إيران تحصل على «إمداد صيني» لتشغيل برنامجها الصاروخي

قلق أميركي من توجيه مواد كيميائية إلى صناعة «الباليستي»

صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)
صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)
TT

إيران تحصل على «إمداد صيني» لتشغيل برنامجها الصاروخي

صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)
صور أقمار اصطناعية تظهر سفينة «جولبون» التي تحمل بيركلورات الصوديوم قبالة سواحل إيران (ماكسار)

خلص تقرير أميركي إلى أن إيران استأنفت العمل في برنامجها الصاروخي، بالتزامن مع وصول شحنة كيميائية من الصين تدخل في صناعة أسلحة تقليدية متوسطة المدى.

وقالت شبكة «سي إن إن» الأميركية، إن بيانات تتبع السفن أظهرت أن أول سفينة من اثنتين تحملان 1000 طن من مادة كيميائية صينية الصنع يمكن أن تكون مكوناً رئيسياً في الوقود لبرنامج الصواريخ العسكرية الإيرانية قد رست خارج ميناء بندر عباس الإيراني.

ورجَّحت الشبكة أن وصول الشحنة قد يكون إشارة إلى أن برنامج إنتاج الصواريخ الإيراني عاد إلى العمل كالمعتاد بعد الهجمات المدمرة التي شنتها إسرائيل على مصانع رئيسية العام الماضي.

وغادرت السفينة «جولبون» ميناء تايكانج الصيني قبل 3 أسابيع محملة بـ1000 طن من بيركلورات الصوديوم، المادة الأولية الرئيسية في إنتاج الوقود الصلب الذي يغذي الصواريخ التقليدية متوسطة المدى الإيرانية، وفقاً لمصدرين استخباراتيين أوروبيين.

ويمكن أن يسمح بيركلورات الصوديوم بإنتاج الوقود الكافي لنحو 260 محرك صلب لصواريخ «خيبر شكن» الإيرانية أو 200 صاروخ باليستي من طراز «الحاج قاسم»، وفقاً لما قالته مصادر استخباراتية للشبكة الأميركية.

وتأتي هذه الشحنة في الوقت الذي عانت فيه إيران سلسلة من انتكاسات إقليمية، وفي ظل ضغط أميركي بدأ يتصاعد بالعقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترمب.

وفي أعقاب الضربة الإسرائيلية على منشآت إنتاج الصواريخ الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول)، اعتقد خبراء غربيون أن الأمر قد يستغرق عاماً على الأقل قبل أن تتمكن إيران من استئناف إنتاج الوقود الصلب.

«الحرس الثوري» الإيراني يستعرض صواريخ خلال مناورة في جنوب غربي إيران عام 2021 (رويترز)

العودة إلى الصواريخ

بحسب الشبكة الأميركية، فإن عملية التسليم تشير إلى أن إيران ليست بعيدة عن أو أنها قد تكون قد عادت بالفعل إلى إنتاج صواريخها.

وفقاً للمصادر، تم شراء الشحنة نيابة عن إدارة المشتريات في «منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي»، وهي جزء من «الحرس الثوري» الإيراني المسؤولة عن تطوير الصواريخ الباليستية.

وقالت المصادر، إن السفينة الثانية «جيران» لم يتم تحميلها، ومن المقرر أن تنقل بقية الألف طن إلى إيران، حيث تدير شركة خطوط الشحن الإيرانية، كلتا السفينتين، في حين غادرت السفينة «جولبون» ميناء تايكانج متوجهة إلى إيران في 21 يناير (كانون الثاني).

ولا يُعدّ تسليم بيركلورات الصوديوم في حد ذاته مخالفاً للقانون، ولا ينتهك العقوبات الغربية، لكنه من المواد ذات الاستخدام المزدوج. إذ إن تجارة بيركلورات الصوديوم ليست مقيدة بالعقوبات الغربية، إلا أنه يمكن تحويلها كيميائياً بيركلورات الأمونيوم، وهو وقود ومنتج خاضع للرقابة.

وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ في يناير، بأن بلادها التزمت بقوانين مراقبة الصادرات وكذلك الالتزامات الدولية للبلاد.

وتخضع كل من السفينتين «جولبون» و«جيران» لعقوبات أميركية، كما فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على شركة خطوط الشحن التابعة لإيران، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الشركة هي «خط الشحن المفضل للإيرانيين ووكلاء المشتريات».

وقالت وزارة الخزانة البريطانية إن الشركة «متورطة في أنشطة عدائية» من قِبل إيران وسلطت الضوء على روابطها بقطاع الدفاع الإيراني.

وفي الوقت نفسه، ظلت الصين حليفاً دبلوماسياً واقتصادياً لإيران التي تعاني العقوبات، حيث نددت بالعقوبات الأميركية «الأحادية الجانب» ضد البلاد ورحّبت بطهران في التكتلات الدولية التي تقودها بكين وموسكو مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة «بريكس».

