إيران تواجه خيارات صعبة «لإنقاذ ماء الوجه» بعد الضربات الإسرائيلية

صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)
صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)
TT

إيران تواجه خيارات صعبة «لإنقاذ ماء الوجه» بعد الضربات الإسرائيلية

صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)
صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)

قد تحدّد الطريقة التي ستختار بها إيران الرد على الهجوم الجوي الإسرائيلي العلني وغير المسبوق على أراضيها، السبت الماضي، ما إذا كانت ستنزلق المنطقة نحو حرب شاملة أمْ ستبقى عند مستوى من العنف المدمر والمزعزع للاستقرار.

ووفق تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، فإن ضربة بحجم تلك التي وجّهتها إسرائيل إلى إيران سوف تقابَل برد قوي. ومن الخيارات المحتملة جولة أخرى من وابل الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران بالفعل مرتين هذا العام.

الرد العسكري من شأنه أن يسمح للقيادة الثيوقراطية في إيران بإظهار القوة ليس فقط لمواطنيها، لكن أيضاً لحركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان، الجماعات المسلحة التي تقاتل إسرائيل والتي تشكل طليعة ما يسمى «محور المقاومة» في طهران.

ومع ذلك، ما زال من المبكر القول ما إذا كانت القيادة الإيرانية ستسلك هذا الطريق. وقد تقرر طهران عدم الرد بالقوة بشكل مباشر في الوقت الحالي، لأن القيام بذلك قد يكشف عن نقاط ضعفها ويدعو إلى رد إسرائيلي أكثر قوة، كما يقول المحللون.

وقالت صنم فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز «تشاتام هاوس» للأبحاث ومقرّه لندن: «إيران ستقلل من تأثير الضربات، التي هي في الواقع خطيرة للغاية». وأضافت أن إيران «محاصرة» بالقيود العسكرية والاقتصادية، وعدم اليقين الناجم عن الانتخابات الرئاسية الأميركية وتأثيرها على سياسة واشنطن في المنطقة.

حتى بينما تشتعل الحروب في الشرق الأوسط، كان الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان يشير إلى أن بلاده تريد اتفاقاً نووياً جديداً مع الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الدولية الساحقة.

بدا أن بياناً صيغ بعناية من الجيش الإيراني مساء السبت قد قدم بعض مساحة المناورة لطهران للتراجع عن المزيد من التصعيد. وأشار البيان إلى أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان أكثر أهمية من أي انتقام ضد إسرائيل.

وكان كلام المرشد الإيراني علي خامنئي، صانع القرار النهائي في إيران، مدروساً أيضاً في تعليقاته الأولى على الضربة، الأحد. وقال إن الهجوم «لا ينبغي المبالغة فيه أو التقليل من شأنه».

استهدفت ضربات يوم السبت بطاريات صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية ومرافق إنتاج الصواريخ، وفقاً للجيش الإسرائيلي. وبهذا تكون إسرائيل قد كشفت عن نقاط ضعف في الدفاعات الجوية الإيرانية ويمكنها الآن تكثيف هجماتها بسهولة أكبر، كما يقول المحللون.

تشير صور الأقمار الاصطناعية التي حللتها الوكالة إلى أن الغارة الإسرائيلية ألحقت أضراراً بمرافق في قاعدة بارشين العسكرية جنوب شرقي طهران والتي ربطها الخبراء سابقاً ببرنامج الأسلحة النووية الإيراني السابق وقاعدة أخرى مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية.

لم يتم ضرب المواقع النووية الحالية. وأكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي ذلك بعد قوله إن «المنشآت النووية الإيرانية لم تتأثر».

نقلت إسرائيل خلال الشهر الماضي معركتها إلى لبنان وقامت بقتل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله كما استهدفت عناصر الحزب في هجوم جريء قامت خلاله بتفجير أجهزة «البيحر» الخاصة بهم. ويقول المحللون أن

«(حزب الله)، حليفها الأقوى ضد إسرائيل، قد تدهور بشكل كبير وعلى طهران أن تأخذ ذلك بعين الأعتبار».

وقد اقترح خبراء إقليميون أن قائمة الأهداف المحدودة نسبياً التي حدَّدتها إسرائيل كانت محسوبة عمداً لتسهيل تراجع إيران عن التصعيد.

وقال يوئيل جوزانسكي، الذي عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وهو الآن باحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن قرار إسرائيل بالتركيز على الأهداف العسكرية البحتة يسمح لإيران «بإنقاذ ماء الوجه».

وقد تكون اختيارات إسرائيل للأهداف انعكاساً على الأقل جزئياً لقدراتها. فمن غير المرجح أن تكون قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية بمفردها وستحتاج إلى مساعدة من الولايات المتحدة، كما قال جوزانسكي.

إلى جانب ذلك، لا تزال إسرائيل تتمتع بالنفوذ لملاحقة أهداف ذات قيمة أعلى إذا ردت إيران - خصوصاً الآن بعد تدمير العقد في دفاعاتها الجوية.

