تركيا: لا يجب التعامل مع أزمة سوريا على أنها مجمّدة

عدّت وجودها العسكري ضماناً لوحدتها

تركيا تعدّ وجودها العسكري في سوريا ضماناً لوحدتها (إكس)
تركيا تعدّ وجودها العسكري في سوريا ضماناً لوحدتها (إكس)
TT

تركيا: لا يجب التعامل مع أزمة سوريا على أنها مجمّدة

تركيا تعدّ وجودها العسكري في سوريا ضماناً لوحدتها (إكس)
تركيا تعدّ وجودها العسكري في سوريا ضماناً لوحدتها (إكس)

أكدت تركيا أن الحل الدائم الوحيد للأزمة السورية يكمن في إقامة سوريا تحكمها إرادة جميع السوريين مع الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها، وعدَّت أن وجودها العسكري في شمالها يمنع تقسيم الأراضي السورية وإنشاء ممر إرهابي على الحدود بين البلدين.

قال مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير أحمد يلديز، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الأوضاع السياسية والإنسانية في سوريا، إنه يجب على جميع الجهات الفاعلة داخل سوريا وخارجها مواجهة الواقع وتجنب التعامل مع الأزمة على أنها وضع مجمد أو كما لو أن الصراع قد انتهى.

معالجة أسباب الأزمة

وأضاف يلديز، خلال الجلسة التي عُقدت ليل الخميس - الجمعة، أنه «كان من الممكن منع الأزمات المتزايدة في سوريا لو تمت معالجة الأسباب الجذرية للصراع في الوقت المناسب بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015».

مندوب تركيا الدائم بالأمم المتحدة أحمد يلديز (الخارجية التركية)

وتابع: «في هذا المنعطف الحرج، يجب أن يكون إبقاء سوريا بعيداً عن دوامة العنف الإقليمي أولوية رئيسية للجميع»، لافتاً إلى أن «تنظيم حزب العمال الكردستاني» وذراعه السورية، وحدات حماية الشعب الكردية التي تعدّ أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) كشف عن وجهه «القبيح» الحقيقي من خلال تقييد وصول السكان المحليين في دير الزور إلى الغذاء ومياه الشرب، ومنع الأمم المتحدة من إيصال الدعم الإنساني إلى رأس العين وتل أبيض على الحدود التركية - السورية.

وقال يلديز إن «هذا التنظيم الإرهابي يشكل أكبر تهديد لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، ولكل جهد حقيقي لضمان السلام والاستقرار في البلاد»، موضحاً أن الوضع الإنساني المتدهور في سوريا لا يزال يخيّم على كل مكان وأن 16.7 مليون شخص في البلاد في حاجة إلى مساعدات إنسانية في العام الرابع عشر من الأزمة.

عناصر من «قسد» في دير الزور

في السياق ذاته، عدّ مسؤول في وزارة الدفاع التركية أن الوجود العسكري لتركيا في شمال سوريا يهدف إلى منع البلد الذي مزقه الحرب، على مدى 13 عاماً، من الوقوع تحت تأثير التنظيمات الإرهابية.

وقال المسؤول العسكري التركي، في إفادة صحافية، إن «الوجود التركي في سوريا يمنع تقسيمها وإنشاء ممر إرهابي على الحدود بين البلدين».

خطاب الأسد في مجلس الشعب السوري الأحد الماضي (سانا)

والأربعاء، حدد مصدر في وزارة الخارجية التركية 4 شروط لعودة العلاقات التركية - السورية إلى مستويات ما قبل عام 2011، تتمثل في تطهير سوريا من العناصر الإرهابية؛ حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة، وإنجاز العملية السياسية ودستور جديد في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على أساس المطالب والتوقعات المشروعة للشعب السوري، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين مع ضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين دون انقطاع.

وتصاعد الحديث مرة أخرى، عن العودة إلى المحادثات الرامية لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق على مستويات مختلفة تبدأ من مخابرات البلدين لتهيئة الأرضية للقاء الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد، بعد إعلان الأسد، أمام مجلس الشعب السوري، الأحد الماضي، أن دمشق لم تضع انسحاب القوات التركية شرطاً للمحادثات، وأن المفاوضات التي جرت من قبل لم تحقق نتائج، وكذلك تأكيد الرئيس السوري الاستعداد للاستمرار في المفاوضات، شريطة الالتزام بالمتطلبات السورية، وفي مقدمتها الحفاظ على سيادة البلاد، ومكافحة الإرهاب، والنظر في عودة اللاجئين.

