معضلة سوريا في أوروبا... بين الانقسامات والانتخابات والأسد

يستضيف الاتحاد الأوروبي المؤتمر الثامن حول هذا البلد الاثنين المقبل

طفلة سورية وأمها في خيمة بمعسكر للاجئين السوريين بشمال عكار (أرشيفية - أ.ف.ب)
طفلة سورية وأمها في خيمة بمعسكر للاجئين السوريين بشمال عكار (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

معضلة سوريا في أوروبا... بين الانقسامات والانتخابات والأسد

طفلة سورية وأمها في خيمة بمعسكر للاجئين السوريين بشمال عكار (أرشيفية - أ.ف.ب)
طفلة سورية وأمها في خيمة بمعسكر للاجئين السوريين بشمال عكار (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلن دبلوماسيون أن الاتحاد الأوروبي سيجتمع مع مانحين، الأسبوع المقبل، لإبقاء سوريا على جدول الأعمال العالمي، لكن مع ازدياد العبء الاقتصادي والاجتماعي على الدول المجاورة بسبب تدفق اللاجئين، فإن الاتحاد منقسم وغير قادر على إيجاد حلول للتعامل مع هذه القضية.

تحوّلت سوريا إلى أزمة منسية لا يرغب أحد في إثارتها في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) وازدياد التوتر بين إيران والقوى الغربية بشأن أنشطتها في المنطقة.

وآفاق العودة إلى الديار ضئيلة بالنسبة لأكثر من 5 ملايين لاجئ، معظمهم في لبنان وتركيا وملايين آخرين من النازحين داخلياً، مع عدم تحقق استقرار سياسي أفضل مما كان عليه الحال منذ بدء الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الأسد في 2011.

ويتراجع التمويل المخصص لدعمهم مع تقليص جهات مثل برنامج الأغذية العالمي مساعداتها. وتتجلى صعوبات استضافة اللاجئين، لا سيما في لبنان، حيث الوضع الاقتصادي محفوف بالمخاطر، والدعوة إلى إعادة السوريين إلى وطنهم واحدة من النقاط النادرة التي تتوحد عليها جميع الأطياف.

تجمع لناشطين سوريين بمناسبة بدء محاكمة مسؤولين سوريين في باريس (أرشيفية - إ.ب.أ)

وقال مبعوث أوروبي سابق إلى سوريا: «ليس لدينا ما يعزز ذلك لأننا لم نستأنف العلاقات مع نظام الأسد قط، ولا توجد مؤشرات على أن أحداً سيفعل ذلك بالفعل». وأضاف: «حتى لو فعلنا ذلك، فلماذا تقدم سوريا إغراءات للدول التي كانت معادية له، خصوصاً استعادة الأشخاص الذين عارضوه بأي شكل من الأشكال».

ومن المقرر أن يجتمع وزراء أوروبيون وعرب ومنظمات دولية مهمة في المؤتمر الثامن بشأن سوريا يوم الاثنين المقبل، لكن بعيداً عن الوعود الغامضة والتعهدات المالية، ليست هناك مؤشرات تذكر على أن أوروبا يمكن أن تأخذ زمام المبادرة.

وتأتي المحادثات قبيل انتخابات أوروبية مقرر إجراؤها من السادس إلى التاسع من يونيو (حزيران)، التي تمثل فيها الهجرة قضية مثار خلاف بين الدول الأعضاء البالغ عددها 27 في الاتحاد. وفي ظل التوقعات بأداء جيد للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، فإن آفاق زيادة دعم اللاجئين ضئيلة.

وتغير المؤتمر نفسه عما كان عليه قبل 8 سنوات. فقد تقلّص مستوى المشاركة. ولم تعد دول مثل روسيا، وهي طرف فاعل مهم يقدم دعماً للأسد، مدعوة بعد غزوها لأوكرانيا. ويتضاءل الاهتمام به في ظل تطورات الوضع الجيوسياسي العالمي وتراجع حدة الصراع.

حتى الدول الخليجية العربية، التي كانت يوماً ما تسهم بشكل كبير، تبدو غير مهتمة، إذ لم تعد تقدم تعهدات معتبرة، لدرجة أنها لم تقدم شيئاً في 2023، غير أن بعضها، على عكس شركائها في أوروبا، استأنف التعامل مع حكومة الأسد في ضوء التغيرات.

