الإعلام الإسرائيلي يكسر صمته إزاء جرائم ارتكبها الجيش

مستشار سابق للأمن القومي يدعو الجنود إلى رفض الأوامر

فلسطينيون يهربون من القصف الإسرائيلي قرب مستشفى الشفاء في غزة نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطينيون يهربون من القصف الإسرائيلي قرب مستشفى الشفاء في غزة نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الإعلام الإسرائيلي يكسر صمته إزاء جرائم ارتكبها الجيش

فلسطينيون يهربون من القصف الإسرائيلي قرب مستشفى الشفاء في غزة نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطينيون يهربون من القصف الإسرائيلي قرب مستشفى الشفاء في غزة نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

بعد صمت إعلامي إسرائيلي عن جرائم يرتكبها الجيش في غزة والضفة الغربية ثم لبنان، كسرت وسائل إعلام رقابتها الذاتية جزئياً، وعرضت جانباً من الصورة.

ونشرت قنوات فضائية تجارية ورسمية الشريط الذي نُشر في الشبكات الاجتماعية وعمَّمته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، الأربعاء، عن الجريمة الرهيبة التي ارتُكبت في مخيم جباليا يوم الجمعة الماضي، ويظهر فيه الطفل محمد سالم، وهو يمشي أمام بيته في الشارع، وإذا بطائرة تقصفه من الجو فتقطعت أوصاله، وعندما هرع بعض الفتية في المكان لإنقاذه، قامت الطائرة المغيرة بقصف المكان بصاروخ آخر، فقضى عليه وأصاب الفتية.

وبدا من الفيديو أن من صورت الشريط هي الصحافية الفلسطينية وفاء طاهر، التي كانت تصف ما تشاهده بهلع وتوتر شديد كمن لا يصدق هذه الفظاعة.

وأشارت «واشنطن بوست» إلى أنها طلبت وتلقت رداً من الجيش لكنه تهرب من الجريمة، وراح يتحدث عن «سياسة الجيش لمطاردة (حماس) وتجنب المدنيين»، ولم يعطِ أي تفسير لتصرفاته.

ونقلت الصحافة الإسرائيلية الخبر كما هو، فيما يبدو متغيراً في النهج الإسرائيلي خلال هذه الحرب، إذ إن رؤساء تحرير الصحف والقنوات والإذاعات اتخذوا قراراً التزموا فيه بنوع من الرقابة الذاتية، دون حاجة لأوامر الرقابة العسكرية، وبموجبه امتنعت كل وسائل الإعلام عن نشر الحقائق حول الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وفي لبنان، وكل ما فعله الجيش منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وطيلة سنة ونيف لم يطَّلع الإسرائيليون على ما جرى في غزة من قتل وتدمير، إلا إذا اعتمدوا على وسائل الشبكات الاجتماعية، وقد فعل الصحافيون ذلك ضمن الالتزام بموقف موحد وراء الجيش مهما فعل.

وقد كسرت هذا القرارَ صحيفةُ «هآرتس» وبعض المواقع اليسارية، في منتصف السنة، لكنها لم تستطع نشر كل ما وصل إليها من معلومات رهيبة، فنشأ وضع يكون فيه العالم يعرف بها ويشهد مظاهرات جبارة ضدها، وفي القيادة الإسرائيلية يعدّونها مظاهر معادية للسامية ولليهود».

لكنَّ هؤلاء المحررين ومعهم المراسلون العسكريون والمعلقون والمحللون يبررون تصرفهم بالقول إن «الجمهور الإسرائيلي، بعد مذبحة غلاف غزة، التي قتل فيها 1200 شخص جلهم من المدنيين، لا يريد أن يعرف ماذا يجري في غزة ولا يهمه ما يعاني الفلسطينيون».

وقد نشرت «القناة 12»، الليلة قبل الماضية، تقريراً إخبارياً عن الحياة في المنطقة الشمالية من قطاع غزة. وكان تقريراً موضوعياً نسبياً، إذ لم يشوِّه الحقائق، ولكنه خفَّف إبراز الدور الإسرائيلي في التسبب بهذه الكوارث الإنسانية.

دعوة لرفض الأوامر

من جهة ثانية، نقلت الشبكات الاجتماعية منشوراً كتبه عيران عتصيون، نائب مستشار الأمني القومي السابق في الحكومة الإسرائيلية، يحث فيه الجنود الذين يخدمون في شمالي قطاع غزة على التمرد العلني ورفض الأوامر التي قد تشكل جرائم حرب.

وقال فيه إن الجيش الإسرائيلي بتعليمات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باشر تنفيذ «خطة الجنرالات» لترحيل أهل غزة من الشمال وتجويعهم، وهذه جرائم حرب ينبغي رفضها، حتى لا يحاكَم هؤلاء الجنود وضباطهم في محكمة الجنايات الدولية».

وتابع: «يجب عليهم (الجنود) أن يرفضوا. إذا كان من المتوقع أن يرتكب جندي أو ضابط شيئاً قد يُشتبه في أنه جريمة حرب، فعليه أن يرفض. هذا ما كنت لأفعله لو كنت جندياً. وهذا ما أعتقد أن أي جندي إسرائيلي يجب أن يفعله».


مقالات ذات صلة

الكنيست الإسرائيلي يقر مشروع قانون يحظر أنشطة «الأونروا»

شؤون إقليمية من داخل الكنيست الإسرائيلي (إ.ب.أ)

الكنيست الإسرائيلي يقر مشروع قانون يحظر أنشطة «الأونروا»

أقر الكنيست الإسرائيلي، الاثنين، تشريعاً يحظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) من العمل داخل إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية بناية استهدفتها مقاتلات إسرائيلية في صور جنوب لبنان الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 00:38

إسرائيل و«حزب الله» يتفاوضان على مقترحات هوكستين بتصعيد ميداني «شرس»

أكد خبراء في تل أبيب أن الطرفين يستخدمان النار أداة أساسية في المفاوضات.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

إسرائيل ترصد الخلافات الداخلية في إيران وتحذرها من الرد

عقدت القيادة الإسرائيلية اجتماعاً ضم كبار المسؤولين الأمنيين لمناقشة السيناريوهات المحتملة لرد إيران، وتوصلوا إلى استنتاج بأن القيادة الإيرانية لا تزال مترددة.

«الشرق الأوسط» ( تل أبيب)
خاص عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

خاص «خبراء» من «الحرس الثوري» يشرفون على معارك جنوب لبنان

أكد مصدر سياسي لبناني على صلة وثيقة بـ«حزب الله» لـ«الشرق الأوسط»، إشراف «خبراء» من «الحرس الثوري» على المعارك التي يخوضها الحزب، لكنه نفى وجود مقاتلين إيرانيين.

محمد شقير (بيروت)
شؤون إقليمية مقاتلة إسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)

تقرير: مقاتلة إسرائيلية كادت تصطدم بأخرى بسبب خطأ من برج مراقبة

قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن طائرة مقاتلة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية كادت أن تصطدم بطائرة أخرى على مدرج في قاعدة جوية، مساء السبت.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إسرائيل ترصد الخلافات الداخلية في إيران وتحذرها من الرد

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل ترصد الخلافات الداخلية في إيران وتحذرها من الرد

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

في أعقاب الأبحاث التي أجرتها القيادات الأمنية والسياسية، والتي رصدت الخلافات الداخلية في إيران حول كيفية التعامل مع الهجوم الإسرائيلي، يوم السبت، وسبل الرد على هذا الهجوم أو تجاوز تداعياته، وجهت تل أبيب تهديداً جديداً بأنها سترد على أي رد بشكل أقسى.

كما أشارت إلى صور جديدة تم تسريبها تظهر أن حجم الإصابات كان أكبر بكثير مما تصوره طهران، وأن الهجوم قد أصاب عدة مواقع حساسة، بما في ذلك منشآت تتعلق بالمشروع النووي الإيراني.

وقالت مصادر في تل أبيب إنه «على الرغم من التفاهمات مع الولايات المتحدة بعدم قصف المواقع المتعلقة بالمنشآت النووية أو النفطية، قامت إسرائيل بقصف وتدمير ثلاثة مبانٍ في قاعدة بارشين، التي تقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة طهران، والتي تُستخدم لإجراء تجارب في المجال النووي ولإنتاج الوقود الصلب للصواريخ الباليستية. وأكدت المصادر أن إيران استخدمت هذا الموقع لتطوير رؤوس نووية، وأنه تعرض في السابق (عام 2022) لضربات خفية عرقلت تطويره لمدة عام. كما أن القصف الإسرائيلي الجديد من المتوقع أن يؤخر ما تم التخطيط له لمدة سنة على الأقل. بالإضافة إلى ذلك، دُمرت عدد من المواقع التي كانت تُستخدم لتطوير صناعة الصواريخ الباليستية الجديدة القادرة على الوصول إلى إسرائيل. وقد أكدت هذه الرواية بإرفاقها بصور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها شركة «Planet Labs»، إذ تمت المقارنة بين الصور قبل الهجوم وبعده، مما يظهر المباني المدمرة بوضوح.

وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شاركت حوالي 100 طائرة في الهجوم الإسرائيلي على 20 موقعاً في إيران، معظمها من الطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى بعض الطائرات المستخدمة للمراقبة والحماية، وكذلك لتشويش الرادارات وتزويد الوقود، بما في ذلك الطائرات المسيرة. وأوضحت الصحيفة أن أياً من الطائرات الإسرائيلية المقاتلة لم تخترق أجواء إيران، بل اعتمدت على القصف من مسافات بعيدة.

كما نقلت الصحيفة عن مصادر داخل إيران أن عدد القتلى في هذا الهجوم ليس أربعة أشخاص، كما تم الإبلاغ سابقاً، بل يتراوح بين 20 و27 شخصاً. ورصدت الصحيفة تصريحات خبراء أمنيين أفادوا بأن المهمة الأولى للهجوم كانت شل عمل الرادارات التي نصبتها إيران في البلاد، وكذلك في سوريا والعراق، بينما كانت المهمة الثانية هي قصف منظومات الصواريخ المضادة للطائرات. ونتيجة لذلك، لم تنجح هذه المنظومات في إسقاط أي طائرة إسرائيلية.

ولُوحظ أن استمرار نشر الرواية الإسرائيلية، الذي يتخذ في بعض الأحيان طابعاً استفزازياً تجاه القيادات الإيرانية، يعزز التوجه المطالب بالانتقام عبر رد إيراني. وفي أعقاب المواقف التي أظهرها المرشد الإيراني علي خامنئي، ورئيس البرلمان، الجنرال محمد باقر قاليباف، التي تعكس روح الانتقام وحتمية الرد على الهجوم الإسرائيلي، عقد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اجتماعاً لقادة الأجهزة الأمنية، بحضور وزير الدفاع، يوآف غالانت، ومستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي.

وتداول المجتمعون خلال هذا الاجتماع حول هذه المسألة والسيناريوهات المحتملة لرد الفعل الإيراني. وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أن القيادة الإيرانية لم تتخذ بعد قراراً بشأن كيفية الرد، وأنها لا تزال تراقب ردود الفعل المحتملة، سواء في حال ردت أو لم ترد.

تقييم استخباراتي

وفقاً لتسريبات للإعلام، ترى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان) أن «الضربة للأهداف العسكرية كانت قاسية للغاية في نتائجها، لكنها تركت لطهران مجالاً للإعلان عن فشل إسرائيل». وأشارت التقارير إلى «نشوب خلافات بين تيارين في إيران: التيار المتشدد الذي يطالب بالرد الفوري، والتيار البراغماتي الذي يدعو لامتصاص الضربة والمضي قدماً في تنفيذ المشاريع الأمنية الكبرى».

وأضافت التقارير أن «الناطقين باسم التيار المتشدد، بمن فيهم خامنئي وقاليباف، الذين تحدثوا عن حتمية الرد، قد لا يقصدون بالضرورة شن هجوم مباشر. وربما يشيرون إلى تنفيذ عمليات إرهابية، أو تفعيل الجماعات المسلحة في العراق واليمن، مثل الحوثيين، أو إطلاق صواريخ ثقيلة من قبل (حزب الله)، أو حتى تحقيق حلمهم بتنفيذ اغتيالات تستهدف شخصيات إسرائيلية».

وأكد ممثلو «أمان» أن «طهران تضم معسكرين مستعدين للصراع: معسكر المتشددين الذين يطالبون برد مباشر وفوري وتسريع العمل على البرنامج النووي، في مقابل الرئيس البراغماتي وحكومته الذين يقترحون اتباع أساليب أخرى». وأشاروا إلى أن «المرشد الإيراني علي خامنئي سيكون في موقف وسطي بين الطرفين. ومع استمرار انتظار رفع مستوى الدفاع الجوي الإيراني من قبل روسيا، تظل المخاطر التي تواجه إيران كبيرة. لذلك، قد يميل خامنئي إلى ضمان تعهد بالتحرك في المستقبل، بينما يسعى لاحتواء الموقف في الوقت الحالي. ولكن كل الاحتمالات لا تزال مفتوحة».

ورغم ذلك، تقرر في إسرائيل مواصلة الرصد والمتابعة حتى تتضح الصورة بشكل أكبر، مع التركيز على الأهداف التي قد تختار إيران ضربها في حال قررت الرد، وتحديد طبيعة هذا الرد «هل سيكون رداً رمزياً لإغلاق الملف أم رداً جدياً قد يؤدي إلى فتح جولة جديدة من الحرب». وفي الوقت نفسه، حرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت على إطلاق تحذير، مؤكدين أن إسرائيل سترد على أي هجوم إيراني بشكل أشد بكثير من الضربات السابقة.