قوات تركية في شمال سوريا (أرشيفية)

وتسيطر القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لأنقرة على مساحات شاسعة في شمال سوريا، كما نفذت تركيا 3 عمليات عسكرية متتالية عبر الحدود منذ عام 2016 وحتى 2019 بهدف تطهير المنطقة من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، في حين تعدّها أنقرة تنظيماً إرهابياً يشكل امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

اشتباكات في منبج

في سياق متصل، قُتل 3 عناصر من فصيل «لواء الشمال» المنضوي في صفوف «الجيش الوطني السوري» وأصيب 5 آخرون، جراء اشتباكات مسلحة عنيفة اندلعت بعد منتصف ليل الخميس – الجمعة بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات «مجلس منبج العسكري»، التابع لـ«قسد»، خلال محاولة تقدم نفذها على نقاط عسكرية للفصائل الموالية لتركيا، ولا سيما فصيلي «لواء الشمال» و«السلطان مراد» على محور قرية الجات بريف جرابلس شرق حلب، تزامنت الاشتباكات مع قصف مدفعي تركي على ريف منبج.

عناصر من قوات «مجلس منبج العسكري» التابع لـ«قسد» (إكس)

وأعلن «مجلس منبج العسكري»، في بيان الجمعة، إحباط محاولة تسلل لمسلحين موالين لتركيا وإصابة عناصر عدة بريف منبج.

وقال البيان إن مقاتلي «مجلس منبج العسكري» أحبطوا محاولة تسلل فاشلة لفصائل مسلحة موالية لتركيا في قريتي الجات وعون الدادات بريف منبج الشمالي الشرقي، وأُصيب عدد منهم بينما هرب الباقون.

في الوقت ذاته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بسقوط قذائف صاروخية على قاعدة «سندف» التركية بريف مارع، بينما قصفت القوات التركية بصواريخ شديدة الانفجار مواقع في ريف حلب الشمالي.


مقالات ذات صلة

تركيا تدفع بتعزيزات ضخمة لقواتها في شمال سوريا

المشرق العربي تعزيزات عسكرية تركية في حلب وإدلب (إعلام تركي)

تركيا تدفع بتعزيزات ضخمة لقواتها في شمال سوريا

دفعت تركيا بتعزيزات مكثفة إلى مواقع قواتها في حلب وإدلب وسط توتر عسكري

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع التركي يشار غولر خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان الثلاثاء (وزارة الدفاع التركية)

وزير دفاع تركيا يستبعد عملية عسكرية جديدة ضد «قسد» شمال سوريا

استبعد وزير الدفاع التركي يشار غولر شن عملية عسكرية تستهدف مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا سبق أن لوح بها الرئيس رجب طيب إردوغان مراراً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قصف تركي على مواقع لـ«قسد» شمال شرقي سوريا (أرشيفية - إكس)

«المرصد السوري»: 11 قتيلاً في هجوم شنته «قسد» على مقاتلين موالين لأنقرة

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن 11 شخصاً، بينهم مدنيون، قتلوا الاثنين في هجمات شنتها قوة يقودها الأكراد على مواقع مقاتلين مدعومين من تركيا شمال سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
TT

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

رغم الصخب الذي سبق المحادثات الأوروبية - الإيرانية في جنيف، فإنها لم تحمل مبادرات جديدة أو تحدد «خريطة طريق» للمفاوضات النووية، كما روج إعلام مقرب من النظام الإيراني قبيل اللقاء. كما لم تكن محصورة فقط بالملف النووي الإيراني بل تناولت علاقة إيران العسكرية بروسيا، بحسب ما قال دبلوماسيان أوروبيان رفيعا المستوى لـ«الشرق الأوسط».

واعترف دبلوماسي أوروبي بأن اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين في جنيف، أثبتت أن «حجم الخلافات» يتسع بين الطرفين على أكثر من صعيد.

وكان دبلوماسي أوروبي رفيع ثان قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام، إن اللقاءات في جنيف «جزء من إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين»، وإنها «ستكون شاملة، وإنه لا قرارات ستتخذ حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني قبل اتضاح الرؤية الأميركية مع تسلم ترمب مهامه مطلع العام المقبل».

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام مدخل منشأة نطنز في أصفهان (إرنا)

جنيف استكمال لنيويورك

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اللقاءات كانت مُعدّة مسبقاً، وجاءت استكمالاً لما جرى في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم التركيز بشكل أساسي على التصعيد النووي الإيراني، والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا.

والتقى مديرو الأقسام السياسية في وزارات خارجية الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الجمعة، بكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين مجيد تخت روانجي، ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، غداة لقاء المسؤولين الإيرانيين بأنريكي مورا، الوسيط الأوروبي في المفاوضات النووية.

نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي (حسابه على منصة «إكس»)

وكتب مورا في تغريدة على منصة «إكس» أن اللقاء كان «صريحاً»، وأنه نقل للمسؤولين الإيرانيين ضرورة أن توقف طهران «تعاونها العسكري مع روسيا»، إضافة إلى الحاجة للتوصل «لحل دبلوماسي للمسألة النووية، ووقف تدخلات إيران الإقليمية».

ورد غريب آبادي بتغريدة أخرى، ينتقد فيها الاتحاد الأوروبي، وقال إن «أوروبا فشلت بأن تكون لاعباً جدياً بسبب غياب الثقة والمسؤولية». وكتب أيضاً أنه وجّه انتقادات لمورا تتعلق بالسياسات العامة للاتحاد الأوروبي تجاه المسائل الإقليمية والدولية، واصفاً تصرف التكتل «بغير المسؤول».

وبعد لقائه بالمسؤولين من الترويكا الأوروبية، كتب غريب آبادي على منصة «إكس» أن المحادثات «ركزت على الملف النووي ورفع العقوبات». وأضاف: «نحن ملتزمون بمصلحة شعبنا وتفضيلنا هو للطريق الدبلوماسي والحوار». وأشار إلى أنه تم الاتفاق على إبقاء الحوار الدبلوماسي مفتوحاً في المستقبل القريب.

ما فرصة «سناب باك»؟

جاءت لقاءات جنيف بعد أيام على تقديم الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشروع قرار ضد إيران في مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تبنيه من قبل المجلس.

وأدان القرار عدم تعاون إيران مع الوكالة، وتصعيدها تخصيب اليورانيوم. وردت طهران بعد أيام بإبلاغ الوكالة الدولية بأنها تنوي تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الجديدة.

ومع ذلك، قال الدبلوماسي الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديث عن إعادة تفعيل آلية الزناد أو «سناب باك» ما «زال مبكراً».

وكانت بريطانيا قد لمحت قبل أيام إلى إمكانية تفعيل الآلية، وقالت الخارجية في بيان قبل أيام على لقاء جنيف: «ما زلنا ملتزمين باتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بما في ذلك عبر آلية (سناب باك) إذا لزم الأمر».

وتسمح هذه الآلية بإعادة فرض كامل العقوبات الدولية على إيران لخرقها لالتزاماتها النووية ضمن الاتفاق الذي عقد عام 2015 مع دول 5 زائد واحد، وانسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتخشى إيران من أن يعود ترمب إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»، بما في ذلك السعي لتفعيل آلية «سناب باك». وفضلاً عن ترمب، يسود القلق في إيران أيضاً من تفعيل آلية «سناب باك» من قبل قوى أوروبية.

ويمر تفعيل آلية «سناب باك» عبر تفعيل بند يعرف بـ«فض النزاع». وكانت إدارة ترمب الأولى أقدمت على تفعيلها، لكنها واجهت معارضة أوروبية حالت دونها، رغم أن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، أعلن تفعيل بلاده للآلية.

ضجيج مبالغ فيه

مع ذلك، لم تكن لقاءات جنيف محصورة فقط بالمفاوضات النووية، كما ألمحت وسائل إعلام إيرانية. ورغم تغريدة غريب آبادي التي لم تحمل الكثير من الدبلوماسية، قال الدبلوماسي الأوروبي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع حصل «كما كان متوقعاً»، مضيفاً أنه لا يفهم «الضجيج الإعلامي المبالغ به الذي سبق اللقاءات» التي أُعدّ لها مسبقاً.

وكانت وكالة أنباء «رويترز» قد نقلت عن مسؤول إيراني قبيل اجتماع جنيف قوله إنه إذا «اتفقت إيران مع الترويكا الأوروبية على الانتهاء من وضع خريطة طريق» حول الاتفاق النووي، فإن «الولايات المتحدة ستقرر إما إحياء اتفاق عام 2015 وإما إنهاءه».

وينتهي العمل بالاتفاق النووي أصلاً في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، وسيتعين على المجتمع الدولي بدء مفاوضات حول اتفاق جديد مع إيران، بسبب قرب انتهاء الاتفاق الحالي الذي تخرقه إيران باستمرار منذ انسحاب واشنطن منه.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية كانت على صلة بالمفاوضات، إن الاتفاق الحالي «لم يعد بالإمكان إحياؤه، ولكنه سيشكل أرضية لأية مفاوضات جديدة» يمكن أن تبدأها دول 5 زائد واحد مع إيران، بهدف التوصل لاتفاق ثانٍ يقيد نشاطات إيران النووية.