الجيش الإسرائيلي يستعد لحرب «لا يتوقعها» مع إيران

إخلاء عدة سفارات تواجه تهديدات... واستنفار متواصل لسلاح الجو

نتنياهو مُرحباً بالرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لإسرائيل بُعَيد اندلاع الحرب في غزة بأكتوبر الماضي (رويترز)
نتنياهو مُرحباً بالرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لإسرائيل بُعَيد اندلاع الحرب في غزة بأكتوبر الماضي (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يستعد لحرب «لا يتوقعها» مع إيران

نتنياهو مُرحباً بالرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لإسرائيل بُعَيد اندلاع الحرب في غزة بأكتوبر الماضي (رويترز)
نتنياهو مُرحباً بالرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لإسرائيل بُعَيد اندلاع الحرب في غزة بأكتوبر الماضي (رويترز)

على الرغم من أن قيادات الجيش الإسرائيلي واستخباراته متعددة الأذرع، مقتنعة بأن إيران لن ترد بضربة عسكرية مباشرة لإسرائيل على مقتل القيادي في «الحرس الثوري» محمد رضا زاهدي وفريقه، في دمشق، واصلت اتخاذ إجراءات تأهب واستنفار، خصوصاً لسلاح الجو. وأصدرت الشعبة الأمنية بوزارة الخارجية الإسرائيلية، بالتعاون مع «الشاباك» (جهاز المخابرات العامة)، قراراً بالإغلاق المؤقت لـ28 بعثة دبلوماسية (سفارات وقنصليات) حول العالم. وأجرت قوات الجبهة الداخلية تدريبات على شن حرب تشمل إطلاق صواريخ باليستية باتجاه مدن الشمال.

وكان الجيش قد أعلن عن حملة تجنيد استثنائي للاحتياط في سلاح الجو وإلغاء الإجازات في نهاية الأسبوع للجيش النظامي. وقام بتوسيع نطاق عمليات التشويش لمنظومة «جي بي إس» و«ويز»، ليشمل مركز البلاد أيضاً، بعد أن كانت قد فعلت هذا التشويش في بداية الحرب على غزة منذ 6 شهور في الشمال، وفي منطقة إيلات.

تحذير لإيران

وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بداية اجتماع لمجلس الوزراء الأمني، ​​في وقت متأخر من مساء الخميس: «منذ سنوات، إيران تعمل ضدنا مباشرة ومن خلال وكلائها، ومن ثم ستعمل إسرائيل ضد إيران ووكلائها، دفاعياً وهجومياً». وأضاف: «سنعرف كيف ندافع عن أنفسنا وسنتصرف وفقاً للمبدأ البسيط المتمثل في أن من يؤذينا أو يخطط لإيذائنا سنؤذيه».

وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث مع نتنياهو، وناقشا التهديدات الإيرانية. وقالت واشنطن إن بايدن أوضح أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بقوة في مواجهة هذا التهديد.

بموازاة ذلك، أفاد موقع «أكسيوس» في وقت متأخر الخميس، إنّ إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنّه «إذا شنّت إيران هجوماً من أراضيها ضدها، فسيكون هناك رد فعل قوي منّا، وسيأخذ الصراع الحالي إلى مستوى آخر».

وقال مسؤول إسرائيلي إن «وزيري الدفاع الإسرائيلي والأميركي ناقشا الأربعاء، الردّ الإيراني على استهداف قنصليّة طهران في العاصمة السورية دمشق. كما ناقشا كيفيّة التنسيق بشكل أفضل والاستعداد لسيناريوهات التصعيد الإيراني».

ركام مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق بعد استهدافه بغارة جوية إسرائيلية الاثنين (رويترز)

هلع زائد

وقالت مصادر سياسية وأمنية إن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية، وما رافقها من تصريحات مسؤولين راحوا يهددون برد إسرائيلي شديد على أي ضربة إيرانية، مبالغ فيها، وتسببت في هلع زائد. فقد هرع ألوف المواطنين إلى الحوانيت لشراء مواد غذائية للتموين وصناديق مياه معدنية ومحركات لتوليد الكهرباء.

وأبلغ الدبلوماسيون الإسرائيليون في الخارج، أنهم يعيشون حالياً في قلق مزداد، خشية من أن يصبحوا أهدافاً للانتقام الإيراني. وأدت التوجيهات الأمنية الصارمة التي تم إصدارها، وتضمنت تجنب الأماكن المعروفة بارتياد الإسرائيليين وزيادة الحذر واليقظة، إلى وضع الدبلوماسيين وعائلاتهم تحت ضغط كبير.

