خطة إسرائيلية لإجلاء المدنيين من «مناطق القتال» في غزة

اجتماع سابق لمجلس الحرب الإسرائيلي (أرشيفية)
اجتماع سابق لمجلس الحرب الإسرائيلي (أرشيفية)
TT

خطة إسرائيلية لإجلاء المدنيين من «مناطق القتال» في غزة

اجتماع سابق لمجلس الحرب الإسرائيلي (أرشيفية)
اجتماع سابق لمجلس الحرب الإسرائيلي (أرشيفية)

قدّم الجيش الإسرائيلي خطّة «لإجلاء» المدنيّين من «مناطق القتال» في غزّة حسبما أعلن، اليوم (الاثنين)، مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فيما كانت إسرائيل توعّدت، أمس، بشنّ هجوم برّي على مدينة رفح المكتظّة في جنوب القطاع رغم المفاوضات الجارية للتوصّل إلى هدنة جديدة في الحرب ضدّ حركة «حماس».

وقال مكتب نتنياهو في بيان مقتضب إنّ الجيش «قدّم لمجلس الحرب خطّة لإجلاء السكّان من مناطق القتال في قطاع غزّة، فضلاً عن خطّة العمليّات المقبلة»، من دون أن يخوض في تفاصيل.

يأتي ذلك في وقت قال نتنياهو، أمس، لقناة «سي بي إس» الأميركيّة إنّ التوصّل إلى اتّفاق هدنة لن يؤدّي إلّا إلى «تأخير» الهجوم على مدينة رفح التي يتجمّع فيها ما يقرب من مليون ونصف مليون مدني على الحدود مع مصر، وفق أرقام الأمم المتحدة. وأضاف نتنياهو: «إذا توصّلنا إلى اتّفاق، فستتأخّر (العمليّة) إلى حدّ ما، لكنّها ستتمّ». وتابع: «إذا لم يحصل اتّفاق، فسنقوم بها على أيّ حال. يجب أن تتمّ، لأنّ النصر الكامل هو هدفنا، والنصر الكامل في متناول اليد - ليس بعد أشهر، بل بعد أسابيع، بمجرّد أن نبدأ العمليّة».

وبينما تستمرّ المحادثات في قطر، يحتدم القتال بين الجيش الإسرائيلي و«حماس»، خصوصاً في مدينة خان يونس المدمّرة، على بُعد بضعة كيلومترات شمالي رفح. وأحصت وزارة الصحّة التابعة لـ«حماس»، أمس، سقوط 86 قتيلاً خلال 24 ساعة في أنحاء القطاع الفلسطيني.

ويستمر الوضع الإنساني في التدهور في القطاع، حيث بات نحو 2.2 مليون شخص، هم الغالبيّة العظمى من سكّانه، مهدّدين بخطر «مجاعة جماعيّة»، وفق الأمم المتحدة. ويخضع إدخال المساعدات إلى غزّة لموافقة إسرائيل، ويصل الدعم الإنساني الشحيح إلى القطاع بشكل أساسي عبر معبر رفح مع مصر، لكنّ نقله إلى الشمال صعب بسبب الدمار والقتال.

نتيجة ذلك، دفع نقص الغذاء مئات الأشخاص إلى مغادرة شمال القطاع حيث يوجد 300 ألف شخص باتّجاه الوسط، وفق ما أفاد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أمس.

وقال المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، أمس، إنّه لا يزال ممكناً «تجنّب» المجاعة في غزّة إذا سمحت إسرائيل للوكالات الإنسانيّة بإدخال مزيد من المساعدات. وأضاف لازاريني عبر منصّة «إكس» أنّها «كارثة من صنع الإنسان (...) وقد التزم العالم بعدم السماح بالمجاعة مجدداً».

سياسة التجويع

بين من غادروا شمال القطاع سمير عبد ربّه (27 عاماً) الذي وصل من جباليا إلى النصيرات صباح أمس، نازحاً بسبب الجوع مع زوجته وطفلته التي تبلغ عاماً ونصف عام. وقال للوكالة: «جئت مشياً من شمال غزة من عزبة عبد ربه... لا أستطيع أن أصف كمية المجاعة هناك... عندي بنت صغيرة عمرها عام ونصف، لا يوجد حليب. أحاول أن أطعمها الخبز الذي أصنعه من بقايا العلف والذرة، لا تهضمه، لا مغيث، أملنا كبير فقط بربّنا».

من جهته، قال مصدر قيادي في «حماس» للوكالة أمس: «قتل شعبنا بالتجويع في غزة وشمالي القطاع جريمة إبادة جماعيّة تهدّد مسار المفاوضات برمّته».

اندلعت الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، بعدما نفّذت «حماس» هجوماً غير مسبوق على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل 1160 شخصاً غالبيّتهم مدنيّون. كما احتُجز خلال الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إنّ 130 منهم ما زالوا في غزّة، ويُعتقد أنّ 31 منهم لقوا حتفهم.

وأكّد الجيش الإسرائيلي، أمس، مقتل الجندي عوز دانيال (19 عاماً) الذي «ما زالت جثّته محتجزة لدى (حماس)»، وفقاً لمنتدى الرهائن والعائلات المفقودة الذي ذكر أنّ عوز قتل خلال هجوم 7 أكتوبر.

ورداً على الهجوم، تعهّدت إسرائيل بـ«القضاء» على «حماس» التي تحكم غزة منذ 2007 وتُصنّفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «منظّمة إرهابية». وتردّ إسرائيل على الهجوم بقصف مدمّر على قطاع غزّة وبعمليّات برّية منذ 27 أكتوبر، مما تسبّب في مقتل 29692 فلسطينياً، غالبيتهم العظمى مدنيّون، وفق أحدث حصيلة لوزارة الصحة. وتعلن الوزارة عن سقوط نحو مائة قتيل يومياً في القطاع نتيجة القصف.

«تفاهم» مبدئي حول اتفاق هدنة

أعلنت الولايات المتحدة، أمس، أنّ المحادثات التي جرت في باريس أفضت إلى «تفاهم» حول اتّفاق محتمل يقضي بإطلاق «حماس» سراح رهائن والتزام وقف جديد لإطلاق النار في قطاع غزّة.

وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك ساليفان لشبكة «سي إن إن»: «اجتمع ممثلو إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر في باريس وتوصلوا إلى تفاهم بين الدول الأربع حول الملامح الأساسية لاتفاق رهائن لوقف مؤقّت للنار». ورفض ساليفان الخوض في التفاصيل، لكنه أوضح أنّ الاتّفاق «لا يزال قيد التفاوض بشأن تفاصيله. ولا بُدّ من إجراء نقاشات مع (حماس) عبر قطر ومصر، لأنّه في نهاية المطاف سيتعيّن عليها الموافقة على إطلاق سراح الرهائن».

وتابع: «هذا العمل جار. ونأمل في أن نتمكّن في الأيام المقبلة من بلوغ نقطة يكون فيها بالفعل اتّفاق متماسك ونهائي بشأن هذه القضية».

في الأثناء، نقلت قناة فضائية مصرية، أمس، عن مصادر مطلعة أن المحادثات استