بادرة «حسن نية» من إيران تجاه فرنسا بوساطة عمانية

طهران تطلق سراح رهينة فرنسية و3 رهائن ما زالوا قيد الاحتجاز

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يستقبل لوي أرنو لدى وصوله إلى مطار لوبورجيه شمال باريس اليوم (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يستقبل لوي أرنو لدى وصوله إلى مطار لوبورجيه شمال باريس اليوم (أ.ف.ب)
TT

بادرة «حسن نية» من إيران تجاه فرنسا بوساطة عمانية

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يستقبل لوي أرنو لدى وصوله إلى مطار لوبورجيه شمال باريس اليوم (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يستقبل لوي أرنو لدى وصوله إلى مطار لوبورجيه شمال باريس اليوم (أ.ف.ب)

في حمأة الاستعداد للانتخابات التشريعية في فرنسا، وما يرافقها من انقسامات واصطفافات، جاء خبر إفراج السلطات الإيرانية عن لويس أرنو، المواطن الفرنسي المحتجز في إيران منذ شهر سبتمبر (أيلول) 2022 ليخفف مؤقتاً من وطأة التوتر السياسي والاتهامات المتبادلة بين 3 مجموعات يتشكل منها المشهد السياسي الفرنسي حالياً.

وكان الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تسبب قراره في حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة يومي 30 يونيو (حزيران) و7 يوليو (تموز) بعملية خلط سياسية، أول المعلقين على إطلاق أرنو. فقد كتب ماكرون، مساء الأربعاء، على منصة «إكس»: «لويس أرنو حرّ طليق. سيصل غداً (الخميس) إلى فرنسا بعد فترة طويلة من الاحتجاز في إيران. أشكر أصدقاءنا العمانيين وكل من ساهم في الوصول إلى هذه الخاتمة السعيدة. وهذا المساء، تذهب أفكاري إلى سيسيل وجاك وأوليفيه. أدعو إيران إلى إطلاق سراحهم دون تأخير». وكان ماكرون يشير بذلك إلى المواطنين الفرنسيين الثلاثة الذين ما زالوا محتجزين في إيران، والذين تسميهم باريس بـ«رهائن دولة».

بدوره، سارع وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه إلى التغريد على منصة «إكس» مكرراً تقريباً ما كتبه رئيس الجمهورية، مضيفاً إليه شكره لكل «فرق وزارة الخارجية التي أفضت إلى أن يلتقي لويس أرنو مجدداً عائلته». وأضاف سيجورنيه: «ما زال ثلاثة من مواطنينا معتقلين بشكل اعتباطي، و(إطلاق سراحهم) هو أولويتي». وقال سيجورنيه، الخميس: «ما زلنا نعمل» من أجل إطلاق المتبقين الثلاثة و«لا تزال دبلوماسيتنا مستنفرة... سيكون هذا هو النصر المقبل للغد. لكن هنا يجب أن نكتفي بهذا الانتصار الدبلوماسي الكبير لفرنسا». والخميس، كان وزير الخارجية، إلى جانب عائلة أرنو، عند مهبط الطائرة من أجل استقباله.

وساطة عمانية

الملفت في هذا التطور، وفق أوساط متابعة في باريس، 3 أمور: الأول، الدور الذي لعبته الدبلوماسية العمانية في إقناع إيران بالإقدام على هذه الخطوة. فالمعروف أساساً أن عمان تلعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، بينما فرنسا كانت تراهن غالباً على الدور القطري.

وأعربت وزارة الخارجية العمانية، في بيان، عن «ترحيب سلطنة عمان بالتفاهمات بين فرنسا وإيران، ما أدى لإطلاق سراح المواطن الفرنسي». وقالت: «تثمن سلطنة عمان الروح الإيجابية التي سادت المباحثات بين البلدين الصديقين».

وعمدت باريس باستمرار إلى الاستفادة من الفرص كافة للطلب من إيران الإفراج عن مواطنيها، ولكن دون طائل. والأمر الثاني، أن الإفراج عن أرنو يحلّ في ظل مرحلة انتقالية في إيران، عنوانها الانتخابات الرئاسية عقب مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، بحادثة تحطم مروحية في 19 مايو (أيار) الماضي.