وتسببت أوامر أخرى لتحديد وتقييد حركة العمال داخل إسرائيل، والأنشطة اليومية البسيطة كالتوجه إلى صالة الألعاب الرياضية أو المتجر أو قاعة الأفراح، بقلق المواطنين الإسرائيليين. وبلغ القلق أوجه في منطقة حيفا وبلدات الشمال، التي فاجأتها قيادة الجبهة الداخلية في الجيش بتدريبات غير مقررة سلفاً، على مواجهة هجمات صواريخ باليستية. وراح المواطنون يطالبون البلديات بفتح الملاجئ وتنظيفها وإعدادها لاستقبال المواطنين في حال نشوب حرب.

وعدّت هذه المصادر أن القيادة الحالية في الجيش والحكومة تستعد لحرب غير متوقعة، لكنها أضافت أن احتمال نشوب حرب كهذه موجود بالتأكيد، لكنه منخفض جداً.

جرأة مزدادة

وقال جنرال سابق في الجيش، اقتبسته صحيفة «معاريف»، الجمعة، إن «إيران تتردد وتتلعثم؛ لكنها تستطيع تسجيل إنجاز أول لها؛ هو هذا الهلع الإسرائيلي».

ومن جهتها، تساءلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في مقال افتتاحي، إن كانت القيادات السياسية والعسكرية التي أقرت عملية ضرب القادة الإيرانيين في دمشق قد كانت مدروسة ومحسوبة بالشكل المهني الجيد أم لا، ورجحت ألا تكون مدروسة.

وقالت إن «إسرائيل تهدد إيران منذ فترة طويلة. ففي السنوات الأخيرة وفي ظل الحكومات المتبدلة برئاسة نتنياهو ونفتالي بنيت ويائير لبيد، يبدو أن هناك جرأة إسرائيلية مزدادة في اختيار الأهداف الإيرانية التي تتم مهاجمتها. لكن السؤال هو إذا لم تكن عملية الاغتيال الأخيرة ستحقق بالتحديد نتيجة معاكسة. على الأغلب يتولد الانطباع بأن إسرائيل انجرت إلى مثل هذه الخطوات من خلال الرغبة في استغلال فرصة عملياتية محدودة الوقت، ولم تقم مسبقاً بفحص كل التداعيات بشكل معمق. هذا كان صحيحاً أيضاً عند عملية اغتيال رئيس «حزب الله» عباس موسوي في 1992، وهي العملية التي عرضت على العالم وريثه حسن نصر الله، وأدت إلى عمليات انتقامية قاسية في الأرجنتين.

والمعروف أن حالة التأهب الأمني قد رفعت مع بداية الحرب على غزة، في الشمال الإسرائيلي، وكذلك في بعض السفارات. وتم في حينه إخلاء 7 سفارات هي الموجودة في مصر، والأردن، والبحرين، والمغرب، وأنقرة، وإسطنبول، وتركمانستان. ومع ذلك، الاغتيال الأخير المنسوب إلى إسرائيل أدى إلى وضع جميع البعثات الإسرائيلية في حالة تأهب قصوى. ومضاعفة عدد السفارات المغلقة 4 مرات.

وكتب المحرر العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، الجمعة، يقول: «منذ بداية الحرب، أظهرت إيران تخوفاً نسبياً، لا سيما في موضوع تثبيت قواعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وفيما يتعلق بمنع هجمات الميليشيات الموالية لإيران ضد الأهداف الأميركية في سوريا والعراق. طهران أيضاً أوضحت لـ(حماس) ولمنظمات (محور المقاومة) أنها لن تحارب بدلاً منها. هي ستساعد وتمول وتؤيد وتسلح، لكن حتى الحد الذي ستصل فيه الحرب إليها بشكل مباشر».

وأضاف: «عندما قررت إسرائيل والولايات المتحدة تحويل غزة إلى جبهة رئيسية واستيعاب الجبهة الشمالية، فإن هذا القرار اعتمد على فهم التصور الذي بحسبه إيران و(حزب الله) غير معنيين بالحرب الشاملة. وكان هذا مفهوماً بوجهين، حيث إن طهران أيضاً حصلت على رسائل من أميركا تفيد بأن واشنطن غير معنية بتوسيع الحرب».

