هل تستطيع فرنسا وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مجتمعاً مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مقره (د.ب.أ)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مجتمعاً مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مقره (د.ب.أ)
TT

هل تستطيع فرنسا وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مجتمعاً مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مقره (د.ب.أ)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مجتمعاً مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مقره (د.ب.أ)

يظهر إرسال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير خارجيته الجديد جان نويل بارو إلى إلى بيروت التي وصلها الأحد، محاولته تكرار نجاح بلاده قبل نحو ثلاثة عقود وقف هجوم إسرائيلي مماثل. لكن المشهد هذه المرة يبدو حافلأ بعوامل تحد من قدرة فرنسا على تحقيق ذلك

وزيارة بارو إلى بيروت جاءت بعد أن رفضت إسرائيل المقترح الفرنسي ــ الأميركي الداعي إلى هدنة من 21 يوماً تفتح الباب أمام مفاوضات وترتيبات أمنية مثل انسحاب قوات «حزب الله» مسافة 10 كيلومترات عن الحدود، ووقف الضربات الجوية الإسرائيلية، والذهاب إلى تسوية النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، وانخراط باريس وواشنطن في مراقبة الهدنة المشار إليها، والعودة إلى صيغة سابقة أثبتت فاعليتها، وعنوانها قيام لجنة رباعية فرنسية - أميركية - لبنانية - إسرائيلية، على غرار ما حدث في عام 1996، ما وضع حداً لعملية «عناقيد الغضب» الإسرائيلية.

وفي تلك العملية، لعبت فرنسا دوراً أساسياً في التوصل إلى اتفاق بفضل الدور المباشر الذي قام به الرئيس الراحل جاك شيراك شخصياً، ووزير خارجيته هيرفيه دو شاريت، وقتها.

الرئيس الفرنسي متحدثاً خلال المؤتمر الصحافي في مونتريال بكندا يوم 26 سبتمبر وإلى جانبه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (د.ب.أ)

ويبدو أن ماكرون يريد أن يلعب الدور نفسه، إلا أن الظروف تغيرت، والعلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية، في الوقت الحاضر، تختلف كثيراً عما كانت عليه في تسعينات القرن الماضي. ووفق سفير فرنسي سابق، فإن هناك أمرين يدلان بوضوح على ذلك: الأول أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض المقترح الأميركي ــ الفرنسي الذي لقي دعماً غربياً وعربياً قوياً، رغم أن بلورته قد تمت بالتفاهم مع إسرائيل ومع نتنياهو تحديداً، وهو ما أكده ماكرون شخصياً خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس وزراء كندا، الخميس الماضي، حيث وصف الاقتراح بأنه «متين»، وأنه أُعِدَّ بالتنسيق مع نتنياهو شخصياً والولايات المتحدة وفرنسا.

والأمر الثاني أن إسرائيل، اليوم، «تنفذ سياستها بغض النظر عما تقترحه واشنطن أو تسعى إليه، علماً أنها لا تستطيع، في مرحلة انتخابية، أن تفرض على إسرائيل وعلى نتنياهو تحديداً، سلوكاً معيناً، وسبق أن برز ذلك في موضوع اجتياح رفح أو خطط وقف النار المتلاحقة في غزة التي سقطت كلها بسبب رفض إسرائيل.

دبلوماسية عارية

بيد أن هذا الأمر لا يبدو جلياً في مقاربة ماكرون الذي أعرب، خلال وجوده في أوتاوا، عن اعتقاده أن الرفض الإسرائيلي لمقترح الهدنة «ليس نهائياً»، ومن ثم فإنه وعد بالعمل «في الساعات المقبلة من أجل إقناع إسرائيل بالالتزام، وتنفيذ وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً». لكنه، في الوقت نفسه، اعترف بأن إمكانية التأثير الفرنسي في إسرائيل محدودة؛ إذ قال، في حديث للإذاعة الكندية، ما مفاده: «أعتقد أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تزيد الآن الضغوط على رئيس وزراء إسرائيل للقيام بذلك».

وذهب إلى حد تهديد إسرائيل بدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد مرة أخرى للنظر في الحرب التي تقوم بها في لبنان. وقال ماكرون: «نحن مستعدون للدعوة إلى اجتماع جديد لمجلس الأمن من أجل طرح المسألة، وزيادة الضغوط لتحقيق نتائج ملموسة على وجه التحديد»، إلا أنه تناسى أن المجلس المذكور انعقد مرة أولى بدعوة من باريس وبحضور وزير خارجيته ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي من غير أن يصدر عنه أي بيان.

