التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال

يزداد عند وجود بيئة داعمة تنمّي مشاعرهم

التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال
TT
20

التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال

التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال

كشفت أحدث دراسة طولية نُشرت في نهاية شهر مارس (آذار) من العام الحالي في مجلة «التنمية الإدراكية» Cognitive Development عن احتمالية تكوّن بدايات ظهور مشاعر التعاطف لدى الأطفال مع الآخرين في أوقات الحزن والألم في فترة مبكرة جداً من الحياة، وعلى وجه التقريب في السنة الثانية من العمر.

وقال الباحثون في جامعة لودفيغ ماكسويل بميونيخ Ludwig Maximilian University of Munich في ألمانيا، إن التأثر بمشاعر الآخرين المختلفة مثل الحزن والخوف والقلق والتعاطف الوجداني معهم sympathetic concern يُعد خطوة هامة في النمو المعرفي والعاطفي للأطفال، لأنه يُعد نوعاً من الإدراك المعرفي.

تطور التعاطف

ولكي تتعاطف مع الشخص الآخر الحزين والمتألم يجب أن تدرك في البداية أنه يعاني من الألم من خلال تعبيرات وجهه، وكذلك ردود فعله التي تشير إلى الضيق، وهو الأمر الذي يحتاج إلى خبرات عاطفية معينة في الأغلب يتم اكتسابها من البيئة المحيطة بالطفل مثل المنزل.

وحتى يحدث هذا التطور السلوكي يجب أن يكون هناك وعي بالذات في البداية، ثم بعد ذلك يتم التعاطف مع الآخر؛ لأن الاهتمام لا يكون مجرد إحساس عاطفي فقط بل يتطلب محاولات إيجابية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من الحزن. ومفهوم الذات يبدأ في الظهور خلال السنة الثانية من العمر على سبيل المثال، من خلال تعرف الطفل على نفسه عند النظر في المرآة.

أشارت الدراسة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الوالدان في تنمية النمو الوجداني والعاطفي في حياة الطفل، حيث تبين أن وجود الطفل في بيئة تتمتع بالاهتمام العاطفي يساعده في الإحساس بالآخرين والتفاعل معهم. وكلما كانت الأمهات أكثر تعاطفاً واهتماماً وأيضاً استجابة لاحتياجات أطفالهن العاطفية، زادت قدرة الأطفال في السنة الثانية من حياتهم على إظهار الاهتمام تجاه شخص غريب. ولذلك، فإن الاهتمام والتعاطف مع الآخرين يُعد مكتسباً اجتماعياً بشكل عام.

تختلف النظريات الطبية حول بداية عمر ظهور التعاطف مع الآخرين والعوامل التي تؤثر في تطور هذا الإحساس. ولمعرفة الوقت بالتقريب قام الباحثون بمتابعة 127 زوجاً من الأمهات وأطفالهن، وكان معظم الأطفال من البيض وينحدرون من أسر تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، حتى تكون معبرة عن أكبر شريحة من المجتمع.

تمت المتابعة على مدار عام ونصف العام لرصد ردود فعل الأطفال عند مشاهدتهم لسيدة تتعرض لكدمة في قدمها وتتظاهر بالألم والحزن لمدة نصف دقيقة. ثم بعد ذلك تذهب للطفل وتخبره بأنها تشعر بتحسن الآن وتكون مبتسمة أثناء حديثها. وتكررت هذه التمثيلية على مدار الدراسة لمعرفة الوقت الذي يحدث فيه التطور الوجداني كل أربعة شهور من عمر الطفل بداية من عمر ستة أشهر و10 و14 و18 شهراً لمعرفة التغيرات التي تطرأ على تفاعلهم كلما كبروا في العمر.

تقييم ردود الفعل

قام الباحثون بتقييم ردود الفعل على مشاهدة الشخص المتألم من خلال إعطاء درجة من ثلاث لكل رد فعل. وفي المقابل تم إعطاء «صفر» للأطفال الذين لم يظهروا أي شعور بالضيق أو الألم، وتم إعطاء درجة «واحد» للطفل إذا كان التعبير عن الضيق والحزن من خلال تعبيرات الوجه فقط أو الإيماءات من دون صوت، وتم إعطاء «درجتين» إذا كان التعبير من خلال التذمر وارتفاع الصوت بالرفض أو محاولة المساعدة، وتم إعطاء «3 درجات» إذا كان التعبير عن التعاطف عن طريق البكاء الكامل.

