إقامة جبرية مؤقتة لأسرة مهسا أميني... وقبضة أمنية بذكرى الاحتجاجات

حملة اعتقالات بمدن كردية... وأناشيد للناشطات في سجن إيفين

إيرانيتان دون حجاب في أحد شوارع طهران اليوم (أ.ف.ب)
إيرانيتان دون حجاب في أحد شوارع طهران اليوم (أ.ف.ب)
TT

إقامة جبرية مؤقتة لأسرة مهسا أميني... وقبضة أمنية بذكرى الاحتجاجات

إيرانيتان دون حجاب في أحد شوارع طهران اليوم (أ.ف.ب)
إيرانيتان دون حجاب في أحد شوارع طهران اليوم (أ.ف.ب)

ذكرت منظمات معنية بحقوق الإنسان في إيران وناشطون أن السلطات فرضت الإقامة الجبرية مؤقتاً لأسرة الشابة مهسا أميني، بموازاة حملة أمنية في المدن الكردية الواقعة غرب البلاد؛ تحسباً لحدوث اضطرابات في الذكرى الثانية لاندلاع احتجاجات «المرأة، الحياة، الحرية».

وشكّلت وفاة أميني (22 عاماً)، قبل عامين، شرارة احتجاجات قادتها الإيرانيات، وكانت هي الأكبر منذ أربعة عقود ونصف العقد.

وأطلقت الأجهزة الأمنية، في الأيام الأخيرة، حملة اعتقالات في صفوف الناشطين السياسيين والمدنيين وأقارب ضحايا الاحتجاجات، في محافظات كردستان، وكرمانشاه، وإيلام، وأذربيجان الغربية. كما أقامت عدداً من نقاط التفتيش على مداخل المدن.

وأفادت منظمة «هنجاو» الكردية، ومقرُّها أوسلو، الأحد، بأن السلطات الإيرانية أبلغت والديْ مهسا أميني بمنعهما من مغادرة المنزل، محذِّرة من تعرضهما للاعتقال في حال مخالفة التعليمات.

صورة التقطتها الصحافية نيلوفر حامدي لوالديْ مهسا أميني في المستشفى (شبكات التواصل)

وذكرت تقارير أن المدن الكردية شهدت انتشاراً أمنياً لقوات مكافحة الشغب، خصوصاً في مدينة سقز؛ مسقط رأس مهسا أميني. ووفق ناشطين من المدينة، فإن السلطات قطعت الطرق المؤدية إلى مقبرة، وأقدمت على فتح سد في ضواحي المدينة، مما تسبَّب في غمر الطريق وإغلاقها.

أتت هذه الإجراءت بعدما أعلن أمجد أميني، والد مهسا، نية أسرته إقامة مراسم الذكرى الثانية لوفاة ابنته في مقبرة مدينة سقز.

ونشر حساب الناشطة نرجس محمدي، على منصة «إنستغرام»، تسجيلاً صوتياً من سجن إيفين لمجموعة من السجينات السياسيات وهُنّ يرددن أناشيد وشعارات، بمناسبة ذكرى الاحتجاجات.

ويُسمع في التسجيل شعار «المرأة، الحياة، الحرية»، و«إصلاحيون محافظون انتهت الحكاية»، وشعارات أخرى تُطالب بإطلاق سراح السجناء ووقف الإعدامات.

واقع قاتم

وبين اضطهاد عائلات الضحايا، وإفلات المسؤولين من العقاب، وازدياد عمليات الإعدام، والصراعات بين المعارضة، يجد مناهضو السلطة الثيوقراطية في إيران أنفسهم أمام واقع قاتم، بعد عامين على اندلاع الحركة الاحتجاجية التي كانوا يأملون في أن تُشكّل نقطة تحوّل، بعد أكثر من أربعة عقود على إسقاط نظام الشاه في 1979.

وشكّلت وفاة أميني شرارة احتجاجات كانت هي الأكبر منذ ثورة 1979. ويتمسّك الناشطون والمعارضون في الخارج بفكرة أن هذه التحركات تركت بصمة دامغة في إيران، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

آلاف ممن شاركوا في مراسم «أربعين» مهسا أميني يشقون طريقهم نحو مقبرة بسقز الكردية غرب إيران أكتوبر 2022 (أ.ف.ب)

كانت النساء محور الاحتجاجات، وانتفضن على إلزامية الحجاب، إحدى الركائز الأساسية في تعامل النظام مع النساء. وقام عدد منهنّ بخلعه وإحراقه في مشاهدَ لم تعهدها شوارع طهران ومدن كبرى. ورأى محللون أن الاحتجاجات كانت من أكبر التحديات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها.

