إيران تحصل على «إمداد صيني» لتشغيل برنامجها الصاروخي

قلق أميركي من توجيه مواد كيميائية إلى صناعة «الباليستي»

صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)
صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)
TT

إيران تحصل على «إمداد صيني» لتشغيل برنامجها الصاروخي

صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)
صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)

خلص تقرير أميركي إلى أن إيران استأنفت العمل في برنامجها الصاروخي، بالتزامن مع وصول شحنة كيميائية من الصين تدخل في صناعة أسلحة تقليدية متوسطة المدى.

وقالت شبكة «سي إن إن» الأميركية، إن بيانات تتبع السفن أظهرت أن أول سفينة من اثنتين تحملان 1000 طن من مادة كيميائية صينية الصنع يمكن أن تكون مكوناً رئيسياً في الوقود لبرنامج الصواريخ العسكرية الإيرانية قد رست خارج ميناء بندر عباس الإيراني.

ورجَّحت الشبكة أن وصول الشحنة قد يكون إشارة إلى أن برنامج إنتاج الصواريخ الإيراني عاد إلى العمل كالمعتاد بعد الهجمات المدمرة التي شنتها إسرائيل على مصانع رئيسية العام الماضي.

وغادرت السفينة «جولبون» ميناء تايكانج الصيني قبل 3 أسابيع محملة بـ1000 طن من بيركلورات الصوديوم، المادة الأولية الرئيسية في إنتاج الوقود الصلب الذي يغذي الصواريخ التقليدية متوسطة المدى الإيرانية، وفقاً لمصدرين استخباراتيين أوروبيين.

ويمكن أن يسمح بيركلورات الصوديوم بإنتاج الوقود الكافي لنحو 260 محرك صلب لصواريخ «خيبر شكن» الإيرانية أو 200 صاروخ باليستي من طراز «الحاج قاسم»، وفقاً لما قالته مصادر استخباراتية للشبكة الأميركية.

وتأتي هذه الشحنة في الوقت الذي عانت فيه إيران سلسلة من انتكاسات إقليمية، وفي ظل ضغط أميركي بدأ يتصاعد بالعقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترمب.

وفي أعقاب الضربة الإسرائيلية على منشآت إنتاج الصواريخ الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول)، اعتقد خبراء غربيون أن الأمر قد يستغرق عاماً على الأقل قبل أن تتمكن إيران من استئناف إنتاج الوقود الصلب.

«الحرس الثوري» الإيراني يستعرض صواريخ خلال مناورة في جنوب غربي إيران عام 2021 (رويترز)

العودة إلى الصواريخ

بحسب الشبكة الأميركية، فإن عملية التسليم تشير إلى أن إيران ليست بعيدة عن أو أنها قد تكون قد عادت بالفعل إلى إنتاج صواريخها.

وفقاً للمصادر، تم شراء الشحنة نيابة عن إدارة المشتريات في «منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي»، وهي جزء من «الحرس الثوري» الإيراني المسؤولة عن تطوير الصواريخ الباليستية.

وقالت المصادر، إن السفينة الثانية «جيران» لم يتم تحميلها، ومن المقرر أن تنقل بقية الألف طن إلى إيران، حيث تدير شركة خطوط الشحن الإيرانية، كلتا السفينتين، في حين غادرت السفينة «جولبون» ميناء تايكانج متوجهة إلى إيران في 21 يناير (كانون الثاني).

ولا يُعدّ تسليم بيركلورات الصوديوم في حد ذاته مخالفاً للقانون، ولا ينتهك العقوبات الغربية، لكنه من المواد ذات الاستخدام المزدوج. إذ إن تجارة بيركلورات الصوديوم ليست مقيدة بالعقوبات الغربية، إلا أنه يمكن تحويلها كيميائياً بيركلورات الأمونيوم، وهو وقود ومنتج خاضع للرقابة.

وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ في يناير، بأن بلادها التزمت بقوانين مراقبة الصادرات وكذلك الالتزامات الدولية للبلاد.

وتخضع كل من السفينتين «جولبون» و«جيران» لعقوبات أميركية، كما فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على شركة خطوط الشحن التابعة لإيران، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الشركة هي «خط الشحن المفضل للإيرانيين ووكلاء المشتريات».

