استقالة قائد المنطقة الوسطى في إسرائيل أخطر من استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية

قادة اليمين سعداء بالتخلص منه والجيش قلق من مغادرة «الجنرالات الموهوبين»

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)
TT

استقالة قائد المنطقة الوسطى في إسرائيل أخطر من استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة (أرشيفية - رويترز)

أكدت مصادر سياسية وعسكرية بتل أبيب أن إعلان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يهودا فوكس، أنه ينوي الاستقالة من منصبه في أغسطس (آب) المقبل، يشكل ضربة كبيرة للمؤسسة العسكرية.

وعلق عدد منهم على مظاهر الفرح التي بدت واضحة في ديوان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قائلاً إن «هذا الحدث المفرح لدى نتنياهو ورفاقه في اليمين هو بمثابة مصيبة بالنسبة للقدرات العسكرية»، وحذرت من هزة ذات تبعات قوية على مستوى استراتيجي عالمياً، لافتين إلى أنها «أخطر حتى من استقالة رئيس (أمان) (شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش)، أهرون هاليفا».

المعروف أن الجنرال فوكس، ورغم صداقته المميزة مع الجنرال هاليفا، فإن استقالته جاءت لأسباب مختلفة ولا تمت بصلة إلى أوضاع الحرب على غزة، ولا إلى الإخفاق الذي حصل قبيل السابع من أكتوبر (تشرين الأول). فهو مسؤول عن الضفة الغربية وليس عن غزة. لذلك فإن استقالته تثير علامات سؤال واستفهام كثيرة جداً.

ويعد الفلسطينيون والمستوطنون اليهود على السواء فوكس «معادياً لهم». بالنسبة للفلسطينيين يعد لعنة، لأنه المسؤول المباشر عن التصعيد الذي تشهده الضفة الغربية منذ توليه زمام القيادة، في أغسطس 2021. وفي مارس (آذار) 2022، باشر تنفيذ خطة عسكرية باسم «كاسر الأمواج»، ينظم خلالها حملات اعتقال ليلية، تستمر حتى اليوم، أي لأكثر من سنتين، بلا توقف. وقد استهدفت الاعتقالات بحسب البيانات الرسمية «مشتبهين بالنشاط الإرهابي المسلح في جميع أنحاء الضفة الغربية».

فلسطينيون يتفقدون دراجة نارية محترقة بعد هجوم للجيش الإسرائيلي على مخيم الفارعة للاجئين (إ.ب.أ)

كما تعمد إجراء الاعتقالات بشكل جماعي، حيث يداهم في كل ليلة 10 - 15 بلدة لاعتقال شخص أو أكثر. أول عملية اعتقال مثل هذه تحولت إلى عملية احتلال عسكري بكل معنى الكلمة، يشارك فيها مئات الجنود والضباط، يطوقون البيت المقصود بعدة دوائر: تطويق للبلدة، تطويق آخر للحي، وتطويق ثالث للبيت. ويحتلون أسطح البيوت المحيطة، بعد اقتحامها والبطش بسكانها. ثم يقتحمون بيت المعتقل وينشرون جو رعب. وإذا جرى الاعتراض فيرد الجيش بعنف وحدة. وإذا جرت مقاومة فيتم إطلاق الرصاص الحي والقنابل وحتى الصواريخ بلا تردد.

وقد تسببت هذه الاعتقالات في عدة اشتباكات، في بعض الأحيان، وكلما وقعت إصابة في الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم (ووقعت بالفعل إصابات كثيرة)، كان ينتقم بطرق جنونية. ففي مخيمات اللاجئين مثلاً، دمّر الجيش الإسرائيلي البنى التحتية تماماً، الشوارع والمجاري وخطوط المياه وقنوات التصريف والجوالات والكهرباء. حصل هذا في معظم المخيمات، وبشكل خاص في مخيمات جنين ونور شمس وبلاطا والعوجا. وكان يجلب الجرافات من طراز «D - 9»، ويدخلها في أزقة المخيم لتهدم بيتاً، وفي طريقها تهدم الأسوار وكل ما تصطدم به، بما فيها البيوت والمقاهي والحوانيت. وحيثما يصطدم بمقاومة وكمائن، وقد اصطدم فعلاً بكثير من المقاومة، كان يدمر ويقتل أكثر، واستخدم الطائرات المقاتلة من طراز «إف 16» و«أباتشي» ليقصف البيوت والطائرات المسيّرة للاغتيالات.