وعدَّت السلطات معظم التحركات «أعمال شغب» تُغذّيها أطراف غربية أو مُعادية للثورة، وقمعتها بشدة. ووفق منظمة العفو الدولية، استخدمت قوات الأمن الإيرانية أنواع الأسلحة النارية، بما في ذلك بنادق الصيد؛ لمواجهة المحتجّين.

وتقول منظمات حقوقية إن 551 شخصاً قُتلوا خلال الاحتجاجات، في حين تؤكد السلطات أن عشرات من عناصر قوات الأمن لقوا حتفهم كذلك. وجرى توقيف آلاف الأشخاص، وفقاً للأمم المتحدة.

وبعد مرور عامين، تؤكد منظمات حقوقية أن السلطات تُواصل قمع أي تحرك.

وأعدمت إيران 10 رجال من الموقوفين بتُهمٍ متصلة بالاحتجاجات، وكان آخِرهم غلام رضا رسائي، الذي أُعدمَ شنقاً في أغسطس (آب) الماضي، بعد إدانته بقتل ضابط في «الحرس الثوري» طعناً. وأفاد ناشطون بأن اعتراف رسائي انتُزع منه تحت التعذيب.

وتُحذّر منظمات حقوقية من أن طهران تستخدم العقوبة القصوى أداة ترهيب. وقالت نائبة مدير منظمة العفو للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ديانا الطحاوي، إن «عدداً لا يُحصى من الأشخاص في إيران ما زالوا يعانون عواقب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات».

ووفق منظمة «حقوق الإنسان في إيران»؛ ومقرُّها النرويج، نفّذت السلطات الإيرانية 402 حكم بالإعدام، خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، منها 100، على الأقل، في أغسطس.

«الوحشية المضاعفة»

ووفق منظمة «هيومن رايتس ووتش»، تعرَّض أفراد عائلات عشرات من الذين قُتلوا أو أُعدموا أو سُجنوا خلال الاحتجاجات، للتهديد أو المضايقة، أو حتى التوقيف، بناء على اتهامات ملفَّقة.

وقالت الباحثة في «هيومن رايتس ووتش»، ناهيد نقشبندي: «السلطات الإيرانية تمارس الوحشية ضد الناس مرتين؛ مرة بإعدام أو قتل أحد أفراد أسرتهم، ومرة باعتقال أحبائهم بسبب مطالبتهم بالمساءلة».

ومن بين الموقوفين، ما شاء الله كرمي، والد محمد مهدي كرمي الذي أُعدم في يناير (كانون الثاني) 2023، وكان في الثانية والعشرين من العمر. وحُكم على الوالد بالسجن ستة أعوام في مايو (أيار) الماضي، وتسعة أعوام في حكم ثانٍ في أغسطس.

وأسّست الاحتجاجات لتغييرٍ بدا جلياً في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلّي كثير من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة. وكان إلغاء الحجاب مطلباً رئيسياً للمحتجّين.

مناوشات المحتجّين وقوات الشرطة خلال مسيرة احتجاجية بعد وفاة مهسا أميني بطهران في 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)

فشدّدت السلطات القيود لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع. وكانت السلطات قد أعطت أملاً في سياسة أكثر تساهلاً في البداية.

وأطلقت السلطات، في نيسان (أبريل) 2024، حملة «خطة نور»، زادت على أثرها «بشكل ملحوظ» الدوريات الأمنية بمختلف أشكالها؛ «لفرض الحجاب الإلزامي»، وفقاً لمنظمة العفو الدولية. وأوضحت أن «القمع شمل مطاردات خطِرة بالسيارات لتوقيف السائقات على الطريق، والمصادرة الجماعية لمركباتهن».

واتّهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات، هذا الأسبوع، بـ«تكثيف» قمعها للنساء، مشيرين إلى أن «قوات الأمن صعّدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساساً، بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللاتي يُعدّ أنهن فشلن في الامتثال لقوانين وقواعد الحجاب الإلزامي».

