
TT

لماذا يمرض بعض الناس أكثر من غيرهم؟

لماذا يمرض بعض الناس أكثر من غيرهم؟

جميعنا نمرض على الرغم من كل الفيتامينات أو الخضراوات التي نتناولها؛ إذ إن مسببات الأمراض مثل الفيروسات والبكتيريا الضارة تتسلل آجلاً أم عاجلاً إلى أجسامنا.

استجابة مناعية

ورغم أن نظام المناعة لدينا يؤدي عمله، فإنه عندما يتعلق الأمر بالمرض، ليس كل أجهزة المناعة متساوية في الاستجابة؛ إذ يبدو أن بعض الناس يمرضون أكثر من غيرهم؛ حيث إن بعض الأفراد -مثل معلمي المدارس الابتدائية، أو العاملين في المستشفيات- يتعرضون باستمرار للمرض في كثير من الأحيان. كما أن القابلية للإصابة بالمرض ليست بسيطة مثلما هو الحال عند تعرض شخص لآخر مصاب بنزلة برد، إذ إن كل شخص يمرض بشكل مختلف، كما يتعافى الناس بشكل مختلف أيضاً. ولا يعود الجميع إلى المستوى الأساسي للصحة بعد موجة وباء مثل الإنفلونزا أو «كوفيد» بسهولة.ولا تزال البيولوجيا الكامنة وراء سبب وكيفية إصابة بعض الأشخاص بالمرض أكثر من غيرهم غير معروفة إلى حد كبير؛ لكن بحثاً نُشر في 13 يونيو (حزيران) 2023 في مجلة «نيتشر كوميونيكيشن- Nature Communications» لمجموعة كبيرة من المؤلفين مع المؤلف الرئيسي للدراسة سونيل أهوجا، أستاذ الطب في مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في سان أنطونيو، ومدير مركز شؤون المحاربين القدامى للطب الشخصي في الولايات المتحدة، حول سبب إصابة بعض الأشخاص بالمرض في كثير من الأحيان، سلط الضوء على مكونات المرونة المناعية (IR) immune resilience أي القدرة على استعادة وظائف المناعة التي تقي من الأمراض، وتسيطر على الالتهابات التي تسببها الأمراض المعدية، فضلاً عن مصادر الالتهاب الأخرى.

مرونة مناعية

يظل بعض الأشخاص يتمتعون بصحة أفضل طوال حياتهم أكثر من غيرهم؛ لكن الأسباب غير مفهومة جيداً. ومن المفترض أن هذه الميزة تُعزى جزئياً إلى المرونة المناعية، التي تُعرّف بأنها القدرة على الحفاظ على وظائف المناعة واستعادتها، بما يعزز مقاومة الأمراض وطول العمر، أو ما تعرف بالكفاءة المناعية immunocompetence، وكذلك السيطرة على الالتهاب في الأمراض المعدية، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى للالتهابات؛ حيث يتم قياس مستويات المرونة المناعية من خلال مقياسين مميزين للدم المحيطي، يحددان التوازن بين مستويات الخلايا التائية CD8 وCD4 والتعبير الجيني التي تتعقب الكفاءة المناعية المرتبطة بطول العمر والالتهابات المرتبطة بالوفيات.

وتتجذر المرونة المناعية في المبدأ القائل بأن التعرض المتكرر للالتهابات المستضدية (أي الالتهابات التي تسببها الميكروبات) أمر لا مفر منه طوال الحياة، مما يستلزم عمليات التباين التي تتوسط في التكيف، وتعيد الكفاءة المناعية والالتهاب بشكل مثالي إلى المستويات المثلى أو ما قبل التعرض. وبشكل عام فإن المرونة المناعية المثلى هي ميزة تمت ملاحظتها عبر الطيف العمري (وهي الفترة من الطفولة المبكرة إلى المراهقة والبلوغ) وهي أكثر شيوعاً عند الإناث.

المعرضون أكثر للإصابة

لماذا يكون بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالمرض؟ بشكل عام، يمكن للمرء أن ينظر في 3 عوامل رئيسية: أحدها هو القابلية الجينية، أي أن بعض الناس ولدوا باستعداد وراثي للإصابة بالعدوى بسهولة أكبر، بسبب عيوب خلقية (والتي تشكل فئة كبيرة من الأمراض الوراثية التي تنطوي على الاضطرابات الخلقية للأنشطة الإنزيمية، غالبيتها تعود إلى عيوب في الجينات المفردة التي ترمز إلى الإنزيمات) التي تسهل تحويل المواد المختلفة؛ إذ إن وظيفة الجهاز المناعي هي الحماية من الكائنات الحية الدقيقة.