وقالت وزارة الخزانة البريطانية إن الشركة «متورطة في أنشطة عدائية» من قِبل إيران وسلطت الضوء على روابطها بقطاع الدفاع الإيراني.

وفي الوقت نفسه، ظلت الصين حليفاً دبلوماسياً واقتصادياً لإيران التي تعاني العقوبات، حيث نددت بالعقوبات الأميركية «الأحادية الجانب» ضد البلاد ورحّبت بطهران في التكتلات الدولية التي تقودها بكين وموسكو مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة «بريكس».

وتظل الصين أيضاً أكبر مشترٍ للطاقة من إيران، رغم أنها لم تبلغ عن مشتريات النفط الإيراني في بيانات الجمارك الرسمية منذ عام 2022، وفقاً للمحللين.

وفرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عقوبات على عدد من الكيانات الصينية بسبب أدوار مزعومة في دعم إنتاج الطائرات العسكرية من دون طيار الإيرانية، كما أشارت التدريبات البحرية المشتركة الأخيرة بين الصين وإيران وروسيا إلى تعميق محتمل للعلاقات الاستراتيجية بين الحكومات.

«الحرس الثوري» يعرض صاروخاً باليستياً قبالة مَعلم ميدان آزادي وسط طهران (برنا)

الصين مورداً بديلاً

نقلت «سي إن إن» عن الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز، أنه «في حين أن إيران ستحتاج إلى وقود صلب لمجموعة من الصواريخ، بما في ذلك أسلحة الدفاع الجوي الأصغر حجماً، فإن حصة الأسد من مثل هذه الشحنات من المرجح أن تتجه نحو برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني».

وقال، أستاذ الكيمياء غير العضوية في جامعة كوليدج لندن، أندريا سيلا، إن زيادة الضوابط المفروضة على البيركلورات في الغرب جعلت الصين تصبح مورداً بديلاً رئيسياً لمثل هذه المواد الكيميائية.

وقال مدير برنامج منع الانتشار النووي في شرق آسيا في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، جيفري لويس، إن الصين كانت منذ فترة طويلة «مصدراً رئيسياً لبيركلورات الصوديوم لبرامج الصواريخ الإيرانية، ويرجع تاريخها على الأقل إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين»، وأضاف: «هذه مجرد أحدث شحنة في نمط عمره عقود».

مشاكل الإمداد

وقال المحلل هينز إنه في حين كانت إيران تتفاخر سابقاً بقدرتها على إنتاج بيركلورات الأمونيوم بنفسها، فإن هذا التسليم يشير إلى اختناقات في سلسلة التوريد، حيث لم يتمكن إمداد المواد الأولية المحلية من تلبية احتياجات إنتاج الصواريخ، وأضاف أنها مشكلة يمكن أن تواجهها حتى دول مثل الولايات المتحدة.

وذكر هينز أن البنية التحتية لإنتاج الوقود الصلب في إيران «توسعت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية - وربما حتى منذ هجوم (حماس) على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023»، مع بناء مواقع جديدة وتوسيع المواقع الموجودة.

ويبلغ مدى صواريخ «خيبر شكن» 880 ميلاً (نحو 1420 كيلومتراً)، وصواريخ مثل «الحاج قاسم» يمكنها الوصول إلى أهداف على بعد 900 ميل (نحو 1450 كيلومتراً)، وفقاً لمصدر استخباراتي غربي.

ورغم أنها ليست الأسلحة الأكثر تقدماً من الناحية الفنية في ترسانة إيران، فإن مداها يجعلها مهمة في الهجمات على إسرائيل.

وقال هينز إن الوقود الصلب يستخدم أيضاً في الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى - مثل تلك المستخدمة في الماضي ضد القواعد الأميركية في المنطقة. وتستخدم الصواريخ الباليستية الإيرانية الأكبر والأقوى عادةً الوقود السائل.

وبحسب الجيش الإسرائيلي، تم انتشال حطام صاروخ «خيبر شكن» واحد على الأقل بعد هجوم إيران على إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024.

وأكد تحليل من أحد المصادر الغربية أن نحو 50 صاروخاً متوسط ​​المدى يعمل بالدفع الصلب أطلقته إيران على إسرائيل في هذا الهجوم، وفقاً لـ«سي إن إن».