وتظل الصين أيضاً أكبر مشترٍ للطاقة من إيران، رغم أنها لم تبلغ عن مشتريات النفط الإيراني في بيانات الجمارك الرسمية منذ عام 2022، وفقاً للمحللين.

وفرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عقوبات على عدد من الكيانات الصينية بسبب أدوار مزعومة في دعم إنتاج الطائرات العسكرية من دون طيار الإيرانية، كما أشارت التدريبات البحرية المشتركة الأخيرة بين الصين وإيران وروسيا إلى تعميق محتمل للعلاقات الاستراتيجية بين الحكومات.

«الحرس الثوري» يعرض صاروخاً باليستياً قبالة مَعلم ميدان آزادي وسط طهران (برنا)

الصين مورداً بديلاً

نقلت «سي إن إن» عن الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز، أنه «في حين أن إيران ستحتاج إلى وقود صلب لمجموعة من الصواريخ، بما في ذلك أسلحة الدفاع الجوي الأصغر حجماً، فإن حصة الأسد من مثل هذه الشحنات من المرجح أن تتجه نحو برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني».

وقال، أستاذ الكيمياء غير العضوية في جامعة كوليدج لندن، أندريا سيلا، إن زيادة الضوابط المفروضة على البيركلورات في الغرب جعلت الصين تصبح مورداً بديلاً رئيسياً لمثل هذه المواد الكيميائية.

وقال مدير برنامج منع الانتشار النووي في شرق آسيا في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، جيفري لويس، إن الصين كانت منذ فترة طويلة «مصدراً رئيسياً لبيركلورات الصوديوم لبرامج الصواريخ الإيرانية، ويرجع تاريخها على الأقل إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين»، وأضاف: «هذه مجرد أحدث شحنة في نمط عمره عقود».

مشاكل الإمداد

وقال المحلل هينز إنه في حين كانت إيران تتفاخر سابقاً بقدرتها على إنتاج بيركلورات الأمونيوم بنفسها، فإن هذا التسليم يشير إلى اختناقات في سلسلة التوريد، حيث لم يتمكن إمداد المواد الأولية المحلية من تلبية احتياجات إنتاج الصواريخ، وأضاف أنها مشكلة يمكن أن تواجهها حتى دول مثل الولايات المتحدة.

وذكر هينز أن البنية التحتية لإنتاج الوقود الصلب في إيران «توسعت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية - وربما حتى منذ هجوم (حماس) على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023»، مع بناء مواقع جديدة وتوسيع المواقع الموجودة.

ويبلغ مدى صواريخ «خيبر شكن» 880 ميلاً (نحو 1420 كيلومتراً)، وصواريخ مثل «الحاج قاسم» يمكنها الوصول إلى أهداف على بعد 900 ميل (نحو 1450 كيلومتراً)، وفقاً لمصدر استخباراتي غربي.

ورغم أنها ليست الأسلحة الأكثر تقدماً من الناحية الفنية في ترسانة إيران، فإن مداها يجعلها مهمة في الهجمات على إسرائيل.

وقال هينز إن الوقود الصلب يستخدم أيضاً في الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى - مثل تلك المستخدمة في الماضي ضد القواعد الأميركية في المنطقة. وتستخدم الصواريخ الباليستية الإيرانية الأكبر والأقوى عادةً الوقود السائل.

وبحسب الجيش الإسرائيلي، تم انتشال حطام صاروخ «خيبر شكن» واحد على الأقل بعد هجوم إيران على إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024.

وأكد تحليل من أحد المصادر الغربية أن نحو 50 صاروخاً متوسط ​​المدى يعمل بالدفع الصلب أطلقته إيران على إسرائيل في هذا الهجوم، وفقاً لـ«سي إن إن».

وقال مسؤول استخباراتي غربي، إنه على الرغم من أن الأجهزة الأميركية على علم بالتسليم، فإن هناك قلقاً محدوداً بشأن الشحنة. وأضاف: «إذا قامت إيران بتوجيه المواد الكيميائية نحو إنتاج وقود الصواريخ، خصوصاً على الأسلحة المخصصة لروسيا، فسيكون ذلك مصدر قلق أكبر».


مقالات ذات صلة

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل».

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية مركز كيندي سيكون مقراً لسحب قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن (رويترز)

إيران ستحضر قرعة كأس العالم بعد التلويح بالمقاطعة بسبب التأشيرات

ذكرت تقارير إعلامية، اليوم (الخميس)، أن وفداً إيرانيّاً سيحضر قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 غداً (الجمعة) رغم إعلان إيران سابقاً مقاطعة الحفل المقرر بواشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.