عاد الهدوء إلى عدد من أحياء مدينة قيصري في وسط تركيا بعد ليلة متوترة شهدت إحراق أتراك غاضبين منزلاً ومحلات تجارية وتحطيم ممتلكات وسيارات عائدة لسوريين، على خلفية القبض على شاب سوري تحرش بطفلة من أقاربه في الخامسة من عمرها.
وبينما تصاعدت أصوات القوميين الأتراك بوضع حد لمشكلة اللاجئين السوريين بوصفهم خطراً على الأمن القومي للبلاد، حمَّل الرئيس رجب طيب إردوغان، المعارضة المسؤولية عن الأحداث التي شهدتها ولاية قيصري، وأكد وزير الداخلية على يرلي كايا، أن الحكومة لا يمكن أن تسمح بالتحريض والأعمال التي تحض على كراهية الأجانب.
وقال إردوغان، خلال اجتماع تشاوري لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في كيزيلجا عمام بضواحي أنقرة، الاثنين، إنه لا يمكن تحقيق أي هدف من خلال تأجيج معاداة الأجانب وكراهية اللاجئين في المجتمع.
وأضاف أنه من غير المقبول أن يلوم البعض (المعارضة) اللاجئين على عدم كفاءتهم، وأن إحراق بيوت الناس وإشعال النار في الشوارع «غير مقبول» أياً كان من فعل ذلك.
وقال يرلي كايا، عبر حسابه الرسمي في «إكس» الاثنين، تعليقاً على الاحتجاجات وأعمال الشغب التي شهدتها منطقة مليك غازي في ولاية قيصري القريبة من ولاية إسكيشهير، ليلة الأحد – الاثنين، إنه قُبض على مواطن سوري يُدعى «آي.أ» من بعض المواطنين الأتراك وسُلم إلى قوات الأمن، بعدما تحرش بطفلة من أقاربه، وبدأ التحقيق في الأمر على الفور.
موقع ضد الكراهية
وأضاف يرلي كايا: «تجمع مواطنونا في هذه المنطقة، وتصرفوا بشكل غير قانوني ولا يتناسب مع قيمنا الإنسانية، وألحقوا أضراراً بمنازل وأماكن عمل ومركبات تعود لمواطنين سوريين، وفي أثناء تدخل قواتنا الأمنية في الاحتجاجات المذكورة، جرى اعتقال 67 شخصاً، وتم تفريق الحشد في الساعة 02:00 بعد منتصف الليل (تغ +3)».
وتابع وزير الداخلية التركي: «من غير المقبول أن يقوم شعبنا بالإضرار بالبيئة دون مراعاة النظام العام والأمن وحقوق الإنسان، لا يمكننا أن نسمح بكراهية الأجانب، التي ليست في عقيدتنا ولا في قيمنا الحضارية، ولا في سجل أمتنا المقدسة».
كانت مجموعات من الأتراك الغاضبين قد أحرقت منزلاً وعدداً من المتاجر كما حطمت مركبات وممتلكات لسوريين في قيصري بعد اعتقال سوري بزعم تحرشه بطفلة في الخامسة من عمرها، وجرى تداول مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر تحرشه بها.
وتركزت الاحتجاجات بصفة خاصة في أحياء دانيشمان غازي، ذي الكثافة السورية، وحرييت، وسلجوق، وآيدين ايفلار، التابعة لبلدة مليك غازي، وردد المحتجون الغاضبون هتافات: «لا نريد مزيداً من السوريين... لا نريد مزيداً من الأجانب»، كما طالبوا الرئيس رجب طيب إردوغان، وحكومته بالاستقالة، بوصفه المسؤول عن جلب السوريين إلى تركيا.
وانتشرت قوات من شرطة مكافحة الشغب في المناطق التي شهدت الاحتجاجات، ودعا والي قيصري غوكمان تشيشيك، الذي نزل إلى منطقة الاحتجاجات، المواطنين عبر مكبّر صوت من شرفة أحد المنازل، إلى التزام الهدوء بعدما أُصيب 10 من رجال الشرطة في أثناء محاولة تهدئة الاحتجاجات.
وتعهَّد الوالي بعدم السماح بتكرار مثل هذه الحوادث «الحقيرة» في منطقة دانيشمان غازي، مطالباً المواطنين الغاضبين بالهدوء والعودة إلى منازلهم.
وأعلنت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية أن الطفلة الضحية وإخوتها ووالدتها وُضعوا تحت حماية الدولة بعد الإجراءات في مركز الشرطة، وتمت عملية الدعم النفسي للطفلة وعائلتها بمبادرة من فرق الخبراء، وستتدخل الوزارة في القضية وتتابعها عن كثب لضمان حصول الجاني على أقسى عقوبة.
تحذير من القوميين
تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في ولاية قيصري، التي يبلغ تعداد سكانها نحو مليون 400 ألف نسمة، نحو 84 ألف سوري، وتحتل المرتبة الـ14 بين الولايات التركية التي تستضيف السوريين، وتشتهر بنشاطها التجاري، وتعد محافظة منطقة الأناضول وهي مركز الأتراك المحافظين المتمسكين بالتقاليد الإسلامية، وتتشابه عادات وتقاليد سكانها كثيراً مع كثير من الشعوب العربية، خصوصا في بلاد الشام.
وبات مصير اللاجئين السوريين في تركيا محوراً للتجاذب السياسي بانتظام في النقاش السياسي التركي، ويتعهد معارضو إردوغان بإعادتهم إلى سوريا حال وصولهم إلى الحكم، فيما تتحدث الحكومة عن برامج للعودة الطوعية لأكثر من مليون من بين 3.2 مليون سوري لجأوا إلى تركيا.
وفي خضمِّ الأحداث في قيصري، طالب رئيس حزب «الجيد» القومي، موساوات درويش أوغلو، بفعل ما هو ضروري تجاه اللاجئين السوريين.
وقال درويش أوغلو، في بيان عبر «إكس»: «لقد حذرنا الحكومة مرات عدة لتجنب الوضع الذي حدث في قيصري»، وقلنا إن قضية اللاجئين تشكِّل تهديداً وجودياً للأمن القومي ولمستقبل تركيا والأمة التركية. «والآن، باتت هذه القضية، التي تجاوزت الاحتلال الصامت والخفي، على وشك أن تتحول إلى دمار شامل، وأنا أنادي أولئك الذين تجاهلوا تحذيراتنا وجلبوا ملايين اللاجئين عمداً عبر حدودنا، ومن الواضح أنهم جرّوا تركيا إلى الهاوية، أن يتخذوا إجراءات جدية بشأن الحادث غير الإنساني في قيصري والتطورات التي تلت ذلك».
وأضاف: «أدعو مرة أخرى جميع الأحزاب السياسية وجميع المنظمات غير الحكومية إلى اتخاذ إجراءات على أرضية مشتركة، مع اقتراح حل مشترك وإرادة سياسية مشتركة».