ولكن العدوى هي السبب الأكثر شيوعاً للوفاة في تاريخ البشرية؛ حيث كان متوسط العمر المتوقع 25 عاماً فقط حتى القرن الماضي، أما الزيادات الأخيرة في عمر الإنسان فهي تعكس تطوير النظافة واللقاحات والأدوية المضادة للعدوى، بدلاً من تعديل نظام المناعة لدينا مع الميكروبات المتزامنة عن طريق الانتقاء الطبيعي.

وعليه، فإن معظم الأفراد يحتفظون بضعف طبيعي تجاه الأمراض المعدية، مما يعكس تنوعاً كبيراً في العيوب الخلقية في المناعة.

والعامل الثاني هو البيئات التي يوجد فيها عبء ثقيل من العدوى، فقد توفي كثير من أسلافنا في الوقت الذي كانوا فيه في الخمسينات من العمر؛ لأن لديهم حمولة مستضدية أكبر (وهو مقدار الإجهاد الالتهابي الذي تسببه العدوى) قبل ظهور اللقاحات وارتفاع مستويات المعيشة، وظهور نظام صرف صحي أفضل. وهذا نوع من أنواع العوامل الثابتة.

أما العامل الثالث، فهو الاستجابة للإجهاد الالتهابي، فقد يستجيب البعض بطريقة ما لعدوى واحدة، وبطريقة أخرى يستجيب لعدوى مختلفة، كما تلعب البيئة دوراً مهماً في ذلك التباين، وقد يُظهر الناس تبايناً في كيفية استجابتهم لهذه التحديات التي يمكن أن يكون لها أيضاً أساس وراثي.

المرونة المناعية وطول العمر

كيف يمكن أن تؤثر المرونة المناعية على طول عمر الشخص؟

يمكننا تصنيف الناس إلى 4 مجموعات:

- الأولى، هم الأشخاص الذين لديهم كفاءة مناعية عالية والتهابات قليلة، وهم المجموعة الأكثر حماية، والذين يعيشون لفترة أطول.

- المجموعة الثانية هم أولئك الذين يعانون من ضعف المناعة والالتهابات العالية، وهؤلاء الناس لسوء الحظ سيموتون أسرع من غيرهم.

- أما المجموعة الثالثة فهم أولئك الذين لديهم كفاءة مناعية عالية وهو أمر جيد، إلى جانب الالتهاب الشديد وهو أمر سيئ، وهؤلاء لديهم عمر متوسط بين الحالتين الأولى والثانية.

- وأخيراً أولئك الذين يعانون من ضعف المناعة وانخفاض الالتهاب، وهؤلاء لديهم عمر متوسط أيضاً.

أما لماذا يظهر الأفراد مثل هذه الاختلافات الواسعة في العمر والحالة الصحية عبر العمر وقابلية الإصابة بالأمراض المعدية؟ فهناك احتمالات كثيرة، أهمها هو أن الاختلافات في طبيعة المناعة هي العامل الرئيسي في ذلك، نظراً إلى أن العدوى هي من بين أكثر العوامل البيئية تأثيراً التي تشكل الجينوم البشري، فإن الاستجابات المثلى للمضيف لهذه المحركات الميكروبية للانتقاء الطبيعي قد لعبت دوراً في زيادة طول العمر.


مقالات ذات صلة

صحتك البالغون الذين يمارسون نشاطاً بدنياً لديهم «خطر أقل بكثير» للإصابة بأنواع السرطان الشائعة (رويترز)

4 أمور يفعلها أطباء الأورام بانتظام لتقليل خطر الإصابة بالسرطان

يتم تشخيص أكثر من مليوني حالة سرطان جديدة كل عام في الولايات المتحدة، ويعد السرطان السبب الرئيسي الثاني للوفاة في البلاد، وفقاً لما ذكره موقع «هيلث» الصحي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الباحثون لم يجدوا فوائد صحية للوقوف لفترات طويلة لكنهم أكدوا أن الجلوس لأكثر من 10 ساعات يومياً يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب (رويترز)

هل تقف لفترات طويلة؟ دراسة قد تدفعك لتغيير نمط حياتك

توصلت دراسة جديدة إلى أن الوقوف على المدى الطويل لا يحسن صحة القلب والأوعية الدموية مقارنة بالجلوس وقد يزيد في الواقع من خطر الإصابة بمشاكل الدورة الدموية.

