ماكرون ينشط دبلوماسية فرنسا لكن تعوزه الأوراق الضاغطة

أطلق مروحة اتصالات واسعة شملت إيران وإسرائيل وأطرافاً فاعلة إقليمياً ودولياً

صورة مركبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (أ.ف.ب)
TT

ماكرون ينشط دبلوماسية فرنسا لكن تعوزه الأوراق الضاغطة

صورة مركبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (أ.ف.ب)
صورة مركبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (أ.ف.ب)

رغم انشغاله بأولمبياد بلاده، حتى مساء الأحد المقبل، وحاجته للاهتمام بالوضع السياسي في فرنسا حيث الحكومة مستقيلة منذ الانتخابات البرلمانية التي شهدت هزيمة معسكره، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون لا يريد أن يقف موقف المتفرج إزاء احتمال توسع الصراع في الشرق الأوسط واشتعال المنطقة بأكملها بعد حدثين رئيسيين: تبني إسرائيل اغتيال فؤاد شكر، أعلى مسؤول عسكري لـ«حزب الله» بضربة جوية في عقر المنطقة الأمنية لـ«حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية، واغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في قلب طهران، بعد ساعات معدودة من مقتل شكر.

ومنذ 30 يوليو (تموز)، تاريخ العمليتين الإسرائيليتين، تتواتر تهديدات إيران و«حزب الله» بالرد عن طريق استهداف مواقع إسرائيلية، بحيث تلحق أضراراً «موجعة» لإسرائيل وتعيد ترميم «قدرة الردع» للطرفين التي يبدو أن الأخيرة لم تعد تأخذها بعين الاعتبار.

ماكرون يستفيد من غياب القادة الغربيين

إزاء هذا الوضع، تتحرك الدبلوماسية الفرنسية على مستويين: الأول رئاسة الجمهورية، والثاني وزارة الخارجية. وتريد باريس، في حراكها، الاستفادة من جملة عوامل تجعل صوتها مسموعاً، أولها أنها كما يقول مسؤولوها «أن تتحدث مع الأطراف كافة»، بما في ذلك الطرف الإيراني.

وخلال 10 أيام، تحدث ماكرون مع الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، المرة الأولى لتهنئته بمباشرة وظيفته رئيساً للجمهورية، والمرة الثانية يوم الأربعاء الماضي لدعوة إيران «للقيام بكل ما هو ممكن من أجل تجنب اندلاع نزاع عسكري، لن يكون في مصلحة أحد، بما فيهم إيران، ويهز بشكل دائم الاستقرار الإقليمي».

ووفق البيان الصادر عن قصر الإليزيه، فإن ماكرون دعا إيران إلى التخلي عن منطق الانتقام، وإلى «دعوة الأطراف المزعزعة للاستقرار التي تدعمها لضبط النفس وتجنب اشتعال» المنطقة. ولأن للبنان مكانة خاصة لدى فرنسا، التي لها 700 جندي في إطار قوة «اليونيفيل» المرابطة من الجانب اللبناني على الحدود مع إسرائيل، جدّد رفضه الحازم «لأي تصعيد مع لبنان». وفي اليوم عينه، اتصل ماكرون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإيصال الرسالة نفسها لجهة «تجنب تصعيد عسكري جديد في المنطقة» والخروج من منطق الانتقام، مع التشديد على ضرورة بذل الجهود كافة لتطبيق القرار 1701 الخاص بلبنان وإسرائيل «تلافياً لاشتعال إقليمي، ولأن حرباً تنشب بين لبنان وإسرائيل ستترتب عليها تبعات مدمرة لكل المنطقة».