ولا شيء في طهران، كما يقول العارفون بالشأن الإيراني، يأتي عفوياً ومجاناً كما يدل على ذلك إطلاق سراح محتجزين غربيين في السنوات والأشهر الماضية، بما في ذلك فرنسي. وبكلام آخر، طهران تريد دوماً ثمناً إخراج الغربيين من سجونها، وغالبيتهم تساق بحقّهم إما تهمة التجسس أو تهمة الإضرار بمصالح الجمهورية الإسلامية. الأمر الثالث الملفت حقيقة للانتباه، أن العلاقات الفرنسية - الإيرانية ليست راهناً في أفضل أحوالها. ثمة دليلان على ذلك: الأول، أن فرنسا كانت مؤخراً من الدول الدافعة باتجاه اتخاذ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً يدين إيران ويهددها بـ«إجراءات إضافية» في حال استمرار عدم تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية. والثاني، أن البيان الذي صدر السبت الماضي عقب قمة الرئيسين الفرنسي والأميركي في باريس، بالغ التشدد إزاء إيران، وفيه تهديد لطهران باتخاذ «إجراءات عقابية إضافية» بحقّها مع مضبطة اتهامات، تتناول إلى جانب ملفها النووي، دعمها لروسيا ودورها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، وتصدير الصواريخ لتنظيمات غير حكومية في المنطقة، فضلاً عن ملف حقوق الإنسان.

لغز مزدوج

ثمة لغز مزدوج بحاجة إلى تفسير فيما يتعلق بملف الرهائن الفرنسيين: الوجه الأول أن الذين ما زالوا في السجون الإيرانية 3 رهائن: اثنان معروفا الهوية، هما سيسيل كوهلر، ورفيق دربها جاك باريس، اعتقلا معاً في مايو عام 2022. الأولى أستاذة الأدب الحديث، والثاني أستاذ رياضيات. والرهينة الثالثة هو «أوليفيه» الذي لم تكشف كامل هويته من قبل إيران، ولا من قبل فرنسا. وتفيد أوساط الخارجية أن التستر على هويته جاء بناء على طلب من عائلته. والوجه الثاني للغز يتناول أسلوب إيران بإطلاق الرهائن «بالقطارة»، وفق التعبير الشعبي المعروف.

وكشفت كارين ريفولان، محامية أرنو، البالغ من العمر 36 عاماً، أنها وعائلته «لا تملكان معلومات عن ظروف إطلاق سراحه»، مضيفة أن العائلة تلقت اتصالاً هاتفياً من وزارة الخارجية، يعلمها بقرب خروجه من السجن. وقالت سيلفي، والدة لويس أرنو، لصحيفة «ويست فرانس»: «كنا ننتظر عودة ابننا منذ 21 شهراً، وهذا الانتظار الطويل ما كان ليوجد، لأنه لا سبب لاحتجاز أرنو».

تُظهر هذه اللقطة من فيديو لمحطة «إل سي آي» المواطن الفرنسي لوي أرنو بين والديه عند وصوله إلى مطار لوبورجيه شمال باريس اليوم (أ.ف.ب)

وأضافت، من جانبها، المحامية ريفولان: «نحن نواصل معركتنا من أجل الإفراج عن سيسيل وجاك وأوليفيه»، مضيفة أن «التعبئة التي قمنا بها أتت أُكُلها. فالسلطات الفرنسية تعمل بفاعلية، لكن تعبئة العائلات والمواطنين والإعلام سرّعت على أي حال عملية الإفراج. وأنا على قناعة أن رسائلنا تصل إلى مسامع الدولة الفرنسية والدولة الإيرانية، وأيضاً إلى مسامع الرهائن الذين يعرفون أنهم يتمتعون بدعم بلدهم». وعبّرت المحامية المشار إليها عن «قلقها» لغياب أي معلومات عن سيسيل كوهلر منذ شهرين، وعن صحة جاك باريس، الذي قطع عامه السبعين في السجن. والملفت أن أرنو الذي يعمل مستشاراً ألقي القبض عليه في سياق الاحتجاجات التي تبعت وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، بعد اعتقالها بسبب «عدم احترامها» أصول الارتداء المعمول بها في إيران. واتهم أرنو بالمشاركة في الاحتجاجات، فيما ألقي القبض على كوهلر وباريس في مرحلة الحراك الطلابي، الذي أقلق النظام الإيراني. وتعدّ كوهلر ناشطة نقابية في إطار السلك التعليمي الفرنسي. وظهرت على شاشة التلفزة الإيرانية، و«اعترفت» بدور تخريبي. وردّت باريس على ذلك، معتبرة ما حصل «مهزلة»، وأن «الاعترافات» انتزعت منها بفعل الإكراه.

