ما الذي يمنع الاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات جماعية على إسرائيل؟

المفوضية تقترح تجميد استفادة تل أبيب من برنامج «هورايزون أوروبا»

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج المفوضية في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج المفوضية في بروكسل (رويترز)
TT

ما الذي يمنع الاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات جماعية على إسرائيل؟

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج المفوضية في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج المفوضية في بروكسل (رويترز)

يوم الاثنين الماضي، وبعد كثير من التردد، اقترحت المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء تجميد مشاركة إسرائيل في برنامج «هورايزون أوروبا»، بوصفه وسيلة ضغط على السلطات الإسرائيلية، احتجاجاً على سياستها التجويعية في غزة، ودفعها إلى تخفيف الإجراءات التي تحرم سكان القطاع من الحصول على الغذاء والمياه والدواء؛ أي المستلزمات التي تمكّنهم من البقاء على قيد الحياة.

ومنذ بداية يونيو (حزيران) الماضي، تقدمت هولندا وقبلها السويد بطلب من المفوضية للتحقيق فيما إذا كانت إسرائيل تحترم البند الثاني من اتفاقية الشراكة الأوروبية معها التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2000. وينص البند الثاني منها على ضرورة احترام الطرفَيْن الحقوق الإنسانية والمبادئ الديمقراطية. وفي 23 من الشهر نفسه، أكدت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس، في التقرير الصادر عنها، أن إسرائيل «تنتهك التزاماتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان (في غزة) والمنصوص عليها في البند الثاني من اتفاقية الشراكة».

«هورايزن أوروبا»

وحتى يوم الاثنين الماضي، لم تكن المفوضية قد اتخذت أي إجراء أو قرار بحق إسرائيل رغم تجاوز أعداد القتلى في القطاع 60 ألفاً، وهي أرقام تتبناها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. كذلك، فإن ما لا يقل عن ألف قتيل سقطوا منذ بداية عملية توزيع الأغذية التي تقوم بها منظمة أميركية-إسرائيلية يديرها عسكريون أميركيون قدامى.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس مستقبلاً في رام الله الجمعة وزير خارجية ألمانيا يوهان فادفول الذي تُعد بلاده من أشد أنصار إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)

من هنا، فإن مقترح المفوضية الأخير يُعدّ أول خطوة عملية جماعية من جانب الاتحاد الأوروبي. لكن المقترح يحتاج إلى موافقة أكثرية معززة من الأعضاء البالغ عددهم 27 عضواً، وهذا ليس بعد أمراً محسوماً. ويعني عملياً أن المقترح سيُطرح على التصويت، ويُفترض أن يحظى بموافقة 15 دولة (من أصل 27)، وأن تمثّل ما لا يقل عن 65 في المائة من عدد سكان الاتحاد. وثمة اعتقاد أن الاقتراح سيُقر عندما يُطرح على التصويت؛ إذ حتى اليوم، ثمة أربع دول أعلنت معارضتها، بينها ألمانيا وإيطاليا، وهي تضم على الأرجح التشيك والمجر. ويمكن للنمسا أن تلتحق بها. وتجدر الإشارة إلى أن أصواتاً أوروبية تطالب بإجراءات أشد إزاء إسرائيل، ومنها تجميد استفادتها من كامل برنامج «هورايزون أوروبا» البحثي العلمي، والمرصود له مبلغ 93.5 مليار يورو ما بين عامَي 2021 و2027.

كذلك فإن دولاً اقترحت تجميد الاتفاقية التجارية، بل كامل اتفاقية الشراكة بين الجانبَيْن. لكن إجراءات من هذا النوع لا يمكن أن تمر بسبب الدعم الأعمى الذي تتمتع به من الدول الداعمة لها التي تعول عليها لإجهاض أي إجراء تعدّه معادياً لها.

وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد لم يُدن يوماً ما تقوم به إسرائيل، رسمياً وجماعياً، في غزة. والتدبير الواحد الذي أُقر جماعياً يتناول اتخاذ عقوبات «رمزية» بحق عدد من المستوطنين الذين يلجأون إلى العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ الأمر الذي لم يوقف حركة الاستيطان قط ولا مضاعفة العنف الأعمى.

وقال مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، روس سميث: «لا يشبه هذا أي شيء شهدناه في هذا القرن. إنه يذكرنا بالكوارث التي حدثت في إثيوبيا أو بيافرا خلال القرن الماضي».

