السويد تواجه انتقادات بعد إفراجها عن مسؤول إيراني سابق

رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون يتحدث إلى الدبلوماسي يوهان فلوديروس الذي أفرجت عنه طهران بموجب صفقة تبادل (أ.ب)
رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون يتحدث إلى الدبلوماسي يوهان فلوديروس الذي أفرجت عنه طهران بموجب صفقة تبادل (أ.ب)
TT

السويد تواجه انتقادات بعد إفراجها عن مسؤول إيراني سابق

رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون يتحدث إلى الدبلوماسي يوهان فلوديروس الذي أفرجت عنه طهران بموجب صفقة تبادل (أ.ب)
رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون يتحدث إلى الدبلوماسي يوهان فلوديروس الذي أفرجت عنه طهران بموجب صفقة تبادل (أ.ب)

انتقدت منظمات ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، ومجموعة إيرانية معارضة، الإفراج عن مسؤول إيراني سابق مسجون لدوره في عمليات إعدام جماعية لمعارضين عام 1988.

وكان حميد نوري مسؤولاً سابقاً في السجون الإيرانية، قد حكم عليه وسُجن في السويد، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح للدول بمحاكمة مرتكبي الجرائم في بلدان أخرى. وأدى الملف في السنوات الأخيرة إلى توتر العلاقات بين السويد وإيران التي طالبت بالإفراج عن نوري، معتبرة أن محاكمته متحيّزة.

وقال المحامي كينيث لويس، الذي مثل 10 مدعين في قضية نوري في السويد، إن موكليه لم يستشرهم أحد في إطلاق سراح نوري، وإنهم «يشعرون باستياء بالغ وصدمة» بسبب الإفراج عنه. وأضاف لـ«رويترز»: «هذه إهانة للنظام القضائي بأكمله ولكل من شارك في هذه المحاكمات». وقال لويس إن موكليه يتفهمون جهود الحكومة السويدية لإعادة سويديين إلى وطنهم، لكن إطلاق سراح نوري «غير متناسب بالمرة» مع المقابل.

صورة من فيديو بثّته وكالة «إرنا» الرسمية من وصول حمید نوری إلى مطار مهرآباد في طهران

وقالت المحامية، شيرين عبادي، الحائزة جائزة نوبل للسلام، إن «إطلاق سراح حميد نوري، الذي تم إثبات جرائمه، هو ذرّ الرماد في عين العدالة».

وأضافت عبادي، في بيان: «في عالم يتسلط فيه القادة السياسيون على العدالة لتحقيق مصالحهم، فإن أصعب المهام تقع على عاتق المدافعين عن العدالة، الذين بقوا على مبادئهم، رغم التفاوضات والتلاعبات السياسية».

وأشارت إلى أن «حميد نوري يهرب من قبضة القانون لأسباب سياسية فقط، ولكن يجب أن نتذكر أنه تم إدانته كمجرم في محاكمة عادلة. هذه العملية ستجعل العالم غير آمن دائماً لأمثاله».

وأعلنت طهران واستوكهولم، السبت، عن صفقة تبادل سجناء تم بموجبها إطلاق سراح سويديَّين كانت تحتجزهما إيران، أحدهما دبلوماسي للاتحاد الأوروبي، مقابل الإفراج عن نوري.

وأعلنت إيران إطلاق سراح الدبلوماسي يوهان فلوديروس، الذي احتُجز في أبريل (نيسان) 2022 بتهمة «التجسس لإسرائيل». وكان يواجه حكماً يصل إلى الإعدام، وسعيد عزيزي الذي اعتقل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

تأتي صفقة التبادل بعد 3 أيام على إطلاق سراح الفرنسي لوي أرنو، الذي احتُجز في إيران في سبتمبر (أيلول) 2022.

ويتهم ناشطون السلطات الإيرانية بإعدام آلاف المعارضين من أنصار الأحزاب اليسارية، معظمهم من أنصار (مجاهدين خلق)، في سجونها عام 1988 مع اقتراب الحرب مع العراق من نهايتها.