ليست كارين ريفولان محامية أرنو الوحيدة، إذ هناك محاميان إضافيان، كلّفتهما عائلات الرهائن الثلاثة الدفاع عنهم، وأحدهم مارتن براديل. وتحدث الأخير، الخميس، لإذاعة «فرانس أنفو» الإخبارية، عن ظروف اعتقال موكله أرنو الصعبة. وأشار إلى أنه «وضع في عزلة تامة في زنزانة من غير نوافد ولا إضاءة خلال أشهر طويلة».

ما المقابل الذي حصلت عليه إيران؟

ثمة مناطق ظلّ لم تتكشف بواطنها بشأن توقيت إطلاق سراح أرنو، وبشأن ما حصلت عليه إيران. بيد أن المحطة التلفزيونية «إيران إنترناشيونال»، ومقرها لندن، نقلت في تقرير صدر يوم الجمعة الماضي، عن مصادر فرنسية لم تسمها، خبر «الاعتقال الإداري» لمدير سابق في التلفزة الإيرانية، اسمه بشير بي آزار، وأن أمراً قضائياً صدر بترحيله، وسيتم تنفيذه بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية لذلك. وأفادت معلومات أخرى أن طهران تسعى لإطلاق سراحه، مشيرة إلى أن القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، يسعى لذلك، وطلب من سفير بلاده في باريس متابعة هذا الملف الحساس.

وبحسب «إيران إنترناشيونال»، فإن آزار يقيم في فرنسا، منذ عام 2022، بتأشيرة عائلية طويلة الأمد مع زوجته وطفل. وكانت وكالة مهر للأنباء، التابعة لمنظمة الدعاية الإسلامية في إيران، قد عرّفت «بي آزار» في 4 يونيو بأنه ناشط إعلامي، وذكرت أنه تم استدعاؤه إلى الشرطة الفرنسية قبل يوم واحد، وتم اعتقاله دون إبداء أي سبب أو تفسير.

من جانب آخر، عبّر كاظم غريب آبادي، مسؤول شؤون «حقوق الإنسان» في القضاء الإيراني عن ترحيبه «بمداهمة الشرطة الفرنسية لمقر (مجاهدين خلق) والتفتيش الكامل للمقر، والقبض على 3 من أعضاء الجماعة، وإغلاق هذا المقر». وأكد غريب أبادي أن طهران قامت بمراقبة هذه العملية، وأنها «لن تترك مكاناً آمناً للإرهابيين».

هل من علاقة بين هذين الحدثين وبين إطلاق سراح أرنو؟ السؤال مطروح، وكل الفرضيات ممكنة، نظراً لما دأبت عليه طهران من طلب مقابل كل عملية إفراج تقوم بها. ولا تشذّ معاملتها لفرنسا عن هذه القاعدة، وقد ثبتت صحتها منذ بداية سنوات الثورة الإيرانية.


مقالات ذات صلة

إيراني - سويدي محكوم بالإعدام يتهم استوكهولم بالتخلي عنه

شؤون إقليمية مظاهرة داعمة للأكاديمي السويدي من أصل إيراني أحمد رضا جلالي في استوكهولم مايو 2022 (إ.ب.أ)

إيراني - سويدي محكوم بالإعدام يتهم استوكهولم بالتخلي عنه

طلب أحمد رضا جلالي الإيراني - السويدي الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام به في إيران منذ ثماني سنوات، إيضاحات من رئيس الوزراء السويدي بعد عملية تبادل سجناء لم تشمله.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون يتحدث إلى الدبلوماسي يوهان فلوديروس الذي أفرجت عنه طهران بموجب صفقة تبادل (أ.ب)

السويد تواجه انتقادات بعد إفراجها عن مسؤول إيراني سابق

انتقدت منظمات ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، ومجموعة إيرانية معارضة، الإفراج عن مسؤول إيراني سابق مسجون لدوره في عمليات إعدام جماعية لمعارضين عام 1988.

