ترمب قد يشدد موقفه من نفط إيران ويثير غضب الصين

الرئيس الأميركي المنتخب قد يخفف العقوبات على صناعة الطاقة الروسية

امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

ترمب قد يشدد موقفه من نفط إيران ويثير غضب الصين

امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)

قال محللون إن عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى تشديد العقوبات النفطية الأميركية على إيران، مما قد يُقلِّص الإمدادات العالمية.

وقد ينطوي هذا السيناريو أيضاً على مخاطر جيوسياسية، من بينها احتمال إثارة غضب الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني.

وقد يدعم اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، أسعار النفط العالمية. لكن هذا الأثر قد يتراجع بفعل سياسات ترمب الأخرى، مثل تعزيز التنقيب عن النفط محلياً، وفرض رسوم جمركية على الصين قد تُضعف النشاط الاقتصادي، وتلطيف العلاقات مع روسيا، مما قد يفتح المجال أمام شحناتها من النفط الخام الخاضعة للعقوبات.

قال كلاي سيجل، عضو مجلس إدارة لجنة العلاقات الخارجية ورئيس لجنة المالية في هيوستن، إن «ترمب يسير في مسارين فيما يتعلق بأسعار النفط». وأوضح أن تشديد الإجراءات ضد إيران قد يدعم الأسعار، لكن التأثير قد يتضاءل إذا نفذ ترمب وعوده بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 60 في المائة على الواردات من الصين لحماية الصناعة الأميركية.

ومضى سيجل يقول: «الحرب التجارية التي تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي قد تقلص الطلب على النفط وتخفض الأسعار».

وارتفعت صادرات النفط الخام الإيرانية إلى أعلى مستوى منذ سنوات في عام 2024؛ لأن طهران وجدت طرقاً للالتفاف على عقوبات تستهدف عائداتها. وأعاد ترمب في رئاسته الأولى فرض عقوبات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران في عام 2018.

وقال ترمب في حملته الرئاسية إن سياسة الرئيس جو بايدن المتمثلة في عدم فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط أضعفت واشنطن وزادت جسارة طهران، مما سمح لها ببيع النفط وجمع الأموال والتوسع في مساعيها النووية ودعم نفوذها عبر جماعات مسلحة.

وقال جيسي جونز، من شركة إنيرجي أسبكتس، إن عودة إدارة ترمب إلى حملة «الضغط القصوى» على إيران قد تؤدي إلى انخفاض صادرات النفط الخام الإيرانية مليون برميل يومياً، حسبما أوردت وكالة «رويترز».

وأضاف: «يمكن تنفيذ هذا بسرعة نسبية دون الحاجة إلى تشريعات إضافية، وذلك من خلال تنفيذ العقوبات الموجودة بالفعل».

وقالت مجموعة «كلير فيو إنيرجي بارتنرز» البحثية إن ما بين 500 ألف إلى 900 ألف برميل يومياً قد تخرج من السوق.

ناقلة النفط الليبيرية «آيس إنيرجي» تنقل النفط الخام من الناقلة الإيرانية «لانا » (بيجاس سابقاً) قبالة سواحل كاريستوس (رويترز)

«المسألة الأهم»

لكن اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران يعني أيضاً اتخاذ إجراءات صارمة ضد الصين التي لا تعترف بالعقوبات الأميركية وهي أكبر مشتر للنفط الإيراني.

وقال ريتشارد نيفيو، أستاذ بجامعة كولومبيا والمبعوث الخاص الأميركي السابق لإيران: «المسألة الأهم هي مدى الضغط المالي الكبير الذي أنت على استعداد لوضعه على المؤسسات المالية الصينية».

وأضاف نيفيو أن الصين قد ترد من خلال تعزيز العمل في مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ودول أخرى. وتعزيز العمل قد يتضمن تقليص الاعتماد على الدولار في الصفقات في النفط والسلع الأخرى.

وتحدث ترمب في نادي نيويورك الاقتصادي في سبتمبر (أيلول) الماضي عن المخاطر التي قد تحملها العقوبات على هيمنة الدولار.

وقال ترمب حينذاك: «استخدمت العقوبات، لكنني أفرضها وأزيلها في أسرع وقت ممكن، لأنها في نهاية المطاف تقتل الدولار، وتقتل كل ما يمثله الدولار».

وأضاف: «لذا أستخدم العقوبات بقوة كبيرة ضد الدول التي تستحقها، ثم أزيلها، لأنك، وانتبه لذلك، ستخسر إيران وستخسر روسيا».

وأقامت الصين وإيران نظاماً تجارياً يستخدم في الغالب اليوان الصيني وشبكة من الوسطاء تحاشياً لاستخدام الدولار، ورغبة في الابتعاد عن الجهات التنظيمية الأميركية، مما يجعل إنفاذ العقوبات أمراً صعباً.

وقال إيد هيرس، الباحث في مجال الطاقة بجامعة هيوستن، إن ترمب قد يقلص أيضاً عقوبات على صناعة الطاقة الروسية فرضتها الدول الغربية رداً على غزو روسيا لأوكرانيا. ووعد ترمب في حملته الانتخابية «بتسوية» الحرب في أوكرانيا حتى قبل توليه المنصب في يناير (كانون الثاني).

وقال هيرس: «أتوقع أن يرفع ترمب جميع العقوبات على النفط الروسي».

ولا تستهدف العقوبات الغربية على النفط الروسي وقف التدفقات، بل تستهدف فقط تقليص عائدات روسيا من المبيعات التي تستخدم خدمات بحرية غربية إلى 60 دولاراً للبرميل. وأدت العقوبات إلى تحويل سوق النفط الروسي من أوروبا إلى الصين والهند، مما كبد روسيا تكاليف إضافية.


مقالات ذات صلة

إيران تُصعّد بـ6 آلاف طارد مركزي

شؤون إقليمية مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة في منشأة «نطنز» في 8 أغسطس (أ.ب)

إيران تُصعّد بـ6 آلاف طارد مركزي

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنَّ طهران «تنوي بالفعل نصب أجهزة طرد مركزي جديدة».

راغدة بهنام (برلين) «الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الذرية» الإيرانية لشباب يقفون أمام نماذج لأجهزة الطرد المركزي في يونيو 2023 play-circle 01:37

«طاردات» إيران... الطريق الطويل نحو القنبلة النووية

وصول إيران إلى القنبلة النووية يمر بطريق طويل، عبر نصب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، بمعدل يفوق الحد المسموح في اتفاق حظر الانتشار النووي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

خاص لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

اعترف دبلوماسي أوروبي رفيع لـ«الشرق الأوسط» بأن «مدى الخلافات» مع إيران يتسع، وذلك بعد لقاءات أوروبية - إيرانية عقدت في جنيف لمناقشة مسائل خلافية.

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي (حسابه على منصة إكس)

دبلوماسي إيراني: سنواصل الحوار مع القوى الأوروبية «في المستقبل القريب»

أفاد دبلوماسي إيراني بعد محادثات سرية في جنيف، بأنّ إيران وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة «ستواصل محادثاتها الدبلوماسية في المستقبل القريب».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية خلال عملية إطلاق صاروخ «باليستي» إيراني في مكان غير معلن في إيران... صورة منشورة في 25 مايو 2023 (رويترز)

رئيسا المخابرات الفرنسية والبريطانية: «النووي» الإيراني هو «التهديد العالمي الأكثر خطورة»

قال رئيسا المخابرات الفرنسية والبريطانية، اليوم (الجمعة)، إن تعزيز النشاط النووي الإيراني هو «التهديد العالمي الأكثر خطورة» في الوقت الراهن.

«الشرق الأوسط» (باريس)

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
TT

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

رغم الصخب الذي سبق المحادثات الأوروبية - الإيرانية في جنيف، فإنها لم تحمل مبادرات جديدة أو تحدد «خريطة طريق» للمفاوضات النووية، كما روج إعلام مقرب من النظام الإيراني قبيل اللقاء. كما لم تكن محصورة فقط بالملف النووي الإيراني بل تناولت علاقة إيران العسكرية بروسيا، بحسب ما قال دبلوماسيان أوروبيان رفيعا المستوى لـ«الشرق الأوسط».

واعترف دبلوماسي أوروبي بأن اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين في جنيف، أثبتت أن «حجم الخلافات» يتسع بين الطرفين على أكثر من صعيد.

وكان دبلوماسي أوروبي رفيع ثان قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام، إن اللقاءات في جنيف «جزء من إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين»، وإنها «ستكون شاملة، وإنه لا قرارات ستتخذ حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني قبل اتضاح الرؤية الأميركية مع تسلم ترمب مهامه مطلع العام المقبل».

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام مدخل منشأة نطنز في أصفهان (إرنا)

جنيف استكمال لنيويورك

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اللقاءات كانت مُعدّة مسبقاً، وجاءت استكمالاً لما جرى في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم التركيز بشكل أساسي على التصعيد النووي الإيراني، والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا.

والتقى مديرو الأقسام السياسية في وزارات خارجية الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الجمعة، بكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين مجيد تخت روانجي، ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، غداة لقاء المسؤولين الإيرانيين بأنريكي مورا، الوسيط الأوروبي في المفاوضات النووية.

نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي (حسابه على منصة «إكس»)

وكتب مورا في تغريدة على منصة «إكس» أن اللقاء كان «صريحاً»، وأنه نقل للمسؤولين الإيرانيين ضرورة أن توقف طهران «تعاونها العسكري مع روسيا»، إضافة إلى الحاجة للتوصل «لحل دبلوماسي للمسألة النووية، ووقف تدخلات إيران الإقليمية».

ورد غريب آبادي بتغريدة أخرى، ينتقد فيها الاتحاد الأوروبي، وقال إن «أوروبا فشلت بأن تكون لاعباً جدياً بسبب غياب الثقة والمسؤولية». وكتب أيضاً أنه وجّه انتقادات لمورا تتعلق بالسياسات العامة للاتحاد الأوروبي تجاه المسائل الإقليمية والدولية، واصفاً تصرف التكتل «بغير المسؤول».

وبعد لقائه بالمسؤولين من الترويكا الأوروبية، كتب غريب آبادي على منصة «إكس» أن المحادثات «ركزت على الملف النووي ورفع العقوبات». وأضاف: «نحن ملتزمون بمصلحة شعبنا وتفضيلنا هو للطريق الدبلوماسي والحوار». وأشار إلى أنه تم الاتفاق على إبقاء الحوار الدبلوماسي مفتوحاً في المستقبل القريب.

ما فرصة «سناب باك»؟

جاءت لقاءات جنيف بعد أيام على تقديم الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشروع قرار ضد إيران في مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تبنيه من قبل المجلس.

وأدان القرار عدم تعاون إيران مع الوكالة، وتصعيدها تخصيب اليورانيوم. وردت طهران بعد أيام بإبلاغ الوكالة الدولية بأنها تنوي تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الجديدة.

ومع ذلك، قال الدبلوماسي الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديث عن إعادة تفعيل آلية الزناد أو «سناب باك» ما «زال مبكراً».

وكانت بريطانيا قد لمحت قبل أيام إلى إمكانية تفعيل الآلية، وقالت الخارجية في بيان قبل أيام على لقاء جنيف: «ما زلنا ملتزمين باتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بما في ذلك عبر آلية (سناب باك) إذا لزم الأمر».

وتسمح هذه الآلية بإعادة فرض كامل العقوبات الدولية على إيران لخرقها لالتزاماتها النووية ضمن الاتفاق الذي عقد عام 2015 مع دول 5 زائد واحد، وانسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتخشى إيران من أن يعود ترمب إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»، بما في ذلك السعي لتفعيل آلية «سناب باك». وفضلاً عن ترمب، يسود القلق في إيران أيضاً من تفعيل آلية «سناب باك» من قبل قوى أوروبية.

ويمر تفعيل آلية «سناب باك» عبر تفعيل بند يعرف بـ«فض النزاع». وكانت إدارة ترمب الأولى أقدمت على تفعيلها، لكنها واجهت معارضة أوروبية حالت دونها، رغم أن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، أعلن تفعيل بلاده للآلية.

ضجيج مبالغ فيه

مع ذلك، لم تكن لقاءات جنيف محصورة فقط بالمفاوضات النووية، كما ألمحت وسائل إعلام إيرانية. ورغم تغريدة غريب آبادي التي لم تحمل الكثير من الدبلوماسية، قال الدبلوماسي الأوروبي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع حصل «كما كان متوقعاً»، مضيفاً أنه لا يفهم «الضجيج الإعلامي المبالغ به الذي سبق اللقاءات» التي أُعدّ لها مسبقاً.

وكانت وكالة أنباء «رويترز» قد نقلت عن مسؤول إيراني قبيل اجتماع جنيف قوله إنه إذا «اتفقت إيران مع الترويكا الأوروبية على الانتهاء من وضع خريطة طريق» حول الاتفاق النووي، فإن «الولايات المتحدة ستقرر إما إحياء اتفاق عام 2015 وإما إنهاءه».

وينتهي العمل بالاتفاق النووي أصلاً في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، وسيتعين على المجتمع الدولي بدء مفاوضات حول اتفاق جديد مع إيران، بسبب قرب انتهاء الاتفاق الحالي الذي تخرقه إيران باستمرار منذ انسحاب واشنطن منه.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية كانت على صلة بالمفاوضات، إن الاتفاق الحالي «لم يعد بالإمكان إحياؤه، ولكنه سيشكل أرضية لأية مفاوضات جديدة» يمكن أن تبدأها دول 5 زائد واحد مع إيران، بهدف التوصل لاتفاق ثانٍ يقيد نشاطات إيران النووية.