تناول المكسرات ينشط الذاكرة ويمنع تدهورها

يرتبط بتغيرات إيجابية أكبر في الوظائف الإدراكية

تناول المكسرات ينشط الذاكرة ويمنع تدهورها
TT

تناول المكسرات ينشط الذاكرة ويمنع تدهورها

تناول المكسرات ينشط الذاكرة ويمنع تدهورها

ربما يجدر بمتوسطي العمر وكبار السن الحرص على تناول المكسرات، وجعلها ضمن وجبات طعامهم اليومية. والسبب الجديد لهذه النصيحة «الذهبية» هو ما دلت عليه نتائج إحدى أحدث الدراسات الطبية التي فحصت العلاقة بين تناول المكسرات ومدى التدهور في القدرات الذهنية المعرفية Cognitive Function.

تناول المكسرات

وتُضاف هذه الجدوى إلى فوائد سابقة أثبتتها عدة دراسات طبية سابقة ومحكمة، تتعلق بالتأثيرات الصحية الإيجابية لتناول المكسرات على سلامة الشرايين وصحة القلب وضبط ارتفاع وزن الجسم وحفظ وظائف الكلى وغيرها.

ووفق ما تم عرضه ضمن عدد أغسطس (آب) الماضي من «المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية» The American Journal of Clinical Nutrition، قدم مجموعة باحثين من إسبانيا نتائج دراستهم بعنوان «استهلاك أعلى مقابل استهلاك أقل للمكسرات، والتغيرات في الأداء المعرفي على مدى عامين في مجموعة سكانية معرضة لخطر التدهور المعرفي: دراسة جماعية».

وأوضح الباحثون في مقدمة عرضهم ما دفعهم إلى إجراء هذه الدراسة بالقول: «لمكسرات Nuts هي منتجات غنية بالعناصر الغذائية وبالمكونات الواقية للأعصاب. وبالتالي، فإن استهلاكها يمكن أن يفيد الصحة الذهنية المعرفية. ومع ذلك، فإن الأدلة حتى الآن محدودة وغير متسقة فيما يتعلق بالفوائد المحتملة للمكسرات للوظيفة الإدراكية». وأضافوا أن الهدف هو: «التقييم المستقبلي للعلاقة بين استهلاك المكسرات لمدة سنتين، والتغيرات في الأداء المعرفي لدى كبار السن الذين هم أعلى عُرضة لخطر التدهور المعرفي». وشملت الدراسة نحو 7 آلاف شخص ممنْ تتراوح أعمارهم ما بين 55 و75 سنة. وكانوا من الذكور والإناث غير الأصحاء، بل الذين يعانون بالفعل من زيادة الوزن أو السمنة، ومتلازمة التمثيل الغذائي (متلازمة الأيض Metabolic Syndrome). وللتوضيح، فإن متلازمة الأيض هي مجموعة من المشاكل التي تحدث معاً، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني. وتشمل تلك المشاكل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع السكر في الدم، وزيادة دهون الجسم حول الوسط، ومستويات غير طبيعية من الكوليسترول أو الدهون الثلاثية.

تقييم وظائف الإدراك

واستخدم الباحثون وسائل دقيقة في تقييم درجات المعرفية المركبة Composite Cognitive Scores، لتقييم القدرات التنفيذية للوظائف الذهنية العامة والانتباه والتنفيذ. كما تم تركيب نماذج لمنحنى متغيرات تقييم الارتباطات بين تناول المكسرات والتغيرات في القدرات المعرفية خلال سنتين من المتابعة.

وأفاد الباحثون بأن حجم حصة المكسرات Nut Serving هو نحو 30 غراماً. وتم تصنيف مدى تناول المكسرات إلى 4 درجات، هي: أقل من 1حصة / الأسبوع، 1 - 2 حصة / الأسبوع، 3 - 6 حصة / الأسبوع، 7 حصص / الأسبوع، أو أكثر.