عداء المستوطنين

المعروف أن هذا التصعيد، ترافق مع تشكيل حكومة اليمين المتطرفة بقيادة نتنياهو، وتعيين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وزيراً ثانياً في وزارة الدفاع، وإيتمار بن غفير وزيراً للأمن القومي، وهما اللذان جلبا معهما سياسة البطش بالأسرى في السجون ومضاعفة الاقتحامات للأقصى وانفلات المستوطنين، وتشكيل حرس وطني عبارة عن ميليشيات مسلحة، الذي كان أحد الأسباب الأساسية لانفجار هجوم حماس في 7 أكتوبر.

لكن الجنرال فوكس، حاول في بعض الحالات عمل بعض التوازن، فمنع إقامة بؤر استيطانية وأخلى بعضاً منها وفرض حوالي 20 أمر اعتقال إداري ضد مستوطنين أشاعوا الفوضى، وخططوا لعمليات إرهاب يهودي ضد الفلسطينيين.

وقبل عدة شهور كشف النقاب عن أنه أجري تدريباً في الجيش على سيناريو قيام إرهابيين يهود بخطف فلسطيني رهينة.

فلسطيني من قرية ترمسعيا الفلسطينية بالضفة الغربية يعبر كتابات بالعبرية «الانتقام - الموت للعرب» تركها مستوطنون في الضفة الغربية 18 فبراير الماضي (أ.ب)

لذلك، ناصبه المستوطنون العداء، ودعا بن غفير لإقالته، وتعرض لحملة تحريض دموية من المستوطنين في الشبكات الاجتماعية، ونشرت صوره عليها شارة النازية (الصليب المعقوف)، وصور أخرى ألبسوه فيها حطة فلسطينية. ويقال إن رئيس الشاباك، رونين بار، دخل ذات مرة غاضباً على نتنياهو، وقال له: «في عهدك سيتم اغتيال جنرالات في الجيش». وتم وضع حراسة خاصة على فوكس، ليكون اللواء الوحيد في الجيش تحت حراسة 24 ساعة، وذلك خوفاً من اغتياله بأيدٍ يهودية.

لذلك، فقد أصيب فوكس باليأس. وحسب هيئة البث الإسرائيلية (كان 11)، فإن فوكس اجتمع برئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، قبل نحو الشهر، وأبلغه أنه يعتزم الاستقالة من منصبه، في الصيف المقبل. لكن الخبر تسرب فقط يوم أمس. ونقلت هيئة البث عن مقربين من فوكس أنه يشعر بأنه «استنفد نفسه»، وقرر إنهاء مسيرته العسكرية بعد 6 سنوات من ترقيته إلى رتبة لواء، خدم خلالها لمدة ثلاث سنوات بصفته ملحقاً عسكرياً في واشنطن، وثلاث سنوات كان فيها قائداً للمنطقة الوسطى.

وحاول هليفي ثنيه عن عزمه، مؤكداً له أنه ضابط واعد ويريد له أن يعين نائباً لرئيس الأركان. لكنه رفض. ورجّح موقع «واي نت» أن تكون «الأجواء الصعبة والمشحونة في الجيش بشكل عام وهيئة الأركان العامة بشكل خاص، في ظل الحرب (على غزة)، قد دفعت فوكس إلى الاعتقاد بأنه من الصواب أن يخلع زيه العسكري ويعود للحياة المدنية».

