ممارسات الجيش في غزة تثير مخاوف ارتدادها إلى المجتمع الإسرائيلي

كاتب يتساءل: ماذا ستفعلون مع حيوانية الجيش الأكثر أخلاقية في العالم؟!

صورة من بيت لاهيا لعشرات الفلسطينيين المعتقلين وهم شبه عراة (رويترز)
صورة من بيت لاهيا لعشرات الفلسطينيين المعتقلين وهم شبه عراة (رويترز)
TT

ممارسات الجيش في غزة تثير مخاوف ارتدادها إلى المجتمع الإسرائيلي

صورة من بيت لاهيا لعشرات الفلسطينيين المعتقلين وهم شبه عراة (رويترز)
صورة من بيت لاهيا لعشرات الفلسطينيين المعتقلين وهم شبه عراة (رويترز)

مع انكشاف الصور والوثائق حول ممارسات الجيش البشعة ضد أهل غزة، التي كانت مغيبة عن الإعلام العبري لشهور طويلة، بدأت أطراف في العمل الاجتماعي والاستشارة النفسية، تعبر عن قلقها ومخاوفها من أن ترتد إلى المجتمع الإسرائيلي نفسه، فيعود الجنود حاملين «جلد فيل» أو «جلد تمساح» مع «انعدام المشاعر الإنسانية»، ما يقود إلى كوارث اجتماعية.

ويزداد هذا القلق من التساهل الكبير الذي تبديه قيادة الجيش مع الجنود والضباط الذين يضبطون متلبسين بأعمال تنكيل بالفلسطينيين. وهو الأمر الذي دفع بالكاتب المعروف عوزي بنزيمان (83 عاماً)، إلى التساؤل في مقال نشر بصحيفة «هآرتس»، (الخميس): «ماذا ستفعلون مع حيوانية الجيش الأكثر أخلاقية في العالم؟!».

المعروف أن الإعلام الإسرائيلي، تعمد ألا ينشر معلومات وصوراً عما يقوم به الجيش من ممارسات ضد قطاع غزة، طوال شهور. وغالبية الإسرائيليين لم يطلعوا على ما تنقله وسائل الإعلام العربية ببث حي، عن الغارات الجوية العمياء والقصف المدفعي والدمار الهائل وعمليات القتل الجماعي للفلسطينيين في قطاع غزة. هذا فضلاً عن القمع والتنكيل اللذين تجاوزا كل الحدود في الاجتياح البري، أكان ذلك في قطاع غزة أو في الضفة الغربية.

هذه المعلومات راحت تتسرب إلى المجتمع الإسرائيلي عبر وسائل الإعلام الأجنبية والعربية. وبعد مرور شهرين على الحرب، بدأ جنود الاحتياط يعودون إلى بيوتهم، بعضهم تكلم وآخرون عادوا مذهولين وحافظوا على الصمت المطبق، غير أن هناك من تباهى بما فعل موثقاً التعذيب والتنكيل بالفلسطينيين، مفاخراً بأنه انتقم من هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

جاء كل ذلك في ظل الخطابات النارية للقادة الإسرائيليين التي طفحت بالتحريض على «الانتقام من مجازر حماس»، وبينهم وزير الدفاع، يوآف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين الذين يجب التعامل معهم بـ«حيوانات»، ووزراء ونواب آخرون دعوا إلى ترحيل الفلسطينيين بالقوة، ونشطاء محليون ورجال دين يهود أصدروا فتاوى تجيز «إبادة الفلسطينيين رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً»، بدعوى أن الطفل سيكبر ويصبح مقاتلاً والأم ستحبل وتلد إرهابياً والمسن يجب قتله لأنه ربى الأجيال الجديدة على كراهية إسرائيل واليهود.

جلود فيل وتماسيح

وبدأت تتكشف تعقيدات مخاطر أن ترتد إلى المجتمع الإسرائيلي، مع خضوع أكثر من 20 ألف جندي لعلاج نفسي بسبب الحرب وفظائعها. وأكد الاختصاصيون النفسيون والعاملون الاجتماعيون، أن كثيرين منهم اكتسبوا عادة استسهال القتل والتعذيب السادي والتنكيل بالبشر والتلذذ بمعاناتهم وآلامهم وسرقتهم وإحراق بيوتهم.

