الثلاثي الأوروبي يتشدد ضد النووي الإيراني... وواشنطن مترددة

الولايات المتحدة متخوفة من استثارة طهران والأوروبيون رافضون لالتزام الصمت

الرئيس الأميركي جو بايدن سيناقش النووي الإيراني في باريس مع الرئيس ماكرون بمناسبة زيارة يقوم بها إلى فرنسا بدءاً من الخميس (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن سيناقش النووي الإيراني في باريس مع الرئيس ماكرون بمناسبة زيارة يقوم بها إلى فرنسا بدءاً من الخميس (رويترز)
TT

الثلاثي الأوروبي يتشدد ضد النووي الإيراني... وواشنطن مترددة

الرئيس الأميركي جو بايدن سيناقش النووي الإيراني في باريس مع الرئيس ماكرون بمناسبة زيارة يقوم بها إلى فرنسا بدءاً من الخميس (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن سيناقش النووي الإيراني في باريس مع الرئيس ماكرون بمناسبة زيارة يقوم بها إلى فرنسا بدءاً من الخميس (رويترز)

ثمة عملية «لي ذراع» جارية حالياً في إطار الاجتماع الدوري لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بين إيران من جهة، ومجموعة من الدول الـ35، يتزعمها الثلاثي الأوروبي، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الذي سارع، أمس (الاثنين)، إلى توزيع مشروع قرار يدين إيران بسبب تخاذلها في التعاطي مع الوكالة الدولية وعجزها عن الاستجابة لمطالبها ومضيها في الارتقاء بتخصيب اليورانيوم إلى درجة تقربها من نسبة النقاء المطلوب لتصنيع السلاح النووي.

وإلى جانب المواجهة المفتوحة بين الطرفين المذكورين، هناك «مواجهة» أوروبية - أميركية داخل مجلس المحافظين، حيث تتحدث مصادر متطابقة عن «فتور» أميركي إزاء «التصعيد» الأوروبي مع طهران ومخاوف واشنطن من انعكاساته على دور إيران السلبي في الإقليم، وتقاربها مع روسيا والصين وردود فعلها «النووية» وما يمكن أن تقود إليه من مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل وإيران والغرب.

لم يشذ سيناريو اجتماع المحافظين الحالي عما سبقه من اجتماعات، ويقوم عادة على «تسخين» الأجواء من خلال تقرير وكلمة لمدير الوكالة الدولية رافاييل غروسي، يتبعه أو يسبقه تحذير إيراني من التنديد بأداء طهران.

وهذه المرة، فتح علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، والمسؤول الذي تسلم دفة الملف النووي، وفق ما جاءت به صحيفة «دنياي اقتصاد» من خلال كلمة على منصة «إكس»، جاء فيها ما حرفيته: «إذا كانت بعض الدول الأوروبية، التي لديها قلة فهم، تريد اتخاذ موقف عدائي تجاه البرنامج النووي الإيراني في هذا الاجتماع، فإنها ستواجه رداً جدياً ومؤثراً من قبل إيران».

وبالطبع، لم يفصل شمخاني نوعية الردود الإيرانية، لكن يمكن العودة إلى ما درجت عليه طهران في السنوات الأخيرة لفهم طبيعة ما قد تعمد إلى اتخاذه، وهو في الغالب يتناول البرنامج النووي نفسه، لجهة الارتقاء بالتخصيب أو بوضع مزيد من العراقيل أمام عمل مفتشي الوكالة، حتى بالتلويح إلى التخلي عن «العقيدة» النووية الإيرانية، التي تمنع بحسب فتوى من المرشد الأعلى الذهاب إلى إنتاج السلاح النووي. ورغم التلويح بذلك مؤخراً، فإن الوكالة نفسها ومسؤولين أميركيين أكدوا أن لا شيء يدل على أن إيران عازمة أو بصدد الذهاب نحو هذا الخيار.

