إنتاج «محتمل» لمضادات حيوية من بكتيريا العصر الحجري

علماء نجحوا في بناء الجينوم البكتيري المغلف داخل جير أسنان الإنسان البدائي (الفريق البحثي)
علماء نجحوا في بناء الجينوم البكتيري المغلف داخل جير أسنان الإنسان البدائي (الفريق البحثي)
TT

إنتاج «محتمل» لمضادات حيوية من بكتيريا العصر الحجري

علماء نجحوا في بناء الجينوم البكتيري المغلف داخل جير أسنان الإنسان البدائي (الفريق البحثي)
علماء نجحوا في بناء الجينوم البكتيري المغلف داخل جير أسنان الإنسان البدائي (الفريق البحثي)

قطع فريق بحثي دولي خطوة كبيرة نحو إنتاج مضادات حيوية جديدة من بكتيريا تنتمي إلى العصر الحجري.

وخلال الدراسة المنشورة في دورية «ساينس»، كشف الفريق البحثي متعدد التخصصات بقيادة معهد «لايبنيز لأبحاث المنتجات الطبيعية وبيولوجيا العدوى»، ومعهد «ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية» بألمانيا، وجامعة «هارفارد» الأميركية، عن كيف قاموا بإعادة بناء جينوم بكتيريا غير معروفة سابقاً تعود إلى العصر الحجري، ثم استخدموا أدوات التكنولوجيا الحيوية الجزيئية الصناعية للسماح للبكتيريا الحية بإنتاج المواد الكيميائية المشفرة بواسطة الجينات القديمة، والتي يمكن أن تكون مفيدة في إنتاج المضادات الحيوية.

وتقتصر الدراسة العلمية للمنتجات الطبيعية الميكروبية إلى حد كبير على البكتيريا الحية، ولكن نظراً لأن أسلافها قد سكنت الأرض لأكثر من 3 مليارات سنة، فهناك تنوع هائل من المنتجات الطبيعية السابقة ذات الإمكانات العلاجية التي لا تزال غير معروفة لنا حتى الآن، غير أن الفريق البحثي الدولي، أعلن عن نجاحه في التوصل إلى طريقة للوصول إلى هذه المنتجات الطبيعية.

ولجأ الفريق البحثي إلى جير الأسنان الذي يحافظ على الحمض النووي للبكتيريا التي استعمرت الفم على مدى آلاف السنين، مما يوفر معلومات غير مسبوقة حول التنوع البيولوجي والقدرات الوظيفية للميكروبات القديمة التي استعمرت الفم.

وركز الفريق على إعادة بناء الجينوم البكتيري المغلف داخل جير الأسنان، من 12 إنساناً بدائياً (إنسان نياندرتال) يرجع تاريخهم إلى نحو 102 إلى 40 ألف سنة مضت، و 34 إنساناً أثرياً يرجع تاريخهم إلى نحو 30 ألف إلى 150 ألف عام، و 18 إنساناً حالياً.

وأعاد الباحثون بناء جينوم الكثير من الأنواع البكتيرية الفموية، بالإضافة إلى أنواع أخرى أكثر غرابة لم يتم وصف جينوماتها من قبل، وكان من بين هؤلاء عضو غير معروف من الكلوروبيوم (البكتيريا الكبريتية الخضراء)، والذي تم العثور عليه في جير الأسنان لسبعة من البشر ينتمون للعصر الحجري القديم وإنسان نياندرتال.

وكانت الخطوة التالية هي استخدام أدوات التكنولوجيا الحيوية الجزيئية الصناعية للسماح للبكتيريا الحية بإنتاج المواد الكيميائية المشفرة بواسطة الجينات القديمة.

ويقول عنان إبراهيم، من معهد «لايبنيز لأبحاث المنتجات الطبيعية وبيولوجيا العدوى» والباحث المشارك بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد، بالتزامن مع نشر الدراسة: «هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذا النهج بنجاح على البكتيريا القديمة، وأدى إلى اكتشاف عائلة جديدة من المنتجات الميكروبية الطبيعية التي أطلقنا عليها اسم (باليوفيورانس)، وبالنظر إلى المستقبل، نأمل في استخدام هذه التقنية لإيجاد مضادات حيوية جديدة».


مقالات ذات صلة

السجائر الإلكترونية تُضعف تدفق الدم

صحتك السجائر الإلكترونية هي أجهزة تنتج رذاذاً يُستنشق إلى الرئتين (رويترز)

السجائر الإلكترونية تُضعف تدفق الدم

كشفت دراسة أميركية عن وجود تأثيرات فورية لاستخدام السجائر الإلكترونية على وظائف الأوعية الدموية، حتى في حالة عدم احتوائها على النيكوتين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك مرض الكلى المزمن يؤثر في واحد من كل 10 أشخاص حول العالم (جامعة مينيسوتا)

دواء للسمنة والسكري يحمي الكلى من التلف

كشفت دراسة دولية عن أن فئة من الأدوية المستخدمة لعلاج السمنة والسكري يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالفشل الكلوي وتوقف تدهور وظائف الكلى لدى مرضى الكلى المزمن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

وجدت دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثين، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟
TT

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

تمكن علماء في مركز السرطان بجامعة «جونز هوبكنز» في الولايات المتحدة من تحديد 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

جينات تحمي خلايا السرطانوتعد هذه النتيجة خطوة مهمة في فهم كيفية بقاء خلايا سرطان الثدي بعد مغادرتها للورم الأولي وانتقالها إلى مجرى الدم؛ حيث يمكن أن تبدأ في الانتشار من موقعها الأصلي إلى أماكن أخرى من الجسم.