الأمين العام للمجلس الأمني الروسي سيرغي شويغو والرئيس الإيراني بزكشيان في طهران يوم 5 أغسطس حيث دخلت روسيا على خط الاتصالات والدعوة لتجنب حرب واسعة في الشرق الأوسط (رويترز)

ليست باريس وحدها التي تواصلت مع طهران مباشرة. فدول غربية مثل ألمانيا وبريطانيا وسويسرا وروسيا فعلت ذلك، وأخرى كالولايات المتحدة عمدت إلى إيصال رسائلها بالواسطة. لكن هذه الاتصالات كافة تمت على مستوى وزراء الخارجية، حيث كان ماكرون الرئيس الغربي الوحيد الذي حرص على الإبقاء على قناة تواصل مباشرة مع الرئيس الإيراني، مهما كانت هويته. وبحسب دبلوماسي فرنسي سابق، فإن ماكرون يستفيد، في مسعاه للعب دور دبلوماسي متميز، من غياب القادة الغربيين الآخرين، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، الذي يصح وصفه بـ«البطة العرجاء»، بعد أن أعلن انسحابه من السباق الرئاسي.

وتلفت هذه المصادر أنّ من يحتل واجهة السياسة الأميركية راهناً هما وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن.

كذلك، فإن قادة غربيين أساسيين غائبون عن المشهد. فرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر غارق في إطفاء «الحريق» الداخلي الذي تشهده بريطانيا، والعنف المستفحل ضد المهاجرين بتشجيع من اليمين المتطرف بكافة مكوناته.

أما المستشار الألماني أولاف شولتس فغائب عن السمع، فيما تتولى وزيرة الخارجية أنالينا بايربوك إسماع صوت برلين.

وبشكل عام، فإن صوت الاتحاد الأوروبي غير مسموع هذه الأيام، وما صدر عنه جاء يتيماً على لسان مسؤول السياسة الخارجية والدفاع جوزيب بوريل، الذي لم يبق له في منصبه سوى أسابيع معدودة، لتحل مكانه كايا كالاس، رئيسة وزراء أستونيا، بدءاً من أول أكتوبر (تشرين الأول).

واللافت أن الأوروبيين بشكل عام، تمنعوا عن إصدار ردة فعل على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وهو ما أخذه عليهم وزير خارجية إيران بالوكالة علي باقري كني.

وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع زميله وزير الدفاع لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي بالأكاديمية البحرية في أنابوليس (أ.ب)

قراءة باريس: تراجع الحرب المفتوحة

في مساعيه لتجنب الانفجار الكبير في الشرق الأوسط، شملت اتصالات ماكرون مسؤولين رئيسيين من العالم العربي، حيث تواصل هاتفياً بولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، والعاهل الأردني الملك عبد الله.

وتفيد مصادر الإليزيه أنه سيواصل مروحة اتصالاته. ووفق القراءة الفرنسية، فإنه كلما تأخر الرد العسكري من جانب إيران، أو من جانب «حزب الله»، فإن الجهود الدبلوماسية المبذولة من الجهات كافة، وفيها الصين وروسيا، يرجح أن تنجح في خفض مستوى الردّ من جانب هذين الطرفين، وبالتالي الردّ الإسرائيلي على الردّ.

وبكلام آخر، ترجح باريس، في ما يخص إيران، تكرار سيناريو شهر أبريل (نيسان) الماضي، حيث ردت طهران على استهداف الطيران الإسرائيلي لقنصليتها القائمة في ضاحية لدمشق بقصف من المسيرات والصواريخ، ولكن بعد إعلام واشنطن بما ستقوم به. وكانت النتيجة أن عدداً قليلاً جداً من هذه المسيرات والصواريخ وصل الأراضي الإسرائيلية. وتميز المصادر الفرنسية بين الخطاب الإيراني «الحربي» الموجه إلى الداخل، والأطراف المرتبطة بها من التنظيمات المسلحة، وبين رسائلها إلى الغربيين. وكان لافتاً تصريح بزشكيان، يوم الاثنين الماضي، حيث أكد أن بلاده «لا تسعى، بأي حال من الأحوال، إلى توسيع نطاق الحرب والأزمة في الشرق الأوسط». ولم تفته الإشارة إلى أن إسرائيل «ستتلقى بالتأكيد الردّ على جرائمها». كذلك، كان لافتاً قول الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، في خطابه الأخير التأبيني لفؤاد شكر، أن «(حزب الله) ملزم بالرد» على اغتيال إسرائيل قائده العسكري. إلا أن نصر الله أضاف ما حرفيته: «الحزب حريص على شعبنا وبلدنا وبنيتنا التحتية». وقد أضاف: «العزم والقدرة موجودان، (وعلينا) التصرف بروية وشجاعة وتأنٍ، وليس بتسرع».