شؤون إقليمية الدبلوماسي السويدي يوهان فلوديروس يتحدث إلى محاميه... ويظهر أيضاً مسؤول قضائي خلال جلسة محاكمة بطهران في ديسمبر الماضي (إ.ب.أ)

صفقة تبادل سجناء بين إيران والسويد بوساطة مسقط

بعد وساطة عُمانية، أبرمت طهران واستوكهولم صفقة لتبادل سجناء؛ أبرزهم حميد نوري المُدان في السويد بالمؤبد على خلفية دوره في إعدامات عام 1988، مقابل إطلاق سويديين.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم - طهران)
شؤون إقليمية امرأة تحمل صوراً للطفلين كفير وأرييل بيباس، وهما رهينتان إسرائيليتان لدى «حماس» مع والديهما في قطاع غزة، بينما يسير الطلاب نحو البرلمان الإسرائيلي، للمطالبة بصفقة لإطلاق سراح الرهائن... الصورة في القدس، الخميس 13 يونيو 2024 (أ.ب)

قيادي ﺑ«حماس»: لا أحد يعلم مصير باقي «الأسرى» الإسرائيليين في غزة

قال مسؤول كبير في حركة «حماس» بلبنان في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» إن أحداً لا يعلم مصير 120 أسيراً إسرائيلياً لا يزالون في قبضة الحركة في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية وفد إسرائيل لن يتوجه للمفاوضات لحين استجابة «حماس» لمقترح بايدن (أ.ف.ب)

إسرائيل: لا تفاوض قبل عودة «حماس» للخطوط العريضة بمقترح بايدن

نقلت هيئة البث الإسرائيلية اليوم الخميس أن وفد إسرائيل لن يتوجه للمفاوضات حتى تعلن «حماس» استعدادها للعودة إلى الخطوط العريضة التي طرحها الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

خامنئي يحذر من تولي مسؤولين «مُحبين لأميركا»


صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع أنصاره صباح أمس
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع أنصاره صباح أمس
TT

خامنئي يحذر من تولي مسؤولين «مُحبين لأميركا»


صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع أنصاره صباح أمس
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع أنصاره صباح أمس

دعا المرشد الإيراني، علي خامنئي، المرشحين لانتخابات الرئاسة، المقررة الجمعة، إلى عدم اختيار مسؤولين «محبين لأميركا» أو الذين ينحرفون عن مبادئ الثورة، مشيراً إلى أن البلاد تواجه اختباراً حاسماً في عملية اختيار خليفة للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. وشدّد خامنئي على أهمية المشاركة الواسعة في الانتخابات، محذراً من أن المشاركة المنخفضة «ستجعل ألسنة الأعداء طويلة».

وأوصى خامنئي المرشحين: «إذا تمكّنتم من الحصول على مسؤولية، فلا تختاروا موظفيكم من بين الذين لديهم أدنى اختلاف مع الثورة. الشخص الذي لديه اختلاف مع النظام ومحب لأميركا لن يكون شريكاً جيداً».

وتواجه المرشحون الستة في مناظرة تلفزيونية أخيرة، تطرقت النقاشات فيها إلى قضايا الفساد والتضخم وحلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مع التأكيد على أهمية الحوار الداخلي ونبذ الخلافات وتقليل الفجوة بين الشعب والحكام.

في غضون ذلك، أعلن الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي دعمه للمرشح مسعود بزشكيان، ودعا إلى التصويت له الجمعة. وقال في رسالة عبر الفيديو: «الآن فرصة، وآمل أن تتيح سماع صوت الأغلبية».