وقال الباحثون في عرض نتائجهم: «حتى خلال فترة عامين، القصيرة نسبياً، يساعد تناول المكسرات بشكل متكرر في تأخير التدهور المعرفي لدى كبار السن الذين يعانون من زيادة الوزن/السمنة، ومتلازمة التمثيل الغذائي، المعرضون بالأصل لخطر التدهور المعرفي. وتقدم الدراسة الحالية نتائج مستقبلية جديدة للارتباطات بين تناول المكسرات والتغيرات اللاحقة في الوظيفة المعرفية. وتظهر نتائجنا أن التكرار الأعلى لاستهلاك المكسرات يرتبط بالتغيرات الإيجابية الأكبر في الوظائف الإدراكية، مما يشير إلى وجود علاقة استجابة مبنية على مقدار الجرعة، بين استهلاك المكسرات والتأخير في التدهور المعرفي، خلال فترة سنتين».

وأضافوا: «وجدنا أيضاً تفاعلًا تآزرياً Synergistic Interaction بين تناول المكسرات والاكتئاب Depression. مما يشير إلى أن الذين يعانون من أعراض الاكتئاب في الأساس، يميلون إلى الاستفادة من تناول المكسرات، أكثر من أولئك الذين لا يعانون من الاكتئاب».

وقام الباحثون بتقديم تقييم تحليلي لمكونات العناصر الغذائية الصحية في المكسرات، وعلاقة توافرها في الجسم بالحفاظ على القدرات الذهنية المعرفية لدى الشخص. وقالوا: «تم اقتراح العديد من الآليات المحتملة الكامنة وراء الارتباطات بين تناول المكسرات والوظيفة المعرفية».

ويعد الإجهاد التأكسدي Oxidative Stress (بسبب تراكم الجذور الحرّة)، والتهاب الأعصاب Neuroinflammation، وانخفاض تدفق الدم (إلى الدماغ)، من الآليات الحاسمة التي تؤدي إلى تكوين لويحات الشرايين Arterial Plaques (تضييقات الشرايين الناجمة عن تراكم الدهون والكوليسترول في جدران الشرايين)، ما يؤدي إلى موت الخلايا العصبية والخلل العضوي (في الوظائف العصبية الذهنية)، وبالتالي يؤدي إلى التدهور المعرفي والأمراض الانتكاسية للتلف العصبي Neurodegenerative Diseases».

المكسرات تقي الأوعية الدموية

وإزاء هذه الآليات المرضية، عرض الباحثون دور المكسرات، بقولهم: «تحتوي المكسرات على كمية عالية من الدهون غير المشبعة Unsaturated Fat، التي لها تأثيرات وقائية للأوعية الدموية Vasculo - Protective وتعمل كمضادة للالتهابات Anti - Inflammatory. هذا إضافة إلى جانب أدوارها (أي الدهون غير المشبعة) التي لا غنى عنها في الحفاظ على بنية الخلايا العصبية ووظيفتها، وتعديل اللدونة العصبية Neuronal Plasticity، ومختلف عمليات التفاعلات الكيميائية الحيوية في الأعصاب والأوعية الدموية».

وإضافة إلى عنصر الدهون غير المشبعة، الغنية بها المكسرات، عرضوا جوانب أخرى بقولهم: «يمكن للبروتين النباتي عالي الجودة والأحماض الأمينية Amino Acids (المكونات الدقيقة للبروتينات) الموجودة في المكسرات، مثل L - arginine، أن تمارس تأثيرات عصبية إيجابية، من خلال الآليات المضادة لتصلب الشرايين ومضادات الأكسدة Antioxidative Mechanisms، وتعديل الالتهاب العصبي، وتحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية Endothelial Function». وتحدثوا عن المحتوى من المعادن في المكسرات بقولهم: «أظهرت التركيبة المعدنية المثلى للمكسرات، كونها غنية بالكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم ولكنها خالية من الصوديوم، آثاراً مفيدة على ضغط الدم ومدى استجابة الجسم للأنسولين Insulin Sensitivity. علاوة على ذلك، فإن المحتوى العالي من الألياف الغذائية Dietary Fiber، جنباً إلى جنب مع الدهون غير المشبعة ومركبات البوليفينول Polyphenols(المضادة للأكسدة)، يمكن أن يعمل كل ذلك على تعديل (مكونات وظروف بيئة تكاثر وحيوية نشاط) الميكروبات المعوية Gut Microbiota (الصديقة في القولون)، وبالتالي، تحسين الوظيفة المعرفية من خلال ما يُعرف بمحور الأمعاء والدماغ Gut - Brain Axis».