الأطفال ضحايا سياسة التجويع الإسرائيلية (رويترز)

تكمن أهمية المقترح في أن المفوضية تسعى لاستخدام البحث العلمي وسيلة ضاغطة على إسرائيل من خلال تعليق مشاركة واستفادة «الكيانات الإسرائيلية المشاركة في برنامج «مسرّع مجلس الابتكار الأوروبي»، وهو برنامج مخصص للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة التي تطوّر تقنيات متقدمة للاستخدامات المدنية والعسكرية، مثل الأمن السيبراني والمسيرات والذكاء الاصطناعي.

و«مسرع مجلس الابتكار» جزء أساسي من برنامج «هورايزون أوروبا»، ويتمتع بميزانية قدرها 10.1 مليار يورو للفترة الممتدة من 2021 إلى 2027. وقال مصدر في المفوضية إن الاختيار «مرده إلى أن إسرائيل تعتمد إلى حد بعيد، في حربها على غزة، على ما يوفره الذكاء الاصطناعي من جهة، ومن جهة ثانية على الإكثار من اللجوء إلى المسيّرات». ولأن إسرائيل استشعرت الخطر، فقد سارع رئيسها إسحاق هرتسوغ إلى القول: «سيكون من الخطأ الفادح أن يتخذ الاتحاد الأوروبي مثل هذه الإجراءات، خصوصاً في ظل الجهود الإنسانية المستمرة والمعززة التي تبذلها إسرائيل». ولم يُفهم عن أي «جهود» يتحدث هرتسوغ. ويتخوّف الأخير من أن تدبيراً مثل هذا «من شأنه الإساءة لصورة إسرائيل، وأن يكون فاتحة لتدابير عقابية أخرى». وأدانت وزارة الخارجية الإسرائيلية توصية المفوضية الأوروبية، ورأت أنها «خاطئة ومؤسفة وغير مبررة»، وأنها «لن تؤدي سوى إلى تقوية» حركة «حماس». وقالت إسرائيل إنها ستسعى للحيلولة دون تبني هذا الإجراء. وخوف إسرائيل التي تعاني، منذ أشهر خصوصاً بعد أن بدأت سلسلة الدول الأوروبية العازمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، من عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، أن تتطور الضغوط الأوروبية إلى درجة إلغاء اتفاقية التجارة أو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؛ مما ستكون له انعكاسات قوية على اقتصادها، كون الاتحاد شريكها الاقتصادي الأول.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال زيارة الأخير لبرلين في 12 مايو الماضي (أ.ب)

نقطة الضعف الأوروبية

ليس سراً أن الانقسامات الأوروبية تحول دون تمكين الاتحاد من أن يقدم دوراً فاعلاً في حرب غزة وبشكل عام، بخصوص أزمات الشرق الأوسط. فمن جهة، ثمة دول أوروبية تريد اللجوء إلى تدابير قاسية تجاه إسرائيل؛ فالسويد التي اعترفت بالدولة الفلسطينية منذ عام 2015، تطالب بتجميد اتفاقية التجارة (التي هي جزء من اتفاقية الشراكة) مع إسرائيل. وكتب رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، عبر منصة «إكس»، أن «الوضع في غزة مروع جداً، وتمتنع إسرائيل عن الالتزام بواجباتها الأساسية والاتفاقات بشأن المساعدات الطارئة. لذا تطالب السويد بتجميد الشق التجاري في اتفاقية الشراكة في أسرع وقت ممكن». وطلب نظيره الهولندي، ديك شوف، الشيء نفسه حال استمرار إسرائيل في انتهاك واجباتها الإنسانية.

أما سلوفينيا التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ربيع العام الماضي (مع إسبانيا وآيرلندا والنرويج) فقد قررت، الخميس، فرض حظر على صادرات وواردات وعبور الأسلحة عبر أراضيها إلى إسرائيل. وسبق لها أن عدّت «وزيرَين إسرائيليين (وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريتش) غير مرغوب فيهما» على أراضيها. وهذان الوزيران ممنوعان أيضاً، منذ الاثنين الماضي، من الدخول إلى هولندا. وأكدت سلوفينيا أنها «سوف تواصل الدعوة إلى اتخاذ إجراءات أكثر حسماً ضد الحكومة الإسرائيلية».

ومن جهتها، تعمل آيرلندا على إعداد تشريع يحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

حتى اليوم، ثمة 12 دولة داخل الاتحاد اعترفت بالدولة الفلسطينية التي يتعيّن أن تُضاف إليها فرنسا والبرتغال ومالطا ولوكسمبورغ وفنلندا التي ستُقدم على هذه الخطوة رسمياً الشهر المقبل، ما يعني أن الأكثرية المؤهلة (المعززة) أصبحت متوافرة للموافقة على إجراءات ضد إسرائيل.