ومن بين المتهمين بإعدام السجناء: الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي قضى في حادث تحطم مروحية الشهر الماضي، إذ اتهمه النشطاء بالعمل في «لجنة الموت» المكونة من 4 قضاة، التي وافقت على عمليات الإعدام. ويعد مصطفى بورمحمدي أحد المرشحين لخلافة رئيسي من أعضاء «لجنة الموت» أيضاً.

وقال محمود أميري مقدم، مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية غير الحكومية، ومقرها النرويج، إن الخطوة السويدية كافأت «محتجزي الرهائن والمجرمين».

وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «الرسالة إلى النظام الإيراني هي أنه بغضّ النظر عن الجرائم التي ترتكبونها، نحن على استعداد للتعامل معكم. وهذا القرار سيعرض جميع المواطنين الغربيين المسافرين إلى إيران والدول المجاورة للخطر».

وتابع أن «الإفراج عن نوري يمثل فصلاً مخزياً في تاريخ الحكومة السويدية».

وقالت شادي صدر، مؤسسة منظمة «العدالة من أجل إيران» غير الحكومية، التي تتخذ من لندن مقراً، وتسعى إلى المساءلة عن الجرائم المرتكبة في إيران، إنه «بغضّ النظر عن الدافع» لتحرك السويد، فإن إطلاق سراحه «يعد عملاً صارخاً ومخزياً خلّف عدداً لا يحصى من الضحايا، والجمهور الإيراني الأوسع في حالة صدمة».

وأشارت إلى أن قضية نوري هي «الأولى والوحيدة» المتعلقة بالمحاسبة على جرائم مرتكبة في إيران بموجب الولاية القضائية العالمية، مضيفة: «إنها تثير تساؤلات جدية حول التأثير السياسي على قضايا الولاية القضائية العالمية».

من واشنطن، قال المدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان في إيران (CHRI)، هادي قائمي، إن «الاتفاقيات الثنائية لإطلاق سراح المواطنين الأجانب والمزدوجي الجنسية الذين اختطفوا وسُجنوا بشكل غير قانوني من قبل إيران لاستخدامهم كأدوات مساومة ترسل رسالة واضحة إلى طهران: خذوا مواطنينا ثم حددوا الثمن، ونحن سندفع».

من جهته، قال المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الجناح السياسي لحركة «مجاهدين خلق»، أبرز فصائل المعارضة الإيرانية، إن إطلاق سراح نوري «مخزٍ وغير مبرر» و«إهانة للقضاء السويدي». يشار إلى أن الغالبية العظمى من ضحايا الإعدامات في السجون ينتمون إلى «مجاهدين خلق».

وحذّر المجلس من أن إطلاق سراح نوري لن يؤدي إلا إلى تشجيع السلطات الإيرانية على «تصعيد الإرهاب واحتجاز الرهائن والابتزاز».

كاظم غريب آبادي رئيس لجنة حقوق الإنسان يستقبل حمید نوری في مطار مهرآباد طهران (إرنا)

ولا تزال إيران تحتجز 8 أوروبيين، بينهم 3 فرنسيين.

وقالت مریم کلارن، ابنة الألمانية - الإيرانية ناهيد تقوي، المحتجزة في طهران، على منصة «إكس»: «أود أن أكون واضحة. سعيدة لأجل الرهائن المفرج عنهم وعائلاتهم. لكن، ما هي الرسالة التي أرسلها الاتحاد الأوروبي إلى طهران؟ سيتم اختطاف مزيد من الأشخاص، والرهائن الذين تركوا وراءهم قد يتم إعدامهم. والأهم من ذلك: ما هذه إلا الصفعة في وجوه عائلات ضحايا نوري».

وقالت لادن برومند لادن برومند، رئيسة «مركز عبد الرحمن برومند لحقوق الإنسان»، إن الصفقة «تكافئ اختطاف الرهائن وتؤكد لطهران على الطبيعة المجزية سياسياً ومالياً لهذه الجريمة المتكررة». ورأت أنها «ترسل إلى عملاء النظام الإيراني إشارات بأنهم يمكنهم مواصلة قتل المواطنين الإيرانيين دون عقاب».