وبحسب تقارير صحافية جريئة، فإن هؤلاء الضباط والجنود يعودون من الحرب «مجردين من المشاعر الإنسانية، كأنهم يرتدون جلد فيل أو تمساح». وحذرت من أن هؤلاء العسكريين لا يستطيعون خلع هذا الجلد على الحدود، بل يعودون إلى بيوتهم يحملون العادات الجديدة، ولا مشكلة عند بعضهم في نقلها إلى مجتمعه أيضاً. يمارسون العنف داخل البيت ضد الزوجة والأطفال وخارج البيت ضد الجيران وفي المجتمع عموماً.

ارتفاع العنف الأسري

ودلت إحصاءات الشرطة على ارتفاع ملموس في حوادث العنف داخل العائلة في إسرائيل خلال الحرب؛ خصوصاً بعدما انجرت حكومة بنيامين نتنياهو وراء الاقتراح الأهوج لوزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، وجرى توزيع السلاح على السكان، تقريباً بلا قيود.

أطباء ينقلون جثة شخص قضى بمستشفى ناصر في خان يونس بجنوب قطاع غزة 20 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

بذكر أن شبكة «بي. بي. سي» البريطانية نشرت تقريراً، الأسبوع الماضي، أوردت فيه شهادات أطباء وممرضين أميركيين وبريطانيين تطوعوا في مستشفى ناصر في خان يونس، ورووا قصصاً مفزعة عن عمليات تنكيل للجيش الإسرائيلي. من ذلك، ضرب الفلسطينيين، وبعضهم من الجهاز الطبي، بالعصي والمواسير وأعقاب البنادق واللكمات، ونقلهم بالملابس الداخلية إلى داخل إسرائيل من أجل التحقيق، وطوال الطريق قام الجنود بإهانتهم وصب المياه الباردة عليهم. ومن هؤلاء، دكتور أحمد أبو صبحة، الذي قال إن أحد الجنود ضربه على يده إلى أن كسرت، تم أخذه إلى المراحيض وهناك أطلق عليه الكلاب.

شهادات أمام الكنيست

تجدر الإشارة إلى أن وفداً عن هؤلاء الأطباء سافر إلى واشنطن، غادر الخميس، لإطلاع مسؤولين كبار في البيت الأبيض والكونغرس على هذه الشهادات، مؤكدين أن إسرائيل تعمل بشكل منهجي لتدمير الجهاز الصحي الفلسطيني، بهدف بث اليأس لدى سكان غزة ودفعهم إلى الرحيل.

جنود إسرائيليون على حدود قطاع غزة أمس الثلاثاء (أ.ف.ب)

صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، نشرت شهادات أخرى الأسبوع الماضي، تفيد بأن الفلسطينيين الذين اعتقلوا في غزة ونقلوا إلى سجون إسرائيل، تعرضوا للتنكيل الجسدي والنفسي، وقد أجبروا على خلع ملابسهم واحتجازهم في العزل وضربهم في أثناء التحقيق، وبين حين وآخر منعوا من النوم.

عشرات الفلسطينيين في غزة شبه عراة في إحدى الساحات في المناطق الفلسطينية (تويتر)

وكانت «هآرتس» الإسرائيلية، أيضاً، قد نشرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تقارير تكشف عن ممارسات التعذيب. في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نشر نير حسون وهاجر شيزاف تقريراً جاء فيه: «بدأ كثير من الجنود يوثقون أنفسهم وهم يضربون المعتقلين، ونشرت مقاطع فيديو في الشبكات الاجتماعية لفلسطينيين قيدت أيديهم ووجوههم مغطاة، أو وهم عراة أو شبه عراة. وفي بعض الفيديوهات كان الجنود يضربون الفلسطينيين ويشتمونهم، أو يجبرونهم على التصرف بشكل مهين».

وفي السابع من الشهر الحالي، كشفت «هآرتس»، عن أن 27 معتقلاً غزاوياً قضوا منذ بداية الحرب في منشآت عسكرية احتجزوا فيها، مثل قاعدة سديه تيمان قرب بئر السبع، وفي قاعدة عناتوت قرب القدس، وفي منشآت أخرى في إسرائيل.