يساعد تناول المكسرات بشكل متكرر في تأخير التدهور المعرفي لدى كبار السن الذين يعانون من زيادة الوزن

صحة شرايين القلب وتناول المكسرات

تعتبر دراسة باحثين من كلية الطب بجامعة «هارفارد»، التي نشرت في مجلة الكلية الأميركية لطب القلب Journal of the American College of Cardiology في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، دراسة حاسمة في توضيح التأثيرات الصحية الإيجابية لتناول المكسرات على صحة القلب والأوعية الدموية. وهي أكبر وأوسع دراسة طبية تمت حتى اليوم حول هذا الأمر، وشملت نحو ربع مليون شخص، تمت متابعتهم لمدة تتجاوز 32 سنة.

وإجمالاً، أفادت نتائجها بأن الناس الذين يتناولون المكسرات بانتظام، تنخفض لديهم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وبالذات أمراض شرايين القلب التاجية، وذلك مقارنة مع الناس الذين لا يتناولون المكسرات أبداً أو يتناولونها في النادر.

وعلى سبيل المثال لاحظ الباحثون في نتائجها، أن:

- تناول حصة غذائية من مكسرات الجوز Walnuts، أو عين الجمل، مرة واحدة أو أكثر من مرة في الأسبوع ارتبط مع انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 19%، وارتبط كذلك مع انخفاض خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 21%، وذلك بالمقارنة مع منْ لا يتناولونها.

- الأشخاص الذين يتناولون مرتين أو أكثر في الأسبوع حصة غذائية من بقول الفول السوداني Peanuts، الذي هو من البقول بالأصل وليس من المكسرات بالتعريف العلمي (المكسرات ثمار جافة ذات غلاف صلب)، ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 13%، كما ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 15%، وذلك بالمقارنة مع منْ لا يتناولونها.

- الأشخاص الذين يتناولون حصة غذائية، مرتين أو أكثر في الأسبوع من أنواع المكسرات الأخرى، مثل اللوز أو المكسرات البرازيلية أو الكستناء أو البندق أو مكسرات الماكاداميا أو البقان أو الفستق أو الصنوبر، ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 15%، كما ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 23%، وذلك بالمقارنة مع منْ لا يتناولونها.

- تناوُل كل من الجوز أو الفول السوداني مرتبط بانخفاض معدلات الإصابة بالسكتة الدماغية.

وضمن مقالة تحريرية تم نشرها برفقة هذه الدراسة، ضمن نفس عدد مجلة الكلية الأميركية لطب القلب، قال الدكتور إميليو روس، المتخصص في أمراض الغدد الصماء والتغذية الإكلينيكية بمستشفى كلينيك في برشلونة: «إن اتساق النتائج بقوة يشير إلى وجود علاقة بين استهلاك المكسرات وحماية أمراض القلب، ويمكن اعتبار المكسرات الطبيعية وغير المعالجة، أنها كبسولات صحية طبيعية يمكن دمجها بسهولة في أي نظام غذائي لحماية القلب، وتحسين مستوى صحة القلب والأوعية الدموية، وتعزيز عيش مستوى صحي أفضل في مرحلة الشيخوخة».