طفل يقف بجوار مبنى تضرَّر خلال هجوم إسرائيلي على مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية يناير الماضي (أ.ف.ب)

ويخشى هليفي أن تكون هذه الاستقالة بداية لسلسلة استقالات لكبار الضباط في الجيش من دون علاقة مع موضوع الحرب، أو إضافة للضباط الذين ينوون الاستقالة بسبب إخفاق 7 أكتوبر، مثل رئيس الأركان نفسه وقائدي القيادة الجنوبية الحالي والسابق، ورئيس شعبة العمليات، وقائد فرقة غزة وضباط آخرين موجودين في قائمة الذين يتحملون مسؤولية مباشرة، وسيضطرون إلى استخلاص العبر من ذلك. ولذلك تعد استقالة فوكس بداية إعصار في الجيش الذي يُعتقد أنه سيتعرض لهزة كبيرة.

إزاء كل ذلك، يبدو أن نتنياهو وحده يواصل التصرف كأن هذه الأمور لا تتعلق به أبداً، بل يعتقد أنه يفرك يديه فرحاً. إن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل سيكون هائلاً، وإن هذه النار ستحرق بالتالي أيضاً ثياب نتنياهو بينما هي على جسده.


مقالات ذات صلة

بينهم أطفال... القوات الإسرائيلية تعتقل 40 فلسطينياً من الضفة

المشرق العربي القوات الإسرائيلية تنسحب من مخيم قلنديا للاجئين قرب رام الله في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

بينهم أطفال... القوات الإسرائيلية تعتقل 40 فلسطينياً من الضفة

شنت القوات الإسرائيلية، الجمعة والسبت، حملة اعتقالات واسعة طالت 40 فلسطينياً على الأقل من الضفة الغربية، بينهم أطفال، وأسرى سابقون.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي سجن جلبوع الإسرائيلي (أرشيفية - رويترز)

وفاة قيادي بـ«حماس» في الضفة الغربية بعد نقله من سجن إسرائيلي للمستشفى

ذكرت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الجمعة، أن قيادياً بحركة «حماس» في الضفة الغربية توفي بعد نقله من سجن إسرائيلي لمستشفى.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
العالم فلسطينيون يتفقدون الأضرار الناجمة عن غارة إسرائيلية في طولكرم بالضفة الغربية (رويترز)

لضلوعهم في عنف بالضفة... أستراليا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين

فرضت أستراليا، اليوم (الخميس)، عقوبات مالية وحظر سفر على 7 مستوطنين إسرائيليين وحركة شبابية قالت إنهم متورطون في أعمال عنف ضد فلسطينيين في الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (كانبيرا)
المشرق العربي بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش خلال اجتماع حكومي في تل أبيب 7 يناير الماضي (رويترز)

نقابات فلسطينية سترفع دعوى لتعويض العمال الممنوعين من العمل في إسرائيل

أعلنت نقابات عمّال فلسطين أنها سترفع دعوى ضد إسرائيل للمطالبة بتعويض العمال الفلسطينيين عن إلقائهم في سوق البطالة بسبب منعهم من العمل في إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون بين الأنقاض في أعقاب غارة إسرائيلية على طولكرم بالضفة الغربية (رويترز)

في 24 ساعة... مقتل 11 فلسطينياً برصاص إسرائيلي في الضفة الغربية

قُتل ثلاثة فلسطينيين، اليوم الأربعاء، برصاص الجيش الإسرائيلي في مدينة طوباس، ومخيم قلنديا شمال القدس، ومدينة طولكرم بالضفة الغربية. وأفاد الهلال الأحمر…

«الشرق الأوسط» (رام الله)

تقرير: فشل مخطط الجيش الإسرائيلي في إغراق أنفاق «حماس»

مقاتل من «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» في نفق بغزة (أ.ف.ب)
مقاتل من «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» في نفق بغزة (أ.ف.ب)
TT

تقرير: فشل مخطط الجيش الإسرائيلي في إغراق أنفاق «حماس»

مقاتل من «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» في نفق بغزة (أ.ف.ب)
مقاتل من «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» في نفق بغزة (أ.ف.ب)

تبنت إسرائيل خطة قديمة وغير ملائمة، وتجاهلت النصائح المهنية والخطر المحتمل على المختطفين، وانتهت بهدوء بعد بضعة أشهر دون تحقيق أي نتائج ملموسة.