الخلاصة، وفق القراءة الفرنسية، أن الوضع متجه لحصول عمليات عسكرية «تكون قوية ومؤثرة وعنيفة، لكن ليس بالدرجة التي تتسبب بردّ إسرائيلي أعنف، وردود لاحقة ستفضي إلى حرب مفتوحة». ومن بين العناصر التي تدفع في هذا الاتجاه ضخامة الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة، سواء في البحر الأحمر والخليج والمتوسط، وتأكيد واشنطن علناً أن هدفها حماية قواتها في المنطقة من جهة، والدفاع عن إسرائيل من جهة أخرى. كذلك تسعى واشنطن إلى إعادة إحياء الحلف الدولي ــ الإقليمي، الذي حمى إسرائيل من الصواريخ والمسيرات الإيرانية في أبريل الماضي. لكن يبدو أن واشنطن تواجه صعوبات هذه المرة، لأن كثيراً من دول المنطقة مقتنعة بأن نتنياهو يريد جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة مع إيران، التي لا تريدها، كما أن الجانب الأميركي يتحاشاها. ومن المفيد التذكير أنه في الخطاب الذي ألقاه الشهر الماضي أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، ذكر إيران 20 مرة. كذلك ركّز في لقائه الرئيس بايدن في البيت الأبيض على الخطر الذي تشكله طهران على أمن واستقرار الشرق الأوسط.

هل ينجح ماكرون في مساعيه؟ ليس سراً أن فرنسا تعوزها الأوراق المؤثرة، وهي لا تملك سوى دينامية دبلوماسيتها. ففي غياب موقف أوروبي موحد، يبقى صوت باريس ضعيفاً. وقال مصدر دبلوماسي إنه إذا كان الوزير بلينكن جدياً في حديثه عن السعي الجدي للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة، فإن من شأن ذلك تبريد الوضع. ولا سبيل لبلوغه إلا من خلال الضغط على نتنياهو. فهل واشنطن مستعدة لأمر كهذا في عزّ الحملة الانتخابية؟


مقالات ذات صلة

حرب الجبهتين تضع الاقتصاد الإسرائيلي في مرمى النيران بعد عام من النزاع

خاص تصاعد الدخان عقب الضربات الإسرائيلية في مدينة غزة، 11 أكتوبر 2023 (رويترز) play-circle 05:35

حرب الجبهتين تضع الاقتصاد الإسرائيلي في مرمى النيران بعد عام من النزاع

لم يعد الاقتصاد الإسرائيلي بعد عام من الحرب كما كان، بل دخل مرحلة جديدة مليئة بالتحديات الاقتصادية المعقدة.

هدى علاء الدين (بيروت)
خاص جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب) play-circle 06:44

خاص فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

خاص في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

«إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى». هكذا كانت رسالة الضباط الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر.

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ) play-circle 07:15

خاص «حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

بعد عام من حرب غزة، كيف يمكن حساب الربح والخسارة في ميزان «حماس»؟ فرغم خسارة قيادات وترسانة سلاح ودعم سياسي، ثمة من يعتقد أن الحكم بنهاية الحركة مبكرٌ جداً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي متظاهرون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

استطلاع: غالبية من الإسرائيليين يرون أنهم «خسروا» حرب غزة

أظهر استطلاع نشرته الإذاعة العامة الإسرائيلية الأحد أن 35 بالمائة من الإسرائيليين يعتقدون أنهم خسروا حرب غزة في حين أفاد 38 بالمائة بأنهم لا يعرفون إجابة بيقين.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)

إيران تستدعي سفير أستراليا على خلفية موقف بلاده «المنحاز»

القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)
القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)
TT

إيران تستدعي سفير أستراليا على خلفية موقف بلاده «المنحاز»

القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)
القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)

ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، اليوم الأحد، أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير الأسترالي في طهران بشأن ما وصفته بموقف بلاده «المنحاز»، حيال هجوم إيران على إسرائيل.