لا يستطيع كثير من الناس تخيل بدء يومهم من دون فنجان أو فنجانين من القهوة. وعلى الرغم من شعبيتها، فإن القهوة ظلت مشروباً مثيراً للجدل فيما يتعلق بصحة القلب.
في هذا السياق، يقول الدكتور مايكل غازيانو، الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد: «لقد تأرجح التفكير فيما يخص تأثير القهوة على القلب في كلا الاتجاهين؛ تارة بالفائدة والأخرى بالضرر».
خلال عقد الستينات، عُدّت القهوة عامل خطر لمرض الشريان التاجي، لكن أبحاثاً لاحقة أشارت إلى أن استهلاك القهوة بمعدل كبير فقط (أي أكثر من 5 أو 6 أكواب في اليوم) قد يضر بصحة القلب. ومع ذلك؛ فإن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من القهوة غالباً ما تختلف تأثيرات القهوة عليهم بطرق متباينة عن أولئك الذين يتناولون كميات محدودة، وفق الدكتور غازيانو.
دفقة نشاط؟
نظراً إلى أن القهوة تحتوي مادة الكافيين المنبهة، فقد تساءل الناس منذ مدة طويلة عما إذا كان تناول القهوة ربما «ينشط» القلب، مما يؤدي إلى الشعور بـ«خفقان القلب (palpitations)» (الإحساس الغريب بعدم انتظام ضربات القلب أو عدم حدوثها أو حدوثها بقوة)، أو «الرجفان الأذيني (atrial fibrillation)» (مشكلة في إيقاع القلب تتسبب في تسارع النبضات وعدم انتظامها).
ومع ذلك، يبدو أن الأشخاص الذين يتناولون كميات معتدلة من القهوة (من كوب إلى 3 أكواب يومياً) أقل عرضة للإصابة بالرجفان الأذيني، وفقاً لدراسة أجريت عام 2019 شارك في وضعها الدكتور غازيانو. ووجدت الدراسة أن أولئك الذين تناولوا قهوة أكثر أو أقل لم يكونوا أكثر أو أقل عرضة للإصابة بالرجفان الأذيني.
شأن كثير من الأبحاث الغذائية، اعتمدت هذه الدراسة على الملاحظة، بمعنى أن المشاركين أبلغوا عما يستهلكونه، وتتبع الباحثون صحتهم على مدار سنوات. إلا إن دراسة حديثة اتخذت نهجاً مختلفاً، ذلك أنها تولت بشكل مباشر قياس الآثار قصيرة المدى لتناول القهوة.
دراسة جديدة لتأثيرات القهوة
يهوى كثير من شاربي القهوة ذلك الإحساس المنشط الذي يجلبه فنجان قهوة الصباح، لكن هل لهذه العادة أي آثار قصيرة المدى على صحة القلب أو السلوكيات الأخرى المتعلقة بالقلب أو عوامل الخطر، وتحديداً ممارسه الرياضة والنوم، ومستويات السكر في الدم؟
لمعرفة ذلك، استعان الباحثون بأجهزة استشعار يمكن ارتداؤها، ووزعوها على المتطوعين لمدة أسبوعين. ونشرت دراستهم التي حملت عنوان «القهوة وتجربة التنظير الأذيني والبطيني في زمن حدوثها الفعلي Coffee and Real-time Atrial and Ventricular Ectopy (CRAVE)» في 23 مارس (آذار) 2023، في دورية «نيو إنغلاند جورنال أوف مديسين» المختصة. (يشير التنظير الأذيني والبطيني إلى الانقباضات المبكرة للغرف العلوية أو السفلية للقلب. عادة ما يعاني الناس من هذه النبضات القوية أو السريعة أو غير المنتظمة، والمعروفة باسم الخفقان).
* الخاضعون للتجربة: 100 رجل وامرأة أصحاء بمتوسط عمر 39 عاماً.
* المؤشرات: ارتدى المشاركون 3 أجهزة منفصلة: جهاز يتتبع مستويات النشاط والنوم، وآخر يقيس نسبة السكر في الدم، وثالث يراقب إيقاع ضربات القلب. وجرى اختبار الأجهزة أيضاً، بحثاً عن المتغيرات الجينية الشائعة التي تؤثر على سرعة استقلاب الناس للكافيين.
* الطريقة: حرص الباحثون على توجيه المشاركين لتناول كميات من القهوة التي تحتوي على الكافيين وفق رغبتهم لمدة يومين، وطالبوهم بتنشيط جهاز مراقبة القلب بعد كل كوب يتناولونه، ثم الامتناع عن تناول القهوة لمدة يومين. وكرروا هذه الدورة على مدار 14 يوماً.