سلطت صحيفة «هآرتس» الضوء على مشروع «أتلانتس» والفشل العسكري المتوقع الذي لم يتم إيقافه حتى فوات الأوان. كان من المفترض أن تكون الخطة مبتكرة، حلاً جديداً وسريعاً نسبياً وقاتلاً لإحدى أكثر الجبهات تعقيداً في قطاع غزة.

أو كما وصفها الجيش الإسرائيلي: «اختراق هندسي وتكنولوجي كبير للتعامل مع التحدي تحت الأرض»، خلف كل هذه الأوصاف كان مشروع «أتلانتس»، نظاماً كان من المفترض أن يدمر أنفاق «حماس»، ويقتل كبار المسؤولين في الحركة عن طريق ضخ مياه البحر بكثافة عالية.

مقاتل من «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» في نفق بغزة (أ.ف.ب)

بدء التنفيذ دون تحضير كافٍ

ولكن بعد نحو نصف عام من الكشف عن هذا النظام للشعب، تبين أن مشروع «أتلانتس» فشل؛ لم يعد قيد الاستخدام، ولا يستطيع أحد في الجيش أن يقول ما إذا كان هناك أي فائدة من هذا المشروع المكلف.

يكشف تحقيق «هآرتس»، استناداً إلى محادثات مع سلسلة من المصادر المختلفة التي شاركت بشكل وثيق في تطوير وتشغيل النظام، بالإضافة إلى وثائق ومحاضر مناقشات مغلقة شارك فيها ضباط كبار ومحترفون، عدداً كبيراً من الأخطاء في كيفية التعامل معه من قبل الجيش، ويقدم لمحة عن فشل متوقع.

تجاهل النصائح المهنية والمخاطر

تبين أن النظام بدأ يعمل حتى قبل الحصول على الآراء اللازمة التي طلبها الجيش، وأنه وراء النشاط المتسارع كان هناك قدر كبير من الضغط المفروض من الأعلى، من قائد القيادة الجنوبية، اللواء يارون فينكلمان؛ وأنه تم تشغيله مع احتمال تعريض حياة الإسرائيليين الذين كانوا أحياءً عند اختطافهم إلى القطاع.

قال مصدر دفاعي شارك بعمق في مشروع «أتلانتس»: «تم تشغيل النظام في نفق مركزي واحد على الأقل لـ(حماس)، كان يُستخدم بوضوح من قبل التنظيم خلال مراحل مختلفة من الحرب».

وأضاف: «ومن المحتمل جداً أن هناك رهائن كانوا هناك بوصفهم دروعاً بشرية».

صورة وزعها الجيش الإسرائيلي لأحد أنفاق حركة «حماس» في قطاع غزة أبريل الماضي (أ.ف.ب)

ضغوط وقرارات متسرعة

السؤال عن كيف تحول مشروع وصفته قوات الدفاع الإسرائيلية بأنه كسر التعادل إلى فشل متزايد لديه إجابة معقدة.

وفق التقرير، أحد الأسباب الرئيسية هو الخلفية. خلال الأيام الأولى من الحرب، قال مصدر دفاعي: «الإنجازات على الأرض ضد مسؤولي (حماس) كانت غير ذات أهمية، معظم قوات (حماس)، خصوصاً الجناح العسكري، دخلت الأنفاق وهذا خلق ضغطاً على القيادة العليا للجيش الإسرائيلي».

لهذا السبب، قال مصدر آخر تحدث إلى الصحيفة: «طلب فينكلمان حلولاً؛ طرق لضرب نشطاء (حماس) في الأنفاق... وكان هناك إحباط لأن القوات لم تكن تعتقد حقاً أننا سنبدأ في دخول كل الأنفاق... بدأوا أيضاً في إدراك أبعاد الأنفاق التي لم يكن المخابرات العسكرية تعلم عنها».

انطلاق المشروع دون تجهيزات كافية

في ذلك الوقت، كان الجيش الإسرائيلي لا يزال يتعلم عن الأنفاق التي واجهها في القطاع ونطاقها - مئات الكيلومترات، ووجد الجيش نفسه على الأرض يدرك أن «حماس» كانت تحت الأرض، ولم يكن لديه حل لإخراجهم من هناك.