«الشرق الأوسط» (كانبيرا)
يوميات الشرق ثمة دائماً مَن يُصغي (الجمعية)

«مقعد متحدِّث» للدعم النفسي في بريطانيا

رُكِّب «مقعدٌ متحدِّثٌ» بميناء بريستول في بريطانيا؛ للتشجيع على خوض محادثات تتعلّق بالصحة العقلية، أملاً في الحؤول دون وقوع حوادث انتحار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك «ملتقى الصحة العالمي» يستعرض الفرص الواعدة للاستثمار في القطاع بالسعودية (واس)

رحلة التحول الصحي السعودي في ملتقى عالمي

يشهد «ملتقى الصحة العالمي»، الذي تستضيفه الرياض خلال الفترة بين 21 و23 أكتوبر الحالي، تحت شعار «استثمر في الصحة»، استعراض مستجدات القطاع، ومناقشة أبرز موضوعاته.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

لأول مرة: تنبؤات الذكاء الاصطناعي الدقيقة لقوة الأعاصير تتفوق على دقة النظم الكومبيوترية

التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها
التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها
TT

لأول مرة: تنبؤات الذكاء الاصطناعي الدقيقة لقوة الأعاصير تتفوق على دقة النظم الكومبيوترية

التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها
التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها

كنت أدرس الأعاصير وأتنبأ بها وأكتب عنها لأكثر من عقدين من الزمان، منذ وقت طويل عندما كنا نرسم خرائط الطقس يدوياً، كما كتب إريك هولثاوس (*).

توقعات الذكاء الاصطناعي الدقيقة للطقس

إلا أن إعصارَي «هيلين» و«ميلتون» كانا أول إعصارين اعتمدت فيهما بشدة على توقعات الطقس التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويبدو هذا الأمر وكأنه نقطة تحول.

وفي عصرنا الحالي الذي يتسم بحالة الطوارئ المناخية المتصاعدة، تساعد الأجواء الدافئة في جعل الطقس أكثر تطرفاً وخطورة، مما يعرض مزيداً من الناس للخطر كل عام. ولذا فإن التنبؤات الأكثر ثقة بتلك الأعاصير التي ستتحول إلى وحش أو التي ستتلاشى بأمان، تمنح الناس مزيداً من الوقت للاستعداد.

تحديث تطور الأعاصير ساعة بساعة

خلال إعصاري «هيلين» و«ميلتون»، تم تطوير أداة الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها كثيراً -AI RI- بواسطة باحثين في جامعة ويسكونسن. وهي تقدم احتمالات محدثة كل ساعة حول فرص حدوث نوبة من التكثيف السريع لسيرورة إعصار ناشئ جديد.

في مرحلة ما، كانت هذه الأداة (AI RI) تعطي فرصة بنسبة 100 في المائة تقريباً بأن «ميلتون» سيزداد قوة ليتحول من الفئة 1 إلى الفئة 5 في غضون 24 ساعة قادمة. وبالطبع، تبين أن هذا التنبؤ صحيح.

ولم يشهد أي إعصار أطلسي في 175 عاماً من تسجيلاتنا للأعاصير تعززاً في قوته، مثل إعصار «ميلتون». ولم يكن لأحد أن يتصور حدوث مثل هذا.

تنبؤات غير مسبوقة

هذا التنبؤ الدقيق حتى قبل 5 سنوات كان صعباً باستخدام نماذج الطقس الحاسوبية التقليدية.

قبل قرن واحد فقط، كان من المستحيل تقريباً وضع توقعات للظروف الجوية المعاكسة بشكل موثوق، ضمن أي نطاق زمني. ولإعطاء فكرة عن حجم التقدم، فإن التنبؤ بالطقس لمدة 4 أيام أصبح الآن دقيقاً، مثلما كان حال التنبؤ بالطقس ليوم واحد في عام 1995.

ويعِد الذكاء الاصطناعي بتمديد هذه المكاسب أياماً وأسابيع وأشهراً في المستقبل، وعلى مقاييس جغرافية أدق وأدق، حتى على مستوى المناخ المحلي والحي.