وفي باريس، قالت الرئاسة الفرنسية، في بيان، إن باريس وشركاءها سيزيدون الضغط على إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي لضمان احترامها لالتزاماتها الدولية. جاء ذلك بعد اتصال هاتفي أجراه ماكرون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد خلاله أن فرنسا «ستمارس مع شركائها الدوليين ضغوطاً على النظام الإيراني لكي يحترم التزاماته الدولية».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ستكون له مشاورات مكثفة مع كثير من قادة العالم بمناسبة مشاركتهم في احتفالات ذكرى «إنزال نورماندي» (رويترز)

مشروع القرار الأوروبي

في كلمته لمجلس المحافظين، رسم غروسي صورة قاتمة لما آل إليه البرنامج النووي الإيراني، لجهة مواصلة طهران مراكمة اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 في المائة، أو لعدم تعاونها مع مفتشي الوكالة وعدم التزامها باتفاقية الضمانات. وسبق للمسؤول الدولي أن زار طهران بداية شهر مايو (أيار) وعاد منها خائباً إلى حد كبير.

وكانت النقطة الإيجابية الوحيدة اتفاقه مع المسؤولين الإيرانيين على تفعيل اتفاق شهر مارس (آذار) 2023 الخاص بتسهيل عمل المفتشين الدوليين، وإذ عبّر غروسي عن مخاوفه بشأن التصريحات الإيرانية الخاصة بالذهاب إلى إنتاج سلاح نووي، وربط قدرته على تأكيد سلمية برنامج طهران بالتزام الطرف الإيراني بـ«اتفاقية الضمانات»، علماً أن أحد المآخذ الرئيسية على طهران عدم قدرتها أو عدم رغبتها في جلاء العثور على جزيئات نووية في موقعين من أصل 3 مواقع لم يعلن عنها سابقاً.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المسألة الأخيرة كانت أحد الأسباب التي أجهضت محادثات العوجة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» الموقعة صيف عام 2015 والتي خرجت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب في ربيع عام 2018.

حقيقية الأمر أن مشروع القرار الأوروبي الذي يعد بمثابة «مضبطة» لانتهاكات إيران لا يبتعد كثيراً عما جاء في كلمة غروسي. فمسودته التي اطلعت عليها وكالات الأنباء الدولية تذكر وتدين الانتهاكات الإيرانية المعروفة وتدعو طهران لجلاء مصير الموقعين النوويين وللتعاون مع المفتشين الدوليين والتراجع عن قرارها الصادر في مارس (آذار) من العام الماضي برفض تجديد رخص عمل بعض كبار المفتشين.

وجاء في النص أن «(المجلس) يدعو إيران إلى إبداء التعاون الكافي مع الوكالة، واتخاذ الإجراءات الأساسية والعاجلة على النحو الذي قرره المجلس في قراره الصادر في نوفمبر 2022، لحلّ قضايا الضمانات التي لا تزال معلقة على الرغم من التفاعلات الكثيرة مع الوكالة منذ 2019».

بيد أن اللافت أن المشروع الأوروبي لا يطالب بإعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي، أو تفعيل آلية «سناب باك»، المسماة أيضاً «آلية الزناد» التي يمكن أن تفضي مجدداً، في حال تفعيلها ورغم تعقيداتها ومراحلها، إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران، التي رفعت عنها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الصادر عام 2016.

مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي يتأهب لإلقاء كلمته أمام محافظي مجلس الوكالة في فيينا الاثنين الماضي (رويترز)

مخاوف الثلاثي من عسكرة النووي الإيراني

يقول مصدر أوروبي في باريس إن التخوف الأوروبي الأساسي مرده إلى «فقدان اليقين» لجهة سلمية برنامج طهران. وجاءت تلميحات عدة شخصيات إيرانية عن إمكان تخليها عن عقيدتها النووية لتضاعف من منسوب المخاوف من قيام إيران نووية، وظهور قوة نووية جديدة في الشرق الأوسط، إلى جانب إسرائيل، يكون من أولى مفاعيلها إطلاق سباق التسلح النووي في المنطقة.

ومن حجج الأوروبيين أن الاستخدام السلمي للطاقة النووية إن كان لأغراض طبية أو لإنتاج الكهرباء لا يحتاج إلى تخصيب يصل إلى 60 المائة ومراكمة هذه الكميات التي تمكن إيران نظرياً من إنتاج 3 قنابل نووية على أقل تقدير.