كتب توماس جونو، أستاذ جامعة أوتاوا الذي يركز على إيران والشرق الأوسط الأوسع، إن حقيقة أن وسائل الإعلام الإيرانية قلَّلت في البداية من أهمية الضربات تشير إلى أن طهران قد ترغب في تجنب المزيد من التصعيد. ومع ذلك، فهي عالقة في موقف صعب. وأضاف: «إذا ردت، فإنها تخاطر بتصعيد... وإذا لم ترد، فإنها ترسل إشارة ضعف».

واتفقت فاكيل على أن رد إيران من المرجح أن يكون خافتاً وأن الضربات كانت مصممة لتقليل احتمالات التصعيد. وقالت: «لقد أظهرت إسرائيل مرة أخرى دقتها وقدراتها العسكرية التي تفوق بكثير تلك التي تمتلكها إيران».

لعقود من الزمان، تكهن القادة والاستراتيجيون في المنطقة حول ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب إيران علناً يوماً ما وكيف، تماماً كما تساءلوا عن شكل الهجمات المباشرة من قِبل إيران، وليس من قِبل الجماعات المسلحة بالوكالة.

اليوم، هذا واقع. ومع ذلك، فإن كتاب اللعب على أي من الجانبين غير واضح، وربما لا يزال قيد الكتابة.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تستهدف موالين لإيران بسوريا

شؤون إقليمية جانب من دخان القصف على درعا (المرصد السوري لحقوق الانسان)

إسرائيل تستهدف موالين لإيران بسوريا

في هجوم هو الأكثر دموية والعاشر منذ بداية الشهر الحالي داخل الأراضي السورية، قُتل أكثر من 40 شخصاً وجُرح نحو 50 آخرين بغارات إسرائيلية طالت 3 مواقع في مدينة

«الشرق الأوسط» (دمشق - بغداد)
المشرق العربي عناصر ميليشيات في البادية السورية (مواقع التواصل الاجتماعي)

إيران تعزز ميليشياتها في سوريا

في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والتهديد بقطع شريان طهران ـ دمشق، تعزز إيران قوة الميليشيات التابعة لها في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الصواريخ الإيرانية تُعرض في متحف القوة الجوية الفضائية لـ«الحرس الثوري» في طهران بإيران الجمعة (رويترز)

إسرائيل تعتبر عقوبات «الأوروبي» على إيران بأنها خطوات ضرورية

رحب وزير الخارجية الإسرائيلي بالعقوبات الجديدة التي أعلن الاتحاد الأوروبي فرضها على طهران ووصفها بأنها «خطوات ضرورية».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية ضابطة فيتنامية تجرب سلاحاً خلال معرض الدفاع الدولي في هانوي (أرشيفية-رويترز)

إيران وإسرائيل تشاركان بمعرض للمعدات العسكرية بفيتنام

قالت وزارة الدفاع الفيتنامية اليوم الثلاثاء، إن شركات من إيران وإسرائيل والصين وروسيا والولايات المتحدة ستعرض معدات عسكرية بمعرض للأسلحة في العاصمة هانوي.

«الشرق الأوسط» (هانوي )
شؤون إقليمية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ (إ.ب.أ)

رئيس إسرائيل يلغي رحلته لأذربيجان بعد رفض تركيا السماح لطائرته بالعبور

ألغى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ زيارته المخطط لها إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «COP29» في باكو بأذربيجان؛ لأن تركيا رفضت السماح لطائرته بالمرور.


نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
TT

نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

بعد أن نجح في التخلص من وزير دفاعه، يوآف غالانت، من دون خسائر فادحة، يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإزاحة رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي، وإقالته.

ودلت سلسلة إجراءات تمهيدية، على نيات نتنياهو، وبلغت أوجها بالبيان الذي بثه بالصوت والصورة، مساء السبت، وتحدث فيه إلى الإسرائيليين بشأن قضية تسريب الوثائق الأمنية من مكتبه، مؤكداً أنه يتعرض لحملة «ملاحقة وتشويه» تستهدف معسكره السياسي.

وزعم نتنياهو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية امتنعت في أكثر من مناسبة عن تزويده بوثائق مهمة، ومنعته من الاطلاع على معلومات سرية حساسة أيضاً بدعوى (دوافع سياسية)، بعدما اتهم رئيس الوزراء الأجهزة الأمنية بالانتقاء في التحقيق في كثير من التسريبات الخطيرة، دافع نتنياهو عن الناطق باسمه، إليعزر فيلدشتاين، المتورط في إحدى قضايا التسريب، لارتباطه بوثيقة السنوار المزيفة (التي ادعت أن قائد حماس خطط للهرب من البلاد مع مجموعة من المحتجزين الإسرائيليين، وتبين أنها مزيفة) والمتهم بـ«تسريب معلومات سرية بهدف المس بأمن الدولة».

إيلي فيلدشتاين الناطق باسم نتنياهو والمتهم الرئيسي بقضية تسريب وثائق من مكتب رئيس الوزراء (القناة 12 الإسرائيلية)

ورأى نتنياهو لائحة الاتهام ضد فيلدشتاين، إلى جانب التحقيقات الأخرى المرتبطة بمكتبه، «حملة صيد» موجهة ضده وضد معسكره وأنصاره.

