ألمانيا تحظر أنشطة مركز مرتبط بإيران

الأحزاب السياسية في برلين ترحب... وطهران استدعت السفير الألماني

عناصر من الشرطة الألمانية خارج «المركز الإسلامي» في هامبورغ مع مسجد الإمام علي خلال مداهمة الأربعاء 24 يوليو الحالي (د.ب.أ)
عناصر من الشرطة الألمانية خارج «المركز الإسلامي» في هامبورغ مع مسجد الإمام علي خلال مداهمة الأربعاء 24 يوليو الحالي (د.ب.أ)
TT

ألمانيا تحظر أنشطة مركز مرتبط بإيران

عناصر من الشرطة الألمانية خارج «المركز الإسلامي» في هامبورغ مع مسجد الإمام علي خلال مداهمة الأربعاء 24 يوليو الحالي (د.ب.أ)
عناصر من الشرطة الألمانية خارج «المركز الإسلامي» في هامبورغ مع مسجد الإمام علي خلال مداهمة الأربعاء 24 يوليو الحالي (د.ب.أ)

ردّت طهران فوراً على قرار ألمانيا بإغلاق «المسجد الأزرق» وحظر أنشطة «المركز الإسلامي» التابع للسفارة الإيرانية في هامبورغ بسبب «نشاطاته السياسية» وترويجه للتطرف ودعمه «حزب الله» اللبناني، بحسب وزارة الداخلية الألمانية.

واستدعت طهران السفير الألماني لتقديم شكوى حول إغلاق «المركز الإسلامي» التابع لسفارتها والذي تراقبه المخابرات الألمانية منذ 31 عاماً وتسعى لإغلاقه منذ سنوات، والمعروف بـ«بؤرة» أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

وبعد مداهمة ضخمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي استهدفت المركز وشارك فيها أكثر من 800 شرطي رفعوا فيها عدداً كبيراً من الأدلة، نجحت الداخلية أخيراً بإعلان حظر المركز وعشرات الجمعيات والمنظمات التابعة له في أنحاء ألمانيا بعد 7 أشهر من التمحيص في الأدلة التي رُفعت آنذاك.

وتناقلت وسائل إعلام ألمانية أن برلين تتوقع الآن خطوات «انتقامية إضافية» من طهران، قد تستهدف إغلاق المؤسسات التعليمية والثقافية الألمانية في إيران. وتخشى كذلك برلين من أن تقدِم طهران على إعدام المواطن الإيراني الألماني جمشيد شارمهد المعتقل لديها والذي صدر بحقه حكم الإعدام في فبراير (شباط) العام الماضي. وأدانت محكمة إيرانية شارمهد بـ«الإرهاب» و«التجسس» لصالح جهاز مخابرات خارجي، وهي اتهامات ينفيها شارمهد.

وقالت وزارة الداخلية الألمانية إن تحقيقاتها أظهرت أن المركز الذي يقدم نفسه بوصفه جمعية دينية من دون أجندة سياسية، وهو عكس ما يدّعي.

ضابط شرطة يرافق شخصين في «مركز الثقافة الإسلامية» بفرانكفورت الأربعاء (أ.ب)

وبعد سنوات من مطالبة الأحزاب الألمانية والمعارضة الإيرانية بإغلاق المركز بسبب نشاطاته السياسية، نجحت الداخلية الألمانية في جمع أدلة كافية تشكّل سنداً قانونياً لها لإغلاق المركز المعروف بـ«المسجد الأزرق» بسبب لونه وهندسته المعمارية الضخمة.

وداهم عشرات العناصر من شرطة مكافحة الشغب في هامبورغ المسجد في الساعة السادسة صباحاً وهم يرتدون أقنعة سوداء. وأخرجوا 3 رجال كانوا ينامون داخل المركز، وخلعوا الأبواب المقفلة ورفعوا أدلة إضافية وأكياساً من الأموال النقدية، بحسب ما تناقلت وسائل إعلام ألمانية.

وبالموازاة مع مداهمة «المسجد الأزرق»، كان عشرات العناصر من الشرطة في 7 ولايات ألمانية أخرى ينفذون مداهمات طالت 53 مركزاً مرتبطاً بالمركز الإسلامي، 30 منها في هامبورغ نفسها. وحظرت السلطات مؤسساته الفرعية في فرانكفورت وميونيخ وبرلين.

