رغم القناعة المتنامية بأن خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، لترحيل 1.8 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى الخارج غير واقعية وغير قابلة للتطبيق، تسعى جهات سياسية وعسكرية في إسرائيل إلى إعداد برامج وإجراءات عملية لشرعنتها وتطبيقها.
وبطلب من الحكومة، باشر الجيش وضع خطة عمل تقضي بإعداد ميناء أسدود البحري ومطار رامون الجوي والمعابر البرية لترحيل ألوف الفلسطينيين بالتدريج، مع وضع شروط تضمن عدم عودتهم مثل «حظر عودة من لا يوقع على تعهُّد برفض الإرهاب».
أما في وزارة المالية فيتدارسون إمكانية تخصيص ميزانية لتغطية نفقات الترحيل، بما في ذلك رصد أموال تعويضات لمن يوافق على الرحيل، بشرط التعهد بالتنازل عن «حق العودة».
مشروع قانون بن غفير
طرح رئيس حزب «عوتسما يهوديت» (عظمة يهودية)، إيتمار بن غفير، مشروع قانون خاص لتنفيذ خطة الترحيل، وكان يُفترض بدء المداولات حوله، الأحد، في اللجنة الوزارية للتشريع، لكن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، طلب منه تأجيل البحث أسبوعين حتى يجري الاستعدادات اللازمة.
وبحسب «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، وافق بن غفير على التأجيل، لأنه «لمس جدية» في توجه رئيس الوزراء، لكنه طلب ألا ينتظر القانون، والقيام من الآن بإجراءات «تدفع الفلسطينيين إلى مغادرة قطاع غزة، في إطار تشجيع الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة، مثل قطع المساعدات الإغاثية والوقود».
وفي مقابلة إذاعية، شدد بن غفير على ضرورة القيام بخطوات عملية، وعدم الاكتفاء بالتصريحات، وقال: «لا يمكن أن نعمل دائماً وفق الضغوط، صحيح أن الوقوف في وجه رئيس الولايات المتحدة ليس سهلاً، لكنني كنت أتوقع من رئيس الحكومة أن يقول الحقيقة بدلاً من ترويج القصص. ترمب مثلاً يقول إن هناك وقتاً، ويجب عدم الاستعجال، لكن من وجهة نظر المصلحة الإسرائيلية، لا يوجد وقت».
ويتضح من مشروع قانون بن غفير أن «من يوافق على المغادرة الطوعية لقطاع غزة، من الفلسطينيين، سيطالب بالتوقيع على تصريح بالمغادرة يشمل تعهداً بعدم العودة، ويحصل بالمقابل على سلة مساعدات اقتصادية».
ادعاءات
نشر موقع «ميدا» اليميني في إسرائيل تقريراً زعم فيه أنه «منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، زاد اتجاه الهجرة من غزة بشكل كبير، وشمل أكثر من 115 ألف شخص، انتقلوا إلى مصر».
ودخل على خط تلك المزاعم، الباحث يعقوب فايتلسون، الذي كان قد شغل منصب رئيس مجلس مستوطنة أريئيل بين الأعوام 1981 - 1985، ورئيساً لمفوضية الوكالة اليهودية في أوكرانيا منذ 2012 حتى نهاية عام 2013، ومنذ ذلك الحين، انخرط بشكل رئيسي في «الأبحاث الديموغرافية لأرض إسرائيل».
وقال فايتلسون إن «إحصائيات إسرائيلية تتقاطع مع بيانات الأمم المتحدة ومكتب الإحصاء الأميركي، تبين أن ما لا يقل عن 1,012,713 عربياً من يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وقطاع غزة (غادروا فلسطين) بين عام 1967 وعام 2024». وأضاف: «هذه هجرة صامتة يفضَّل تشجيعها، والابتعاد عن التصريحات الفضفاضة».
بيد أن أبحاثاً أخرى تُنشر في إسرائيل تحذر من الغرق في بحور تفاؤل كاذبة ووهمية حول الترحيل.
ترمب ليس الأول
وفي مقال للباحث إيلي أشكنازي نشره موقع «والا»، الأحد، أشار إلى أنه «منذ نهاية شهر يناير (كانون الثاني) من سنة 1951، انشغلت إسرائيل بمجموعة من الخطط والمشاريع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بالقوة أو بالمغريات المادية على اختلافها، لكنها فشلت».
وذكّر أشكنازي بأن إسرائيل سعت آنذاك إلى «خطة لتوطين اللاجئين في سيناء (...) ولم تمر، ثم فكرت في توطين 20 ألف فلسطيني من غزة في ليبيا ومثلهم في العراق، ولم تنجح».
وأكد الكاتب الإسرائيلي أن «الرئيس (دونالد) ترمب لم يكن أول رئيس أميركي يقترح الترحيل، ففي سنة 1955، طلب الرئيس الأميركي، دوايت أيزنهاور، من مجلس النواب الموافقة على تمويل خطة الري في سيناء من أجل استصلاح أراضٍ تصبح قابلة للزراعة للاجئين الذين سينتقلون إلى هناك. ورأى أن مخيمات اللاجئين تشكل عقبة رئيسية أمام إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل وجيرانها، وتبخر المشروع».
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قال أشكنازي: «كانت هناك خطة إسرائيلية للترحيل في سنة 1956 (عام العدوان الثلاثي على مصر من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا)، وخطط عديدة بعد احتلال عام 1967، كان يقودها الجنرال إرئيل شارون، بالعصا والجزرة. ولكنه في نهاية المطاف توصل إلى القناعة بأنه من يجب أن يترك غزة هو إسرائيل ولذلك نفذ انسحاباً من طرف واحد في خطة الانفصال سنة 2005».
وخلص الكاتب إلى أن في كل تلك المحطات الماضية «خرجت إسرائيل من غزة، لكن غزة لم تخرج، والآن توصل الرئيس الأميركي مرة أخرى إلى فكرة عمرها عقود لا تبدو قابلة للتنفيذ أو ممكنة أبداً».