أعلنت مصادر أمنية في تل أبيب أن الهجوم الضخم الذي شنَّته الطائرات الإسرائيلية على لبنان، استهدف مواقع لـ«حزب الله» كانت جاهزة لشن هجوم واسع على إسرائيل انتقاماً لاغتيال قائد القوات المسلحة للحزب فؤاد شكر، في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، في طهران، وتمكن من تدمير قسم كبير منها.
لكنَّ «حزب الله» استردَّ عافيته من هذه الضربة الاستباقية المباغتة وحاول شن هجوم مضاد.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلاً عن مصادر أمنية مطلعة، الأحد، بأن «حزب الله» كان يخطط لاستهداف منطقة «غليلوت» في هرتسليا، على مشارف مدينة تل أبيب الشمالية، حيث يقوم مقر «الموساد» (المخابرات الخارجية) و«الوحدة 8200» لجمع المعلومات، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، وغيرها من المنشآت الاستراتيجية في المنطقة. فهو يعرف أن كل عملية اغتيال نوعية إسرائيلية تُطبخ في مقر جهازَي الاستخبارات المذكورين وتنفذها فرق كوماندوس تعمل تحت كنفيهما.
وحسب الادعاء الإسرائيلي، فإن «معلومات استخبارية دقيقة وصلت إلى تل أبيب تفيد بأن «حزب الله» قرر تنفيذ هجوم ضخم في اللحظة التي تعلن فيها «حماس» عن فشل المفاوضات الجارية في القاهرة حول صفقة تبادل أسرى.
وبما أن معظم التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن المفاوضات ستفشل، فقد توقعوا في قيادة الجيش أن «حزب الله» سيطلق هجومه بكميات هائلة من الصواريخ والطائرات المُسيَّرة التي ستُلحق أذى شديداً بعدة مرافق حساسة في إسرائيل.
ووفق هذه التقديرات فإن «حزب الله» كان قد نشر صوراً دقيقة لقسم كبير من هذه المرافق قال إنه جرى التقاطها بواسطة طائرات «هدهد»، في إشارة إلى نيته قصفها. وأخذت إسرائيل بجدية بالغة هذه التهديدات، فأفرغت غالبية هذه المرافق أو قلصت عدد الموجودين فيها.
وادَّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، صباح الأحد، أنه «في ساعات الفجر الأولى، رصدنا استعدادات من (حزب الله) لمهاجمة إسرائيل». وأضاف أنه بالتشاور مع وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، «أصدرنا تعليمات للجيش بالتحرك بشكل استباقي لإزالة التهديد». وتابع: «منذ ذلك الحين، يعمل الجيش الإسرائيلي بقوة لإحباط التهديدات. لقد دمَّر آلاف الصواريخ التي كانت موجَّهة نحو شمال البلاد، كما يحبط تهديدات أخرى عديدة ويعمل بقوة كبيرة، سواء في الدفاع أو الهجوم».
وطالب نتنياهو الإسرائيليين بـ«الامتثال لتوجيهات قيادة الجبهة الداخلية».
وقال مصدر مقرب من نتنياهو إن عدد الصواريخ والمُسيَّرات التي كان «حزب الله» ينوي إطلاقها يفوق 6000 آلية.
وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن المزاعم بشأن «تدمير آلاف منصات إطلاق الصواريخ لا يعني أن (حزب الله) كان يخطط لإطلاق جميع هذه الصواريخ نحو إسرائيل هذا الصباح». وأضافت نقلاً عن مصادر في الأجهزة الأمنية، أن «حزب الله» كان «يخطط لإطلاق مئات الصواريخ، معظمها نحو شمال البلاد، وعدد قليل منها نحو مركز» البلاد.