وكانت الفكرة في الواقع إحياء خطة طوارئ كانت قد اقترحتها القوات البرية قبل سنوات من تولي فينكلمان منصبه، في ذلك الوقت كان الغرض منها التعامل مع نوع مختلف من الأنفاق، كانت فرص نجاحها في التعامل مع الأنفاق التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي في القطاع بدءاً من 7 أكتوبر (تشرين الأول) منخفضة. ولكن وفقاً لمصادر دفاعية تحدثت إلى «هآرتس»، أعطى فينكلمان الضوء الأخضر لأخذ الخطة القديمة وتكييفها مع الوضع الجديد.

عمليات إغراق الأنفاق دون تقييم

حصلت الخطة على التصاريح اللازمة (تتطلب عملية من هذا النوع موافقة رئيس الأركان والمستشار القانوني العسكري، من بين آخرين)، توجه الجيش الإسرائيلي إلى سلطة المياه الإسرائيلية طلباً للمساعدة، وسارعت السلطة إلى التعبئة للمهمة، وشكلت مجموعتين من الخبراء المدنيين في مجالات عدة، وُضعت مجموعة واحدة مسؤولة عن ضخ المياه في الأنفاق، وطُلب من المجموعة الثانية دراسة موضوع فقدان المياه عبر جدران النفق، بدأت كلتا المجموعتين العمل.

ولكن الجيش الإسرائيلي لم ينتظر النتائج، وفي هذه المرحلة بدأ بالفعل في المرحلة التالية، جرى اختيار فرقة 162 من القيادة الجنوبية كمقاول العملية، وجرى تكليف مقاتلي الكوماندوز البحريين من وحدة شايطيت 13 بأعمال البنية التحتية، والتي تحولت لبضعة أسابيع إلى وحدة أنابيب.

قال أحد القادة الذين شاركوا في المشروع: «خصصوا جنود القتال لأعمال السباكة وحراسة الأنابيب في جميع أنحاء القطاع، دون أن يكون لديهم أية فكرة عما إذا كان المشروع له أي جدوى عملياتية».

وأضاف: «لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان النظام يعمل، ماذا حدث في الأنفاق، ما هو وضع الإرهابيين في الداخل وما إذا كان هناك رهائن قد تضرروا نتيجة المياه. حتى هذه اللحظة لا يزال غير واضح ما هو الضرر الذي تسببت به الأنفاق، إن وجد. ببساطة لا يعرفون أي شيء».

ووفقاً لوثيقة أصدرتها الخبراء حول الموضوع، بعد نحو 3 أسابيع من بدء تشغيل «أتلانتس»: «لم يتم تفعيل العملية وفقاً لتوصيات المهنيين، ولم يتم الضخ وفقاً لنظرية القتال التي جرى تطويرها، لم يجرِ جمع النتائج ولم يجرِ أخذ القياسات الموصوفة... غضب الخبراء لأن خلال الفترة كلها كان هناك انفصال بين المصادر في الميدان والوحدة المرافقة من جهة والخبراء الذين خططوا طريقة العملية من جهة أخرى».

جنود إسرائيليون داخل أحد الأنفاق في قطاع غزة (أ.ف.ب)

يقول المهنيون: «في الواقع، كان الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى المعلومات والبيانات المطلوبة عن الأنفاق، ولا كيفية إغراقها بطريقة تلحق الأذى بالداخل أو تجعلهم يهربون إلى السطح».

وخلال المشروع، أتيحت للمحققين من سلطة المياه فرصة الاطلاع على دراسة أعدها ناشط في «حماس»، خدم في نظام الأنفاق خلال العشر سنوات الماضية، وصف كيف تم بناؤها والمنطق وراءها، إلى جانب تصريحه بأن الأنفاق أصبحت النظام الرئيسي الذي أعدته المنظمة لمواجهة عسكرية مع إسرائيل (كنا نعلم أن الجيش الإسرائيلي سيدخل القطاع).

تحليل «هآرتس» لمشروع «أتلانتس»، كشف عن إخفاقات عديدة في التخطيط والتنفيذ، حيث لم يتم أخذ النصائح المهنية بعين الاعتبار، وتم تجاهل المخاطر المحتملة على المختطفين.