** في غضون 25 عاماً، من المتوقع أن تكلف التأثيرات الإجمالية لتغير المناخ تريليونات الدولارات سنوياً **

كلفة الكوارث الطبيعية

وحتى بعد تعديل التضخم النقدي، تكلف الكوارث الطبيعية الآن نحو 5 أضعاف ما كانت عليه في الثمانينات. ويمكن أن تمثل التقلبات الجوية اليومية ما يصل إلى 3 في المائة- 6 في المائة، من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً. أما الفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار الشديدة وحدها، مثل تلك التي نجمت عن «هيلين»، فتكلف الآن ما متوسطه 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة كل عام.

وفي غضون 25 عاماً، من المتوقع أن تكلف التأثيرات الإجمالية لتغير المناخ تريليونات الدولارات سنوياً.

تطبيق ذكاء اصطناعي على كومبيوتر محمول

ورداً على سؤالي: «لقد فوجئت قليلاً بأن عمليات التشغيل الروتينية لنموذج التكثيف السريع لا تتطلب أي طاقة حاسوبية على الإطلاق»، تقول سارة غريفين، الخبيرة في الأعاصير والأقمار الاصطناعية في جامعة ويسكونسن التي طورت أداة الذكاء الاصطناعي: «إنها لا تحتاج إلى أي شيء فاخر؛ إذ لا توجد حاجة إلى وحدة معالجة رسومية، وعادة ما تعمل في أقل من دقيقة».

** الذكاء الاصطناعي يغيِّر عمل خبراء الأرصاد الجوية**

قبل البداية السريعة لأدوات الذكاء الاصطناعي، تم تطوير أفضل نموذج حاسوبي للأعاصير بتكلفة 150 مليون دولار. وكان لا بد من تشغيله على أحد أسرع أجهزة الكومبيوتر في العالم.

لذا فإن حقيقة أنه يمكن تشغيل «AI RI» من الناحية النظرية، خلال بضع دقائق على جهاز كومبيوتر محمول، أشبه بالسحر. وقد ظلت إدارة الأرصاد الجوية الوطنية ومنظمتها الأم (NOAA) لسنوات، تستثمر في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمساعدة علمائها على غربلة كميات هائلة من البيانات البيئية التي يجمعونها كل يوم.

وتؤتي هذه الاستثمارات ثمارها بالفعل، وبشكل كبير، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بجعل تكنولوجيا التنبؤ بالطقس أكثر فائدة للمجتمعات المحرومة والأشخاص على الخطوط الأمامية لحالة الطوارئ المناخية.

50 عاماً من نماذج الطقس الكومبيوترية

عرض الرادار من طائرة صيد الأعاصير التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي

منذ اختراعها قبل نحو 50 عاماً، كانت نماذج الطقس بمساعدة الكومبيوتر تُشغَّل دائماً تقريباً على أكبر أجهزة الكومبيوتر التي يستطيع العلماء تحمل تكلفتها. وذلك لأن مئات الحسابات الرياضية والفيزيائية يجب إجراؤها مراراً وتكراراً لتتبع جميع المسارات المحتملة للأمام في الوقت المناسب لكل جزء من الغلاف الجوي الذي توجد بيانات عنه، بقدر ما يمكن جمع هذه البيانات. إنها دورة لا تنتهي أبداً من الخيارات الصعبة حول كيفية تركيز قوة الحوسبة النادرة بأكبر قدر من الكفاءة، وهو صراع صعب جداً ضد قوى الطبيعة.

وهذا يعني أن التنبؤ بالطقس كان مكلفاً دائماً، كما أن عدم المساواة صارخ؛ إذ تنفق الحكومات في البلدان الأكثر ثراءً -مثل الولايات المتحدة وأوروبا- ما معدله نحو 25 دولاراً سنوياً لكل مواطن على توقعات الطقس الخاصة بها، بينما تنفق البلدان الأكثر فقراً أقل من دولار واحد سنوياً لكل مواطن، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض دقة التوقعات بالنسبة للأشخاص الذين من المرجح أن يشاركوا في أنشطة حساسة للطقس، مثل الزراعة أو صيد الأسماك.

الذكاء الاصطناعي يحقق المساواة المناخية العالمية

ومن أفضل جوانب الذكاء الاصطناعي قدرته على تحقيق المساواة في هذا المجال. وللتعرف على مزيد حول هذا الموضوع، تحدثت مع مايكل فيشر الباحث في مجال الأعاصير، وأستاذ الأرصاد الجوية في جامعة ميامي. وميامي هي قلب عالم التنبؤ بالأعاصير، فهي المكان الذي يوجد فيه خبراء التنبؤ بالأعاصير الرسميون التابعون للمركز الوطني للأعاصير، كما أنها موطن «صائدي الأعاصير»، وهم قسم من احتياطي القوات الجوية الأميركية الذي كان لعقود من الزمان يطير بالطائرات عبر الأعاصير لقياس موقعها وحركتها وقوتها.

