من أجل التحكم في معدل الاكتشاف الخاطئ عند إجراء أبحاث السرطان، وضع باحثو «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» نهجاً إحصائياً جديداً قد يكون من شأنه التسريع من وتيرة أبحاث السرطان على المستوى الجزيئي، وذلك من خلال تقليل المؤشرات الزائفة والمضلِّلة، ومساعدة الباحثين على التعرف على نطاقات الأورام تعرفاً صحيحاً ودقيقاً.
اختبارات السرطان
وتُعدّ اختبارات الكشف عن مرض السرطان من أكبر التحديات التي تقف أمام علم الأورام، لكونها قد تكون مكلِّفة، كما يمكن أن تُعطي نتائج
إيجابية كاذبة، وهي النتائج التي قد تشير إلى وجود ورم سرطاني، ولكنه غير موجود بالفعل.
يعتمد نهج علماء «كاوست» على إجراء اختبار دقيق يأخذ بعين الاعتبار النتائج الإيجابية الكاذبة لتحديد مواقع الطفرات السرطانية المحتملة في البروتينات تحديداً أكثر موثوقية.
تقول الدكتورة آيريس آيفي جوران، باحثة ما بعد الدكتوراه في الجامعة إن «دراسة الطفرات على المستوى الجزيئي أو على مستوى نطاق البروتين أمرٌ ضروري للكشف عن الطفرات المرتبطة وظيفياً بالسرطان. وعادة ما تبحث التحليلات الإحصائية التقليدية لعينات الأورام عن الطفرات على مستوى الجينات، ولكن الدراسات التي تبحث عن المتحورات داخل نطاقات البروتين، وهي الوحدات الوظيفية والهيكلية والتطورية المُكوِّنة للبروتينات، بيَّنت ما ينطوي عليه هذا التوجه من إمكانات كبيرة فيما يخص الكشف عن الطفرات المرتبطة وظيفياً بالسرطان».
وتتمثل إحدى خطوات العثور على مثل هذه الطفرات المكتسبة أو «الجسدية» في إجراء اختبارات إحصائية على كميات هائلة من بيانات نطاقات البروتين الناتجة عن التحليل الجزيئي للأورام الحقيقية. وتأتي نتائج هذه الاختبارات الإحصائية بقائمة من «بؤر الخطر» الموجودة في نطاقات البروتين التي عُثِر فيها على عدد لا يُستهان به من التحورات الجزيئية. ومع ذلك، فإن عملية التعرف على بؤر الخطر لا يمكن التعويل عليها في غياب البيانات الكافية للوصول إلى نتائج موثوقة؛ حيث إن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع معدل الاكتشافات الكاذبة لبؤر الخطر.
رصد بؤر الخطر
طرحتْ جوران، بالتعاون مع زملائها من جامعة سيول الوطنية وجامعة ماريلاند وجامعة كاليفورنيا، إجراءً اختبارياً يأخذ معدل النتائج الإيجابية الكاذبة بعين الاعتبار بصورة أقوى.
تقول جوران إن «التعرُّف على بؤر الخطر عندما يتكرر ظهورها في نطاق البروتين بشكل ملحوظ في مجموعة ما من العينات - يمثل مشكلة استدلال متزامن واسعة النطاق تتضمن اختبار مئات من الفرضيات في الوقت ذاته.
ولذا، طرحتْ دراستنا إجراءً يقوم على عمل اختبارات متعددة استنادًا إلى ما يطلق عليه (المعدل المحلي البايزي) للاكتشاف الخاطئ في حال ندرة بيانات العد. وباستخدام هذه الطريقة، يمكننا اختيار مجموعات من الطفرات الجسدية عبر عائلات جينية كاملة، باستخدام نماذج نطاق البروتين مع التحكم في معدل الاكتشاف الخاطئ».
والاستدلال البايزي هو نوع من الاستدلال في علم الإحصاء يشير إلى العالم توماس بايز، وتتيح طرق الاستدلال البايزي نماذجَ إحصائية تستفيد من المعرفة المتاحة حول مَعلماتها، المتمثلة في هذه الحالة في نموذج نطاق بروتين قائم ومعروف بالفعل. يسمح هذا، على سبيل المثال، بتصنيف اكتشاف بؤرة خطرٍ ما في نطاق البروتين استناداً إلى رصد متحورات جزيئية غير متسقة على أنه نتيجة إيجابية كاذبة. ومِن ثَمَّ، استبعاد هذه النتيجة.
وللتحقق من مدى صحة هذه الطريقة، حلل فريق البحث بيانات نطاق البروتين لسرطان البروستاتا، المعروف باقترانه بطفرة في نطاق البروتين. وقد نجحتْ طريقتهم في التعرف بشكل صحيح على طفرة في بروتين مرتبط بالحمض النووي من نوع cd00083 بوصفه «نطاق ورم» مرتبطاً بالسرطان.
تقول جوران: «نجحتْ طريقتنا في استبعاد بؤر الخطر المكررة مع التعرف على نطاقات الأورام التي يُفترض أن لها ارتباطاً كبيراً بالسرطان، كما أنها تبرهن على قدرة طرق الاستدلال البايزي على حل مشكلة إحصائية جوهرية في مجال التعرف على نطاقات الأورام تعرفاً صحيحاً».