كما داهم رجال الشرطة مبنى منظمة شيعية في منطقة نويكولن ببرلين، في الوقت نفسه تقريباً. وأوضحت الداخلية الألمانية أنه نتيجة للحظر سيجري إغلاق أربعة مساجد شيعية.

وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر إن حظر المركز جاء بسبب «نشره التطرف». وأضافت فيزر في بيان أن المركز «كونه ممثلاً مباشراً للمرشد الإيراني علي خامنئي في ألمانيا، ينشر آيديولوجية»، ما يسمى بـ«الثورة الإسلامية بطريقة عدوانية».

ويسعى المركز، وفق الداخلية الألمانية، إلى «إقامة حكم استبدادي وديني» بديل للديمقراطي، ويدعم «البُعدين العسكري والسياسي» لتنظميات مثل «حزب الله».

وشددت فيرز على أن المركز والجمعيات المرتبطة به، «يدعم (حزب الله) الإرهابي وينشر أفكاراً معادية للسامية». ولكن الوزيرة حرصت على إضافة أن إغلاق المركز «ليس تحركاً ضد ديانة»، مضيفة أن «الممارسة السلمية للطائفة الشيعية والدين غير متأثرين بالحظر».

ورحّب سياسيون ألمان بإغلاق المركز الإسلامي، وقال زعيم حزب الخضر المشارك في الحكومة أوميد نوريبوري، وهو من أصل إيراني، إن «مسجد هامبورغ الإسلامي كان مركز تجسس للنظام الايراني لفترة طويلة، ومن الجيد أن هذا الأمر انتهى أخيراً».

وعبّر أمين عام الحزب الليبرالي المشارك في الحكومة كذلك، بيجان جيرسراي، وهو أيضاً من أصول إيرانية، بقرار الداخلية. وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إن مسجد هامبورغ كان «يروج لبروباغندا تتعارض مع الديمقراطية ويحرّض ضد المعارضين منذ سنوات لصالح النظام الإيراني، من الجيد أن الأمر توقف الآن». وطالب جیرسراي بخطوات إضافية من الحكومة تستهدف «مؤيدي الإرهاب والكراهية».

وتنفست مدينة هامبورغ الصعداء كذلك، وعبّر رئيس حكومة المدينة التي يتحدر منها المستشار أولاف شولتس، عن ارتياحه لإغلاق المركز. وقال بيتر تشنتشر، المنتمي للحزب الاشتراكي الحاكم، إن «التطرف والراديكالية الدينية لا مكان لهما في مدينتنا المتنوعة الديمقراطية».

ورحّب كذلك بالقرار النائب في هامبورغ عن الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض كريستوف دي فري الذي يروّج لإغلاق المسجد منذ سنوات، وقال إن إغلاق المركز «خطوة مهمة وتأخرت كثيراً، وهي ضربة للاعب أساسي في الإسلام السياسي في ألمانيا». وانتقد دي فري تأخر الحكومة في إغلاق المركز، وقال إن الأدلة «موجودة منذ مدة ولا أحد» يفهم سبب التأخر في إغلاقه.

قوات الشرطة منتشرة بـ«المركز الإسلامي» المرتبط بإيران في فرانكفورت (أ.ب)

وتراقب المخابرات الألمانية المركز منذ عام 1993، أي منذ 31 عاماً، للاشتباه بتطرفه ونشره أفكاراً معادية للدستور. وترى المخابرات الألمانية المركز أنه «ثاني أهم مقرّ تجسس للمخابرات الإيرانية في ألمانيا بعد السفارة الإيرانية»، وأن نشاطاته أبعد من ألمانيا، وهي تمتد في أنحاء أوروبا.

ولكن طوال السنوات الماضية لم تتحرك الحكومات المتعاقبة لحظر المركز؛ مما عكس غياب إرادة سياسية ومخاوف من إغضاب إيران. ولكن قبل بضع سنوات بدأت الأصوات تتعالى لإغلاق المركز خاصة بعد الاحتجاجات في إيران وقمع المعارضة.

ويشكو معارضون إيرانيون في ألمانيا وأوروبا من تعرّضهم للمضايقات والتهديدات من قِبل المسجد والعاملين فيه. وفي السنوات الماضية، جمعت المخابرات أدلة تثبت ارتباط المسجد مباشرة بالنظام الإيراني.

