أثارت التعزيزات الضخمة التي دفعت بها تركيا إلى مواقع قواتها في مختلف المحاور في شمال غربي سوريا العديد من التساؤلات حول أسباب القيام بهذه الخطوة في هذا التوقيت.
أثارت التعزيزات الضخمة التي دفعت بها تركيا إلى مواقع قواتها في مختلف المحاور في شمال غربي سوريا العديد من التساؤلات حول أسباب القيام بهذه الخطوة في هذا التوقيت.
ولا تخفي تركيا قلقها من توسيع إسرائيل هجماتها من غزة إلى لبنان والهجوم على مواقع في سوريا، وهو ما دفع إلى عقد جلسة سرية للبرلمان، الثلاثاء الماضي، بحضور الرئيس رجب طيب إردوغان؛ لمناقشة التطورات والمخاطر على الأمن القومي في ظل تمدد الهجمات الإسرائيلية واقترابها من حدود تركيا الجنوبية.
وقدم وزيرا الدفاع، يشار غولر، والخارجية، هاكان فيدان، خلال الجلسة التي سيبقى مضمونها سرياً لمدة 10 سنوات، عرضاً حول الوضع في المنطقة في ظل الهجمات الإسرائيلية والتهديدات المحتملة على الأمن القومي التركي.
وغداة الجلسة السرية للبرلمان، حذر وزير الدفاع، يشار غولر، من جر المنطقة إلى اضطرابات كبيرة بسبب جهود إسرائيل لنشر «إرهاب الدولة» في لبنان، مؤكداً أن هذا الوضع يفرض على تركيا الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة وانتهاج سياسات استباقية.
وقال غولر، في كلمة خلال حضوره جانباً من فعاليات يوم المراقب المتميز لتمرين «فري فاير 2024» في ضواحي العاصمة أنقرة، إن «جهود إسرائيل لنشر إرهاب الدولة والاضطهاد في لبنان بعد فلسطين وقطاع غزة، زادت من خطر جر المنطقة الجنوبية لتركيا إلى اضطرابات كبيرة».
وأضاف أنه «في ظل هذه الأجواء الحرجة، يمكننا ضمان الردع بشكل أفضل من خلال الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة وانتهاج سياسات استباقية، وفي الوقت الذي نعمل فيه على القضاء على التهديد الإرهابي خارج حدودنا (في شمالي سوريا والعراق) دفاعاً عن أمن بلادنا، ندافع في الوقت ذاته بكل عزيمة عن حقوقنا ومصالحنا في بحارنا وأجوائنا».
وعدّ أن «الصراعات الخارجية لا سيما في المنطقة القريبة من تركيا، وتهديد الإرهاب والصراعات الجيوسياسية، تحتم على الجيش التركي زيادة جاهزيته القتالية».
وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا لتطبيع العلاقات مع دمشق وتشعر فيه بالقلق من التطورات في المنطقة نتيجة توسع العدوان الإسرائيلي ليشمل لبنان ومناطق في سوريا، بدأت تتحرك لمواجهة احتمال اندلاع مواجهة واسعة بين الجيش السوري و«هيئة تحرير الشام» وفصائل المعارضة المسلحة الأخرى في شمال سوريا، بما في ذلك مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا التي تمتد من اللاذقية إلى حلب مروراً بحماة وإدلب، والمعروفة باسم «منطقة بوتين - إردوغان».
ودفع الجيش التركي، خلال الأسبوعين الأخيرين، بتعزيزات عسكرية ضخمة دخلت ضمن أرتال من المعدات والجنود والإمدادات العسكرية واللوجيستية إلى مناطق سيطرة القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لأنقرة ومناطق «هيئة تحرير الشام».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن تركيا أرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة تقدر بأكثر من 190 آلية عسكرية، ما بين مدرعات ودبابات وناقلات جنود وشاحنات محملة بالإمدادات والمعدات اللوجيستية والذخيرة، وزعت على محاور استراتيجية عدة في ريفي إدلب وحلب، في ظل سعي أنقرة للحفاظ على نفوذها ومنع اندلاع مواجهات واسعة النطاق بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة.