وشدّدت برومند على أنها «تبرز أن الديمقراطية وسيادة القانون والمساءلة ليست سوى كلمات فارغة، ما يقوض مفهوم القيم العالمية، ويدعم ادعاءات المتشددين بأن الديمقراطيات الليبرالية هي نظم فاسدة ولا مبادئ لها».

وحذّرت من أن هذه الصفقة «توفر انتصاراً نفسياً وفكرياً مذهلاً لنظام علي خامنئي». كما أشارت إلى «خيانة الحلفاء الحقيقيين، مثل نشطاء الديمقراطية الإيرانية والشباب الذين يخاطرون بحياتهم في احتجاجات من أجل القيم الديمقراطية في إيران». وأضافت أن الحكومة السويدية «فشلت في تأمين إطلاق سراح جميع الرهائن السويديين، بما في ذلك الرهينة السويدي الأطول احتجازاً، أحمد رضا جلالي، الذي ما زال محتجزاً في إيران».

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، قد أعربت عن سعادتها بإطلاق سراح الدبلوماسي السويدي يوهان فلوديروس، وكذلك فعل مسؤول السياسة الخارجية للتكتل جوزيب بوريل، الذي أكد أن كل الجهود تُبذل من أجل الأوروبيين «الذين ما زالوا محتجزين تعسفياً في إيران».

الدبلوماسي يوهان فلوديروس في أحضان أفراد أسرته لدى وصوله إلى مطار استوكهولهم (إ.ب.أ)

ولعبت عمان دوراً محورياً في صفقة التبادل السويدية - الإيرانية التي جاءت بعد أيام من إطلاق إيران سراح الفرنسي لويي أرنو. وتلقّى سلطان عمان، السلطان هيثم بن طارق، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعرب عن شكره وتقديره على الجهود التي بذلتها سلطنة عمان في التوصل للتفاهمات بين باريس وطهران، حسبما أوردت وكالة الأنباء العمانية.

وقالت طهران إن الصفقة «استمرار لجهود وزير الخارجية السابق حسين أمير عبداللهيان».

وقال دنيس روس، الدبلوماسي الأميركي السابق والمساعد الخاص للرئيس الأسبق باراك أوباما، إن «إيران تحتجز الأشخاص لهذه التبادلات. ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يوقف جميع السفر إلى إيران رداً على ذلك. لنرى كم من الوقت ستستغرق إيران لتغيير سياستها».


مقالات ذات صلة

إيران... توقيف محام مقرب من حملة بزشكيان

شؤون إقليمية برهاني يقف على يمين بزشكيان خلال خطابه الأخير في ستاد حيدرنيا الأربعاء الماضي (جماران)

إيران... توقيف محام مقرب من حملة بزشكيان

أعلنت وسائل الإعلام الرسمية الأحد أن الأجهزة الأمنية أوقفت محامياً إيرانياً مقرباً من حملة الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان انتقد علناً كيفية التعامل مع الاحتجاجات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري بزشكيان خلال لحظة تأمل في ضريح المرشد الإيراني الأول جنوب طهران على هامش خطابه بعد فوزه بالرئاسة أمس (أ.ف.ب)

تحليل إخباري الرئيس الإيراني الجديد يعزز الآمال في انفراجة دبلوماسية

مع انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً، ربما تشهد إيران تخفيفاً لحدة سياساتها الخارجية «المتشددة»، بل وربما يتيح فرصة لانفراجة دبلوماسية جديدة.

