فضيحة تسريبات مكتب نتنياهو... كيف بدأت وإلى أين تتجه؟

تحقيقات محاطة بالسرية... ورئيس الوزراء ليس بعيداً عن دائرة الاتهامات

بنيامين نتنياهو يشارك في اجتماع أمني بوزارة الدفاع في تل أبيب خلال الضربة التي استهدفت إيران الشهر الماضي (مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي - أ.ف.ب)
بنيامين نتنياهو يشارك في اجتماع أمني بوزارة الدفاع في تل أبيب خلال الضربة التي استهدفت إيران الشهر الماضي (مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي - أ.ف.ب)
TT

فضيحة تسريبات مكتب نتنياهو... كيف بدأت وإلى أين تتجه؟

بنيامين نتنياهو يشارك في اجتماع أمني بوزارة الدفاع في تل أبيب خلال الضربة التي استهدفت إيران الشهر الماضي (مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي - أ.ف.ب)
بنيامين نتنياهو يشارك في اجتماع أمني بوزارة الدفاع في تل أبيب خلال الضربة التي استهدفت إيران الشهر الماضي (مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي - أ.ف.ب)

تعيش إسرائيل فضيحةً جديدةً ذات طابعَين أمني وجنائي في آن، يتورط فيها 11 شخصاً في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وربما هو نفسه بشكل شخصي.

وقصص الفضيحة وتحقيقاتها تدور في إسرائيل وراء الكواليس كما القصص البوليسية؛ بسبب أن القاضي الذي يتولاها مناحم مزراحي، مدَّد يوم الجمعة اعتقال المشتبه بهم، وأصدر أمراً بمنع نشر كل تفاصيل القضية، واكتفى بنشر جزئي. واليوم، (الأحد)، تواصل المحكمة المداولات السرية، بطلب من الشرطة، التي تقول إن النشر سيؤثر في التحقيق.

وبداية تلك الفضيحة تعود إلى ما نشرته صحيفة «بيلد» الألمانية، المعروفة بعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 6 سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ ادعت وجود وثيقة سرية لحركة «حماس»، تحدِّد استراتيجية التفاوض التي تتبعها الحركة مع إسرائيل.

وزعمت الصحيفة، آنذاك، أن الوثيقة تابعة لمكتب يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها، ويعود تاريخها إلى ربيع 2024، عن «المبادئ التوجيهية لمحادثات وقف إطلاق النار».

وبحسب «الوثيقة المزعومة»، فإن «حماس» لا تسعى إلى نهاية سريعة للصراع، بل «تفضِّل تحسين شروط الاتفاق، حتى لو أدى ذلك إلى إطالة أمد الحرب»، كما أن «استراتيجية (حماس) ترتكز على نقاط أساسية: أولاً، مواصلة الضغط النفسي على عائلات الرهائن لزيادة الضغط الشعبي على الحكومة الإسرائيلية. وثانياً، استنفاد الآليات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وتكثيف الضغوط الدولية على إسرائيل».

محتجون في تل أبيب يطالبون بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين (رويترز)

وبالتزامن مع تقرير الصحيفة الألمانية، نقلت صحيفة «جويش كرونيكل» المتخصصة في شأن اليهود ومقرها لندن، وهي أيضاً مقربة من نتنياهو، عن مصادر وصفتها بـ«استخباراتية» أن «خطة زعيم (حماس) السنوار، كانت تتمثل في الهرب مع قادة الحركة المتبقين، وكذلك مع الرهائن الإسرائيليين، عبر محور فيلادلفيا إلى سيناء في مصر، والطيران من هناك إلى إيران».

وكما هو معروف فإن نتنياهو أدلى بتصريحات صاخبة، ادعى فيها أنه يسعى لمنع السنوار من الهرب مع الرهائن، وفي مؤتمر صحافي لوسائل الإعلام الأجنبية في القدس، قال إن «(حماس) تخطط لتهريب رهائن إلى خارج غزة عبر محور فيلادلفيا»، واستخدم نتنياهو هذه المسألة لتبرير احتلاله رفح وتمسكه بمحور فيلادلفيا (على الحدود بين مصر وقطاع غزة) ونسفه مفاوضات الصفقة.