لكن هذا التحول لا يعني أن الاتحاد أصبح مكسوب الولاء؛ إذ إن دولاً رئيسية، مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا، لن تنتهج هذا السبيل غداً، لأسباب متعددة (داخلية وخارجية)، مما سيمنع الاتحاد الأوروبي من التحدث بلغة واحدة إزاء أزمة رئيسية على حدوده الجنوبية. وتكفي الإشارة إلى ما صدر عن مارتن هوبر الأمين العام للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، عضو التحالف الحكومي الألماني، الذي جزم بأنه «من الوارد انتقاد الحكومة الإسرائيلية، لكن فرض عقوبات بين الأصدقاء غير وراد بالتأكيد».


مقالات ذات صلة

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

المشرق العربي السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز سيبدأ غدا السبت جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي ياسر أبو شباب (وسائل التواصل) play-circle 01:18

قبيلة «الترابين»: مقتل «أبو شباب» يمثل «نهاية صفحة سوداء» في غزة

أكدت قبيلة «الترابين» في قطاع غزة وقوف أبنائها دائماً في صف شعبهم الفلسطيني وقضيته العادلة، ورفضهم تماماً «أي محاولة لزج اسم القبيلة في مسارات لا تمثل تاريخها».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي دخان يتصاعد بعد الغارات الإسرائيلية شرق مدينة غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:36

مقتل 6 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على جنوب غزة

قتل 6 فلسطينيين وأصيب آخرون مساء أمس الأربعاء، في غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد الغارات الإسرائيلية شرق مدينة غزة (أ.ف.ب)

إصابة 4 جنود إسرائيليين في اشتباك مع مقاتلين خرجوا من نفق برفح

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الأربعاء، أن أربعة جنود أصيبوا في اشتباكات مع مسلحين خرجوا من أحد الأنفاق في شرق رفح بجنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية مسلحون من حركتي «حماس» و«الجهاد» يعثرون على جثة خلال عملية البحث عن جثث الرهائن القتلى في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تتسلّم جثمان رهينة عبر الصليب الأحمر من غزة

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، أن تل أبيب تسلمت عبر الصليب الأحمر، نعش أحد الرهائن كان جثمانه في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.


أزمة جديدة تعترض «عملية السلام» في تركيا

أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
TT

أزمة جديدة تعترض «عملية السلام» في تركيا

أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
أكراد خلال مظاهرة في فرنسا فبراير الماضي للمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)

تواجه «عملية السلام» في تركيا، التي تستوجب حلّ حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، أزمة جديدة بسبب الخلاف حول سرية لقاء عقده وفد برلماني مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي غرب البلاد.

وتفجّرت خلافات بين نواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، خلال اجتماع لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» في البرلمان، المعنية باقتراح الإطار القانوني لنزع السلاح وعملية السلام، التي خُصّصت الخميس للاستماع لتقرير حول لقاء الوفد بأوجلان.

تقرير مجتزأ

وأعلن نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، أن التقرير الذي قُدّم خلال الجلسة، والذي لخّص محضر لقاء الوفد مع أوجلان في سجن إيمرالي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أخرج المحضر من سياقه، واجتزأه لينحرف عن المضمون الذي أراده أوجلان.

نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعب» الأعضاء في اللجنة البرلمانية (حساب الحزب في «إكس»)

وقال النواب الخمسة، غولستان كيليتش كوتشيغيت وميرال دانيش بيشتاش وحقي صاروهان أولوتش وجلال فرات وجنكيز تشيشيك، في بيان، إنه جرى استخدام جمل خارجة عن السياق، واقتباسات غير كاملة تفتح الباب أمام تكهنات عديدة.

وجاء في البيان أن «نشر محتوى الاجتماع بين أوجلان، الفاعل الرئيسي في عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، ووفد اللجنة بشكل مجتزأ، مع تفسيرات ناقصة وذاتية، يُخاطر في المقام الأول بتضييق نطاق الدور (التاريخي) لأوجلان في هذه العملية وفتحه للنقاش، وهذا يتعارض مع النهج والوعود والتعريفات والمسؤوليات الأساسية للعملية المستمرة منذ أكثر من عام».