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مع قائد الجيش اللواء جوزف عون (أ.ف.ب - الجيش اللبناني)

لا شك أن الرئيس الفرنسي يعي تماماً أن الولايات المتحدة لن تسمح، قبل 35 يوماً من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بصدور قرار دولي يدين إسرائيل، أو على الأقل لا يحظى بموافقتها.

وعلى أية حال، تتساءل بعض الأوساط الدبلوماسية في باريس عن حقيقة الموقف الأميركي من الحرب الإسرائيلية على لبنان على ضوء تعليقين للرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس على اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، إذ وصف بايدن الاغتيال بأنه «معيار للعدالة لكثير من ضحاياه، ومنهم آلاف المدنيين الأميركيين والإسرائيليين واللبنانيين». وجاء في بيان للبيت الأبيض: «أميركا تدعم تماماً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». والكلام نفسه صدر عن مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة.

استناداً إلى ما سبق، يمكن استخلاص 3 أمور:

الأول: أن ماكرون يرى أن قدرة بلاده على التأثير في سير الأحداث في لبنان محدودة، وأن هناك حاجة لدور أميركي ضاغط.

والثاني: أن رهانه هذا يبدو في غير محله نظراً للتجارب السابقة في حرب غزة لجهة إرادة أميركا في ليّ ذراع إسرائيل، وامتناعها عن استخدام أوراق الضغوط المتوفَّرة بين يديها وأبرزها اثنتان هما الدعم العسكري غير المحدود، وآخر ما برز منه منحها 8 مليارات دولار، وتعزيز الحضور العسكري الأميركي في المنطقة لردع إيران عن الدخول في الحرب.

والثالث: شبكة الحماية الدبلوماسية التي تنشرها فوق إسرائيل في مجلس الأمن الدولي.

ورغم هذه التحفظات، وعد ماكرون بإعادة الملف اللبناني إلى مجلس الأمن. والحال أن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس وضع، الاثنين، شرطين لوقف العمليات العسكرية وهما: انسحاب قوات «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني، ونزع سلاحه، ما يعني عملياً أن الحرب ستتواصل. وثمة رأي يُجمع عليه المحللون العسكريون، ويفيد بأن إسرائيل التي ترى أنها نجحت في توجيه ضربات مؤلمة لـ«حزب الله»، لن تسمح بإعطائه الوقت الذي يحتاج إليه لإعادة ترتيب أموره سياسياً وعسكرياً، وترى أن فرصتها سانحة اليوم للنجاح بعدما فشلت سابقاً.

رافعة معطلة

من هذا المنظور، تظهر حدود التحرك الدبلوماسي الفرنسي، ويصح التساؤل حول ما حمله بارو إلى بيروت، بالإضافة إلى المساعدات الطبية والنصائح. وكتب بارو، الاثنين، على منصة «إكس» أن «ثمة حلولاً دبلوماسية»، وأن الطريق تمر عبر «وقف إطلاق النار واحترام القانون الدولي والإنساني وتنفيذ القرار 1701»، مذكّراً بأن فرنسا «لا تزال إلى جانب لبنان».

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال مؤتمره الصحافي في بيروت الاثنين (إ.ب.أ)

والواضح أن الوزير الفرنسي عدَّد ما ينبغي القيام به حتى تكون الدبلوماسية هي الطريق إلى وضع حد للحرب القاتلة على لبنان، إلا أنه لم يقل كيف يتحقق هذا الأمر، والوسائل التي يتعين اللجوء إليها ليصبح واقعاً.

رغم ما سبق، فإن الدبلوماسية الفرنسية ما زالت حية تُرزق، وباريس تتحرك في كل الاتجاهات، وتطالب يوماً بعد يوم، بـ«وضع حد فوري للضربات الإسرائيلية على لبنان»، وتشدد على «رفضها» أي عملية أرضية إسرائيلية في لبنان.

وكان ماكرون الرئيس الغربي الوحيد الذي اجتمع بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطلب إليه الدفع باتجاه التهدئة، ومنع التصعيد.

كذلك، فإن فرنسا هي القوة الغربية الوحيدة التي حافظت على قنوات تواصل مباشرة مع «حزب الله»، لكن الصعوبة اليوم أن المطلوب هو الضغط على إسرائيل.