ففي عام 2021، أوقفت شرطة مطار في ألمانيا رئيس المركز محمد هادي مفتح لدى عودته من طهران وفتشت أمتعته وعثرت على رسائل مشبوهة. وتبين في الرسائل أن مفتح تتم الإشارة إليه بأنه «ممثل المرشد الإيراني في ألمانيا».

وفي عام 2022، بعد تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية في ألمانيا، طُرد نائب رئيس المركز سليمان موسوي من ألمانيا بسبب قربه من الحزب.

ومرر آنذاك البرلمان الألماني قراراً يدعو الحكومة إلى إغلاق المسجد. ولكن الداخلية لم تتحرك بمداهمته ورفع أدلة إلا في نوفمبر الماضي، بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) في إسرائيل. واستغرق البحث في الأدلة 7 أشهر قبل إصدار قرار الحظر.

ضابط شرطة يقف خارج «المركز الإسلامي» في هامبورغ خلال مداهمة الأربعاء (أ.ب)

ومنذ عملية 7 أكتوبر، بدأت السلطات الألمانية تتشدد بمراقبة وحظر المراكز المرتبطة بـ«حزب الله» وتلك التي تروّج لمعاداة إسرائيل ومعاداة السامية. والأسبوع الماضي اعتقلت رجلاً لبنانياً واتهمته بالانتماء لـ«حزب الله» وشراء قطع مرتبطة بتكنولوجيا بناء طائرات من دون طيار وإرسالها إلى لبنان؛ بهدف استهداف إسرائيل بها، بحسب ما قال المدعي العام.

ونقل موقع مجلة «دي فيلت» الألمانية أن المخابرات الداخلية في هامبورغ تراقب 30 شخصاً يدعمون الحزب المصنف إرهابياً وكانوا يترددون بشكل دائم على المركز.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، انتهت محاكمة لبنانيين اعتُقلا قبل عام بتهمة الانتماء لـ«حزب الله»، وكانت المحاكمة الأولى من نوعها في ألمانيا، سُجن الرجلان على أثرها، الأول 5 سنوات ونصف السنة، والآخر 3 سنوات بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية.

وقال المدعي العام حينها إن الحكم سيسهّل عمله كونه سابقة وسيجعل من اعتقال ومحاكمة أعضاء آخرين في «حزب الله» مهمة أكثر سهولة.

وكان «المجلس الإسلامي الأعلى» في ألمانيا قد علّق عضوية «المركز الإسلامي» في هامبورغ بُعيد مداهمته في نوفمبر الماضي. وقال آنذاك المجلس الذي تعرّض لانتقادات كبيرة بسبب عدم إقصائه المركز قبل ذلك، بأن «لديه الثقة الكاملة بالمؤسسات الدستورية الألمانية».

والآن، بعد حظر المركز سيتحول المسجد الأزرق الذي أصبح في السنوات الماضية أشبه بمعلم سياحي في هامبورغ، إلى ملكية الدولة الألمانية التي ستقرر مصيره بعد أن تتسلمه.


مقالات ذات صلة

تونس: الرئيس سعيد يتهم «المتآمرين على الأمن الوطني» بقطع الماء والكهرباء

شمال افريقيا سعيد في زيارة غير معلنة لكبرى السدود الممتلئة حيث اتهم «شبكات إجرامية» بتعطيل مؤسسات توزيع المياه وتصنيع الكهرباء (موقعا رئاستَي الجمهورية والحكومة في تونس)

تونس: الرئيس سعيد يتهم «المتآمرين على الأمن الوطني» بقطع الماء والكهرباء

أعلنت الإدارة العامة للحرس الوطني إيقاف شخص متهم بـ«الانتماء إلى تنظيم إرهابي» مفتش عنه جنوب العاصمة تونس.