لارا جاكيس (نيويورك)
شؤون إقليمية بزشكيان يستقبل مخبر في مكتبه اليوم (الرئاسة الإيرانية)

«صيانة الدستور» يصادق على نتائج انتخابات الرئاسة... وبزشكيان يؤدي القسم مطلع أغسطس

أعلن «مجلس صيانة الدستور» المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الإصلاحي مسعود بزشكيان، قبل نحو 3 أسابيع من أدائه القسم الدستوري.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية لقطة تظهر المدمرة وقد انقلبت على جانبها (مواقع تواصل)

مدمرة إيرانية تتعرّض لحادث في ميناء بندر عباس

ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، الأحد، أن الفرقاطة البحرية الإيرانية «سهند»، تعرّضت لحادث في ميناء بندر عباس بجنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان وظريف يرفعان شارة النصر على هامش التصويت في مركز اقتراع في غرب طهران (إ.ب.أ)

«الاتفاق النووي ورفع العقوبات»... اختبار بزشكيان في السياسة الخارجية

يترقّب الإيرانيون تشكيلة حكومة الرئيس الإصلاحي المنتخب مسعود بزشكيان، وسط وعود كبيرة أطلقها خلال حملته الرئاسية، على رأسها مراجعة قانون خفض الالتزامات النووية.

عادل السالمي (لندن)

«صيانة الدستور» يصادق على نتائج انتخابات الرئاسة... وبزشكيان يؤدي القسم مطلع أغسطس

بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)
بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)
TT

«صيانة الدستور» يصادق على نتائج انتخابات الرئاسة... وبزشكيان يؤدي القسم مطلع أغسطس

بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)
بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)

أعلن «مجلس صيانة الدستور» المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الإصلاحي مسعود بزشكيان، قبل نحو 3 أسابيع من أدائه القسم الدستوري أمام البرلمان.

وباشر الرئيس المنتخَب، الأحد، اجتماعاته مع مسؤولين وشخصيات سياسية، تمهيداً لنقل صلاحيات الرئاسة، وتشكيل الحكومة.

وقال المتحدث باسم «مجلس صيانة الدستور»، هادي طحان نظيف، للتلفزيون الرسمي، إن مراجعة صحة الانتخابات انتهت قبل ساعات في «مجلس صيانة الدستور»، لافتاً إلى تأكيد صحة جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية.

وأضاف: «أبلغنا هذا الموضوع رسمياً لوزارة الداخلية بوصفها الجهة المنفذة للانتخابات»، لافتاً إلى أن المجلس لم يتلقَّ أي شكاوى أو تقارير عن مخالفات تؤثر في نتائج الانتخابات.

ولفت طحان نظيف إلى أن المجلس يعمل على إعداد وثيقة اعتماد الرئيس المنتخب، على أن ترسَل لمكتب المرشد الإيراني للمصادقة على حكم الرئاسة.

ويشرف «مجلس صيانة الدستور»، الهيئة غير المنتخبة التي يختار المرشد الإيراني علي خامنئي نصف أعضائها الـ12 على تنفيذ الانتخابات، ويبتّ بأهلية المرشحين، ويراقب تشريعات البرلمان، ويفصل بين خلافات الحكومة والمشرعين.

ومن المقرر أن يقام حفل التنصيب بعد نيل بزشكيان موافقة المرشد علي خامنئي، رسمياً.

ونقلت وكالة «إرنا» عن عضو الهيئة الرئاسية بالبرلمان مجتبى يوسفي، قوله إن «مراسم تنصيب الرئيس ستقام في الرابع أو الخامس من أغسطس المقبل»، على أن «يعين خلال 15 يوماً الوزراء للتصويت على الثقة».

وكان المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، علي رضا سليمي، قد أبلغ وكالة «إيسنا» الحكومية، السبت، أن بزشكيان سيؤدي القسَم في الأسبوع الذي يلي يوم 21 يوليو (تموز) الحالي.

بزشكيان يستقبل مخبر في مكتبه اليوم (الرئاسة الإيرانية)

وتوجه الرئيس المؤقت محمد مخبر إلى مكتب الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، وأطلعه على آخر مستجدات القضايا التنفيذية، وفق ما ذكرت مواقع إيرانية.

وقال مكتب مخبر في بيان إن اللقاء الودي تناول الأمور الجارية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

خامنئي يستقبل فريق رئيسي

في وقت لاحق، استقبل المرشد الإيراني، علي خامنئي، مخبر، وأعضاء الحكومة المنتهية ولايتها، مشيداً بالرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث تحطم مروحية 19 مايو (أيار) الماضي.