أيضاً حاول الباحثون معرفة لأي مدى يمكن أن يؤدي التعاطف مع الآخرين إلى ردود فعل إيجابية ومحاولات لمواساتهم والتخفيف عنهم، واستخدموا طريقة التقييم السابقة نفسها بحيث تم إعطاء درجة «صفر» للأطفال الذين لم يظهروا أي محاولة إيجابية للتخفيف عن الشخص المتألم، وتم إعطاء «درجة واحدة» للأطفال الذين قدموا دعماً بسيطاً وقصيراً للمتألم (مثل محاولة الربت على الكتف لمرة واحدة)، وتم إعطاء «درجتين» للمحاولات المتكررة أو طويلة الأمد للمساعدة (مثل المعانقة لمدة 3 - 5 ثوان)، وتم إعطاء «3 درجات» لمحاولات الدعم المستمر التي استمرت لأكثر من 5 ثوان.

وضع الباحثون في اعتبارهم العوامل التي يمكن أن تكون مؤثرة في النتيجة مثل الحالة المزاجية للأطفال وقت رؤيتهم للأحداث المؤلمة، وكذلك الوعي بالذات الذي يمكن أن يختلف توقيته في كل طفل، وأيضاً مدى حساسية كل أم لمشاعر الآخرين وشعورها بالتعاطف معهم وعلاقتها بطفلها وسرعة استجابتها لمطالبه وحنوها عليه. وبشكل عام، كانت هناك اختلافات طفيفة في استجابات الأطفال لضحك وبكاء الآخرين في السنة الأولى من العمر، ولكن ظهرت اختلافات واضحة في السنة الثانية. وقد تعاطف الأطفال بشكل واضح مع الشخص المتألم حينما كان عمرهم عاماً ونصف العام. وظهر هذا التعاطف في صور مختلفة حسب كل شخصية كل طفل، مثل الإشارة باليد، أو محاولة الكلام للتعبير عن التعاطف والرغبة في المساعدة، وأيضاً البكاء. وكان هناك فرق كبير في ردود فعلهم عند بداية الدراسة في عمر ستة أشهر ونهايتها، مما يشير إلى أن الاهتمام والتعاطف مع الآخرين ليس سلوكاً فطرياً ولكنه يتطور مع الوقت، ويمثل نوعاً من النمو الإدراكي والعاطفي.

أكدت الدراسة أن هذا التعاطف يزداد بشكل واضح في وجود بيئة داعمة تنمي هذه المشاعر؛ لأن الأطفال الذين أظهروا تفاعلاً أكبر كانوا أبناء الأمهات الأكثر تعاطفاً مع أطفالهن؛ ما جعل الأبناء أكثر استجابة لضيق الآخرين، وهو ما يوضح الدور الكبير الذي تلعبه الأمهات في حياة أطفالهن.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

كم يبقى المغنسيوم في جسمك؟... اكتشف السر

صحتك يبدأ الجسم بامتصاص المغنسيوم بعد نحو ساعة من تناوله ويصل الامتصاص إلى نحو 80 في المائة من الجرعة بعد ست ساعات في الظروف الطبيعية (متداولة)

كم يبقى المغنسيوم في جسمك؟... اكتشف السر

المغنسيوم معدن أساسي يلعب دوراً محورياً في وظائف متعددة بالجسم، أبرزها تعزيز صحة العظام وتنظيم ضغط الدم ودعم عمل العضلات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك يقوم الكبد بكثير من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)

7 علامات تدل على تلف الكبد

الكبد هو أحد أهم أعضاء الجسم، فهو المسؤول عن الحفاظ على خلوِّ سائر الأعضاء من السموم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مركبات «الفثالات» تدخل في صناعة عبوات الطعام (جامعة كاليفورنيا)

مادة بلاستيكية مسؤولة عن وفاة 365 ألف شخص في العالم

كشفت دراسة أميركية عن أن التعرّض اليومي لمادة كيميائية تُستخدم على نطاق واسع في صناعة البلاستيك قد يكون مرتبطاً بأكثر من 365 ألف حالة وفاة ناجمة عن أمراض القلب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك فتاة تستخدم أحد منتجات التدخين الإلكتروني في لندن (إ.ب.أ)

«رئة الفشار»... مرض غير قابل للعلاج قد تسببه السجائر الإلكترونية

حذر تقرير جديد من تسبب السجائر الإلكترونية في مرض غير قابل للعلاج يسمى «رئة الفشار».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الكافيين الموجود في الشاي الأخضر يزيد من أكسدة الدهون (رويترز)

هل شُرب الشاي الأخضر يساعد في حرق الدهون؟

يعتقد البعض أن هناك مشروبات محددة يمكنها مساعدتنا على خسارة الدهون ومحاربة السِّمنة، ومن أشهرها الشاي الأخضر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ازدياد العيوب الخَلَقية للأجنة ومشاكل النمو لدى الأطفال في غزة

ازدياد العيوب الخَلَقية للأجنة ومشاكل النمو لدى الأطفال في غزة
TT
20

ازدياد العيوب الخَلَقية للأجنة ومشاكل النمو لدى الأطفال في غزة

ازدياد العيوب الخَلَقية للأجنة ومشاكل النمو لدى الأطفال في غزة

تُظهر دراسة نفسية حديثة نُشرت في النصف الثاني من شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي، في مجلة «سلوك ونمو الأطفال» (the journal Infant Behavior and Development)، أن المستويات العالية من المعادن السامة في مناطق الحروب ترتبط، بشكل وثيق، بزيادة العيوب الخلقية، وحدوث مشاكل في النمو العضوي والنفسي والإدراكي للأجنة أثناء فترة الحمل، وبعد فترة الولادة عن طريق الرضاعة الطبيعية.