وهناك انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع. فبعض الدول مثل إيطاليا وقبرص أكثر انفتاحاً على إجراء شكل من أشكال الحوار مع الأسد، لمناقشة السبل الممكنة على الأقل لتعزيز العودة الطوعية، بالتعاون مع الأمم المتحدة وتحت رعايتها.

ومع ذلك، هناك دول أخرى، مثل فرنسا، التي تقر بما يشكله اللاجئون من ضغط على لبنان وتخشى نشوب صراع أوسع نطاقاً بين «حزب الله» وإسرائيل، تصر على رفض إجراء أي نقاش مع نظام الأسد حتى يتم استيفاء شروط أساسية.

لكن الوضع على الأرض يفرض مناقشة هذه القضية.

وفي مؤشر على التوتر بين الاتحاد الأوروبي والدول التي تستضيف اللاجئين، هدّد نواب لبنانيون برفض حزمة الاتحاد البالغ حجمها مليار يورو، التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من الشهر الحالي، ووصفوها بأنها «رشوة» لإبقاء اللاجئين طي النسيان في لبنان بدلاً من إعادة توطينهم بشكل دائم في أوروبا أو وإعادتهم إلى سوريا.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي لن يحضر مؤتمر بروكسل خلافاً للسنوات السابقة، إن بيروت ستبدأ التعامل مع القضية بنفسها دون مساعدة دولية مناسبة.

وكانت النتيجة زيادة في حركة قوارب المهاجرين من لبنان إلى أوروبا، إذ أصبحت قبرص القريبة وأيضاً إيطاليا، على نحو متزايد أبرز الوجهات، ما دفع بعض الدول إلى دق أجراس الإنذار خوفاً من تدفق اللاجئين الجدد إلى الاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، هذا الشهر، خلال زيارة للبنان: «دعوني أكون واضحاً، الوضع الحالي غير مستدام بالنسبة للبنان وغير مستدام بالنسبة لقبرص وغير مستدام بالنسبة للاتحاد الأوروبي. إنه غير مستدام منذ سنوات».

انقسام بين دول الاتحاد الأوروبي حول استئناف العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد (د.ب.أ)

ومما يسلط الضوء على الانقسامات في أوروبا، أصدرت 8 دول؛ هي النمسا وجمهورية التشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا، الأسبوع الماضي، بياناً مشتركاً بعد محادثات في قبرص يخالف المواقف السابقة للاتحاد.

وقالت إن الديناميات في سوريا تغيّرت، وإنه على الرغم من عدم وجود استقرار سياسي بعد، هناك ما يكفي من التطورات «لإعادة تقييم الوضع» من أجل إيجاد «طرق أكثر فاعلية للتعامل مع هذه القضية».

وقال دبلوماسي من إحدى الدول التي حضرت المحادثات في قبرص: «لا أعتقد أنه سيكون هناك تحرك كبير فيما يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي، ولكن ربما بعض الخطوات الصغيرة للتفاعل ومعرفة ما إذا كان يمكن القيام بالمزيد على أصعدة مختلفة».

وكان دبلوماسي آخر أكثر صراحة.

فقد قال دبلوماسي فرنسي: «عندما يحل يوم الثلاثاء، سيتم كنس المسألة السورية تحت السجادة وتذهب طي النسيان. وسيجد اللبنانيون أنفسهم بمفردهم في التعامل مع الأزمة».


مقالات ذات صلة

بالاو توافق على استقبال مهاجرين مرحّلين من الولايات المتحدة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

بالاو توافق على استقبال مهاجرين مرحّلين من الولايات المتحدة

أعلنت دولة بالاو، وهي أرخبيل واقع في غرب المحيط الهادئ، موافقتها على استقبال ما يصل إلى 75 مهاجراً غير أميركي مرحَّلين من الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ شعار وزارة الأمن الداخلي الأميركية (رويترز)

تورط مسؤولين من إدارة الهجرة الأميركية في إطلاق نار بماريلاند أسفر عن إصابة شخصين

قالت السلطات إن موظفين اتحاديين تورطوا في ​إطلاق نار وقع اليوم الأربعاء وأسفر عن إصابة شخصين أحدهما بالرصاص.