وتابعت أنه «إذا كان (حزب الله) يخطط لإطلاق مئات الصواريخ، ونجح في إطلاق 210 صواريخ بالإضافة إلى 20 طائرة من دون طيار، فإن هجومه لم يُحبَط بالكامل، بل بشكل جزئي». وأضافت أنه «حتى بعد تدمير آلاف الصواريخ التابعة لـ(حزب الله)، يجب أن نتذكر أن ترسانته تُقدر بنحو 150 ألف صاروخ. قدراته لا تزال كبيرة جداً». ورأت أن «ذلك لن يغيِّر الواقع الصعب في الشمال. الهجوم الليلي على جنوب لبنان لن يُعيد 80 ألفاً من السكان الذين جرى إجلاؤهم إلى منازلهم. ولن يجبر (حزب الله) على التراجع إلى شمال نهر الليطاني، بل لن يمنعه من إطلاق النار على البلدات الشمالية المستهدفة بشكل مستمر».
وشكَّك رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) السابق والرئيس الحالي لـ«معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، تامير هايمان، في التقارير التي تحدثت عن مخطط لـ«حزب الله» أحبطه الجيش الإسرائيلي يتضمن مهاجمة أهداف إسرائيلية بنحو 6 آلاف صاروخ ومُسيَّرة.
وقال هايمان، في منشور على منصة «إكس»، إنه «إذا كان (حزب الله) قد خطط بالفعل لإطلاق 6000 صاروخ، بما في ذلك على وسط البلاد كما ورد في بعض التقارير، لكانت بيروت مشتعلة الآن». وأضاف: «من غير الممكن أن تكون هذه هي الخطة، وأن تكون هذه هي الردود الإسرائيلية على خطوة من هذا النوع، والتي تعني فتح حرب شاملة». وتابع: «من الجيد أن الجيش الإسرائيلي دمَّر آلاف الصواريخ في عملية الإحباط في ساعات الفجر الأولى، ولكن يُفضل الانتظار حتى انتهاء الحدث لاستخلاص الاستنتاجات النهائية».
واستغل رئيس حزب «يسرائيل بيتينو» ووزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان، تصريحات نتنياهو ليدعوه إلى إزالة هذا التهديد بشكل جذري وحقيقي. وقال إن «على الحكومة الإسرائيلية أن تتصرف وفق نيات العدو وليس وفق النتائج». وتابع: «إذا كان (حزب الله) ينوي بالفعل إطلاق 6000 صاروخ ومُسيَّرة، التي كان الغرض الرئيسي منها تدمير البنية التحتية الاستراتيجية لدولة إسرائيل، فمن المستحيل الاكتفاء بمجرد إزالة التهديد». وأضاف: «على إسرائيل أن تتوقف عن المكوث في حالة الذعر وتنتقل إلى المبادرة، وتُنهي حرب الاستنزاف وتوقف تخليها منذ نحو 11 شهراً عن سكان الشمال، حتى لو كان الثمن تصعيداً دراماتيكياً».
وأفادت مصادر أمنية أخرى بأن «حزب الله» تمكن من استعادة عافيته، بعد الهجوم الإسرائيلي الذي جرى في الخامسة من فجر اليوم. وتمكن من إطلاق 210 صواريخ وطائرات مُسيَّرة. وحاول تكرار الضربة الحوثية على تل أبيب، في 19 يوليو (تموز) الماضي، والتي فجَّرت مبنى بالقرب من مقر السفارة الأمريكية، إذ إن بعض المُسيَّرات أُطلق نحو شواطئ المدينة، حيث مقرات المخابرات. لكن المضادات الإسرائيلية اعترضت طريقها وفجّرتها في الجو وتسببت شظاياها في إصابة 9 مبانٍ من دون أن تتسبب في إصابة بشر.
وكشفت المصادر عن أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأمر هذا الهجوم على لبنان، فطلبت منها أن تحرص على منع التدهور إلى حرب شاملة. وأكدت وزارة الدفاع الأميركية أنها «مستعدة لدعم» إسرائيل؛ وقال متحدث باسم البنتاغون: «نواصل مراقبة الوضع من كثب وسبق أن كنا واضحين للغاية بأن الولايات المتحدة مستعدة لدعم الدفاع عن إسرائيل».