كشف استطلاع جديد للرأي في إسرائيل أن أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب «اليهود الروس» الممثَّل حالياً بـ6 مقاعد في الكنيست، بات يهدد التفوق الذي يحظى به بيني غانتس، رئيس حزب «المعسكر الرسمي»، ويغلبه في المنافسة على رئاسة الحكومة. وأوضح آخر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نُشر الجمعة، في صحيفة «معاريف»، أن الجمهور اليهودي يفتش عن حزب يميني يقود إسرائيل في هذه الظروف.
وأشار هذا الاستطلاع إلى تشكيل حزب يميني جديد يضم ليبرمان ورئيس الوزراء الأسبق، نفتالي بنيت، ورئيس جهاز المخابرات الخارجية السابق، يوسي كوهن، ورئيس حزب «أمل جديد»، جدعون ساعر، وشخصيات يمينية أخرى، يحصل على 21 مقعداً إذا جرت الانتخابات الآن، ويصبح أكبر الأحزاب الإسرائيلية، ويتقدم بذلك على «الليكود» برئاسة نتنياهو الذي سيحصل على 20 مقعداً، وعلى حزب غانتس الذي يهبط إلى 19 مقعداً. ووفق تحليل نتائج الاستطلاع، سيتمكن حزب ليبرمان من أخذ 5 مقاعد من غانتس ومقعد واحد من الليكود ومقعدين من حزب «يوجد مستقبل»، الذي يقوده يائير لبيد، كما سيأخذ مقعدين من الشريحة التي لم تقرِّر بعد لمن ستصوت، لكنها مستعدة للتصويت لحزب يميني جديد بقيادة ليبرمان.
ومعروف أن ليبرمان يُعد من قادة اليمين الثابتين على مواقفهم، والجمهور يذكر له موقفه عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو سنة 2018، وانسحب منها لأن رئيسها والوزراء ورفاقه من «الليكود» رفضوا اقتراحه لاجتياح قطاع غزة لتصفية حكم «حماس». وهو منذ ذلك الوقت يهاجم نتنياهو، ويتهمه بتقوية «حماس». ومنذ هجوم هذه الحركة على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وليبرمان يحمّل نتنياهو مسؤولية كاملة عن الهجوم. وهذا يُكسبه رصيداً كبيراً في الشارع اليميني. وتشير كل الاستطلاعات التي جرت منذ بداية الحرب إلى احتمال أن يضاعف قوته النيابية، من 6 نواب الآن إلى 10 - 12 نائباً إذا جرت الانتخابات اليوم.
ويعد ليبرمان شخصية متعبة وإشكالية لدى السياسيين الإسرائيليين، فهو يتسم بالفظاظة الشخصية، ولسانه سليط، ولا يُعرف عنه أنه يؤمن فعلاً بالديمقراطية، وإضافة إلى ذلك هو روسي الأصل، حيث إنه من اليهود الذين هاجروا من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وكثير من اليهود الروس في إسرائيل ليسوا محبوبين، ويعيشون في حالة اغتراب مع المجتمع الإسرائيلي، لكن ليبرمان يأتي إلى بنيت وكوهن بنتائج الاستطلاعات، ويقول لهم إن الجمهور يريد حكومة يمينية نظيفة تحل محل نتنياهو و«أنا عنوانهم». ومع أن الاستطلاع يطرح للمرة الأولى سؤالاً عن تشكيلة حزبية كهذه، فإن ليبرمان يدّعي أن لديه استطلاعات عدة أجراها بشكل شخصي تؤكد أن هذا نهج مستمر وليس موقفاً عابراً لمرة واحدة.
ويرى خبراء أن ليبرمان ينطلق في هذا التوجه من مبدأ «دخول نادي المرشحين لرئاسة الحكومة»، كي يتموضع في موقع متقدم في الخريطة الحزبية؛ فهو، بهذه الطريقة، يرتفع درجة أخرى في مقدمة السباق. فإذا نجحت فكرته فإنه يمكن أن يتحوّل إلى رئيس حكومة في المستقبل، وإذا لم ينجح فعلى الأقل يصبح من الناحية المعنوية في مكانة متقدمة.
تجدر الإشارة إلى أن استطلاع «معاريف» يؤكد أن تراجع قوة غانتس أكبر مما كان متوقعاً؛ فهو الذي منحته الاستطلاعات فقط قبل شهر ونصف الشهر 41 مقعداً، الآن ينهار رصيده إلى 25 مقعداً، في حال بقيت التركيبة الحالية للأحزاب، وإلى 19 مقعداً في حال نشوء حزب يميني جديد. ويأتي هذا التراجع على خلفية إمكانية انسحاب حزب غانتس من «حكومة الوحدة» في الثامن من يونيو (حزيران)؛ فالجمهور اليميني الذي انتقل من تأييد نتنياهو إلى تأييد غانتس منذ بداية الحرب، يخشى من التفسخ في الشارع الإسرائيلي في وقت يواصل فيه الجيش عملياته الحربية في غزة عموماً، وفي رفح بشكل خاص، واحتدام حرب الاستنزاف في الشمال، واستمرار الجمود في مسألة المخطوفين.
ومع ذلك، فإن الاستطلاع يشير إلى أن حكومة اليمين بتركيبتها الحالية ستخسر الانتخابات، ورغم أن «الليكود» يحصل على عدد المقاعد الأعلى له منذ نشوب الحرب (22 مقعداً)، فإنه لا يستطيع تشكيل حكومة. وأيضاً غانتس، لن يستطيع تشكيل حكومة؛ لأن الاستطلاع يعطي معسكر المعارضة الحالي 58 مقعداً، مقابل 53 مقعداً لائتلاف نتنياهو. ولكي يحصل على أكثرية، سيكون عليه التحالف مع حزب عربي. ووفق الاستطلاع تحصل الأحزاب العربية على 9 مقاعد: 5 لتحالف الجبهة العربية للتغيير بقيادة النائبين أيمن عودة وأحمد الطيبي، و4 مقاعد للقائمة الموحدة للحركة الإسلامية برئاسة النائب منصور عباس. وعودة والطيبي يرفضان الانضمام لأي حكومة، ولكنهما يؤيدان منح ضمانة للحكومة بأن تصمد أمام اليمين. أما عباس فهو مستعد للانضمام إلى الحكومة، إلا أن أجواء العداء للفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي تؤثر في غانتس وحلفائه، وأحدهم ليبرمان الذي قال إنه لا يقبل بأي حال أن يكون في حكومة تضم الأحزاب العربية. وإذا اقتنع غانتس وأقنع رفاقه بضم حزب عربي، كما فعل إسحاق رابين في سنة 1993، فإنه يحتاج إلى حزب يهودي آخر؛ لأن المجتمع الإسرائيلي لا يقبل أن تكون الحكومة معتمدة بأكثريتها على حزب عربي، ولا يوجد حزب مستعد للانتقال من معسكر اليمين إلى حكومة وسط ليبرالي بقيادة غانتس، ويعني هذا أن الأزمة الحزبية التي أخذت بخناق الحلبة السياسية في إسرائيل، طيلة العقد الماضي، ستستمر وتتفاقم.