وكتبت صحيفة «جويش كرونيكل»، في اليوم التالي، أن تقارير عسكرية سرية في إسرائيل تشير إلى أن السنوار يريد مغادرة غزة لإنقاذ حياته، وذلك لأنه فهم أن الحرب انتهت، ولهذا السبب فإن محور فيلادلفيا مهم للغاية بالنسبة له؛ لأنه الطريقة الوحيدة لتحقيق خطة هروبه.

تزوير وتلاعب

في ذلك الوقت بدا واضحاً أن في الأمر عملية تزوير، وفي 11 سبتمبر الماضي، سرَّبت جهات عسكرية في تل أبيب أنباء قالت فيها إن الجيش الإسرائيلي يحقِّق في «تسريب وثائق مزوّرة يُزعم أنها لحركة (حماس)، نُشرت في وسائل إعلام أجنبية، مؤخراً» بما يتوافق مع ما يدّعيه ويروّج له رئيس الحكومة، نتنياهو، خصوصاً فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا، وإحجام «حماس» عن التوصّل لاتفاق تبادل أسرى.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عبر موقعها الإلكتروني، آنذاك، إن «التسريبات إلى الصحيفتين الأوروبيتين تثير قلقاً وغضباً كبيرَين في المنظومة الأمنية الإسرائيلية»، وأنها تسعى إلى «هندسة وتشكيل الرأي العام في إسرائيل بما يلائم رأي جهات سياسية».

وذكر تقرير الصحيفة العبرية، أنه تمّ فتح «تحقيق داخلي» في الجيش الإسرائيلي، لمحاولة معرفة مَن الذي يتلاعب بوثائق «حماس» السريّة التي تم الاستيلاء عليها في غزة، أو في تلك التي يُزعم أنها أُخذت من الحركة فقط، ويمرّرها إلى وسائل الإعلام الدولية.

وأشار التقرير إلى أن هذه القضيّة «ستزيد من حدّة التوتّر بين نتنياهو ومقربيه، وهو التوتر الذي وصل بالفعل إلى ذروة جديدة في أعقاب الخلاف العميق بين الأطراف المحيطة به، بشأن الصفقة».

وقالت «يديعوت أحرونوت» إن كلاً من الصحيفتين، «بيلد» و«جويش كرونيكل»، تكشف عن وثائق داخلية وسريّة للغاية لـ«حماس»، يُفترض أن السنوار كتبها أو أُخذت من حاسوبه، وأن «عقلية وتعليمات واستراتيجية السنوار (وفق الوثائق) تعكس بالضبط ما زعمه نتنياهو في خطابه ومقابلاته، التي بموجبها يحاول السنوار زرع الانقسام، لدى الجمهور الإسرائيلي».

ولكن فحص الوثائق، وفق «يديعوت» يُبين أن «الوثائق لا تعود للسنوار على الإطلاق أو أنها مأخوذة من ذهنه، بل هي اقتراح من مسؤول متوسّط الرتبة في (حماس) قدمها لرؤسائه».

لقطة من مقطع نشره الجيش الإسرائيلي يظهر الرئيس السابق للمكتب السياسي لـ«حماس» يحيى السنوار في نفق بغزة (إكس)

ونقلت الصحيفة العبرية عن مسؤول أمني، ذكرت أنه مطّلع على تفاصيل التحقيق قوله: «هذا أمر خطر للغاية، ولدى الجيش الإسرائيلي ووكالات الاستخبارات الأخرى، أنظمة وظيفتها التأثير في العدوّ، ولكن بموجب القانون تحظر محاولة تشغيل نظام التأثير هذا، بالتأكيد ليس مع استخدام مواد سريّة، لم يُسمح بنشرها على الجمهور على الإطلاق». وعدّ أن «هذه حملة تأثير في الجمهور الإسرائيليّ».