ورأى أنه «حتى الآن من غير المعروف إذا كانت تصفية زاهدي ستؤدي إلى تحطم هذه المعادلة الأساسية، أم لا. وبالتأكيد غير الواضح هو هل الحكومة الإسرائيلية اعتقدت أن عملية التصفية لن تؤثر على أسلوب عمل إيران أمامها وأمام الولايات المتحدة، بحيث تجد نفسها فجأة في مواجهة ضرورة إعداد الجبهة الداخلية بسرعة بسبب الهجوم الذي بدأت فيه هي نفسها؟ في المقابل، إذا قدرت بأن الحرب الشاملة فستكون هي النتيجة بالفعل فعندها سيظهر التساؤل: لماذا قررت الحكومة أن تضع إسرائيل تحت هذا التهديد الخطير دون إعداد الجبهة الداخلية، في حين أن الجبهة في غزة ما زالت تغلي؟».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يشن أكبر هجوم بالمسيّرات ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي الدفاع الجوي الإسرائيلي يعترض هدفاً جوياً تم إطلاقه من لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله» يشن أكبر هجوم بالمسيّرات ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان

ذكرت قناة تلفزيونية تابعة لـ«حزب الله»، الجمعة، أن الجماعة اللبنانية شنّت أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان منذ بداية المواجهات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

مسؤول إسرائيلي يوضّح كيف تسبب نتنياهو في قرار «الجنائية الدولية»

قال مسؤول إسرائيلي كبير إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمرَيْ اعتقال ضد نتنياهو وغالانت كان من الممكن تجنبه لو سمح نتنياهو بأمر واحد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

تحليل إخباري الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

لبنان: الأوراق المتاحة لفرنسا للرد على إسرائيل لإزاحتها من مساعي الحل ولجنة الإشراف على وقف النار .

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية أظهر استطلاع رأي (الجمعة) ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين في الكنيست المقبل (رويترز)

استطلاع رأي يعزز وضع نتنياهو في إنقاذ حكمه

أظهر استطلاع رأي ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين اثنين في الكنيست المقبل، لكنه يظل بعيداً جداً عن القدرة على تشكيل حكومة.

نظير مجلي (تل ابيب)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)
TT

الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

لم تعلق فرنسا رسمياً على المعلومات الواردة من إسرائيل والتي تفيد بأن الطرف الإسرائيلي نقل إلى المبعوث الأميركي آموس هوكستين رفضه مشاركة فرنسا في اللجنة الدولية المطروح تشكيلها، بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا، للإشراف على تنفيذ القرار الدولي رقم 1701 الذي يعد حجر الأساس لوقف الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله»، كما رفضها الربط بين وقف النار وإيجاد حلول للمشاكل الحدودية بينها وبين لبنان، إن بالنسبة للنقاط الخلافية المتبقية على «الخط الأزرق» أو بالنسبة لمزارع شبعا وكفرشوبا وقرية الغجر.

 

ماذا يريد نتنياهو؟

 

وجاء رفض تل أبيب بحجة أن باريس تنهج «سياسة عدائية» تجاهها، في الإشارة إلى التوتر الذي قام بين الطرفين منذ سبتمبر (أيلول) الماضي وكانت قمته دعوة الرئيس ماكرون إلى وقف تزويد إسرائيل بالسلاح، لكونه «الوسيلة الوحيدة لوقف الحرب»، ما عدّه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو «عاراً» على فرنسا، كما حال اعتبار ماكرون أن ما تقوم به إسرائيل في غزة «مجازر». وجاء قرار الحكومة الفرنسية، مرتين، بمنع شركات دفاعية إسرائيلية من المشاركة بمعداتها في معرضين دفاعيين ثانيهما الشهر الماضي، ليزيد من التوتر الذي تفاقم مع التصرف «الاستفزازي» لعناصر أمن إسرائيليين بمناسبة زيارة وزير الخارجية جان نويل بارو لإسرائيل الأخيرة، وما تبعه من استدعاء السفير الإسرائيلي في باريس للاحتجاج رسمياً على ما حصل.

بيد أن ماكرون سعى لترطيب الأجواء مع نتنياهو من خلال إرسال إشارات إيجابية؛ منها الإعراب عن «تضامنه» مع إسرائيل بسبب ما تعرض له فريقها الرياضي في أمستردام، وحرصه لاحقاً على حضور مباراة كرة القدم بين فريقهما. كذلك لم توقف باريس تصدير مكونات عسكرية لإسرائيل بوصفها «دفاعية»، وتستخدم في إنشاء وتشغيل «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ. كذلك، سمحت مديرية الشرطة، الأسبوع الماضي، بقيام مظاهرة أو تجمع في باريس بدعوة من مجموعات يهودية متطرفة منها. وبالتوازي مع المظاهرة، حصل احتفال ضم شخصيات يهودية من كثير من البلدان تحت عنوان «إسرائيل إلى الأبد»، وذلك رغم المطالبات بمنعها.