المكسرات غنية بالعناصر الغذائية وبالمكونات الواقية للأعصاب، ومن ثم فإن استهلاكها يمكن أن يفيد الصحة الذهنية المعرفية

تناول المكسرات... إشكالية غير حقيقية في التسبب بزيادة الوزن

تم إجراء العديد من الدراسات الطبية حول العلاقة بين تناول المكسرات وزيادة وزن الجسم. وتفيد معظم نتائج الدراسات تلك أن تناول المكسرات لا يؤدي إلى زيادة الوزن.

وكان باحثون من قسم التغذية والأطعمة بجامعة جورجيا بالولايات المتحدة، قد قدموا دراسة مراجعة تحليلية منهجية لـ55 دراسة فحصت تلك العلاقة - نشرت ضمن عدد مارس (آذار)/ أبريل (نيسان) 2021 من «مجلة التغذية المتقدمة» Advances in Nutrition، لسان حال الجمعية الأميركية للتغذية ASN.

وأفاد الباحثون بأن بعض تلك الدراسات فحصت علاقة تناول المكسرات مع تعليمات استبدال النظام الغذائي Dietary Substitution Instructions، أي حساب كمية كالورى السعرات الحرارية في المكسرات، ومعادلتها بخفض تناول أطعمة أخرى، لجعل إجمالي كمية كالورى السعرات الحرارية للأطعمة التي يتناولها المرء خلال اليوم، ضمن النطاق المنصوح به لخفض الوزن ضمن المعدلات الطبيعية. والبعض الآخر من تلك الدراسات كان من دون ذلك.

وأفاد الباحثون في نتائج الدراسة: «لم يكن هناك تغيير في وزن الجسم أو محيط الخصر أو مؤشر كتلة الجسم في نوعي الدراسات. بل في دراسات تناول المكسرات مع تعليمات الاستبدال الغذائي، كان ثمة انخفاض كبير في النسبة الكلية للشحوم في الجسم، إضافة إلى عدم وجود تغيير في مؤشر كتلة الجسم أو محيط الخصر أو مؤشر كتلة الجسم».

وأيدت هذه الجوانب المتعلقة بالوزن وكمية السعرات الحرارية في المكسرات دراسة أخرى لباحثين من جامعة «هارفارد»، نشرت ضمن عدد سبتمبر (أيلول) 2019 لـ«المجلة البريطانية للتغذية والوقاية والصحة» BMJ NPH، وكانت بعنوان «تأثيرات تغير تناول المكسرات على تغير الوزن لدى الرجال والنساء في الولايات المتحدة على المدى الطويل». وقال الباحثون في نتائجها: «ترتبط زيادة الاستهلاك اليومي للمكسرات بانخفاض زيادة الوزن على المدى الطويل، وانخفاض خطر الإصابة بالسمنة لدى البالغين».


مقالات ذات صلة

ما مقدار النوم المناسب لصحتنا كل يوم؟

صحتك الحصول على قسط قليل جداً من النوم يمكن أن يسبب تأثيرات سلبية كثيرة (أرشيفية - رويترز)

ما مقدار النوم المناسب لصحتنا كل يوم؟

من المعروف أن النوم له فوائد صحية مذهلة ولكن ما مقدار النوم الذي يعد أكثر من اللازم؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جهاز قياس ضغط الدم (أرشيفية - رويترز)

كم ساعة تحتاجها أسبوعياً في التدريب لتحمي نفسك من «القاتل الصامت»؟

قالت دراسة جديدة إن الحفاظ على النشاط البدني أثناء مرحلة الشباب بمستويات أعلى من الموصى بها سابقاً قد يكون مهماً بشكل خاص لمنع ارتفاع ضغط الدم

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك كوب من القهوة وكابتشينو في متجر في بوغوتا - كولومبيا (أرشيفية - رويترز)

دراسة تحذر من الإفراط في القهوة... ومفاجأة عن «الشاي بالحليب»

أشارت دراسة جديدة إلى أن تناول المشروبات الغازية وعصائر الفاكهة، وأكثر من أربعة أكواب من القهوة يومياً قد يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