وقال مخاطباً الإسرائيليين إن «هذه الحملة ليست موجهة ضده شخصياً فقط، بل ضدكم الجمهور الكبير الذي انتخبني وضد طريقتي في مواجهة أعدائنا».

ماكينة اليمين

كانت ماكينة الدعاية لليمين الإسرائيلي، قد بدأت حملة تحريض واسعة ضد الأجهزة الأمنية منذ 14 عاماً، لكنها في السنة الأخيرة زادت الهجوم وبشكل خاص ضد رئيس أركان الجيش هاليفي، على خلفية الموقف الذي يتبناه مع رئاسة الأركان، ويقضي بضرورة وقف الحرب والتوجه إلى صفقة مع «حماس»، وعدوه موقفاً تخريبياً ضد إسرائيل.

وقد خرج موقع «ميدا» اليميني بتقرير تحت عنوان «التخريب السياسي الذي يقوم به هرتسي هاليفي»، وفيه يشير إلى تاريخ مما يصفه بـ«التمرد على القيادة السياسية».

ويقول التقرير: «لم يبدأ سلوك هاليفي التخريبي مع بداية الحرب، بل كان قائماً منذ البداية، لقد وقع الانفجار الأول بينه وبين نتنياهو، بالفعل، في الأسابيع الأولى من الحرب... في حينه أعلن الجيش الإسرائيلي أنه (مستعد لهجوم بري)، لكن نتنياهو هو الذي يؤخر الموافقة».

خلفية هذا التوتر هي عدم الرضا في مكتب نتنياهو عن الخطط التي طرحها المستوى العسكري، ويشير الموقع اليميني أنه «حينها خطط الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة لمناورة محدودة بمشاركة عدد قليل من القوات بهدف تنفيذ سلسلة من الغارات محدودة النطاق وليس احتلالاً كاملاً وواسعاً للقطاع، وكان على الجيش الإسرائيلي أن يعد خططاً جديدة، وهذا جزء من سبب تأخير المناورة البرية».

مؤيدون لليمين الإسرائيلي خلال مظاهرة لدعم نتنياهو في القدس سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

ثم يعدد الموقع حالات كثيرة أخرى ادعى فيها أن نتنياهو «كان القائد القوي الذي يطلب ضربات قوية وعمليات عسكرية عميقة، لكن الجيش كان يسعى للتخاذل، ويمتنع عن الإقدام والالتحام».

قضية المحتجزين

يذهب التقرير إلى أن قضية «تحرير المحتجزين» هي القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث إن تيار اليمين الإسرائيلي يعد موقف الجيش تمرداً على القيادة السياسية.

وبينما دعا هاليفي، في خطاب ألقاه في أبريل (نيسان) 2024 بمناسبة مرور 6 أشهر على اندلاع الحرب، إلى «تنفيذ صفقة الرهائن فعلياً»، عبر نتنياهو عن مواقف متشددة، ورفض التنازل عما وصفه بـ«الخطوط الحمراء».

وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، تم نشر إحاطة صحفية أخرى، اتهم هرتسي هاليفي خلالها، نتنياهو بالمسؤولية عن حقيقة أن الجيش الإسرائيلي مُطالب بالعمل مرة أخرى في جباليا، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا في صفوف الجيش الإسرائيلي.

ويختتم الموقع اليميني مستنكراً إحاطة هاليفي: «من الصعب تصديق أن هذه الكلمات تقال، لكنه في الواقع (رئيس الأركان) يلوم الحكومة على مقتل الجنود».

غريب في الحكومة

المعروف أن رئيس الأركان هاليفي كان قد عُين في منصبه في سبتمبر (أيلول) 2022، في زمن حكومة نفتالي بينت ويائير لبيد السابقة، وذلك في خضم الحملة الانتخابية، وخلال فترة وجودها كحكومة انتقالية.

ويقدر أنصار نتنياهو أن هاليفي شعر منذ اللحظة الأولى، وكأنه «زرع غريب في الحكومة الجديدة التي أقامها نتنياهو بعد الانتخابات».

وكال موقع «ميدا» اليميني الاتهامات لهاليفي وبعدما وصفه بأنه «رئيس أركان متمرد لا يفهم مكانته في الهرم الإداري وتبعيته للرتبة المنتخبة»، اتهمه بأنه «واحد من رؤساء الأجهزة الأمنية الذين أعلنوا أنهم يتنازلون فعلياً عن النصر في الحرب، وأنه (لا يوجد خيار) سوى قبول شروط (حماس) للصفقة».

ويصل التقرير إلى مبتغاه بالقول: «لقد كان ينبغي طرد هاليفي فور تشكيل الحكومة (حكومة نتنياهو)، وهذا هو فشل نتنياهو، لكن لم يفت الأوان لإصلاحه. لا يمكن كسب الحروب مع رؤساء الأركان المتمردين».