صورة التقطت يوم 8 ديسمبر في غزة لجنود إسرائيليين قرب شاحنة تحمل فلسطينيين جردوا من ملابسهم مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين (أ.ب)

وفي مطلع الشهر الحالي نشر موقع «محادثة محلية» الإسرائيلي، شهادات أربعة معتقلين فلسطينيين اعتقلوا في غزة وتم إطلاق سراحهم بعد التحقيق معهم. تحدثوا عن تعذيب غير منقطع وإهانات وموت أصدقاء في منشآت الاعتقال العسكرية. «حسب كثير من الشهادات»، كتب يوفال ابراهام في الموقع «الأساليب تشمل التقييد بالجدار لساعات والضرب في كل أنحاء الجسم وإطفاء السجائر على الظهر والرقبة والتكبيل وعصب العيون معظم اليوم. وحسب الشهادات، تبول الجنود على المعتقلين واعتدوا عليهم بالضربات الكهربائية وأحرقوا جلودهم بالقداحات، وبصقوا على وجوههم ومنعوهم من النوم والأكل والذهاب إلى المرحاض حتى قضوا حاجتهم على أنفسهم».

أعراض حيوانية

وفي الخميس، كتب بنزيمان: «هذه أعراض حيوانية في الجيش الإسرائيلي، وإذا ظلت مستمرة فإنها تتفشى وتصيب بالعدوى وحدات أخرى وجنوداً آخرين. يبدو أن هذه نتيجة متوقعة يجب ألا تفاجئنا، ففي الحرب يتحرر الحيوان الموجود داخل الإنسان، ولا مناص من التسليم بمظاهر الحرب المروعة، خاصة في الظروف التي وجدت فيها إسرائيل نفسها صباح 7 أكتوبر الماضي. والتبرير، أنه «ما حجم تأثير التعذيب الذي يمارسه الجنود أمام المذبحة المنظمة والجهنمية التي نفذتها حماس وملحقاتها من دون تمييز ضد المئات من الإسرائيليين، الأطفال الرضع والنساء والشيوخ والمرضى؟!».

جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (أ.ف.ب)

الجندي الذي يمارس التنكيل يحصل، كما يبدو، على شرعية سلوكه المرفوض من الفضاء الذي يعمل فيه، هو جزء من فرق كبيرة تزرع الدمار والموت الكبيرين في قطاع غزة. في نهاية المطاف استدعي للدفاع عن الوطن من قبل نظام جامح شجع في السنوات الماضية على التنكيل بالفلسطينيين، وطمس الحدود بين المسموح والممنوع. هو في نهاية المطاف يحمل معه مشاهد وأصوات الرعب التي أحدثتها حماس في 7 أكتوبر؛ هو مملوء بمشاعر الانتقام والدولة زودته بالسلاح والوسائل القتالية الأخرى كي ينفذ مهمته.

في هذه الظروف، لا يوجد كما يبدو أي مكان لمحاسبته على سلوكه الشخصي أمام العدو الذي وقع في يده. لكن القانون والأخلاق والحكمة تقتضي التصرف بشكل مختلف، وتطبيق القانون على الجنود الذين يقومون بالتنكيل. اللقاء بين المقاتل الإسرائيلي والأسير الفلسطيني هي لحظة الحقيقة التي تطفو فيها شخصية وقيم الجندي (المحسوب على «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم») أمام من عدّه عدوه (على الأغلب الشكاوى عن التعذيب تأتي من فلسطينيين ليسوا مقاتلين).

جنود إسرائيليون خلال نقل معتقلين فلسطينيين للتحقيق في قطاع غزة يوم 8 ديسمبر الحالي (رويترز)

وحذر الكاتب من الاستمرار في تجاهل خطر فقدان صورة الإنسان التي تكمن في ممارسة الانتهاكات الآخذة في التفشي في صفوف الجيش، وأنه في الظروف الحالية فإن المواعظ والأقوال الأخلاقية ليست الوسيلة الناجعة للتعامل مع «مظاهر الحيوانية».

وطالب بقبضة حديدية من القيادة العليا، واعتقال الجنود الذين يمارسون التنكيل والتحقيق معهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم بشكل صارم. وأنه على كل الجيش الإسرائيلي الشعور بأن قادته غير مستعدين لاستيعاب التنكيل بالفلسطينيين، سواء في غزة أو في الضفة: «لأنها غير قانونية ولا أخلاقية وأيضاً تضر بمصالح الدولة».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خبراء ومسؤولين أن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستدفع بعض الحكومات لتقليص اتصالاتها مع نتنياهو وغيره من المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)
إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)
TT

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)
إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعيداً عن الرد العصبي الفوري للقادة الإسرائيليين في الائتلاف والمعارضة، على السواء، ضد قرار المحكمة الجنائية في لاهاي إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة التورط في جرائم حرب بقطاع غزة، ينكب قادة الجهاز القضائي العام وكذلك القضاء العسكري والخبراء في معاهد الأبحاث على دراسة القرار بشكل عميق، وسط مخاوف شديدة، ليس من اعتقال نتنياهو وغالانت، بل من تبعات القرار الأخرى التي يصفونها بالمخيفة.