سيتم تسليط الضوء على أفضل العقول في مجال العلوم الأسبوع المقبل عندما يتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

9 نقاط حول تناول التمر ومريض السكري

9 نقاط حول تناول التمر ومريض السكري
TT

9 نقاط حول تناول التمر ومريض السكري

9 نقاط حول تناول التمر ومريض السكري

التمور مصدر جيد للكربوهيدرات، وتحتوي على كميات عالية من الألياف الصحية، وعديد من الفيتامينات والمعادن، ومع ذلك، نظراً لحلاوة المحتوى الكربوهيدراتي العالي في التمر، فإن أحد الأسئلة التي تتكرّر كل عام مع موسم جني الرطب والتمور هو: هل يمكن لمرضى السكري إضافة التمر إلى نظامهم الغذائي؟

وأساس تكرار طرح هذا السؤال هو النصيحة الطبية الفولكلورية القديمة بضرورة «تجنّب» أو «امتناع» مريض السكري عن تناول التمر أو الرطب، وأن تناول التمر أو الرطب سيتسبّب «لا محالة» باضطرابات في ضبط سكر الدم.

بضع تمرات لوجبة خفيفة

التمرة أو الرطبة ليست «قطعة» حلوى عامرة بالسكريات فقط، بل التمرة أو الرطبة هي ثمرة مكوَّنة من أجزاء، ولها مراحل في النضج، وتحتوي على مزيج من الألياف والسكريات والمعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة، ولفيف من المركبات الكيميائية الصحية، إضافةً إلى الماء. والسكريات الموجودة في التمرة أو الرطبة ليست غلوكوزاً فقط، بل ثمة أنواع أخرى من السكريات التي تأخذ مسارات منفصلة عن الغلوكوز في الهضم والامتصاص، وفي آلية تَلقّي الخلايا لها، وفي كيفية استهلاكها لإنتاج الطاقة.

هذا بالإضافة إلى أن التمور اليوم أصبحت «فاكهة عالمية»، وليست فقط «محلية»، وهي تحتاج من الباحثين الطبيّين مزيداً من الدراسات حول مكونات الأنواع المختلفة منها، وفوائدها الصحية، وكيفية الحصول على تلك الفوائد، وانتقاء أنواع منها، دون التسبّب بأي اضطرابات واضحة في ضبط سكر الدم لدى مرضى السكري.

ولذا يمكن لتوزيع تناول «بضع تمرات» خلال اليوم، أن يكون «وجبة خفيفة» آمنة ومناسبة للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري. وبالاعتدال في تناول هذه التمرات أو الرطبات، ووفق عدة ضوابط سيتم ذكرها لاحقاً، من غير المحتمل أن يتسبّب ذلك بارتفاع كبير في نسبة السكر في الدم، أو اضطراب في ضبط معالجة حالات مرض السكري.

سكريات ومُحلّيات طبيعية

وإليك النقاط الـ9 التالية المتسلسلة في السرد، حول تناول مريض السكري للتمر أو الرطب:

1.أنواع السكريات والمُحَلّيات الطبيعية... تتوفر «سكريات طبيعية» (Natural Sugars) في أنواع مختلفة من المنتجات الغذائية الطبيعية، كالعسل والتمر وعموم الفواكه، وهنا تمتزج هذه السكريات مع حزمة أخرى من العناصر الغذائية الصحية المفيدة جداً، مثل الألياف والفيتامينات ومضادات الأكسدة، ومركبات مضادة للميكروبات، ومعادن، مثل: الحديد والزنك والكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم.