«الشرق الأوسط» (ماريلاند)
الولايات المتحدة​ عملاء فيدراليون أميركيون يحتجزون رجلاً خلال مداهمة متعلقة بالهجرة في مدينة شيكاغو (رويترز) play-circle

المحكمة العليا ترفض السماح لإدارة ترمب بنشر الحرس الوطني في شيكاغو

رفضت المحكمة العليا الأميركية أمس (الثلاثاء) السماح لإدارة الرئيس دونالد ترمب بنشر الحرس الوطني في منطقة شيكاغو في الوقت الراهن، لدعم حملتها الصارمة ضد الهجرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أفغان ضمن برامج الاستقبال الفيدرالية في مطار هانوفر... وقد نقلت رحلة طيران مستأجرة نظمتها الحكومة الألمانية 141 أفغانياً إلى ألمانيا يوم الاثنين (د.ب.أ)

ألمانيا تستقبل دفعة جديدة تضم 141 أفغانياً ضمن «برنامج الإيواء»

وصل 141 أفغانياً إلى ألمانيا على متن رحلة طيران مستأجرة (شارتر) نظمتها الحكومة الألمانية.

«الشرق الأوسط» (هانوفر (ألمانيا))
شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية لمهاجرين من الجنسية الغانية (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ليبيا ترحّل دفعات جديدة من المهاجرين... براً وجواً

تعمل السلطات الأمنية المعنية بمكافحة الهجرة غير النظامية في ليبيا على إعادة دفعات جديدة من الموقوفين إلى دولهم، براً وجواً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

TT

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز)
يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز)

أعيدت جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه الذين قضوا في حادث تحطم طائرة قرب أنقرة إلى طرابلس اليوم (السبت).

وقُتل رئيس الأركان الليبي الفريق أول ركن محمد الحداد وأربعة من مرافقيه وثلاثة من أفراد الطاقم بتحطّم طائرة من طراز «فالكون-50» كانوا يستقلونها بعد أقل من أربعين دقيقة على إقلاعها الثلاثاء.

يحمل جنود نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين ملفوفة بالعلم والذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز)

وأشارت وزارة الدفاع التركية في منشور عبر منصة «إكس» إلى أنّ وزير الدفاع التركي يشار غولر ترأس مراسم تأبين مختصرة في قاعدة مرتد الجوية قرب أنقرة.

وعُثر على الصندوق الأسود للطائرة في أرض زراعية قرب موقع التحطم. وأفادت السلطات التركية بأن الطائرة تعرضت لعطل كهربائي، مشيرة إلى أنّ التحقيق في سبب التحطم سيُجرى من جانب «دولة محايدة»، يُحتمل أن تكون ألمانيا.

جنود يحملون نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين ملفوفة بالعلم والذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم أقيمت في أنقرة (رويترز)

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن فرنسيين اثنين كانا من بين أفراد طاقم الطائرة التي تم استئجارها من شركة «هارموني جيتس» (Harmony Jets) التي تتخذ من مالطا مقراً لها. وتفيد الشركة بأن عمليات الصيانة تجرى في مدينة ليون الفرنسية.

من جانبه، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة اليوم، أن التحقيقات في حادث سقوط طائرة الحداد مستمرة بجدية تامة ومسؤولية.

وشدد الدبيبة، خلال مراسم تأبين الحداد ومرافقيه، على أن حكومته تتابع التحقيق بالتعاون مع تركيا حتى تتضح كل الملابسات.


نتنياهو يمضي رأس السنة في أميركا... متجنباً إغضاب ترمب

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)
قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يمضي رأس السنة في أميركا... متجنباً إغضاب ترمب

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)
قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

تسنَّى لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تلقَّى دعوةً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ للاجتماع معه في نهاية الشهر الحالي، للمرة الخامسة منذ بدء ولايته الرئاسية الثانية قبل أقل من عام، أن يكون ترمب خامس الرؤساء الذين يتعامل معهم خلال جلوسهم في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يعلن برنامج الزيارة، لإنه من المتوقع أن يجتمع ترمب مع نتنياهو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في مستهل زيارة تستمر 8 أيام، وفقاً لتقارير غير رسمية. ويعني ذلك أن نتنياهو سيمضي رأس السنة الجديدة في الولايات المتحدة.

وبالنسبة إلى كثيرين، فإن ترمب «ليس مثل غيره» من الرؤساء الأميركيين الذين اجتمع معهم نتنياهو بصفته رئيساً للوزراء، وحظي بهامش للاختلاف معهم في عدد من القضايا الرئيسية للشرق الأوسط، في مقدمها المسألة الفلسطينية.