وقد يفتح التعرف على الجينات المسؤولة عن حماية الخلايا السرطانية من الأضرار الناتجة عن «الأكسدة» بسبب أنواع الأكسجين التفاعلية «Reactive oxygen species ROS» (هي منتجات ثانوية لعملية الاستقلاب الغذائي الطبيعي للأكسجين)، آفاقاً جديدة للعلاج؛ خصوصاً في الحالات التي تُظهِر مقاومة عالية، مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي.

وحددت الباحثة الرئيسية دانييل جيلكس (أستاذة مساعدة في قسم الأورام، ضمن برنامج سرطان الثدي والمبيض، في كلية الطب بالجامعة) في الدراسة التي نشرت في مجلة «Nature Communications» في 28 سبتمبر (أيلول) 2024، 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

وعلى الرغم من أن الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين توجد فيما تسمى «المنطقة المحيطة بالورم»، أي أنها تجلس بجوار الخلايا الميتة؛ فإن هناك اعتقاداً بأنها قادرة على الهجرة إلى مناطق ذات مستويات أعلى من الأكسجين؛ حيث يمكنها بالفعل العثور على مجرى الدم.

نقص الأكسجين

وانتشار الورمتعمل ظروف نقص الأكسجين في المناطق المحيطة بالأورام على تعزيز هجرة الخلايا السرطانية نحو مناطق أكثر ثراءً بالأكسجين، مثل مجرى الدم؛ إذ يمكن أن تؤدي عملية الهجرة هذه إلى انتشار الخلايا السرطانية من موقعها الأصلي إلى أجزاء أخرى من الجسم، ما يساهم في تكرار الإصابة بالسرطان حتى بعد إزالة الورم الأولي. أما الخلايا التي تتكيف للبقاء في ظل مثل هذه الظروف منخفضة الأكسجين، فتكون أكثر قدرة على التعامل مع الإجهاد التأكسدي «oxidative stress» (هو حالة عدم التوازن في نظام العوامل المؤكسدة والعوامل المضادة للتأكسد) في مجرى الدم، ما يمنحها ميزة البقاء.

وقد أظهرت الدراسة أن الخلايا السرطانية المعرضة لنقص الأكسجين لفترات طويلة (على سبيل المثال لفترة 5 أيام) حافظت على التعبير عن الجينات الناجمة عن نقص الأكسجين، حتى بعد الانتقال إلى مناطق ذات أكسجين أفضل، ما يشير إلى أن هذه الخلايا تحتفظ بـ«ذاكرة» لحالة نقص الأكسجين، وهو ما يتناقض مع الاستجابات قصيرة المدى التي شوهدت في مزارع المختبر القياسية.

دور بروتين «ميوسين»وكانت نتائج الدراسة تنبؤية بشكل خاص لسرطان الثدي الثلاثي السلبي «triple-negative breast cancer» الذي يتميز بمعدل تكرار مرتفع. فقد اكتشف الباحثون أن خزعات المرضى من هذا السرطان الذي تكرر في غضون 3 سنوات، تحتوي على مستويات أعلى من بروتين يسمى «ميوسين» (MUC1 glycoprotein mucin). وقام الباحثون بحجب بروتين «ميوسين» لتحديد ما إذا كان سيقلل من انتشار خلايا سرطان الثدي إلى الرئة، وكان هدفهم هو القضاء على الخلايا الخبيثة العدوانية بعد نقص الأكسجين على وجه التحديد.

وأكدت دانييل جيلكس أنه عند تخفيض مستوى بروتين «ميوسين» في هذه الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين، فإنها تفقد القدرة على البقاء في مجرى الدم، أو في ظروف وجود مركبات الأكسجين التفاعلي. كما أنها تشكل عدداً أقل من النقائل السرطانية «Cancer metastases» في الفئران (وهذا المصطلح يستخدم لوصف انتشار السرطان، إذ إن الخلايا السرطانية -على عكس الخلايا الطبيعية- تتمتع بالقدرة على النمو خارج المكان الذي نشأت فيه بالجسم).

ولا يزال الباحثون يجهلون أسباب الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي بشكلٍ دقيق؛ لكنهم يعتقدون أن الطَّفرة الجينية المسماة «BRCA1» هي السبب؛ لأن وجودها يؤدي لانعكاس مبدأ عمل الجين السليم، وتصبح الخلايا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان.

وتؤكد النتائج إمكانية استهداف بروتين «ميوسين» لمنع انتشار الخلايا السرطانية، وتحسين النتائج للمرضى، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من أنواع سرطان عدوانية.

وقد تمهد التجربة السريرية الحالية في المرحلتين الأولى والثانية لعلاجات تستهدف بروتين «ميوسين» في أنواع مختلفة من السرطان، الطريق لتطبيقات أوسع إذا ثبتت فعاليتها.

ويعزز هذا البحث فهم كيفية مساهمة الظروف التي تسبب نقص الأكسجين داخل الأورام في حدوث النقائل، ويسلط الضوء على بروتين «ميوسين» كهدف علاجي واعد لمنع انتشار السرطان.