بيد أن ذلك كله لم يكن كافياً بنظر نتنياهو. وقال سفير فرنسي سابق لـ«الشرق الأوسط»، إن نتنياهو «وجد فرصة فريدة لإحراج فرنسا، لا بل الحط من قيمتها ومن دورها، وذلك برفض حضورها في اللجنة». ويضيف المصدر المذكور أن باريس «تتمتع بالشرعية الأهم والأقوى» لتكون طرفاً فاعلاً في اللجنة، باعتبار أن جنودها موجودون في لبنان منذ عام 1978، وأنها صاحبة فكرة إنشاء «اللجنة الرباعية» في عام 1996، التي أنهت آنذاك الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، حيث لعب وزير الخارجية الأسبق هيرفيه دو شاريت الدور الأكبر في وقفها. ويذكر المصدر أخيراً أن باريس قدمت مشروعاً لوقف الحرب، منذ بداية العام الحالي بالتوازي مع الجهود التي بذلها هوكستين، وما زال، وأن التنسيق بين الطرفين «متواصل». وأعاد المصدر إلى الأذهان أن ماكرون والرئيس بايدن أطلقا، منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، مبادرة مشتركة لوقف إطلاق النار والخوض في مباحثات لاحقة لتسوية الخلافات القائمة بين لبنان وإسرائيل والعودة إلى العمل جدياً بالقرار الدولي رقم 1701. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن «حزب الله» رفض مشاركة ألمانيا وبريطانيا، علماً بأن الأولى موجودة داخل «اليونيفيل»، لا بل إنها تشرف على قوتها البحرية، ما قد يدفع إلى اعتبار أن نتنياهو رفع «البطاقة الحمراء» بوجه فرنسا، ليبين من جهة حنقه، ومن جهة ثانية قدرته التعطيلية.

 

أوراق الرد الفرنسية

واضح أن رفض باريس من شأنه أن يشكل عقبة إضافية على طريق الحل، خصوصاً أن لبنان سيكون، بلا شك، متمسكاً بحضور باريس في اللجنة وهي الجهة التي يرتاح لها، ولكونها المتفهمة لمواقف الطرف اللبناني. لكن السؤال الحقيقي المطروح يتناول الهدف أو الأهداف الحقيقية لإسرائيل. وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية في باريس أن لنتنياهو عدة أغراض أساسية؛ أولها الإمساك بذريعة من شأنها تأخير الاتفاق وإعطائه الوقت الإضافي لمواصلة حربه على لبنان، والاقتراب أكثر فأكثر من تحقيق أهدافه وأولها مزيد من إضعاف «حزب الله»، واستمرار الضغط على السلطات اللبنانية للخضوع لمطالبه. أما الغرض الآخر فعنوانه «تدفيع ماكرون ثمناً سياسياً» لقبول بلاده في اللجنة، إذ سيكون على فرنسا أن «تستأذن» إسرائيل، وربما دفع باريس إلى تعديل بعض جوانب سياستها إزاء إسرائيل.

وبانتظار أن يرد رد فرنسي رسمي على البادرة العدائية الإسرائيلية، فإن من الواضح أن لفرنسا القدرة على اتخاذ تدابير «مزعجة» لإسرائيل في حال «توافرت الإرادة السياسية»، وفق ما يقوله مسؤول سابق. وتشمل مروحة الردود الجانبين الثنائي والجماعي الأوروبي. في الجانب الأول، يمكن لباريس أن توقف مبيعاتها العسكرية، رغم قلتها، إلى إسرائيل، أو أن تعمد إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار ما فعلته دول أوروبية أخرى، مثل إسبانيا وسلوفينيا وآيرلندا. وبمستطاع فرنسا أن تعبر عن موقف مماثل لموقف هولندا إزاء القرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على نتنياهو، وعلى وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

وحتى اليوم، بدت ردة فعل باريس «باهتة» و«غامضة» فهي «أخذت علماً» بقرار المحكمة، وهي تؤكد تمسكها بعملها المستقل وفق أحكام نظام روما الأساسي، فضلاً عن ذلك، بإمكان باريس أن تلجأ إلى لغة دبلوماسية أكثر حزماً في إدانة الممارسات الإسرائيلية بغزة والضفة الغربية ولبنان، بما في ذلك استهداف المواقع الأثرية. وبالتوازي، يقول المسؤول السابق إنه «لا يمكن إغفال ما تستطيعه باريس على المستوى الأوروبي» مثل الدفع لوقف الحوار السياسي مع تل أبيب، أو لاتخاذ تدابير إضافية ضد الصادرات الإسرائيلية من المستوطنات في الضفة الغربية وتركيز الأضواء، مع آخرين على حل الدولتين.