وأهم المخاوف لدى الإسرائيليين تتعلق بقرار المحكمة الذي يعني أنها اقتنعت بأن ما جرى في غزة هو فعلاً جرائم حرب ضد الإنسانية، تشمل التجويع والتعطيش وحرمان الناس من العلاج الطبي السليم، والقتل الجماعي. في هذه القضايا يوجد مسؤولان كبيران هما نتنياهو وغالانت، ولكن يوجد منفذون. والمنفذون هم قادة الجيش الكبار وكذلك قادة الجيش الصغار وألوف الجنود والضباط الذين نشروا صوراً في الشبكات الاجتماعية يتباهون فيها بممارساتهم ضد الفلسطينيين. وكل واحد من هؤلاء يمكن اعتقاله بقرار من أي محكمة في أي دولة يصل إليها، في حال قُدّمت شكوى ضده.

ويتضح، في هذا الإطار، أن هناك «جيشاً» من المتطوعين في العالم، بينهم عشرات الإسرائيليين اليهود، الذين يقفون ضد الحرب وما تنطوي عليه من جرائم رهيبة، يتجندون في هذه المعركة من الآن. وهؤلاء، كما يبدو، جمعوا الكثير من المعلومات الدقيقة عن الضباط المذكورين، من قبيل من هم، وما أرقام هوياتهم وجوازات سفرهم، وأين يسافرون. وتم تخزين هذه المعلومات في أماكن مناسبة في الفضاء الإلكتروني تمهيداً لمثل هذه اللحظة التي وفرها قرار المحكمة الجنائية. وينوي هؤلاء، كما تقول أوساطهم، استغلال ما لديهم من معلومات لغرض اعتقال أي واحد من الضباط إذا سافر إلى الخارج.

وقد تمت تجربة هذه الخطوة ثلاث مرات في الشهر الأخير وكادت تنجح، لولا أن إسرائيل كرّست جهوداً ضخمة لإنقاذ الضباط المشتبه بتورطهم. المرة الأولى كانت في بلجيكا، حيث تم فتح ملف تحقيق ضد مواطن يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والبلجيكية، وشارك في الحرب على غزة. وقبل أسبوعين فُتح ملف مشابه لإسرائيلي يحمل الجنسية القبرصية في نيقوسيا. وفي الأسبوع الماضي حصل الأمر نفسه لضابط إسرائيلي في جيش الاحتياط، كان يمضي شهر عسل مع زوجته الشابة في قبرص. وهو من أولئك الضباط، الذين تباهوا بأفعالهم في غزة ونشر صورة له قبل 6 أشهر وهو يقول: «لن نتوقف. سنحرق غزة عن بكرة أبيها». وقد تتبعت منظمة بلجيكية أثره. ووجدت أنه ينشر صور شهر العسل بفرح وسعادة، فتوجهت إلى المحكمة لاعتقاله. وقد عرف جهاز «الموساد» بالأمر، فسارع إلى ترحيله من قبرص خلال ساعات قليلة، قبل أن يتم إصدار أمر باعتقاله.

بالإضافة إلى هذا الخطر، يدرس الإسرائيليون تبعات القرار على عمل نتنياهو. فإذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستقباله، فمن سيستقبله غيرها؟ وأي رئيس سيلتقيه الآن، في العالم؟ أي رئيس سيصل إلى إسرائيل؟ أليس كل مسؤول في العالم سيحسب حساباً للقائه بعد هذا القرار؟ وكيف يمكن لرئيس حكومة أن يعمل وهو مُقاطع من نظرائه في الخارج؟

أحد الخبراء، فوان الترمان، قال للقناة «آي 24» إن قرار محكمة لاهاي ينطوي على عدة نقاط ضعف، لكن لا يمكن الاستناد لإلغاء القرار إلا إذا سلّم نتنياهو نفسه إلى المحكمة. ولأن هذا لن يحدث يجب الاعتياد على العيش تحت قيادة «قائد منبوذ»، وهذا غير ممكن، برأيه، ولذلك فإن ما يجب الاعتياد عليه هو العيش من دون نتنياهو، متوقعاً أن نهاية عهده بدأت بقرار محكمة لاهاي.