وأعرب خامنئي عن رضاه عن أداء رئيسي، عادّاً صفاته: «العمل الدؤوب لحل مشاكل عامة الناس (وليس الخاصة والمستفيدين الخاصين)، والاعتقاد العميق بقدرات البلاد، والصراحة في إعلان المواقف الدينية والثورية، وعدم الكلل، وعدم اليأس، ومراعاة التفاعل والكرامة في السياسة الخارجية، والاهتمام بتنفيذ المشاريع الكبيرة».

وقال خامنئي إن حكومة رئيسي كانت حكومة «العمل والأمل والحركة»، وأشار إلى إجابة رئيسي عن سؤال حول ما إذا كان يريد إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، وذلك في أول مؤتمر صحافي عقده بعد توليه الرئاسة.

وقال خامنئي: «رئيسي كان ملتزماً بما يقوله بصراحة؛ مثلاً في أول مقابلة سئل عما إذا كان سيتواصل مع بلد معين، أجاب: (لا)، وبقي مخلصاً لهذا الموقف الواضح والصريح حتى النهاية».

صورة نشرها موقع خامنئي من صورته التذكارية مع فريق حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي

وبشأن السياسة الخارجية، قال خامنئي إن رئيسي تصرف مع «مراعاة التفاعل والكرامة في نفس الوقت». وقال: «تفاعل من موقف الكرامة مع جميع الدول التي كان يمكن التواصل معها ومع أولوية الجيران... بعض القادة البارزين في العالم يذكرون رئيسي كشخصية بارزة وليس كسياسي عادي».

من جانب آخر، كشف خامنئي عن توصياته للرئيس السابق بشأن الخلافات الداخلية، قائلاً: «كان رئيسي يتألم من الخلافات، لكنه كان يتعامل مع الجميع. في إحدى الحالات كان هناك خلاف جدي وكان من الممكن أن ينشب نزاع كبير في البلاد، فقلت له ألا يتفاعل معها؛ كان ذلك صعباً عليه، لكنه لم يتفاعل وتعامل مع الأمر».

وقال خامنئي: «هذه الصفات تم توضيحها كنموذج (...)». وطالب خامنئي الرئيس المنتخَب بتنبي نهج رئيسي، ومواصلة مسار سياساته.

ووجه خامنئي الشكر إلى المسؤولين الحكوميين ووزارة الداخلية وقوات الأمن والشرطة، ووسائل الإعلام على «تنظيم الانتخابات بشكل جيد ودون أحداث». وقال: «في بعض دول العالم، تكون الانتخابات مصحوبة بالخلافات والمشاجرات. بينما في بلدنا تم تنظيم الانتخابات بأفضل طريقة».

تخفيف التوترات

وتعهَّد بزشكيان (69 عاماً) بتبني سياسة خارجية عملية، وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية، لكن كثيراً من الإيرانيين يشككون في قدرته على الوفاء بوعوده الانتخابية؛ لأن الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وليس الرئيس، هو صاحب السلطة الأعلى في الجمهورية الإسلامية.

وكان الرئيس الأسبق حسن روحاني قد نشر بياناً السبت، مشيراً إلى تنافس رؤيتين في مجال السياسة الخارجية، وقال: «هذا الاستفتاء الوطني أظهر أنه يفضل التفاعل البنّاء مع العالم واستخدام الدبلوماسية الذكية والمحترمة وإحياء الاتفاق النووي»، مشدداً على أنه «الآن لدينا فرصة لتعويض الفرص الضائعة واستعادة حق الوجود المحترم للبلاد في المجتمع الدولي».

وخاطب روحاني الإيرانيين: «أظهرتم للعالم أنه على الرغم من الصعوبات واليأس، لا تتنازلون عن حق تقرير مصيركم، ولأولئك الذين راهنوا على هندسة الانتخابات أرسلتم رسالة واضحة أنكم تستمعون بصبر إلى مختلف الأحاديث، ولكن إذا أتيحت لكم الفرصة تختارون الأفضل».