وسلّطت منظمة العفو الدولية الضوء على حالة آرزو بدري (31 عاماً)، والتي أصيبت بالشلل بعدما أطلقت عليها الشرطة النار داخل سيارتها في شمال إيران، خلال يوليو (تموز) الماضي، في مطاردة، على أثر محاولة لمصادرة سيارتها، تنفيذاً لعقوبة سابقة مرتبطة بالحجاب.

وعلى الرغم من أن مهمة تقصّي حقائق تابعة للأمم المتحدة خلصت، في مارس (آذار) الماضي، إلى أن كثيراً من الانتهاكات، خلال حملة القمع، ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، فلم تجرِ محاسبة أي مسؤول.

لواء التحدي

ويرى محلّلون أنه على الرغم من تمكّن السلطات، بقيادة المرشد الإيراني، علي خامنئي، من تجاوز التهديد الذي مثّلته قضية مهسا أميني، فإن الاحتجاجات أدت لتغيير جذري في المجتمع الإيراني.

وقالت الناشطة رويا برومند، المؤسِّسة المشارِكة لمركز عبد الرحمن بورومند، المعنيِّ بحقوق الإنسان في إيران؛ ومقرُّه واشنطن، إن «عدداً من الشابات ما زلن يرفعن لواء التحدي».

وأضافت أن «قيادة الجمهورية الإسلامية لم تتمكّن، بعد عامين من الاحتجاجات، من إعادة الوضع القائم إلى سابق عهده، أو استعادة مشروعيتها المفقودة».

وفي بيانٍ أصدره «اتحاد الكتاب الإيرانيين»، بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة مهسا أميني، أعرب عن دعمه مطالب الشعب «المشروعة» وأُسَر الضحايا والمعتقلين السياسيين. وقال البيان: «لم يمر أي يوم دون أن تمتلئ شوارع إيران بمظاهر المقاومة من النساء. كانت النساء في عام 2022 جزءاً حاسماً من حركة الحرية».

نساء يتحدثن في أحد شوارع بازار طهران اليوم (أ.ف.ب)

وأضاف البيان: «في المقابل، واصل النظام طريق القمع والاختناق، ومارس سياسات القمع المستمرة، بينما لا يزال بعض المحتجّين في السجون، وتتعرض عائلات الضحايا لقمعٍ مستمر، بما في ذلك الضغوط الاقتصادية».

وأكد البيان: «ما نشأ بعد مقتل مهسا أميني قد مرّ بالحركة المطالِبة بالحرية للشعب الإيراني، عبر أصعب المنعطفات».

وأشار الاتحاد إلى «المشهد الجديد الذي بدأته الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة»، متهماً السطلة بأنها لا تزال تسعى إلى «استمرار قمع الحريات»، وإقرار قوانين تجعل «التدخل في حياة الناس أكثر إمكانية، وتجعل الحياة بحرية أكثر استحالة».


مقالات ذات صلة

خامنئي: ليست لدينا قوات وكيلة في المنطقة

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليست لدينا قوات وكيلة في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي (أرشيفية - وكالة مهر الإيرانية)

إيران تدين مقتل موظف بسفارتها في دمشق

أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مقتل سيد داوود بيطرف، الموظف المحلي في سفارة إيران بدمشق.

شؤون إقليمية العلمان الإيراني والأميركي (رويترز)

«الخارجية الإيرانية» تحتج على اعتقال أميركا اثنين من مواطنيها

ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن طهران استدعت السفير السويسري لديها، الذي يمثل المصالح الأميركية في البلاد، ودبلوماسياً إيطالياً كبيراً على خلفية اعتقال إيرانيَّين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نتنياهو: إسرائيل ستتحرك ضد الحوثيين

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو: إسرائيل ستتحرك ضد الحوثيين

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، إن إسرائيل ستواصل التحرك ضد جماعة الحوثي في اليمن، متهماً إياها بتهديد الملاحة العالمية والنظام الدولي، ودعا الإسرائيليين إلى الثبات.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف في بيان مصور، بعد يوم من سقوط صاروخ أطلق من اليمن على منطقة تل أبيب، ما تَسَبَّبَ في عدد من الإصابات الطفيفة: «مثلما تحركنا بقوة ضد الأذرع الإرهابية لمحور الشر الإيراني، فسوف نتحرك بقوة أيضاً ضد الحوثيين».