وبالمقابل هناك «مُحَلّيات طبيعية» (Natural Sweeteners)، كالسكر الأبيض (أو السكر البني) المستخلَص من القصب أو الشمندر أو غيره، ويُسمى «السكر المُضاف». والإشكالية الصحية اليوم هي في تداعيات استهلاك كميات كبيرة من «السكر المُضاف»، الذي ليس له أي فوائد غذائية؛ نظراً لخلوّه من العناصر الغذائية الصحية المرافقة، وتتفاقم الإشكالية في نفس الوقت بتدنّي تناول الفواكه الطبيعية للحصول على السكريات الطبيعية، المتوفرة مع عناصر غذائية مفيدة في العسل أو التمر أو الفواكه الأخرى، كما أن بعض مرضى السكري، وعند رفعهم لتناول الفواكه الطبيعية كالتمر، لا يُخفّضون من تناولهم للسكر الأبيض، أو للمصادر الأخرى للكربوهيدرات، كالخبز أو المعجّنات أو الأرز أو المعكرونة وغيرها.

2.تناول السكر وتأثيراته... بالنسبة للأفراد الذين يعانون من مرض السكري، تلعب الخيارات الغذائية دوراً حاسماً في الحفاظ على مستويات السكر في الدم بحالة مستقرة ومستهدفة علاجياً، ولذا فإن «ضبط» تناول «السكريات الطبيعية» و«المُحلّيات الطبيعية» أمر مهم في معالجة مَن لديهم بالفعل مرض السكري.

وبالمقابل، فإن تناول «السكريات والمُحلّيات الطبيعية» لا علاقة له بشكل «مباشر» بتعرّض الأصحاء من الناس (الذين ليس لديهم مرض السكري) للإصابة بمرض السكري، ولا يوجد أي دليل علمي وإكلينيكي على أن مرض السكري سينتج «مباشرة» عن تناول السكر، وتقول «جمعية السكري البريطانية»: «إننا نعلم أن السكر لا يسبّب مرض السكري من النوع 2 بشكل مباشر، إلا أنك أكثر عُرضةً للإصابة به إذا كنت تعاني من زيادة الوزن، ويزداد وزنك عندما تتناول الأطعمة والمشروبات السكرية، المحتوية على الكثير من السعرات الحرارية». من جهتها توضّح «جمعية القلب الأميركية»: «لا تُسهم السكريات المضافة بأي مواد مُغذّية (مفيدة للجسم)، ولكن غالباً ما تحتوي على سعرات حرارية مضافة، يمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن أو السمنة»، وتُوصي قائلة: «يجب الحد من السكريات المضافة بما لا يزيد عن 6 في المائة من السعرات الحرارية يومياً»، أي بالنسبة للنساء حوالي 6 ملاعق صغيرة، وللرجال حوالي 9 ملاعق صغيرة من السكر.

التمر ومرضى السكري

3.الاعتدال في تناول التمر... يمكن للتمر، بسبب محتواه العالي من السكر الطبيعي، أن يؤثر بشكل كبير على نسبة السكر في الدم. ومع ذلك فهو يوفر أيضاً عدداً من العناصر الغذائية الأساسية الصحية والألياف التي يمكن أن تخفّف من بعض الآثار السلبية لتناوله. ويظل الأساس هو فهم كيفية تأثير التمر على مستويات السكر في الدم لدى مريض السكري، وكيفية دمج تناوله في نظام غذائي مناسب لمريض السكري.

وهذا أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يتطلّعون إلى الاستمتاع بهذه الفاكهة دون المساس بصحتهم، ولذا عند طرح سؤال: هل يأكل مرضى السكري التمر؟ فإن الإجابة: نعم، يمكن لمرضى السكري تناول التمر، وهو صحي لهم، لكن الأمر ليس على إطلاقه، بل الاعتدال في كمية التناول هو المفتاح، ويحتاج مرضى السكري إلى مراقبة أحجام حصصهم الغذائية من التمر الذي يتناولونه، عبر دمج التمر في نظام غذائي متوازِن وفق استشارة مقدِّم الرعاية الصحية.