ويضيف المصدر المشار إليه أنه «لم يعد بالإمكان غضّ النظر عما تقوم به طهران التي تستفيد من انشغال الغربيين بحرب أوكرانيا وحرب غزة للدفع قدماً ببرنامجها النووي، وربما عسكرته». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسيين في فيينا قولهم إن الدول الأوروبية الثلاث ترى أن استمرار عدم تعاون إيران مع الوكالة وبرنامجها النووي المتقدم «يجعلان مثل هذه الخطوة ضرورية». وبحسب مصدر آخر، فإن ما جرى مؤخراً بين إيران وإسرائيل واستهداف الأولى أراضي الثانية وبالعكس «يعيد طرح الملف النووي بقوة أكبر».

ويبقى أن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة يتناول مدى عزم الثلاثي الأوروبي على السير بمشروع القرار وطرحه على التصويت هذا الأسبوع، رغم معارضة أو على الأقل تردد الإدارة الأميركية، ورغم ما قد تكون عليه ردة الفعل الإيرانية.

التردد الأميركي

ليست المرة الأولى التي تعمل فيها واشنطن على لجم الاندفاع الأوروبي أو تطويعه. ولها، هذه المرة كما في المرات السابقة، أسبابها. وخلال الأسبوع الحالي سيتم بحث الملف الإيراني بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن، بدءاً من الخميس، إلى فرنسا بمناسبة احتفالات الذكرى الثمانين لـ«إنزال النورماندي» الذي قامت به القوات الحليفة على الشاطئ الفرنسي، والذي أفضى إلى تحرير فرنسا من الاحتلال النازي وهزيمة «الرايخ الثالث».

تبدو الإشارة مفيدة إلى أن الاتصالات الأميركية - الإيرانية قائمة ومتواصلة في العاصمة العمانية مسقط، وقد اعترف بذلك علي باقر كني، وزير الخارجية بالوكالة، خلال زيارته بيروت بداية الأسبوع. وفي أوج التوتر الإيراني - الإسرائيلي عقب تدمير طيران تل أبيب القنصلية الإيرانية في دمشق، ومقتل اثنين من قادة «الحرس الثوري»، تسارع التواصل بين واشنطن وطهران، بل إن مصادر أوروبية أكدت أن الأولى أخطرت الثانية بطبيعة الرد العسكري على الضربة الإسرائيلية، ما يعني عملياً أن الطرف الأميركي «لا يريد في الوقت الحاضر استثارة طهران أو الدخول معها في نزاع مفتوح في ظل الحرب في غزة، وقبل أشهر قليلة على الانتخابات الرئاسية الأميركية».

وتجدر الإشارة إلى أن مجلس المحافظين لم يقدم أي قرار بحق إيران منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وغالباً كانت الذرائع متشابهة، إما لعدم إجهاض المحادثات التي جرت قبل عامين بين إيران والغربيين في فيينا بوساطة الاتحاد الأوروبي، أو لتجنب دفع إيران لدعم روسيا في حربها على أوكرانيا بعد شهر فبراير (شباط) 2022. وأخيراً، للعمل معها من أجل منع اشتعال أوسع لمنطقة الشرق الأوسط. وحالياً، لإعطائها فرصة تدبير أمورها الداخلية بعد مقتل رئيس الجمهورية وعدد من المسؤولين الكبار، بينهم وزير الخارجية، في حادثة سقوط الطوافة التي كانت تقلهم. ومن المجدي الإشارة إلى أن ميخائيل أوليانوف، سفير روسيا لدى الوكالة الدولية، سارع إلى التنبيه من صدور أي قرار يستهدف إيران، إذ من شأنه تصعيد الوضع.

ثمة احتمالان لا ثالث لهما: إما أن تتخلى واشنطن عن تحفظاتها وتغير بالتالي موقفها وتقبل السير في الركب الأوروبي وتصوت لصالح المشروع الأوروبي، أو تبقي على معارضتها، وبالتالي سيجد الأوروبيون أنفسهم ملزمين بالتراجع عن مشروع قرارهم. وليس سراً أن الثلاثي الأوروبي يمكن أن يسير بمشروع قرار ترفضه واشنطن، وسبق لهم التراجع عن مشاريع قرارات، آخرها كان في شهر مارس (آذار) الماضي.