إلى أين الآن؟

والمعلومات التي أحاطت بتلك الفضيحة قبل شهرين، باتت الآن محظورة النشر في إسرائيل حتى «لا تشوش» على التحقيق. وما حصل أن موقف الجيش الحاد ضد نتنياهو، جعل قيادته تتوجه إلى «وحدة 443» للتحقيق في الجرائم الخطرة، طالبة إجراء «تحقيق سري» في الموضوع.

ويتبين أن التحقيق السري، أفضى إلى اكتشاف تفاصيل جديدة، فحسب الشبهات، لم يكن تسريب الوثائق المزورة مجرد فعل طائش أو لعبة خبيثة من أحد الموظفين، بل إنه يعكس وجود خطة مفصلة تم إعدادها لدى طاقم مستشاري نتنياهو المقربين، ويعتقد بأن رئيس الوزراء نفسه شريك فيها.

والشبهات تدور بشكل كبير حول أن «المسؤول عن رسم خطة التسريب، موظف مسؤول في دائرة الناطق بلسان نتنياهو، وهو مُقرب جداً منه، وكان قد حاول رئيس الوزراء توظيفه بشكل رسمي موظفَ دولة برتبة مستشار إعلامي، لكن المشتبه به أخفق في اجتياز اختبار تصنيف أمني، أي أنه لا يصلح للاطلاع على أسرار أو أبحاث أمنية، فقرر تعيينه عبر اتفاق خارجي، وظهر إلى جانبه مرات عدة في اجتماعات الحكومة، وفي أحدها شوهد يجلس بمحاذاة نتنياهو، وكان يرافقه في سيارته مع السكرتير العسكري، وأدخله إلى اجتماعاته في مقر قيادة الحرب، ورافق نتنياهو في زياراته إلى معسكرات الجيش».

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب (الحكومة الإسرائيلية)

وتَبيَّن للتحقيقات الجارية، أن «الوثائق المذكورة سُرقت من خزينة السكرتير العسكري للحكومة، من دون علمه، وأن التزوير فيها صنع لدى ذلك المستشار الإعلامي في مقر رئيس الحكومة».

الشرطة بدورها، اعتقلت ذلك الموظف، يوم الجمعة، مع عدد آخر من المشتبه بهم. وقال القاضي مزراحي إن السلطات تشتبه في أن «التسريب أضرَّ بتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية»، ورفع جزئياً أمر حظر النشر بشأن الحادث المُسمى «القضية الأمنية».

وأكد مزراحي أنه خلال الأسبوع الماضي، بدأ جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة والجيش «المرحلة المفتوحة» من تحقيقها المشترك في «خرق مشتبه به للأمن القومي، ناجم عن تقديم معلومات سرية بشكل غير قانوني».

ورأى أن التسريب يشكِّل خطراً على «معلومات حساسة ومصادر استخباراتية، ويضر بالجهود الرامية إلى تحقيق أهداف الحرب في قطاع غزة»، موضحاً أنه «تم اعتقال عدد من المشتبه بهم للاستجواب، والتحقيق مستمر» دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل حول هويات المشتبه بهم، أو ما إذا كان أي منهم من مساعدي رئيس الوزراء.

الإنكار

رداً على هذا، أصدر مكتب نتنياهو بياناً أكد فيه أنه لم يتم اعتقال أي شخص من موظفيه بخصوص التحقيق. ومع ذلك، أشار بعض المحللين إلى أن لدى رئيس الوزراء مساعدين يعملون معه ولكنهم غير موظفين رسمياً في مكتبه.

ووفقاً لأخبار «القناة 12» فإن هدف الحرب المذكور كان مرتبطاً بصفقة رهائن محتملة، حيث ذكر تقريرها أن المشتبه بهم في القضية سرَّبوا بشكل انتقائي وثائق لـ«حماس» حصل عليها الجيش الإسرائيلي بشأن استراتيجية الجماعة في محادثات الرهائن.