وطالب البيان -الذي نشره الحزب على حسابه في منصّة «إكس»- بنشر محضر الاجتماع مع أوجلان ومشاركته مع جميع أعضاء اللجنة البرلمانية والجمهور بطريقة «وافية وموضوعية وكاملة وصادقة»، ووضع آلية شفافة لضمان دقة المعلومات العامة.

وقال مسؤولون في الحزب إن التقرير أُعدّ بالطريقة التي أرادها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لكن «عملية السلام والمجتمع الديمقراطي هي عملية «جادة وتاريخية»، ويجب أن تُدار بشكل «موضوعي وشفاف، ولا يخضع للتفسيرات الشخصية».

صدام بين الحكومة والمعارضة

وخلال اجتماع اللجنة للاستماع إلى التقرير، احتجّ نواب من حزب «الشعب الجمهوري»، متسائلين عما إذا كان «جهاز المخابرات قد أعدّ التقرير»، وهل سيعمل نواب البرلمان تحت «رقابة جهاز المخابرات الوطني؟». وطالبوا بعرض محضر الاجتماع كاملاً.

جانب من اجتماع اللجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - «إكس»)

وقال نواب المعارضة إنه «يتم إخفاء (تفاصيل التقرير) ليس فقط عن الجمهور، بل حتى عن البرلمان». وردّ نائب حزب «العدالة والتنمية»، محمد شاهين على هذه الانتقادات بالقول: «لو أردتم أن تعرفوا ما جرى بالكامل، كان عليكم المشاركة في الوفد الذي زار إيمرالي».

ورفض حزب «الشعب الجمهوري» إرسال أحد نوابه ضمن وفد اللجنة البرلمانية إلى إيمرالي، عادّاً أنه كان يمكن عقد الاجتماع عبر دائرة اتصال تلفزيونية مغلقة لتجنب الحساسيات التي تثيرها زيارة أوجلان.

رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل (حساب الحزب في «إكس»)

وانتقد رئيس الحزب، أوغور أوزيل، ما جرى خلال اجتماع اللجنة، مطالباً بالشفافية في كل ما يتعلق بهذه العملية. وقال أوزيل، في مقابلة تلفزيونية، تعليقاً على رفض ذهاب نواب حزبه إلى إيمرالي: «إذا ذهبنا فسنذهب بصراحة، وسنتحدث بصراحة، وسنعود بصراحة، ولن نخفي شيئاً»، متسائلاً عن أسباب إخفاء محضر الاجتماع، وعدم إطلاع نواب اللجنة البرلمانية والرأي العام عليه.

«الكردستاني» يتمسك بموقفه

وفي خضم هذا التوتر، انتقد متحدث الشؤون الخارجية في منظومة اتحاد مجتمعات كردستان، زاغروس هيوا، عمل اللجنة البرلمانية واكتفاء الحكومة التركية بـ«التصريحات فقط، دون اتخاذ خطوات حقيقية في إطار عملية السلام، على الرغم من اتخاذ حزب (العمال الكردستاني) العديد من الخطوات الأحادية».

وقال هيوا، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية الجمعة: «إننا لم نكن يوماً مسؤولين عن تخريب عملية السلام، وإن الدولة هي التي اتخذت القرار في عام 2015 بإنهاء العملية السابقة. ولهذا السبب، بدأوا بتجربة أساليب جديدة، ولم يتضح بعد ما إذا كانوا قد غيّروا حقّاً عقليتهم وسياساتهم تجاه الأكراد، أم أنهم يستعدون لموجة جديدة من الهجمات».

متحدث الشؤون الخارجية في منظومة اتحاد مجتمعات كردستان زاغروس هيوا (إعلام تركي)

وقال هيوا إن «المفاوضات لم تبدأ بعد»، وإن لقاء أعضاء من اللجنة البرلمانية مع أوجلان في إيمرالي هي «عملية حوار».

وتابع: «لكي تبدأ المفاوضات، يجب أن يلتقي الطرفان على قدم المساواة، وأهم عنصر في هذه المفاوضات هي حرية أوجلان»، الذي وصفه بـ«كبير مفاوضي حزب (العمال الكردستاني)».

وأضاف: «يجب أن تراعي هذه العملية الاندماج الديمقراطي للأكراد وحركة الحرية الكردية في جمهورية تركيا، وتضمن مشاركتهم الحرة في الحياة السياسية الديمقراطية، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق في ظل الدستور الحالي الذي ينكر وجود الأكراد، بل جميع المجموعات العرقية في تركيا».