4.استشارة إخصائي التغذية... قبل إجراء مرضى السكري أي تغييرات كبيرة على نظامهم الغذائي، مثل الإكثار من تناول التمر، يجدر استشارة مقدّم الرعاية الصحية أو إخصائي التغذية المعتمَد، ويمكن لهؤلاء المتخصصين تقديم إرشادات وتوصيات شخصية بناءً على الاحتياجات والأهداف العلاجية الفردية، ووفق مدى انضباط حالة السكري لدى كل مريض، ومدى حصول أي ضرر من مضاعفات السكري على الأعضاء المستهدَفة بالضرر لديهم «Target Organs Damage»، كالقلب والكُلى والأعصاب وشبكية العين، أي أنه يجب على مرضى السكري أن يكونوا على دراية بكمية استهلاكهم الإجمالي للكربوهيدرات طوال اليوم، ووفق تعديل ذلك يمكنهم اتخاذ خيارات مدروسة تمكّنهم من الاستمتاع بالتمر، وإضافته في نظامهم الغذائي، هذا مع مراقبة مستويات السكر في الدم بشكل منتظم، بصفته أمراً ضرورياً للأشخاص المصابين بمرض السكري، بما يسمح لهم بإجراء تعديلات في نظامهم الغذائي وأدويتهم حسب الحاجة.

تناول الطعام بوعي

5.التناول بوعي ذهني... المهم هو «تناول الطعام بوعي» (Mindful Eating)، أي يجب على مرضى السكري ممارسة تناول الطعام بوعي، خصوصاً عند تناول التمور، فبدلاً من تناول كمية كبيرة دفعة واحدة، من الأفضل تناول التمور بكميات محكومة، وهذا يساعد على منع ارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل مُفرِط، ويعزّز التحكم بنسبة السكر في الدم بشكل أفضل.

ولذا عندما يقول الطبيب لمريض السكري: يمكنك تناول التمر، فإن الرسالة لا تعني فتح الباب على مصراعيه، وهذا مما لا يقوله الأطباء، بل هو موجَّه لمريض سكري حريص على ضبط معدلات سكر الدم لديه، ولكنه في نفس الوقت «يشتهي» تناول «بضع» تمرات في اليوم، أي مع الحرص على الاعتدال في التناول وفق خفض متوازِن، وفي نفس الوقت يتناول أطعمة أخرى تحتوي على الكربوهيدرات. وأيضاً وفق ضبط وقت التناول، ومدى امتلاء المعدة بالطعام أو خلوّها منه.

6.توزيع تناول التمر... يبلغ حجم الحصة الغذائية النموذجية (Serving Size) من التمر حوالي 2 - 4 ثمرة، حسب الحجم والنوع. ومن الضروري لمرضى السكري أن ينتبهوا إلى حجم الحصص، وتجنّب تناول كميات كبيرة من التمر في جلسة واحدة؛ لأن هذا قد يؤدي إلى ارتفاع سريع في مستويات السكر بالدم. وللتأكيد، فبدلاً من تناول التمور دفعة واحدة، وعلى معدة خالية، وفي فترة الصباح قبل تناول الفطور، من الأفضل توزيع استهلاكها على مدار اليوم، وهذا حتماً سيساعد في منع الارتفاع السريع في مستويات السكر بالدم، وسيسمح بالتحكم في نسبة السكر في الدم بشكل أفضل، كما أن تناول التمر مع الأطعمة الغنية بالألياف، مثل الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، يمكن أن يساعد في إبطاء امتصاص السكريات، وتعزيز التحكم في نسبة السكر بالدم، كما يوفر هذا المزيج عناصر غذائية إضافية، ويعزّز الصحة العامة.