خلاف مكلف

منذ انتخابه للمرة الأولى عام 1996 رئيساً لوزراء إسرائيل، اجتمع نتنياهو، الذي يتولى حالياً منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي للمرة السادسة على التوالي، واختلف بنسب متفاوتة، مع الرؤساء الأميركيين السابقين: بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، وجو بايدن. أما الخلاف مع ترمب الآن فـ«يبدو مُكلفاً ومحفوفاً بمحاذير» حيال 3 ملفات رئيسية: الفلسطينيون وحرب غزة، سوريا والرئيس أحمد الشرع، وإيران وبرامجها النووية والباليستية وميليشياتها المزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط. أما لبنان، فيعد الآن «الخاصرة الرخوة» في محاولات أميركا لإعادة رسم التوازنات الجديدة في المنطقة.

وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقاً، إيتان غولدريتش، لـ«الشرق الأوسط»: «في الماضي، كان نتنياهو يعترض على خطط الرؤساء الأميركيين»، لكن عليه الآن «ربما أن يكون أكثر حذراً مع الرئيس ترمب» الذي «إذا شعر بأنك لم تعد شخصاً ذا فائدة له، فإنه سيتخلى عنك» كما حدث مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي. وعدّ أن هناك «فارقاً كبيراً مع بايدن، وربما معظم الرؤساء الذين تعامل معهم نتنياهو» الذي كان في السابق «يحدِّد ما يعتقد أنه يستطيع الإفلات منه». أما مع ترمب، فربما «لا يرى فرصةً كبيرةً للخروج عن المألوف، ويتوقع عواقب وخيمة إذا فعل ذلك».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتمر قبعةً قُدِّمت له من فريق هوكي زاره في البيت الأبيض بواشنطن (أ.ب)

تأييد لإسرائيل... ولكن

وعلى المنوال ذاته، يعتقد خبير الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر، الذي عمل مع إدارات الرؤساء السابقين: جيمي كارتر، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن، ورافق عهود الرؤساء السابقين: باراك أوباما، ودونالد ترمب، وجو بايدن، أن «ترمب يختلف عن أي رئيس أميركي آخر في معظم الأمور»، مؤكداً أنه «لم يسبق لأي رئيس (أميركي) أن تعامل مع رئيس وزراء إسرائيلي بالطريقة التي تعامل بها ترمب مع نتنياهو». وأشار إلى أن ترمب قام خلال ولايته الأولى وجزء كبير من ولايته الثانية «بسلسلة من المبادرات والسياسات المؤيِّدة لإسرائيل، التي تجاوزت على الأرجح أي شيء فعله أي رئيس أميركي آخر»، وبينهم الرؤساء السابقون: ريتشارد نيكسون، وهاري ترومان، وبيل كلينتون، الذين «كانوا مؤيدين لإسرائيل بشكل كبير».

خبير الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر (إنترنت)

وتشمل هذه المبادرات بحسب ميلر، وهو حالياً زميل في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقله السفارة الأميركية إلى القدس، واعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وتجاهله سياسات الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإظهاره دعماً عسكرياً في مهاجمة المواقع النووية الإيرانية. ولكن في الوقت ذاته، «انحرف ترمب عن أسلافه وتعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بطريقة أشد صرامة وحزماً من أي رئيسٍ آخر»، موضحاً أن ترمب حذَّر نتنياهو في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من أنه «إذا لم يوافق على خطة النقاط الـ20 لغزة، فإن أميركا ستتخلى عنه»، عادّاً أن ذلك إشارة واضحة إلى أن ترمب «يفتقر إلى الحساسية العاطفية تجاه إسرائيل». على غرار ما كان عليه كلينتون أو بايدن على سبيل المثال. وأكد أيضاً أن «ترمب يتمتع بهامش مناورة سياسية أكبر من أي رئيس أميركي آخر» لأنه «يسيطر على الحزب الجمهوري، مما يحرم رئيس الوزراء الإسرائيلي من الطعن أمام أي جهة أعلى إذا لم تعجبه سياساته».