وتزامنت التعزيزات التركية مع استعدادات «هيئة تحرير الشام» لشن عملية عسكرية واسعة ضد مناطق سيطرة القوات السورية بهدف توسيع نطاق سيطرتها في أرياف اللاذقية وحماة وإدلب، وفي مدينة حلب وريفها الغربي، أي في منطقة «بوتين - إردوغان».
وفي المقابل، دفع الجيش السوري بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى خطوط التماس مع «هيئة تحرير الشام»، وبخاصة محاور القتال في ريفي حلب وإدلب.
وترفض تركيا بشكل قاطع العملية العسكرية المحتملة من جانب «هيئة تحرير الشام»، خوفاً من تداعياتها الإنسانية؛ لأن المنطقة المستهدفة تضم ملايين النازحين وعدداً كبيراً من مخيمات اللاجئين.
ووفقاً لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أبلغت تركيا «هيئة تحرير الشام» برفضها القاطع لأي تحرك عسكري، وحذرتها من أنها لن تسمح بنقل أي جريح من عناصرها إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج، ولن تسمح بمرور أي إمدادات عسكرية من معبر «باب الهوى» الحدودي في شمال إدلب، والذي يعد شريان الحياة للشمال السوري.
وإلى جانب التعزيزات العسكرية المكثفة، أصدرت القيادة العسكرية التركية أوامرها لكل من قواتها والفصائل الموالية لها في شمال سوريا بالاستعداد الكامل والاستنفار ورفع الجاهزية.
وترى تركيا أن أي تصعيد عسكري في مناطق خفض التصعيد المحددة بموجب اتفاق تركي - روسي، سيؤدي إلى تداعيات كارثية على الوضع الأمني في المنطقة، وقد ينتج عنه موجة نزوح ضخمة إلى الحدود.
وقال مسؤول عسكري تركي، الخميس، إن بلاده تراقب التطورات من كثب، وإنه ليس هناك نزوح كبير إلى مناطق الحدود مع سوريا في ظل التصعيد الإسرائيلي في لبنان.
وأكد أن العمليات العسكرية للقوات التركية في شمال سوريا، تركز على هدفين؛ أولهما مكافحة التنظيمات الإرهابية، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والثاني منع أي موجات نزوح جديدة من داخل الأراضي السورية.
وفي ظل هذه التطورات، أعلنت موسكو أنها تعمل على التحضير لعقد الجولة الـ22 من مباحثات مسار آستانة للحل السياسي للأزمة السورية، بعد توقف 10 أشهر.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، إنه يجري حالياً تحضير الترتيبات الخاصة لتنظيم الاجتماع في العاصمة الكازاخية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «تاس».
وقال فيرشينين إن روسيا تعدّ «صيغة آستانة» بشأن سوريا مهمة وإيجابية للغاية.
كانت الجولة الـ21 من مفاوضات مسار آستانة عقدت في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، بمشاركة وفود الدول الثلاث الضامنة (روسيا وتركيا وإيران)، والوفد السوري ووفد المعارضة السورية، وحضور ممثلين للأردن ولبنان والعراق بوصفهم مراقبين، بالإضافة إلى الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
واتفقت الأطراف على عقد الجولة الـ22 في آستانة في النصف الثاني من العام الحالي، لكنها لم تعقد حتى الآن.
وعقد وزراء خارجية تركيا هاكان فيدان، ورسيا سيرغي لافروف، وإيران عباس عراقجي، اجتماعاً في إطار صيغة آستانة على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، حذروا خلاله من موجة عنف جديدة في سوريا على خلفية التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، ودعوا، على وجه التحديد، إلى عدم التصعيد في إدلب.