كشفت أحدث دراسة نُشرت في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي في مجلة «اتصالات الطبيعة Nature Communications» لباحثين من مستشفى جونز هوبكنز Johns Hopkins بالولايات المتحدة، عن احتمالية أن يؤدي تعاطي مخدر الماريغوانا ومشتقاته إلى تدمير خلايا المخ عند المراهقين على المدى الطويل حتى لو كان بجرعات صغيرة.
وتأتي أهمية هذه الدراسة في التأكيد على خطورة المخدرات الطبيعية، خاصة بعد تقنين بيعها بشكل رسمي في كثير من الدول، والتوصيات بالتعامل معها بشكل طبيعي مما يُؤثر لاحقاً بالسلب على صحة المراهقين.
تغيرات الخلايا العصبية المناعية
أوضح الباحثون أنهم وجدوا تغييرات في بنية الخلايا العصبية الصغيرة microglia، وهي خلايا مناعية موجودة في المخ مسؤولة عن الدفاع عن خلايا المخ بشكل أساسي نظراً لامتلاكها نوعية معينة من الخلايا (macrophages) تُعد جزءاً مهماً من الجهاز المناعي للجسم كله بجانب دورها في الحفاظ على التوصيلات العصبية سليمة.
وهذه التغييرات التي رصدت يُمكن أن تؤدي إلى سلسلة من المشاكل النفسية وضلالات وهلاوس سمعية وبصرية وتغيرات في الشخصية يمكن أن تنتهي بحدوث انفصام في الشخصية لاحقاً في المرضى المهيئين وراثياً لذلك، مثل أولئك الذين لهم قريب يحمل جينات المرض، ويعيشون حياة طبيعية، ولكن تحت الضغوط النفسية الشديدة أو المؤثرات الخارجية، مثل المخدرات، يحدث المرض لديهم نتيجة انهيار مقاومة الجسم.
تكمن المشكلة الحقيقية الآن في التوسع في استخدام الماريغوانا، سواء لأغراض طبية، مثل علاج بعض حالات الصرع، أو بشكل ترفيهي متزايد بشكل كبير بعد وجودها بالمتاجر بشكل عادي.
وعلى الرغم من الحديث عن الحدود الآمنة في التعاطي وعدم وجود مخاطر، إلا في الجرعات المبالغ فيها، فإن الحقيقة أن المخدر يحتوي على مادة رباعي هيدروكانابينول THC (المادة الأساسية الموجودة في معظم المخدرات الطبيعية) التي تمتلك تأثيراً أكيداً على الجهاز العصبي، وتؤدي إلى تغير في المزاج سلباً وإيجاباً وهو الهدف الأساسي لتناولها. وعلى وجه التقريب تُمثل الفئة العمرية من 12 إلى 17 سنة تقريباً 10 في المائة من كل الذين يتعاطون المخدرات بشكل منتظم.
إحساس زائف بالسلامة
ذكر الباحثون أن تقنين البيع أعطى للمراهقين إحساساً زائفاً بالأمان مما جعلهم يتناولون المخدرات بانتظام. وعلى المدى الطويل هذه المادة سوف تؤدي إلى أضرار صحية. وأوضح الباحثون أن تركيز المادة قد زاد في نبات الماريغوانا أربع مرات في العشرين عاماً الماضية، مما يُشكل خطراً كبيراً على المراهقين الذين لديهم استعداد وراثي.
أكدت الدراسة أن خطورة تأثير المخدرات على مخ المراهقين أكبر من البالغين؛ لأن مخ المراهق يكون لا يزال في مرحلة التكوين والتطور العصبي. وهذه الخلايا تلعب دوراً مهماً في الاستجابة للمؤثرات المختلفة، ومسؤولة عن التطور الصحي الطبيعي للمخ في مرحلة المراهقة فيما يتعلق بالوظائف الاجتماعية المختلفة من صداقة وحب وأيضاً النضج الإدراكي والمعرفي، وتتحكم في إفراز الناقلات الكيميائية، ونظراً لأن تعاطي الماريغوانا يُحدث تغييرات كيميائية تُؤثر بالسلب على مخ المراهق.
وقام الباحثون بعمل تجربة للتأكد من هذه النظرية على فئران تم تعديل جيناتها وراثياً عن طريق طفرة تحاكي الخطر الجيني للإصابة بالاضطرابات النفسية لدى البشر إلى جانب الفئران العادية كمجموعة مقارنة. وأثناء فترة مراهقة الفئران تمت معالجة الحيوانات من كلا المجموعتين المعدلة وراثياً والطبيعية بطريقتين، الأولى عن طريق حقنة واحدة يومياً من مادة رباعي هيدروكانابينول (THC)، والطريقة الثانية عن طريق الحقن بمحلول ملحي عادي.
واستمر الحقن لمدة شهر كامل ثم بعد ذلك كانت هناك فترة راحة لمدة ثلاثة أسابيع قبل إجراء الاختبارات السلوكية لتقييم تطور الفئران النفسي والاجتماعي. وشملت الاختبارات مهارات استشعار الرائحة، والتعرف على الأشياء والتفاعل الاجتماعي والذاكرة، وقام الباحثون باستخدام صبغة معينة (الفلورسنت) لقياس عدد وشكل الخلايا في المخ.
أظهرت النتائج أن الفئران التي تعرضت للمادة الموجودة في المخدرات حدث لها موت لبعض خلايا المخ microglia وكان الانخفاض في عدد الخلايا الصغيرة في الفئران ذات الطفرة الجينية أعلى بنسبة 33 في المائة مقارنة بالفئران الطبيعية التي تحتوي على المادة نفسها (مما يوضح أن خطورة المخدرات على الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة بالأمراض النفسية أكبر من أقرانهم العاديين بأضعاف المرات).
كان الانخفاض في عدد الخلايا أكثر في القشرة المخية المسؤولة عن الذاكرة والسلوك الاجتماعي واتخاذ القرار والتحكم في العواطف وقال الباحثون إن الفئران التي تم تعديل جيناتها وراثياً وتم حقنها بالمادة المخدرة أظهرت ضعفاً في الذاكرة الاجتماعية بنسبة بلغت 40 في المائة مقارنة بالفئران التي تم حقنها بمحلول الملح.
أضرار تحدث في الخلايا المسؤولة عن التطور الصحي الطبيعي للمخ في مرحلة المراهقة
أكد الباحثون أن نتائج الدراسة على الفئران المعدلة وراثياً يمكن أن تختلف عن النتائج التي تحدث في المخ البشري، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث. ولكن الدراسة نصحت بضرورة توخي الحذر الشديد عند استخدام المراهقين للماريغوانا، ويفضل عدم استخدامها تماماً للأغراض الترفيهية، وتقييد بيعها إلا للضرورة الصحية وبوصفة طبية.
وحذّرت الدراسة الآباء من التعامل بشكل طبيعي مع تناول أولادهم للمخدرات على اعتبار أنها آمنة، ما دامت أصبحت قانونية ولفتت النظر إلى تأثيرها المضاعف على المراهقين، ولذلك يجب على الآباء مراقبة سلوك الأبناء، خاصة مع تعدد طرق التعاطي، حيث يقوم المراهقون باستنشاق البخار الناتج من المخدر بديلاً عن تناوله بشكل مباشر، وأيضاً يمكن استخدامه في السجائر الإلكترونية، وحتى يمكن تناولها في بعض المأكولات بعد خلطها مع الكعك أو البسكويت أو غيرها من الأطعمة.
*استشاري طب الأطفال