وذكر المحللون أنه في يوليو (تموز) الماضي، أضاف نتنياهو شروطاً إلى اقتراح إسرائيلي سابق بشأن الرهائن، مطالباً بأن تحتفظ إسرائيل بقواتها على طول الحدود بين مصر وغزة، في حين زعم المنتقدون أنها محاولة لإحباط اتفاق مع «حماس».

وفي ذلك الوقت، عارضت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هذا المطلب الجديد، بينما حظي رئيس الوزراء بدعم من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين هددوا بإسقاط الحكومة إذا تم تنفيذ الاقتراح الإسرائيلي الأصلي.

وتشتبه الشرطة في أن التسريب أضرَّ بتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، حيث رفع جزئياً أمر حظر النشر بشأن الحادث المُسمى «القضية الأمنية».

لكن إنكار نتنياهو لهؤلاء المساعدين، خصوصاً الموظف المسؤول في دائرة الناطق بلسان نتنياهو، الذي سقط في الاختبار الأمني، يثير غضب هؤلاء المساعدين لنتنياهو. وقال مصدر مقرب من أحد المعتقلين، الذي قالت «القناة 12» إنه لا يزال محتجزاً، للقناة إن رئيس الوزراء «خان مساعديه، وألقى بهم تحت عجلات الحافلة».

ضباط من «الفرقة 252» التابعة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي)

وأضاف المصدر أن المشتبه به الرئيسي «عمل لصالح نتنياهو وكان مستشاراً له على مدار عام ونصف العام من الآن، وأنه كرَّس حياته لرئيس الوزراء، وكان مستعدّاً لتعريض نفسه للخطر من أجله، وفي اللحظة التي انفجرت فيها (الفضيحة)، ألقى به نتنياهو تحت الحافلة، وكذب بقوله إنه لا يعمل لصالحه».

وأضاف المصدر: «لم يعمل لصالح بيبي فحسب، بل كان في مكتب رئيس الوزراء كل يوم، وجلس معه في مكتب رئيس الوزراء (الأكواريوم)، ورافقه في كل زيارة، وجلس في جميع المشاورات، وسافر مع رئيس الوزراء في موكبه، ولا يُصدَق أن يتم إلقاء شخص موثوق به إلى الذئاب في لحظة. كان نتنياهو يتصل به شخصياً كل يوم، ويرسله في مهام، ويتشاور معه».

وقال ضابط سابق، في قسم التحقيقات في الشرطة، إن سياسة الإنكار عند نتنياهو ستكلفه ثمناً باهظاً، فإذا فتح هذا الرجل فاهه، فإن نتنياهو شخصياً سيتورط في قضية أمنية وجنائية أقسى من قضايا الفساد التي يحاكم فيها.

وبحسب تحقيقات الشرطة، فإن البنود التي يجري فيها الاتهام تدور عقوبتها حول «السجن 15 سنة»، وعندها تصبح لعنة السنوار فتاكة على مَن قتلوه، حتى بعد وفاته.


مقالات ذات صلة

زوجة نتنياهو تطلب اعتبارها ضحية لهجوم استهدف منزل العائلة

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة نتنياهو يصلان إلى مطار سيدني في أستراليا 22 فبراير 2017 (رويترز)

زوجة نتنياهو تطلب اعتبارها ضحية لهجوم استهدف منزل العائلة

طلب محامي سارة نتنياهو - زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - من المحكمة الاعتراف بزوجة رئيس الوزراء كضحية لهجوم استهدف منزلهما في قيسارية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

إيطاليا: هناك كثير من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال نتنياهو

قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الثلاثاء، إن هناك كثيراً من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (فيوجي (إيطاليا))
أوروبا وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني في مؤتمر صحافي بختام أعمال اجتماع وزراء «مجموعة السبع» في فيوجي الثلاثاء (أ.ف.ب)

«مجموعة السبع» لـ«حل دبلوماسي» في لبنان

أنهى وزراء خارجية «مجموعة السبع» اجتماعها الذي استمر يومين في فيوجي بإيطاليا، وقد بحثوا خلاله القضايا الساخنة في العالم.