تحسين مُدخلات البيانات

يركز عمل فيشر على تحسين التنبؤ بالأعاصير، وخصوصاً فائدة رادارات الطقس المحمولة جواً على طائرات صائدي الأعاصير. ويقول: «أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يفتح كثيراً من الأبواب التي ليست ممكنة بالضرورة، على الأقل مع القدرات الحسابية الحالية؛ لأن هذه النماذج يمكن أن تعمل بسرعة كبيرة». ويضيف: «إنه يسمح لنا بالقيام بأشياء، مثل إنشاء توقعات عالية الدقة للمناطق المحلية، ونأمل أن يساعد ذلك في إنقاذ الأرواح، إضافة إلى جوانب أخرى مثل موجات الحر والطقس المتطرف والأمطار الغزيرة».

إنني كبير السن بما يكفي لأتذكر عندما كنت طالباً جامعياً في عام 2000 عندما بدأت نماذج الطقس الحاسوبية المبكرة في التفوق بشكل موثوق على مهارة المتنبئين البشريين. ومع ذلك، لم يثق أساتذتي بها، وبدلاً من ذلك كانوا يعلموننا صفحات من «القواعد الأساسية» و«الحيل البسيطة» لتقدير التوقعات بناءً على التعرف على الأنماط في خرائط الطقس.

لكن هناك شيئاً واحداً قالوه عن بناء نموذج طقس حاسوبي جدير بالاهتمام ظل عالقاً في ذهني حقاً: «القمامة تدخل، والقمامة تخرج». وهذا يعني أن توقعات الكومبيوتر الخاصة بك لا تكون جيدة إلا بقدر البيانات التي تبدأ بها. وهذا هو هدف مشروع تحسين توقعات الأعاصير الذي أطلقه فيشر، لاستخدام التعلم الآلي لمراقبة جودة البيانات المتدفقة من صائدي الأعاصير أثناء طيرانهم.

يقول فيشر إن الأمر يستغرق من عالم الأرصاد الجوية المدرب نحو أسبوعين لتصفية «الضوضاء» يدوياً من رادار الطائرة. يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي الخاص به القيام بذلك في دقائق، بينما لا تزال الطائرة في الهواء، بحيث يمكن بعد ذلك إرسال البيانات في الوقت الفعلي إلى نماذج الطقس للتوصل إلى توقعات.

نماذج طقس حكومية وخاصة

واليوم، بالطبع، ليست هيئة الأرصاد الجوية الوطنية هي الوحيدة التي تستثمر في تحسين نماذج الطقس باستخدام الذكاء الاصطناعي، فكل الأسماء الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي تفعل ذلك أيضاً.

تمتلك «غوغل» GraphCast، بينما تمتلك «نيفيديا» FourCastNet. وتعِدُ الشركات الناشئة –مثل «precip.ai» و«atmo.ai»- عملاءها بتحليلات الطقس المحلية والدقيقة للغاية لجميع أنواع الاستخدامات. وتجعل «غوغل» أحدث نموذج للطقس المعزز بالذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. قد يكون التنبؤ بالطقس نقطة مضيئة نادرة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ خصوصاً مع زيادة الحاجة بسبب تصاعد مخاطر المناخ.

تستخدم هيئة الأرصاد الجوية الوطنية الذكاء الاصطناعي في خدمة ترجمة لغة جديدة لنشرات الطقس، لجعل التوقعات في متناول الجميع بحيث لا تقتصر على اللغة الإنجليزية فقط.

مخاوف تحيّز الذكاء الاصطناعي

إلا أن فيشر يشعر ببعض المخاوف المألوفة، وخصوصاً بشأن التحيز الذي قد يقدمه فريقه أثناء تدريبهم للذكاء الاصطناعي؛ لكنه يعتقد في الوقت الحالي أن الأداة يمكن استخدامها بشكل متوازن.

وتمنح مشاركة شركات التكنولوجيا الكبرى فيشر الأمل في أن روح التعاون هذه في مواجهة حالة الطوارئ المناخية قد تستمر. ويقول: «إذا كان هدفنا الرئيسي هو محاولة المساعدة في إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات، فأعتقد أن العمل معاً بوصفنا مجتمعاً علمياً هو أفضل طريقة للقيام بذلك»،

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».