وأضاف: «أظهر تصويت الشعب في هذه الانتخابات أنهم لا يريدون السياسات الاقتصادية والإدارية التي تسببت في أعلى معدلات التضخم وأشد مستويات الفقر خلال السنوات الثلاث الماضية، كما أنهم يرفضون عدم احترام النساء وسلب حقهن في المشاركة الفاعلة في المجالين الاجتماعي والافتراضي».

وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي إن التكتل المكون من 27 عضواً «مستعد للتعامل مع الحكومة الإيرانية الجديدة بما يتماشى مع سياسة الاتحاد الأوروبي».

من جهته، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة «إكس» أن «الشعب الإيراني وجّه رسالة واضحة يطلب فيها التغيير ويعبر عن معارضة نظام (الملالي)».

مشاركة منخفضة

وكانت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات التي أُجريت، الجمعة، نحو 50 في المائة من أصل 61 مليون ناخب. وشهدت الجولة الأولى في 28 يونيو (حزيران) إقبالاً منخفضاً لم يسبق له مثيل؛ إذ أحجم أكثر من 60 في المائة من الناخبين عن التصويت في الانتخابات المبكرة لاختيار خليفة رئيسي.

وفي الجولة الثانية، حصل بزشكيان على 16.3 ملیون صوت، ما يعادل 53.6 في المائة من الأصوات، بينما حصل منافسه المتشدد سعيد جليلي على 13.5 مليون صوت (ما يعادل 44.3 في المائة)، من أصل نحو 30 مليون صوت. وفي الجولة الأولى حصل بزشكيان على 10 ملايين و415991 صوتاً من أصل 24 مليوناً و535185 صوتاً جرى فرزها، بينما حصل جليلي على 9 ملايين و473298 صوتاً.

وقبل 3 سنوات، حصل رئيسي على 17.9 مليون (61.9 في المائة) من أصل 28.9 مليون شاركوا في الانتخابات. وكانت السلطات قد استدعت 59.3 مليون ناخب.

ويقول منتقدو الحكام في إيران إن نسبة المشاركة المنخفضة التي تراجعت في الانتخابات السابقة تظهر تآكل شرعية النظام. وشارك 48 في المائة فقط من الناخبين في انتخابات 2021 التي أوصلت رئيسي إلى السلطة، بينما وصلت نسبة المشاركة إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 41 في المائة في الانتخابات البرلمانية قبل 3 أشهر.

وتمكن بزشكيان من الفوز، بفضل ثقة قاعدة انتخابية يُعتقد أنها تتألف من أبناء الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية والشبان المصابين بخيبة أمل كبيرة من الحملات الأمنية التي سحقت على مدى السنين أي معارضة علنية للحكم الثيوقراطي، بحسب «رويترز».

بزشكيان يشم وردة حمراء على هامشه خطابه الأخير خلال تجمع انتخابي في طهران الأربعاء الماضي (أ.ب)

أولويات الرئيس

وتوقعت صحيفة «دنياي اقتصاد» أن «ترحب الأسواق» بفوز بزشكيان. وتساءلت: «ما هي الأولوية الرئيسية للرئيس الجديد؟ يبدو أن الخطوة الأولى لتحقيق الانفراج الاقتصادي هي الرفع الدائم للعقوبات».

وكتب عالم الاجتماع أحمد بخارائي عن «ثلاثية جديدة في الخريطة السياسية لإيران»، لافتاً إلى أنها «تشمل المحافظين، والمجموعات الخارجة عن الإصلاحية والأصولية، ومجموعة وسطية تبحث عن حل النزاعات». وأشار إلى انكسار النظم الاجتماعية في إيران وخضوعها لتغييرات جذرية.