وقال مسؤول استخباراتي غربي، إنه على الرغم من أن الأجهزة الأميركية على علم بالتسليم، فإن هناك قلقاً محدوداً بشأن الشحنة. وأضاف: «إذا قامت إيران بتوجيه المواد الكيميائية نحو إنتاج وقود الصواريخ، خصوصاً على الأسلحة المخصصة لروسيا، فسيكون ذلك مصدر قلق أكبر».


مقالات ذات صلة

بري: إيران لا تفاوض نيابة عن لبنان

المشرق العربي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (رويترز) play-circle

بري: إيران لا تفاوض نيابة عن لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني، الاثنين، إن إيران لا تتفاوض نيابة عن لبنان، وعبّر عن أمله في توصل طهران وواشنطن إلى اتفاق يفضي إلى حل أزمة الملف النووي الإيراني.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية عراقجي يحضر اجتماعاً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

وزير خارجية إيران يزور بكين الثلاثاء

سيزور وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الصين الثلاثاء وذلك قبل الجولة الثالثة من المحادثات النووية بين طهران وواشنطن المقرر عقدها يوم السبت في عُمان.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
تحليل إخباري نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت في غرفة عمليات تحت الأرض يتابعان ضربة موجهة لإيران في أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

تحليل إخباري انقسام في إسرائيل حول خيار الضربة العسكرية لإيران

منذ انطلاق المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، تعيش إسرائيل عاصفة من النقاشات، سواء في العلن أو خلف الأبواب المغلقة، حول توجيه ضربة استباقية لطهران.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية عنصرا أمن عمانيان يراقبان موكباً من السيارات يُعتقد أنه يُقلّ المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مسقط 12 أبريل الحالي (أ.ب)

إيران: لا اتفاق دون نتائج ملموسة لرفع العقوبات وضمانات

قالت طهران إن المطلب الأساسي في المفاوضات مع واشنطن هو رفع العقوبات والحصول على ضمانات، وحذرت الأوروبيين من تفعيل آلية «سناب باك» التي تهدّد المسار التفاوضي.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال حفل توقيع اتفاقيات في موسكو بروسيا في 17 يناير 2025 (رويترز)

بوتين يقر رسمياً معاهدة الشراكة الاستراتيجية مع إيران

أفادت «وكالة الإعلام الروسية» الرسمية، الاثنين، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقَّع قانوناً للتصديق رسمياً على معاهدة الشراكة الاستراتيجية مع إيران.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

إيران تتهم إسرائيل بالسعي لإفشال المحادثات مع واشنطن


امرأة تنظر إلى متجر للمجوهرات في البازار الكبير في طهران الاثنين (إ.ب.أ)
امرأة تنظر إلى متجر للمجوهرات في البازار الكبير في طهران الاثنين (إ.ب.أ)
TT

إيران تتهم إسرائيل بالسعي لإفشال المحادثات مع واشنطن


امرأة تنظر إلى متجر للمجوهرات في البازار الكبير في طهران الاثنين (إ.ب.أ)
امرأة تنظر إلى متجر للمجوهرات في البازار الكبير في طهران الاثنين (إ.ب.أ)

اتهمت إيران، أمس، إسرائيل بمحاولة تقويض المحادثات النووية الجارية مع الولايات المتحدة، بوساطة عُمانية.

ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، المحادثات مع إيران بـ«الجيدة للغاية»، لكنه أقرَّ بالحاجة إلى مزيد من الوقت.

من جهته، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: «مستعدون لاتفاق من موقع متكافئ، ولسنا متفائلين أو متشائمين».

إلى ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن «تحالفاً بقيادة إسرائيل يسعى لعرقلة المسار الدبلوماسي بدعم من التيارات التحريضية في أميركا»، مشدداً على أن إيران لن توافق على اتفاق نووي دون نتائج ملموسة لرفع العقوبات وضمانات واضحة.

وتحتدم الخلافات داخل إسرائيل حول توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وسط تقديرات بقرب فشل المفاوضات الإيرانية - الأميركية. وبينما تدعو أطراف إسرائيلية للتحرك الفوري، تُحذّر مؤسسات أمنية من تنفيذ عملية بدون تنسيق مع الولايات المتحدة.