ولا يبدو أن باريس وجدت السبيل إلى ذلك. وكان لها أن تستعين بالرافعة الأوروبية، لكن هذه الرافعة معطلة بسبب الانقسامات الأوروبية الداخلية بين دول مؤيدة بالمطلق لإسرائيل مثل النمسا وسلوفاكيا وألمانيا وهولندا، وأخرى ساعية لموقف متوازن مثل بلجيكا وإسبانيا وفنلندا وسلوفينيا، بينما تتأرجح باريس دون الثبات على موقف واضح. ولعل أبرز دليل على ذلك رفضها، حتى اليوم، الاعتراف بالدولة الفلسطينية.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (رويترز)

بري يدعو لجلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في يناير

كشفت وكالة الأنباء اللبنانية، اليوم (الخميس)، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري حدد التاسع من يناير المقبل لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود لبنانيون لدى وصولهم إلى صور أمس بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ (رويترز) وفي الإطار نازحون على متن سياراتهم لدى عودتهم إلى جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

عودة النازحين اللبنانيين... و«وقف النار» تحت الاختبار

‏تحرك الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة لتعزيز انتشارهما في جنوب لبنان، فجر أمس، بعد ساعات على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، فيما تكثفت الدعوات.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
المشرق العربي مواطنون يحملون أعلام «حزب الله» أثناء مرورهم بمبان مدمرة عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز) play-circle 00:33

«حزب الله»: حقّقنا «النصر» على إسرائيل

اعتبر «حزب الله»، اليوم (الأربعاء)، أنه حقّق «النصر» على إسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الجيش الإسرائيلي يحظر توجه السكان إلى جنوب نهر الليطاني ليلاً

TT

الجيش الإسرائيلي يحظر توجه السكان إلى جنوب نهر الليطاني ليلاً

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأربعاء)، حظر التجول على سكان جنوب لبنان المتوجهين إلى جنوب نهر الليطاني.

وقال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، اليوم (الأربعاء): «من أجل سلامتكم وأمن عائلتكم يحظر عليكم الانتقال جنوباً نحو القرى التي طالب جيش الدفاع بإخلائها أو نحو قوات جيش الدفاع في المنطقة».

وأضاف: «كل تحرك نحو هذه المناطق يعرضكم للخطر. نخبركم أنه ابتداء من الساعة الخامسة مساء (17:00) وحتى صباح غد في الساعة السابعة صباحاً (07:00) يُمنَع بشكل مطلق الانتقال جنوباً من نهر الليطاني».

وتابع: «من يُوجَد شمال نهر الليطاني ممنوع عليه الانتقال جنوباً، من يُوجَد جنوب نهر الليطاني يجب عليه أن يبقى في مكانه. نذكركم بأن جيش الدفاع لا يزال منتشراً في مواقعه بجنوب لبنان وفق بنود اتفاق وقف إطلاق النار حيث ستتعامل قواتنا مع كل تحرك ينتهك هذا الاتفاق وبحزم».

من جانبه، قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إن الجيش سيتعامل بكل حزم في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وإن القوات ستضرب عناصر «حزب الله» الذين يقتربون منها أو من منطقة الحدود.

ونقل بيان أصدره الجيش عن هاليفي قوله «كانت عملياتنا في لبنان حازمة للغاية، وسيكون تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار أكثر حزما».

وأضاف «وفقا للتوجيهات التي أقرها وزير الدفاع ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء، سنضرب بكل حزم عناصر (حزب الله) الذين يقتربون من قواتنا ومن منطقة الحدود والقرى داخل المنطقة التي حددناها».
وأعلن الجيش اللبناني، في وقت سابق اليوم، البدء بتعزيز انتشاره في جنوب لبنان، بعد إعلان رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، أن لبنان ملتزم بتنفيذ القرار الدولي «1701»، ونشر الجيش في الجنوب.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الجيش في بيان إنه «باشر تعزيز انتشاره في قطاع جنوب الليطاني وبسط سلطة الدولة بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان».

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ في الساعة الرابعة من فجر اليوم الأربعاء بالتوقيت المحلي.

وقال الجيش الإسرائيلي في وقت سابق إنه اعتقل أربعة مشتبه بهم بعدما اقتربوا من قواته في جنوب لبنان.

كما أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام بأن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على مجموعة من الصحافيين في بلدة الخيام بجنوب البلاد، مما أسفر عن إصابة اثنين بجروح.