معادن سامة ومسرطنة تهدد صحة الأمهات

من المعروف أن الرضاعة الطبيعية تُمثل نوعاً مهماً من الحماية العضوية للطفل حديث الولادة، وتساعد في نموه العضوي والنفسي والإدراكي. وفي مناطق الحروب، تُشكل المعادن السامة الموجودة في الجو الناتجة عن استخدام الأسلحة الحديثة مخاطر كبيرة على صحة الأمهات والأطفال، لذلك من المهم رصد أثر هذه المواد على صحة الرضع.

وقد أوضح الباحثون من جامعة تامبيري (Tampere university) بفنلندا، أن التقدم التكنولوجي الكبير في الأسلحة العادية المستخدمة الآن بالحروب، يسبب ارتفاعاً في نسب المعادن السامة والمسرطنة في الجو، مما ينعكس بالسلب على نمو الأطفال.

دراسة على 500 امرأة فلسطينية وأطفالهن الرضع

الدراسة التي أجريت على ما يزيد على 500 من الأمهات والأطفال الفلسطينيين كانت على 3 مراحل الأولى في مستشفيات الولادة بشمال ووسط وجنوب مدينة غزة في الفترة بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) من عام 2014، والمرحلة الثانية كانت عندما بلغ الرضع 6 أشهر، والمرحلة الثالثة كانت بعد عام ونصف العام، حيث أجرى الباحثون مقابلات مع الأمهات في المنازل.

وقيّم الباحثون نمو الأطفال، وتم سؤال الأمهات عن تطور مهارات الرضع الحركية الدقيقة، وكذلك تطور اللغة والمهارات الاجتماعية والعاطفية، وكانت معايير الاشتراك أن تكون الأم في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل خلال حرب غزة 2014.

أخطار على الجهاز العصبي

ركزت الدراسة على أثر معادن معينة على نمو الرضع والأطفال، مثل المعادن التي يمكن أن تتسبب في حدوث السرطان، وتُلحق الضرر بالجهاز العصبي، وتُعيق نمو الأجنة مثل التنغستين (tungsten)، واليورانيوم والزئبق والكروم، وقاسوا تركيزات هذه المعادن في شعر الأمهات والمواليد الجدد.

عينات المعادن من شعر النساء والرضع

وفي الدراسات السابقة، كان الباحثون يدرسون معادن سامة محددة مثل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المُخصب، لارتباط هذه المعادن بمضاعفات الحمل، أو صحة حديثي الولادة. ولكن في هذه الدراسة الجديدة، تم اختبار 18 معدناً ساماً أُخذت من عينات شعر الأمهات والرضع عند الولادة، حيث تُلقي الدراسة الضوء على أهمية الرضاعة الطبيعية في النمو بالعائلات التي تعاني من صدمات الحرب.

ووجدت الدراسة أن ارتفاع مستويات المعادن المُسرطنة والسامة للأعصاب neurotoxic (الزرنيخ والرصاص والزئبق والمنغنيز معادن ضارة بشكل خاص بالمخ والجهاز العصبي المركزي، ولذلك تصنف على أنها سامة للأعصاب) في حليب الأمهات، ارتبط بتراجع النمو بشكل عام، وانخفاض قدرة الرضع على الرضاعة، مما أدى إلى تقليل مدة الرضاعة وكميتها، مما أثر على الرضع بشكل مضاعف، بمعنى أنهم تعرضوا للحرمان من فوائد الرضاعة الطبيعية للنمو بشكل عام، بجانب أن قلة فترة الرضاعة تعزز من الآثار السلبية للمعادن السامة.

تدهور المهارات الحسية والإدراكية للأطفال

كان ارتفاع مستويات المعادن السامة في الأمهات وحديثي الولادة، مرتبطاً بشكل واضح بمشاكل في النمو في عمر 6 و18 شهراً، وكذلك مشاكل في المهارات الحسية الحركية والإدراكية، وخلل في التفاعل العاطفي، وكذلك تطور اللغة.

في النهاية، أكدت الدراسة أن المعادن السامة المستخدمة في الأسلحة والقنابل، قد تُعطل الرضاعة الطبيعية المثالية (إحدى وظائف الحماية الطبيعية في مرحلة الطفولة). ويوضح هذا التأثير أن العواقب البشعة للحرب لا تقتصر على الضحايا فقط، بل يمكن أن تنتقل إلى الأطفال من خلال حرمانهم من التغذية السليمة، وتلويث بيئتهم.