برز رئيس بلدية إسطنبول، المُعاد انتخابه، أكرم إمام أوغلو، بوصفه المنافس الرئيسي لعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد أن تغلّب على حزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه الرئيس التركي في الانتخابات المحلية، أمس الأحد. وبعد تحقيقه فوزاً مريحاً واحتفاظه بمنصبه، بعد فرز العدد الأكبر من الأصوات، ينظر عدد من المحللين إلى إمام أوغلو، البالغ من العمر 53 عاماً، على أنه رئيس محتمل لتركيا في المستقبل.
ووفق تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، يشترك إمام أوغلو في عدد من الصفات مع إردوغان: فكلاهما قاد بلدية إسطنبول، ولهما جذور عائلية بمنطقة شرق البحر الأسود، وقد عاقت المحاكم التركية مسيرتهما السياسية، وفي شبابهما كانا لاعبيْ كرة قدم أيضاً.
يتمتع الرجلان بقدرة قوية على جذب الناخبين، لكنهما يختلفان عندما يتعلق الأمر بالسياسة. ويقول إمام أوغلو، وهو رجل أعمال سابق ودود ومتزوج ولديه ثلاثة أطفال، إن «أفكارنا متناقضة إلى حد كبير».
دخل إردوغان السياسة مع حزب إسلامي، وأعاد تشكيل الدولة العلمانية منذ توليه زمام الأمور في عام 2002. وفي المقابل، ينتمي إمام أوغلو إلى حزب «الشعب الجمهوري» العلماني، وانضم إليه في عام 2008، وأصبح رئيس بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول عام 2014. ويرجع نجاح إمام أوغلو إلى قدرته على توسيع جاذبية حزب «الشعب الجمهوري» لاستقطاب مزيد من الناخبين المحافظين.
أثبت ذلك في عام 2019، حيث مُني حزب «العدالة والتنمية»، بزعامة إردوغان، بأكبر هزيمة له منذ عقدين، وهزم مرشحه مرتين وليس مرة واحدة. وألغت المحكمة فوزه، في مارس (آذار) من ذلك العام، لكنه فاز بهامش أكبر في انتخابات إعادة الانتخابات خلال يونيو (حزيران).
صنع عمدة إسطنبول صورة إعلامية، وأدار حملات واسعة الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى رفع مكانته.
وفي الوقت نفسه، سعت وسائل الإعلام الحكومية إلى تصويره بشكل سلبي. وفي يناير (كانون الثاني) 2022، سربت وسائل الإعلام، الموالية للحكومة، صور كاميرات المراقبة له وهو يتناول الطعام مع السفير البريطاني في مطعم للأسماك، بينما كانت إسطنبول تعاني عاصفة ثلجية. وقد أسهمت هذه الصور في تصوير الحكومة رئيس البلدية على أنه بعيد عن الواقع ومدعوم من الغرب.
وتفاقمت مشاكل إمام أوغلو أيضاً بسبب حصول إردوغان على الفضل في عدد من المشاريع المهمة التي أدت إلى تحديث إسطنبول، خلال السنوات الأخيرة.
معارك قانونية
واجه إمام أوغلو نفسه أمام مشاكل قضائية. وبعد فوزه عام 2019، حكم عليه القاضي بالسجن لمدة عامين ونصف العام، وفرض حظراً سياسياً عليه بتهمة إهانة موظفين عموميين. ولم تصدر محكمة الاستئناف حكمها بعدُ في القضية.
وكررت الإدانة تجربة إردوغان، الذي سُجن لفترة وجيزة في عام 1999؛ لإلقائه قصيدة قالت المحكمة إنها تحريض على الكراهية الدينية. وفي العام الماضي، فتحت محكمة أخرى قضية ضد إمام أوغلو بتهمة التلاعب في المناقصات، والتي تصل عقوبتها إلى السجن من ثلاث إلى سبع سنوات. ويرى منتقدو إردوغان في هذه القضايا محاولة لعرقلته سياسياً. وينفي إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» ذلك.
وعلى الرغم مما وصفه بالعقبات من أنقرة، قال إمام أوغلو إن إدارته قدمت الخدمات والتنمية في إسطنبول؛ المدينة التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، والتي تقود الاقتصاد التركي.
المدينة بعيدة كل البعد عن مقاطعة طرابزون، المُطلة على البحر الأسود حيث وُلد عام 1970، وقضى ما يصفها بطفولة سعيدة وسط «طبيعتها الخضراء والبحر الهائج والشوارع الحجرية».
درس في جامعة إسطنبول، وحاز شهادة في إدارة الأعمال عام 1994 - وهو العام الذي أصبح فيه إردوغان رئيساً للبلدية - قبل أن يتجه إلى الأعمال الخاصة بعائلته. دفعه حبه لكرة القدم ليصبح مديراً لفريق مدينته طرابزون.
تذكر إمام أوغلو مؤخراً أول لقاء له مع إردوغان. في منتصف التسعينات، بعد أن أصبح إردوغان رئيساً للبلدية، زار مطعم كرات اللحم الذي كان يديره إمام أوغلو في منطقة جونجورين بإسطنبول.
قال إمام أوغلو: «عندما كان في أشهره الأولى رئيساً للبلدية، استضفته. لقد أكل كرات اللحم في مطعمي. ولم آخذ ماله. لن يدفع هذه الفاتورة ما دام على قيد الحياة».
ويتوقع عدد من المحللين، الآن، مزيداً من النجاح لإمام أوغلو. وقال أوزر سنكار، رئيس مؤسسة متروبول لاستطلاعات الرأي، لوكالة «رويترز» قبل الانتخابات: «[إذا] لم يجرِ إلغاء هذه الانتخابات بسبب الاعتراضات بطريقة ما، فسيصبح الرئيس في عام 2028».