وقال إن البلاد تدخل فترة جديدة يتشكل فيها قطبان رئيسيان: الأصوليون والإصلاحيون، بالإضافة إلى 60 في المائة من الذين لديهم وجهة نظر مختلفة ولم يشاركوا في الانتخابات. وأشار أيضاً إلى زيادة المشاركة بنسبة 9 في المائة في الجولة الثانية، موضحاً أن الناخبين «صوتوا في الغالب بدافع الخوف بدلاً من الانتماء الحقيقي للمرشحين». وقال: «معظم الناخبين كانوا يبحثون عن التغيير والتحول».

وزاد في نفس السياق: «كانت أجواء الانتخابات خاصة، وكانت المشاركة بسبب الخوف من رئيس سيئ أكثر من الأمل في رئيس جيد».

وقال إن بزشكيان «انتُخب ممثلاً للتغييرات الحقيقية والإصلاح». ورأى أن «المجتمع لم يتخذ قراره مسبقاً، وكثير من الناس صوتوا في اللحظات الأخيرة... الطبقة المتوسطة والفقيرة صوتت لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة».

وخلص إلى أن «المجتمع الإيراني يمر بتغيير جدي، والرئيس الجديد يجب أن يلتفت إلى مطالب التغيير والتحول من الشعب».

وفي افتتاحية صحيفة «سازندكي» الناطقة باسم فصيل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، كتب الناشط السياسي عماد الدين باقي: «على الرغم من الجهود الكبيرة من قبل الإصلاحيين والأجهزة الإعلامية لتحفيز مشاعر الناس، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات أقل من 50 في المائة، وكانت معظم الأصوات احتجاجية وليست تأييدية».

وأضاف: «كان معظم الناس غير راضين عن السياسات الداخلية والخارجية، وشارك الناخبون لصالح بزشكيان بسبب معارضتهم للطرق التقليدية». وعزا زيادة المشاركة في الجولة الثانية إلى «الاحتجاج على الوضع الحالي».

وعن رسالة الانتخابات، قال إن النتائج أظهرت أن «نصف الناس يعارضون السياسات الجارية ولا يمكن إرضاؤهم بالطرق السابقة». وحذر من أن عدم تحقق وعود بزشكيان، واستمرار قمع الاحتجاجات «سيزيدان احتمال وقوع الثورة».

وتطرق إلى الاستياء العام من قمع الاحتجاجات والعنف خصوصاً في حراك مهسا أميني قبل نحو عامين، و«الإعدامات غير المقبولة» والتضييق على النساء والفقر والتضخم، مؤكداً أن «استخدام القوة والدعاية لم يحقق نتائج»، و«يجب على المسؤولين التفكير في تغييرات جوهرية».

أما صحيفة «كيهان» المتشددة فقد جمعت عدد الأصوات في الجولة الأولى والثانية، وتحاشت التطرق إلى المقاطعة. وقالت إن «مشاركة 55 مليون شخص في هذه الانتخابات أبطلت ادعاءات المعارضين». ووصفت نصاب الانتخابات بـ«المقبول».

وأضاف المحلل سعد الله زارعي في افتتاحية «كيهان»، أن «التيارين المحافظ والإصلاحي تنافسا بأصوات متقاربة». وتابع: «أظهرت هذه الانتخابات إمكانية استخدام الأصوات من التيارين لتنظيم المجتمع السياسي».

ونوّه زارعي بما قاله بزشكيان حول ضرورة التعاون الوطني، و«تجنب السلوكيات المتطرفة»، و«ترميم الفجوة بين المجتمع وتحسين الوضع الاقتصادي». وقال: «في تصريحات الرئيس المنتخب تم التأكيد على أهمية الإجماع الوطني لتنفيذ السياسات الداخلية والخارجية بنجاح. يجب أن يكون الإجماع الوطني محوراً يُرتكز عليه»، وأضاف: «إيران بعد الثورة لديها محور واحد هو المرشد وولاية الفقيه من الناحية العقائدية، والدستور من الناحية القانونية».

وتابع: «يمكن للحكومة الجديدة أن تخلق فرصاً كبيرة في عالم يتغير بسرعة حالياً، وقد تكون حكومة متخبطة وتهدر الفرص الكبيرة في الداخل والمنطقة والعالم».