كمال بن يونس (تونس)
أوروبا صورة أرشيفية لأنجم شودري الناشط البريطاني الإسلاموي والمتحدث السابق باسم «المهاجرون» يتحدث بعد الصلاة في مسجد وسط لندن بـ«ريجنت بارك» في لندن يوم الجمعة 3 أبريل 2015 (أ.ب)

إدانة جديدة للداعية المتطرف أنجم تشودري في المملكة المتحدة

أدين الداعية البريطاني المتطرف أنجم تشودري، الثلاثاء، بتهمة قيادة منظمة إرهابية، وهي إدانة إضافية للرجل الذي كان يقدم نفسه بصفته يمثل «لندنستان»

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الشرطة تقف خارج السفارة الأوكرانية بعد أن قالت الشرطة الإسبانية إن انفجاراً في مبنى السفارة أدى إلى إصابة موظف خلال تعامله مع رسالة بمدريد 30 نوفمبر 2022 (رويترز)

إسبانيا: السجن 18 عاماً لرجل بعث برسائل مفخخة إلى رئيس الوزراء وسفارتين

قضت محكمة في إسبانيا، الثلاثاء، بالسجن 18 عاماً على متقاعد بعث في 2022 برسائل مفخخة إلى رئيس الوزراء والسفارتين الأميركية والأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
أوروبا جندي يظهر بعد حادث طعن بالقرب من شارع الشانزليزيه في باريس (أ.ب)

لتأمين الأولمبياد... فرنسا تدقق بمجتمعات مهاجرين من جمهوريات سوفياتية سابقة

أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان أن أجهزة الأمن تدقق بشأن مجتمعات المهاجرين الوافدين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة بمسعى لتأمين دورة الألعاب الأولمبية

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا ضباط شرطة يقفون مع مبنى أمانة حزب «تحريك الإنصاف» الباكستاني في الخلفية خلال مداهمة في إسلام آباد يوم 22 يوليو 2024 (رويترز)

باكستان: قوات الأمن تقتل 3 إرهابيين حاولوا التسلل عبر الحدود الأفغانية

قالت السلطات الباكستانية إن قوات الأمن قضت على 3 إرهابيين، وأحبطت محاولتهم التسلل إلى داخل البلاد عبر الحدود الأفغانية، في منطقة دير بإقليم خيبر بختونخوا.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد – روالبندي)

الشرطة الفرنسية تسمح بنزول الرئيس الإسرائيلي من طائرته بعد زوال مخاوف أمنية

الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ (أ.ب)
الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ (أ.ب)
TT

الشرطة الفرنسية تسمح بنزول الرئيس الإسرائيلي من طائرته بعد زوال مخاوف أمنية

الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ (أ.ب)
الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ (أ.ب)

قال متحدث باسم الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، اليوم (الأربعاء)، إن السلطات الفرنسية سمحت للرئيس والوفد المرافق له بالنزول من طائرتهم في مطار باريس بعد بقائهم على متنها لمدة 40 دقيقة بعد هبوطها بسبب مخاوف أمنية.

ونقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن المتحدث قوله دون التطرق لتفاصيل الحادث: «لقد نزل الرئيس والوفد المرافق له واستأنفوا جدول الأعمال كما هو مقرر».

وأفاد موقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي أن شخصاً مشبوهاً قد شوهد على سطح أحد المباني القريبة في أثناء هبوط الطائرة.

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، في وقت سابق اليوم، أن الرئيس هرتسوغ والوفد المرافق له اضطروا للبقاء على متن طائرتهم بعد هبوطها في باريس بسبب حادث أمني.

وقال متحدث باسم هرتسوغ لصحيفة «يسرائيل هيوم» إن «الحادث انتهى»، لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل.

وسيمثّل هرتسوغ دولة إسرائيل في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية لعام 2024، وسيُحيّي الوفد الإسرائيلي في بداية المنافسات. كما سيشارك في إحياء الذكرى السنوية الـ52 لهجوم استهدف أعضاء في البعثة الأولمبية الإسرائيلية المشاركة في أولمبياد ميونيخ 1972، وطغت على تلك الألعاب واقعة خطف رهائن من أعضاء البعثة الأولمبية الإسرائيلية على يد مجموعة «فدائية» فلسطينية، في عملية قُتل فيها 11 إسرائيلياً من أعضاء البعثة وشرطي ألماني.

كذلك سيحضر هرتسوغ حفلاً ينظّمه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على شرف قادة الدول الذين سيحضرون حفل افتتاح الألعاب.

ويجري تعزيز الإجراءات الأمنية حول الوفد الإسرائيلي الذي سيحضر فعاليات الألعاب الأولمبية في باريس وسط تهديدات ودعوات لاستبعاد إسرائيل من دورة الألعاب من جراء الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة «حماس» في غزة.