* النتائج الرئيسية: في الأيام التي تناول فيها المشاركون القهوة، لوحظ سيرهم 1000 خطوة إضافية في المتوسط يومياً، لكنهم كانوا ينامون نحو 36 دقيقة أقل من المعتاد في المتوسط كل ليلة. ولم يكن لتناول القهوة أي تأثير واضح على مستويات السكر في الدم. وعلى الرغم من أن استهلاك القهوة لم يزد من تقلصات الأذين المبكرة، فإنه يبدو أنه كان يزيد بشكل طفيف من احتمالات حدوث تقلصات البطين المبكرة. ولم يكن للاختلافات الجينية في استقلاب الكافيين أي آثار ملحوظة على أي من هذه النتائج.
تحليل النتائج
* خطوات أكثر ونوم أقل: وفق الدكتور غازيانو: «تجيب هذه التجربة الجديدة عن جانب كبير من اللغز». تشير واحدة من النتائج إلى أن المشاركين ساروا مزيداً من الخطوات في الأيام التي تناولوا فيها القهوة؛ مما يدعم الأبحاث الأخرى التي تظهر أن الكافيين يمكن أن يعزز الأداء البدني بشكل طفيف. من ناحية أخرى، فإن الآثار الضارة للكافيين على النوم معروفة بدرجة كبيرة أيضاً، ويجري تعريف النوم غير الكافي بصورة متزايدة على أنه خطر على صحة القلب والأوعية الدموية.
من الصعب معرفة ما إذا كانت التمرينات الإضافية تعوض بفائدتها مساوئ انخفاض معدل النوم الذي قد يحدث للأشخاص نتيجة تناول القهوة. يعرف معظم الناس كيف يتفاعلون مع القهوة ويضبطون تناولهم وفقاً لذلك، وفق الدكتور غازيانو، الذي يتناول كوباً يحتوي على قهوة منزوعة نصف كمية الكافيين يومياً.
* قيود الدراسة. شأن جميع الدراسات، فإن الدراسة الجديدة لها قيودها. على سبيل المثال، شملت الدراسة شاربي القهوة من الشباب الأصحاء نسبياً. لذلك، قد لا تنطبق النتائج على كبار السن الأكثر عرضة للإصابة بخفقان القلب. في الواقع، قد يتجنب الأشخاص الذين لا يتناولون القهوة (وبالتالي لم يكونوا جزءاً من الدراسة) ذلك المشروب، لأنهم يلاحظون أنه يسبب لهم الخفقان.
تأثيرات أخرى تتعلق بالقلب
اكتشفت الدراسة كذلك أن تناول القهوة أدى إلى زيادة طفيفة في تقلصات البطين المبكرة. هذه الاضطرابات قصيرة الإيقاع (والتي يمكن أن تشعر خلالها كما لو أن القلب ينبض بشدة أو يتخبط) شائعة وعادة ما تكون غير ضارة، خصوصاً عند الأشخاص الأصحاء. ومع ذلك، يجب على الأشخاص المصابين بأمراض القلب الذين يلاحظون استمرار ضربات القلب الغريبة التحدث إلى طبيبهم.
بحثت الدراسات السابقة في تأثيرات القهوة على المخاطر الشائعة الأخرى المتعلقة بالقلب، فعلى الرغم من أن تناول القهوة يرفع ضغط الدم، فإن التأثير مؤقت ولا يجعلك أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، بل وربما يقلل من خطر إصابتك.
وفي الوقت ذاته، تحتوي القهوة غير المفلترة، مثل القهوة الفرنسية والاسبريسو، على مركبات قد ترفع نسبة الكوليسترول الضار، لكن من المحتمل أن يكون التأثير ضئيلاً مقارنة ببقية نظامك الغذائي، خصوصاً إذا كنت لا تتناول أكثر من كوبين من القهوة غير المفلترة يومياً.
من جهته، يتساءل الدكتور غازيو على النحو التالي: «سؤالي الذي أطرحه: ما التأثير العام على النتائج التي تعنيني؛ وهي مرض القلب والأوعية الدموية؟»، عندما تنظر إلى الأدلة بشكل كلي، لا يبدو أن للقهوة تأثيراً إيجابياً أو سلبياً، وفق الدكتور غازيو. إذا كنت تحب القهوة، فيمكنك الاستمتاع بما يصل إلى بضعة أكواب يومياً، ما دامت لا تؤثر على نومك. ويختتم قائلاً: «لا تضع كثيراً من منتجات الحليب الدسمة والسكر في قهوتك؛ لأن ذلك يضيف الدهون المشبعة والسعرات الحرارية الفارغة، الخالية من القيمة الغذائية».
* «رسالة هارفارد للقلب» - خدمات «تريبيون ميديا»