في كلمتها أمام المحافظين، استعادت لورا هولغيت، السفيرة الأميركية، مضمون تقرير غروسي الصادر في 27 مايو (أيار) لتؤكد أنه في ضوء هذه التحديات المستمرة، من الضروري أن تزوّد إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمعلومات وإمكانية الوصول اللازمة للتحقق من أنشطة إيران المتعلقة بالتخصيب بالطرد المركزي.

ومع ذلك، اختارت إيران بدلاً من ذلك في العام الماضي سحب تعيينات كثير من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذوي الخبرة، بمن فيهم أولئك الذين لديهم خبرة في مجال التخصيب، بيد أن السفيرة الأميركية لم تشر من قريب ولا من بعيد إلى مشروع القرار الأوروبي، إلا أنها بالمقابل طالبت طهران بـ«التعاون الكامل مع الوكالة الدولية لتنفيذ أنشطة التحقق والرصد التي تقوم بها، بما في ذلك تنفيذ التدابير المرتبطة بالبيان المشترك بين الوكالة وإيران الصادر في مارس 2023، والتراجع عن قرارها بسحب تعيينات مفتشي الوكالة، واستئناف التطبيق المؤقت للبروتوكول الإضافي، وتنفيذ المدونة 3 - 1 المعدلة دون تأخير»، وهي المطالب نفسها التي يتضمنها مشروع القرار الأوروبي.


مقالات ذات صلة

نائب إيراني ينفي إصابة قاآني وسط صمت «الحرس الثوري»

شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين في طهران (التلفزيون الرسمي)

نائب إيراني ينفي إصابة قاآني وسط صمت «الحرس الثوري»

قال نائب إيراني إن مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» إسماعيل قاآني «بصحة جيدة»، في وقت غاب القيادي من أحدث لقاءات المرشد علي خامنئي مع القادة العسكريين.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
تحليل إخباري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تحليل إخباري تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله».

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)

إيران تستدعي سفير أستراليا على خلفية موقف بلاده «المنحاز»

ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، اليوم الأحد، أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير الأسترالي في طهران بشأن ما وصفته بموقف بلاده «المنحاز».

«الشرق الأوسط» (دبي)
شؤون إقليمية خامنئي يمنح قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس» أمير علي حاجي زاده وسام «فتح الذهبي» على خلفية الهجوم الصاروخي (موقع المرشد)

إيران: خطة الرد «القاسي» على الإجراءات المحتملة لإسرائيل جاهزة

قال مسؤول عسكري إيراني إن بلاده أعدت خطة للرد على هجوم محتمل لإسرائيل، في وقت منح المرشد الإيراني علي خامنئي، قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس»، وساماً رفيعاً.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين بطهران الأحد الماضي (التلفزيون الرسمي)

«الحرس الثوري» يلتزم الصمت بشأن مصير قاآني

التزمت طهران الصمت إزاء تقارير تفيد بإصابة قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني، وذلك وسط تأهب إيراني لرد إسرائيلي محتمل على هجوم صاروخي باليستي شنه «الحرس الثوري».

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

بعد عام من 7 أكتوبر... تضارب روايتي أسر القتلى الإسرائيليين والحكومة «حول ما حدث»

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
TT

بعد عام من 7 أكتوبر... تضارب روايتي أسر القتلى الإسرائيليين والحكومة «حول ما حدث»

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)

تقيم عائلات إسرائيلية في تل أبيب، الاثنين، مراسم تأبين مباشرة لذويها الذين سقطوا في هجوم حركة «حماس» الفلسطينية على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينما ستبث الحكومة مراسم مسجلة إحياءً لهذه الذكرى.

وسوف تركز المراسم التي ستنظمها العائلات على الإخفاقات والبطولات التي ظهرت في هذا اليوم، بينما ستتناول الحكومة في تسجيلها ذكرى القتلى وشجاعتهم والأمل الذي ينبغي التحلي به، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

ويأتي هذا التناقض بين موقف العائلات والحكومة من مراسم التأبين ضمن حالة من الجدل الواسع يشهدها الشارع الإسرائيلي فيما يتعلق بسبل تذكر أسوأ أيام إسرائيل منذ قيامها قبل 76 عاماً.

لم يكن هناك جيش ولا دولة

وقال جوناثان شيمريز، أحد منظمي المراسم التي ستقيمها العائلات: «يمكننا القول إنها حرب على طريقة سرد (قصة الهجوم)».