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدلي ببيان في الكنيست (د.ب.أ)

نتنياهو: سنصادق على اتفاق وقف إطلاق النار

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم (الثلاثاء)، أن الحكومة الأمنية ستوافق هذا المساء على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، مع «حرية الحركة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)

المحكمة توافق على تأجيل شهادة نتنياهو 7 أيام

وافقت المحكمة المركزية في القدس على طلب نتنياهو بشكل جزئي، وقررت تأجيل بدء الاستماع لشهادته 7 أيام.

نظير مجلي (تل أبيب)

المحكمة توافق على تأجيل شهادة نتنياهو 7 أيام

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

المحكمة توافق على تأجيل شهادة نتنياهو 7 أيام

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)

على الرغم من أنها ألمحت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول عرقلة محاكمته بتهم الفساد وإطالة أبحاثها، وافقت المحكمة المركزية في القدس على طلبه بشكل جزئي، وقررت تأجيل بدء الاستماع لشهادته 7 أيام، من الاثنين المقبل إلى الاثنين الذي يليه.

ورفضت المحكمة ادعاءات نتنياهو بأنه يطلب التأجيل لأسباب أمنية، أو لأخرى تتعلق بانشغالاته الكثيرة في شؤون الدولة، خصوصاً صدور مذكرة اعتقال ضده وضد وزير دفاعه السابق يوآف غالانت من المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إن المحكمة المستمرة منذ 4 سنوات، يجب أن تسرع من وتيرة انعقادها، ولا يجوز تأجيلها أكثر مما حصل حتى الآن.

وهذا يعني أن نتنياهو سيضطر إلى المثول أمام المحكمة 3 أيام في الأسبوع، كل مرة 7 ساعات. وستعقد المحكمة العليا جلسة لها خلال الأسبوع المقبل، لتقرر إن كان يستطيع في هذه الحالة أن يدير شؤون الدولة، أو تقرر عزله عن منصب رئيس الحكومة، على الأقل خلال ساعات الإدلاء بشهادته.

3 قضايا

والمعروف أن نتنياهو واجه تحقيقات في الشرطة طيلة سنتين، انتهت في سنة 2020 بتقديم لائحة اتهام ضده في 3 قضايا، هي: «قضية 1000»: الغش وخيانة الأمانة، إذ يُتهم بتلقي هدايا، خصوصاً السيجار وزجاجات الشمبانيا، من رجال أعمال ذوي نفوذ، مقابل خدمات سياسية. و«قضية 2000»: الغش وخيانة الأمانة؛ حيث يُتهم بعرض مساعدة لصحيفة «يديعوت أحرونوت» المحلية على تحسين توزيعها مقابل تغطية صحافية في صالحه. و«قضية 4000»: تلقي الرشوة والغش وخيانة الأمانة.

وبنيت هذه الاتهامات على واقع قيام نتنياهو باستغلال منصبه في رئاسة الوزراء ووزارة الاتصالات وقت حدوث المخالفات المزعومة؛ إذ يُتهم بتشجيع اتخاذ قرارات حكومية في صالح كبير حاملي أسهم شركة «بيزيك» للاتصالات، شاؤول إلوفيتش، مقابل تغطية إيجابية من موقع «واللا» الإخباري، الذي يملكه إلوفيتش. وينفي نتنياهو بشدة جميع التهم الموجهة إليه، ويصفها بحملة من خصومه السياسيين ضده، وتعهد «بتطهير سمعته».

