تزامناً مع إعلان منظمة الصحة العالمية إلغاء حالة الطوارئ الخاصة بـ«جدري القردة» يوم الجمعة الماضي، أطلق خبراء أميركيون تحذيرات من تفشي المرض في فصل الصيف، بعد رصد شواهد تتعلق بقصور في الحماية التي يوفرها اللقاح المتاح له.
وجاءت الشواهد من ولاية شيكاغو؛ حيث أعلنت إدارة الصحة العامة تسجيل 13 إصابة بالمرض بين 17 أبريل (نيسان) و5 مايو (أيار)، وكان 9 منها (69 في المائة) لأشخاص حصلوا على اللقاح، ما أثار مخاوف من أن المناعة التي يوفرها لا تدوم طويلاً، أو أن هناك تحورات للفيروس تطورت للهروب من المناعة التي يوفرها اللقاح.
ويستخدم للوقاية من المرض لقاح «جينوس» الذي اعتمدته إدارة الغذاء والدواء الأميركية قبل نحو 4 أعوام. ويشير الموقع الإلكتروني لإدارة الغذاء والدواء الأميركية في تقرير نشره عن اللقاح في 24 سبتمبر (أيلول) 2019، إلى أنه مخصص للوقاية من مرض الجدري و«جدري القردة»، لدى البالغين الذين يبلغون من العمر 18 عاماً أو أكبر، والذين تم تحديدهم على أنهم معرضون لخطر الإصابة، وهو «الوحيد المعتمد للوقاية من مرض جدري القردة».
ويوصى باستخدام جرعتين من اللقاح للمجموعات غير المحصنة والمؤهلة والمعرضة للخطر، للوقاية من المرض.
غير أن الإصابات التي تم تسجيلها في شيكاغو قد تدفع إلى توصية جديدة بالحصول على جرعة معززة، بسبب قصر مدة المناعة التي يوفرها اللقاح، أو قد تدفع إلى تغيير كلي في تركيبة اللقاح، إذا كان سبب القصور في المناعة حدوث تحور في الفيروس، كما يقول جود هولتكويست، وهو أستاذ مساعد في الأمراض المعدية بجامعة «نورث وسترن» الأميركية.
ويوضح هولتكويست في تقرير نشره الجمعة الموقع الإلكتروني للجامعة، أن «فيروسات الجدري تتطور على نطاق زمني أبطأ بكثير من عديد من الفيروسات الأخرى، مثل (كورونا المستجد) أو فيروس نقص المناعة البشرية؛ لكن جميع الفيروسات تتحول وتتغير في البشر، والجهود جارية لمعرفة ما إذا كان فيروس الجدري المسؤول عن هذا الظهور الأخير مختلف عما كان متداولاً العام الماضي».
وتشير كارين كروجر، الأستاذة المساعدة في الأمراض المعدية بجامعة «نورث وسترن»، إلى أن هذا التفشي قد يساعد على التسريع بإجراءات اعتماد دواء «تيكوفيرمات»، وهو قيد التحقق حالياً لعلاج مرض الجدري.
وتقول كارين كروجر إنه «يمكن الحصول على (تيكوفيرمات) حالياً من خلال المشاركة في تجربة سريرية، أو عبر الوصول إلى الاستخدام الطارئ في العيادات المشاركة بالتجارب السريرية».
وأوضحت شذا محمد، المسؤولة الطبية بوحدة التأهب لمخاطر العدوى والوقاية منها، بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط بالمنظمة، رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بشأن ما يبدو تناقضاً بين إلغاء حالة الطوارئ والمخاوف الأميركية، أن ما يتم من بحوث في أميركا على مستوى العلاج والوقاية باللقاح، هو ما تنادي به منظمة الصحة العالمية، رغم إلغاء حالة الطوارئ.
وأشارت إلى أن «إلغاء حالة الطوارئ لا يعني الإهمال، فلا يزال المرض يفرض تحديات صحية عامة تحتاج إلى إدارة مناسبة، تنقله من حالة الطوارئ الصحية إلى استجابة قوية واستباقية ومستدامة لتفشي المرض، لمنع عودة انتشاره، وتقلل من انتقال العدوى المحلية، لا سيما في البلدان التي يتوطن فيها مرض الجدري».
وكشفت شذا محمد أن «المنظمة تقود استراتيجية مستمرة تحتاج إلى شراكات وموارد طويلة الأجل لتحسين المراقبة، وتدابير البحث والمكافحة، وتحديد الأولويات والاستثمار في البلدان الأفريقية والمجتمعات المحلية الأخرى المحرومة؛ حيث لا تزال جهود الاستعداد والاستجابة لمرض الجدري غير كافية».
وأضافت أن «دمج الوقاية من الجدري والتأهب والاستجابة له ضمن برامج المراقبة والمكافحة الوطنية، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية، وغيره من الأمراض المعدية المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، عنصر مهم في هذا الانتقال طويل المدى».
وعن أسباب إلغاء حالة الطوارئ، قالت المسؤولة الطبية بوحدة التأهب لمخاطر العدوى والوقاية منها، إن «لجنة الطوارئ لاحظت حدوث انخفاض كبير في عدد الحالات المبلغ عنها، وعدم وجود تغييرات في شدة المرض ومظاهره السريرية، وتم الإبلاغ في 10 مايو (أيار) عن حالات أقل بنسبة 90 في المائة، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، وكانت هذه مبررات كافية لاتخاذ القرار».
ورغم هذا القرار أقرت اللجنة بأن هناك أوجهاً من عدم اليقين التي لا زالت قائمة بشأن المرض، فيما يتعلق بأساليب الانتقال في بعض البلدان، وسوء جودة بعض البيانات المبلغ عنها، واستمرار الافتقار إلى التدابير المضادة الفعالة في البلدان الأفريقية. لكنها اعتبرت هذه التحديات طويلة الأجل، ويمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال الجهود المستمرة في الانتقال نحو استراتيجية طويلة الأجل، لإدارة مخاطر الصحة العامة التي يشكلها مرض الجدري، وليس من خلال الطوارئ الصحية العامة التي تسبب قلقاً دولياً، كما أوضحت المسؤولة الطبية بوحدة التأهب لمخاطر العدوى والوقاية منها.