لا تقل له: «لا»

وقال خبير شؤون لبنان و«حزب الله» لدى مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن، ديفيد داود، لـ«الشرق الأوسط» إنه منذ أيام كلينتون الذي كان أول رئيس أميركي تعامل مع نتنياهو بصفته رئيس وزراء لإسرائيل «كان هناك دائماً احتكاك، فنتنياهو عنيد، ولديه فكرته (...) ولديه رؤية». وأوضح أنه «لأن إسرائيل دولة، وأميركا دولة أخرى، لدينا مصالح مختلفة بين دولتين مختلفتين. وعندما يحصل احتكاك، يتعامل زعيما البلدين مع ذلك بطرق مختلفة. كلينتون كان يشتم نتنياهو في جلساته المغلقة. أوباما الذي كان يسارياً أكثر من كلينتون، والذي كانت علاقته العاطفية مع إسرائيل مختلفة، كان أول رئيس يخرج الخلاف إلى العلن». ولاحظ أنه «عندما يكون الرئيس ترمب على حق أو على خطأ، لا يمكن أن تقول له: لا».

نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقاً إيتان غولدريتش (الشرق الأوسط)

وفيما يتعلق بغزة، ذهب غولدريتش إلى أنه يجب أن يكون اللقاء بين ترمب ونتنياهو «مهماً» في ظل «خشية البعض من أن يفقد ترمب تركيزه على المرحلة الثانية» من خطته في غزة، وهذا ما يمثل «فرصةً لإظهار أن ترمب هو صانع السلام الحقيقي، وأنه سيواصل السعي لتحقيق شيء يتجاوز ما كان في جوهره وقفاً لإطلاق النار». وأضاف أنه «ربما لا يكون نتنياهو متحمساً لجميع جوانب ما قد يحدث»، غير أنه «لا يريد أن يكون هناك تباين واضح بينه وبين الرئيس ترمب»، أو أن «يُنظَر إليه على أنه غير موافق تماماً على ما يفعله ترمب».

وتوقَّع ميلر أن يعلن ترمب «مجلس سلام» لغزة، ولجنة تنفيذية تابعة له. وربما يعلن حكومة تكنوقراطية فلسطينية مؤلفة من 15 فلسطينياً قد تكون لهم جذور في غزة والضفة الغربية، لكنهم ليسوا مقيمين هناك، وربما سيطلب من دولة أو دولتين، ربما أذربيجان أو إيطاليا، نشر قوات في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من غزة.

حتى نيكسون وكيسنجر

ورداً على أسئلة «الشرق الأوسط»، قال ميلر إن ترمب «كان قادراً، ولا يزال قادراً (...) على ممارسة نفوذه كما لم يسبق لأي رئيس أميركي آخر. لا بوش الأب عندما رفض منح إسرائيل ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار. ولا رونالد ريغان، عندما أوقف تسليم طائرات (إف 16)؛ بسبب توسيع إسرائيل نطاق قانونها الإداري إلى مرتفعات الجولان. ولا ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر عندما هدَّدا بالضغط على إسرائيل إذا دمَّرت الجيش المصري الثالث على الضفة الغربية لقناة السويس».

ورأى ميلر أن زيارة مارالاغو «ستسير على ما يرام، لأن لا نتنياهو ولا ترمب يرغبان في حدوث خلاف، فكلاهما بحاجة إلى الآخر. نتنياهو بحاجة إلى إعادة انتخابه عام 2026، وترمب لأنه لا يزال يعتقد أن هناك فرصة، في حال تنفيذ اتفاق غزة، أو في حال وجود أي أمل في التطبيع السعودي - الإسرائيلي، لتحقيق هدف رئيسي، بالإضافة إلى حصوله على جائزة نوبل للسلام». وأضاف: «لا أعتقد أن هذين الرجلين يكنّان لبعضهما مودة حقيقية، ولا أعتقد أنهما يثقان ببعضهما ثقة تامة. أعتقد أنهما يدركان ذلك. كلاهما محتال في نواحٍ كثيرة، لكنهما بحاجة لبعضهما، مع أن نتنياهو، في رأيي، أكثر حاجة إلى ترمب».