ولكنه، من وراء الكواليس، يدير محادثات غير مباشرة مع النيابة لإنهاء المحاكمة باتفاق يقضي بإلغاء التهم القاسية والإبقاء على تهم بسيطة. وقد فشلت المحادثات حتى اليوم؛ لأن النيابة تطالب بأن يعترف بالتهم ويترك الحياة السياسية، وعندها تتنازل عن طلب الحكم عليه بالسجن، وهو يرفض الاعتراف، ويرفض اعتبار التهم «عاراً يستوجب الاستقالة»، ويصر على البقاء في الحكم حتى نهاية الدورة البرلمانية التي انتخب فيها، أي في أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2026.

كما يستغل ثغرة في القانون تتعلق بمنصبه، ففي إسرائيل يجبر القانون الوزير بالاستقالة من الحكومة في حال توجيه لائحة اتهام ضده، باعتبار أن من الصعب على الوزير بهذا المنصب أن يدير شؤون وزارة وهو يدير محاكمته، فضلاً عن أن سمعة الدولة تُمس إذا كان فيها وزراء متهمون. لكن القانون لا يلزم رئيس حكومة بهذا المبدأ. وحاول نتنياهو نفسه تعديل هذا القانون في سنة 2008، عندما كان زعيماً للمعارضة، وكان رئيس الوزراء يومها إيهود أولمرت. فقد وجهت اتهامات تلقي رشى لأولمرت، وخرج نتنياهو في حملة لعزله باعتبار أن «إسرائيل دولة ديمقراطية حضارية لا يجوز أن يكون فيها رئيس حكومة متهم بالفساد».

وقد رضخ أولمرت يومها واستقال من رئاسة الحكومة والحزب، وجرت انتخابات فاز فيها نتنياهو.

وينقسم المجتمع الإسرائيلي بخصوص استمرار نتنياهو في أداء مهامه رئيساً للوزراء، فمنتقدوه يقولون إن المحاكمة تجعله غير ملائم لرئاسة الوزراء، لكن مَن يدعمونه في حزبه وخارجه، يقولون إنه انتخب بشكل ديمقراطي، ويجب عدم إجباره على الاستقالة.

وحتى لو صدر حكم ضد نتنياهو فلن يجبر على الاستقالة قبل استنفاد كل فرص الاستئناف، وهو الأمر الذي قد يستغرق شهوراً أو سنوات. ومن الواضح أن نتنياهو يسعى لإطالة المحكمة لأكبر قدر ممكن. وليس هذا فحسب، بل يعمل بكل قوته لإطالة عمر حكومته، مهما بلغ الثمن. وقد كان يعرف أن الحرب هي أفضل ضمانة لاستمرار حكمه، لكن الجيش كان يرفض شنّ حرب. وفي 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما شنّت «حماس» هجومها على إسرائيل، توفرت هذه الأداة له. وهو يواصل الحرب للشهر الرابع عشر على التوالي، وقام بتوسيعها إلى لبنان، عندما قرر «حزب الله» شن حرب إسناد لغزة.

ويتهمه خصومه بالمقامرة بحياة الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس»، والتضحية بحياة الجنود الإسرائيليين في سبيل بقائه في الحكم. وهو يرمي بذلك أن يكون في المحكمة بمكانة أقوى بصفته رئيس حكومة.

وقد توجهت جمعيات حقوقية إلى المحكمة العليا لإجباره على الاعتزال، حتى لو لم يكن هناك قانون يلزمه بذلك، باعتبار أن وجود رئيس حكومة متهم بالفساد يلحق ضرراً بسمعة إسرائيل، كما قال نتنياهو نفسه عندما طالب أولمرت بالاستقالة، وهذا فضلاً عن أنه لن يستطيع إدارة شؤون الدولة وهو يدير محاكمة طويلة ومريرة مثل هذه. وقد قررت المحكمة منح النيابة والدفاع مهلة حتى يوم الأحد المقبل لإعطاء رأيها في هذا الموضوع، حتى تبت في الالتماس المذكور.