وأضاف: «سوف تروي هذه الذكرى قصة ما مررنا به في السابع من أكتوبر. لم يكن هناك جيش، ولكن كان هناك جنود. لم تكن هناك دولة، ولكن كان هناك مواطنون. وأعتقد أن مراسم التأبين الحكومية لن تتطرق إلى الأخطاء التي حدثت».

يسكن شيمريز تجمع «كفار عزة» السكني، الذي تعرّض لهجوم عنيف خلال هجوم «حماس». واحتجز مسلحون شقيقه رهينة في غزة قبل أن يُقتل في هجوم شنته إسرائيل بالخطأ خلال محاولته الفرار.

وقال شيمريز: «الشريط المسجل الذي ستعرضه الحكومة ومراسم التأبين الأخرى لن تعكس الطريقة التي نرغب من خلالها تذكر ما حدث في السابع من أكتوبر». وأضاف أن أي حكومة لا تتحمل مسؤولية إخفاقاتها هي حكومة منفصلة عن شعبها.

أما الوزيرة ميري ميريام ريجيف فهي مسؤولة مراسم التأبين الرسمية. وهي من أشد المؤيدين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ويواجه نتنياهو انتقادات شديدة لعدم تحمله المسؤولية عن الإخفاقات المخابراتية والعسكرية التي أدت إلى هجوم السابع من أكتوبر، الذي تقول إحصاءات إسرائيلية إنه تسبب في مقتل 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة، وأشعل فتيل حرب مدمرة في غزة.

ويقول نتنياهو إن كل شيء سوف يخضع للتحقيق بعد انتهاء الحرب.

مراسم أوفاكيم

في الوقت نفسه، تظهر استطلاعات الرأي أن نتنياهو بدأ يستعيد شعبيته ولكن ببطء، بعد أن تراجعت بشدة في أعقاب هجوم «حماس». وأعلنت ريجيف عن خططها قبل شهر، قائلة: «أنا على دراية بالجدل الدائر بين الإسرائيليين من مختلف الأطياف».

وأضافت أن مراسم التأبين الرسمية سوف تبث بعد الفعالية التي ستنظمها العائلات من أجل تجنب أي نزاع. وصوّرت الحكومة مراسم التأبين في مدينة أوفاكيم الصغيرة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة.

وأودى هجوم «حماس» بحياة أكثر من 40 إسرائيلياً من القاطنين في أوفاكيم. وقالت ريجيف: «لا يوجد بيت في إسرائيل لن يتأثر بالمراسم».

وكانت أوفاكيم في أحدث انتخابات معقلاً أيضاً لحزب «ليكود» اليميني المنتمي إليه نتنياهو، وكذلك لحلفائه المحافظين، وذلك على عكس التجمعات السكنية الأصغر في المنطقة، التي عادة ما تصوت لتيارات أكثر ليبرالية.

وأثار هذا أسئلة لدى كثيرين في إسرائيل؛ إذ عدّوها محاولة لتوجيه رواية الأحداث لمنحى معين.

وعند السماع بمراسم أوفاكيم، موّلت بعض العائلات المكلومة مراسم منافسة في المتنزه المركزي في تل أبيب. وفي غضون ساعات من الإعلان، حُجزت أكثر من 40 ألف تذكرة. لكن الجمهور من المرجّح أن يقتصر على ألف شخص؛ إذ إن الجيش لا يزال يقيّد حجم التجمعات العامة في مناطق كبيرة من إسرائيل بسبب خوفه من إطلاق صواريخ في الصراع المتصاعد مع جماعة «حزب الله» في لبنان.

ويشعر شيريل هوجيج، وهو من سكان أوفاكيم، بارتياب شديد تجاه قرار الحكومة تصوير مراسمها هناك. وشقيقته تسكن تجمعاً سكنياً قريباً، وتعرّضت لإصابات بالغة حينما أضرم أفراد من «حماس» النيران في منزلها.

ويساعد هوجيج في ترتيب المراسم الحية في تل أبيب. وقال: «مثلما تعلمون، فإن الساسة سيحاولون فعل أي شيء لجعل رواية الأحداث تصب في صالحهم». وأضاف: «لسنا بحاجة إلى فيلم مصطنع من تيك توك».