7.إضافات تعيق امتصاص السكريات... تناوُل التمر مع إضافات تُعيق أو تُبطئ امتصاص السكريات أمر مهم، ولذا ابتداءً، يُنصَح مرضى السكري وغيرهم بتناول الكربوهيدرات المعقّدة والممتزجة بالألياف، كالحبوب الكاملة في الخبز الأسمر أو الشوفان؛ لأن ارتفاع نسبة السكر في الدم نتيجة لتناولها أبطأ، ولا يتسبّب بارتفاعات سريعة وعالية في نسبة سكر الدم، ولذا فإن مزج التمرة بقليل من المكسّرات (التمر المحشو باللوز مثلاً)، أو بقليل من السمسم (حبوب السمسم أو طحينة السمسم مثلاً)، أو بقليل من اللبن (لبن الزبادي أو الأقط)، أو بـ«قليل جداً» من دهون الزبدة أو السمن المباشرة (وبإضافة طحين حبوب القمح الكاملة، كما في الحيسة أو الحنيني)، يتسبّب في بطء إفراغ المعدة من الطعام، وبالتالي بطء وصول سكريات التمر إلى الأمعاء، والنتيجة بطء ارتفاع نسبة السكر في الدم جرّاء تناول التمر، وهنا يجدر حساب كميات السعرات الحرارية في تلك الإضافات الدهنية.

التمر مصدر صحي يمكن لمرضى السكري تناوله بشكل معتدل

أنواع التمور

8.اختلاف كميات السكريات... أنواع التمر ليست سواءً في حجمها، تلك حقيقة، ولكن ربما أيضاً ليست سواءً في محتواها من السكريات، وصحيح أن بعض الدراسات حول محتوى الأنواع المختلفة من التمور أفادت بأنها - وبغض النظر عن حجمها - بالفعل مختلفة في كمية السكريات، ولكن تلك الاختلافات لا تجعل من تناول التمر بالمطلق أمراً لا يتطلّب استشارة المتخصص في التغذية، أو التنبه إلى احتمالات تسبّب الإكثار من تناول التمر باضطرابات في ضبط نسبة الدم. وذكرت أيضاً دراسات أخرى أن النوع الواحد من التمور الذي له اسم محدّد، يختلف في محتواه من السكريات باختلاف المنطقة الجغرافية التي تمت زراعته فيها، ولذا يجدر مراجعة نتائج تحاليل معتمَدة حول محتوى السكريات في أنواع التمور التي توجد في المناطق المختلفة. وبناءً على ذلك يمكن للمرء في بعض الظروف أن ينتقي كمية معتدلة من الأنواع التي يُفضّل تناولها، وهذا وإن كان يجدر بمريض السكري أن يتنبه له بعناية، فإن الأصحاء أيضاً يجدر بهم ذلك.

9.ألياف التمور... أنواع التمور تختلف كذلك في كمية محتواها من الألياف، وهذا أمر مهم للغاية لمريض السكري، وإضافةً إلى دور الألياف في المحافظة على حركة طبيعية للأمعاء، وحفظ صحة جيدة للأمعاء، وتسهيل الإخراج، ودورها في خفض امتصاص الأمعاء للكوليسترول، ودورها في إطالة أمد الشعور بالشبع، والمساهمة في خفض الوزن، فإن الألياف أيضاً تُسهم في ضبط نسبة سكر الدم.

وللتوضيح، فإن أحد أضرار تناول السكريات وهي بهيئة سهلة الامتصاص، هو الارتفاع السريع في نسبة سكر الغلوكوز بالدم. وتكرار حصول هذا الأمر يضرّ بمرضى السكري، وهنا تقدّم لنا الألياف الغذائية الممزوجة بالأطعمة السكرية وسيلةً للوقاية من الارتفاع السريع في نسبة السكر بالدم، ووسيلة لوقاية البنكرياس من الإنهاك، وذلك لأن الألياف تُبطئ من عملية امتصاص الأمعاء للسكريات، وبالتالي لا يحصل الارتفاع السريع في نسبة سكر الغلوكوز بالدم، ولذا فإن انتقاء أنواع التمر أو الرطب الغني بالألياف خطوة ذكية جداً من قِبل مريض السكري، ويمكن بالبحث معرفة أنواع التمور الغنية بالألياف من بين أنواع التمور المتوفرة في محيط الشخص.