وسط أجواء متوترة ومشحونة بالجدل حول «عملية السلام» في تركيا، قام وفد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، المعروف إعلامياً بـ«وفد إيمرالي»، بزيارة مفاجئة إلى زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان في محبسه غرب تركيا.
جاءت الزيارة التي قام بها الوفد المؤلف من نائبي الحزب، بروين بولدان ومدحت سانجار، والمحامي بشركة «عصرين» التي تتولى الملف القانوني لأوجلان، فايق أوزغور إيرول، لأوجلان في سجنه بجزيرة إيمرالي، الثلاثاء، قبل يومين فقط من انعقاد اجتماع لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» بالبرلمان التركي، الخميس، للاستماع إلى إحاطة وفدها الذي التقى أوجلان في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

كان آخر لقاء لـ«وفد إيمرالي» مع أوجلان عقد في 3 نوفمبر (تشرين الثاني). وأثار اللقاء الجديد، الذي أعلن عنه فجأة عقب توجه الوفد إلى إيمرالي، الكثير من التساؤلات، لا سيما وأنه جاء قبل اجتماع اللجنة البرلمانية التي تنظر في اقتراح الإطار القانوني لنزع أسلحة حزب العمال الكردستاني، استجابة للنداء الذي أطلقه أوجلان في 27 فبراير (شباط) الماضي.
خطوة مفاجئة
وذهب بعض المراقبين إلى أن اللقاء ربما يكون قد تقرر على عجل بعد إعلان قياديين في «العمال الكردستاني» تجميد أي خطوات للحزب حتى يتم إطلاق صراح أوجلان واتخاذ الحكومة التركية خطوات للاعتراف الدستوري الكامل بالشعب الكردي، حسب ما ذكر القيادي في الحزب بجبل قنديل، شمال العراق، آمد ملاذغيرت، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» السبت.
وجاءت تصريحات ملاذغيرت، بعد أيام قليلة من تصريحات للرئيسة المشاركة للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني، بيسي هوزات، التي قالت فيها إن تركيا تواجه «مخاطر جسيمة» و«مشكلة بقاء» إذا لم تُحلّ القضية الكردية على أسس ديمقراطية، وإذا لم تتم مخاطبة أوجلان بصفته «كبير المفاوضين».

وتطرقت هوزات، في مقابلة مع إحدى القنوات الكردية، نُشرت في تركيا، إلى لقاء وفد اللجنة البرلمانية مع أوجلان، ووصفته بأنه «خطوة إيجابية وجيدة، لكن لا يُمكن اعتبارها خطوة قوية»، كما تناولت مسألة إصدار عفو عن مسلحي «العمال الكردستاني»، قائلة: «لم نرتكب أي جريمة، ولا نسعى للعفو».
وقوبلت تصريحات هوزات، التي كانت في مقدمة مجموعة من 30 من عناصر حزب العمال الكردستاني شاركت في 11 يوليو (تموز) في مراسم رمزية لإحراق الأسلحة أقيمت عند سفح جبل قنديل بمحافظة السليمانية في شمال العراق، للتأكيد على المضي قدماً في تنفيذ دعوة أوجلان إلى السلام والمجتمع الديمقراطي، بغضب من جانب رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي.

ووصف بهشلي، الذي أطلق مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» من البرلمان التركي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 موجهاً الدعوة إلى أوجلان لإطلاق نداء لحل حزب العمال الكردستاني ونزع أسلحته، تصريحات هوزات التي أدلت بها في 29 نوفمبر بعد أيام من زيارة الوفد البرلماني لأوجلان، بأنها «مدمرة ومثيرة للأعصاب».
وعن قولها «لم نرتكب أي جريمة، ولا نسعى للعفو»، قال بهشلي، في مقابلة مع صحيفة «تورك غون»، القريبة من حزبه الثلاثاء، إن «الجرائم المرتكبة واضحةٌ لا لبس فيها، وموثقةٌ أمام التاريخ والضمير الاجتماعي، على كل فرد أن يعرف حدوده».
تمسك بـ«عملية السلام»
كما رد بهشلي، خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه، الثلاثاء، على ما ورد في تصريحات لنائبة رئيس المجموعة البرلمانية لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» عضو الوفد البرلماني الذي التقى أوجلان، غولستان كيليتش كوتشيغيت، التي ذكرت فيها أن أوجلان حذر من انقلاب على بهشلي داخل حزب «الحركة القومية» إذا فشلت عملية السلام الحالية، ووصفها بـ«الهراء».
وأكد أن العملية الجديدة ضرورة وطنية وتاريخية لتركيا، ومن المستحيل عكس مسارها.

ووجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رسالة جديدة بشأن التمسك بالعملية الجارية في تركيا، قائلاً عقب ترؤسه اجتماع حكومته في أنقرة ليل الاثنين - الثلاثاء: «من خلال مسار (تركيا خالية من الإرهاب) نسعى جاهدين لإزالة واحدة من أكبر العقبات التي تعترض استقرارنا وأخوتنا ونمونا الاقتصادي، وإن (حزام الأخوة) الذي نمهد لتأسيسه في منطقتنا مع إخواننا الأكراد والعرب سيُسقط حسابات قرنٍ من المكائد ويمهّد لحقبة جديدة».
في الوقت ذاته، وقعت أزمة بين حزبي «الديمقراطية والمساواة للشعوب» و«الشعب الجمهوري»، اللذين خاضا الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2024 في إطار من التنسيق والتحالف غير المعلن، على خلفية تحذير رئيس «الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، الأحد، من الانجرار وراء خطط تستهدف في الأساس الفوز بالانتخابات، بعد الانتقادات الموجهة من الحزب الكردي لحزبه بسبب عدم مشاركة نوابه في الوفد البرلماني الذي التقى أوجلان، قائلاً: «لا تتحركوا من منطلق (متلازمة استكهولم) ولا تقعوا في غرام جلادكم».

ووصف الرئيس المشارك لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، تونجر باكيرهان، خلال اجتماع المجموعة البرلمانية للحزب، الثلاثاء، تصريحات أوزيل، بـ«المهينة»، قائلاً: «إذا كنتم تعارضون حلاً لهذه المشكلة (المشكلة الكردية)، فتحدثوا بصراحة دون تحيز أو تصنيف».
ورد أوزيل بأنه لم يستهدف حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، وإنما قصد التذكير بما فعله حزبا «العدالة والتنمية» الحاكم، وحليفه «الحركة القومية» بالناخبين الأكراد، وأنه لن يواصل النقاش حول هذا الأمر.