خبير شؤون لبنان و«حزب الله» لدى مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن ديفيد داود (الشرق الأوسط)

ويرى ديفيد داود أنه «قد يكون ترمب محقاً في قوله إنه تاريخياً أكثر رئيس أميركي مؤيد لإسرائيل، بما يجعله يشعر بأنه يحق له دفع إسرائيل أكثر فأكثر. وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تقول له: لا. الأمر لم يكن كذلك مع بايدن، الذي كانت لديه اختلافات مع نتنياهو. وكانا يحتكان مع بعضهما بعضاً من دون الوصول إلى نتيجة فعلية. عندما يقول ترمب شيئاً، عليك أن تستجيب له».

من أجل سوريا

وفيما يتعلق بسوريا، رأى غولدريتش أن «الرئيس ترمب ربط نفسه بشكل وثيق بالحكومة الجديدة هناك، ويرغب في نجاحها». وأضاف أن «ترمب يتفهم مخاوف إسرائيل في شأن سوريا». لكنه «يرغب أيضاً في استقرار الوضع في سوريا، وأن يرى العالم أنه كان محقاً في وقوفه إلى جانب الشرع، وأن نهج ترمب سيجلب السلام».

وفي ما يتعلق بلبنان، قال غولدريتش: «إن القلق يكمن في أن العام يوشك على الانتهاء، ولم يتم نزع سلاح (حزب الله)، والإسرائيليون يضغطون للتحرك». ورجح أن «يضغط الأميركيون بشدة على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح (حزب الله) ومواصلة أداء واجباتها». لكنه أكد أنهم «لا يرغبون في عملية إسرائيلية».

وبشكل ما، يوافق داود على أن «لبنان ليس فعلاً على الرادار الأميركي. والطريقة التي تتصرف فيها إسرائيل بالهجمات الدقيقة التي تستهدف بصورة دقيقة (حزب الله) من دون إحداث دمار مشابه لما حصل في غزة. ضربات إسرائيلية يومية تصيب 95 في المائة أفراد من (حزب الله) من دون رد». ورأى أنه «بالنسبة إلى الرئيسين عون وسلام، فسيكون النقص المتواصل في قوة (حزب الله) عاملاً مسهلاً في نزع سلاحه» عوض الذهاب إلى حرب شاملة جديدة.

وعبَّر ميلر عن اعتقاده بأن «التوقعات بتحقيق تقدم سريع على الجبهة اللبنانية ضئيلة للغاية»، مذكراً بأن هناك بنداً جانبياً في اتفاقية وقف النار الموقعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، «يُلزم الولايات المتحدة بفهم أن لإسرائيل الحق في ردع هجمات حزب الله».


إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»

نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)
نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)
TT

إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»

نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)
نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)

أصبحت إسرائيل، أمس، أولَ دولة تعترف رسمياً بـ«جمهورية أرض الصومال» (صومالي لاند) المعلنة من جانب واحد «دولة مستقلة ذات سيادة»، وهو قرار من شأنه أن يعيدَ تشكيل الديناميكيات الإقليمية ويختبر معارضة ​الصومال الطويلة الأمد للانفصال، ويعطي تل أبيب موطئَ قدم في منطقة القرن الأفريقي الحساسة، في بلد يملك أطولَ حدود بحرية في قارة أفريقيا.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنَّ إسرائيل ستسعى إلى تعاون فوري مع «أرض الصومال» - التي كانت تُعرف باسم «الصومال البريطاني» سابقاً - وفي بيان له، هنأ نتنياهو رئيس «أرض الصومال» عبد الرحمن محمد عبد الله، وأشادَ بقيادته ودعاه إلى زيارة إسرائيل. وقال نتنياهو إنَّ الإعلان «يتماشى مع روح اتفاقيات إبراهيم، التي وقعت بمبادرة من الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب».

وأعلنت مصرُ أنَّ وزير خارجيتها، بدر عبد العاطي، تحدَّث هاتفياً مع نظرائه من الصومال وتركيا وجيبوتي لمناقشة ما وصفوه بالتطورات الخطيرة في القرن الأفريقي عقب الإعلان الإسرائيلي.

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنَّ الوزراء ندَّدوا بالاعتراف الإسرائيلي وأكَّدوا دعمَهم الكامل لوحدة الصومال ‌وسلامة أراضيه.

وتتمتَّع منطقة «أرض الصومال» بحكم ذاتي فعلي، وسلام واستقرار نسبيين، منذ عام 1991 حين انزلق الصومال إلى حرب أهلية، إلا أنَّ هذه المنطقة الانفصالية لم تحظَ باعتراف أي دولة أخرى.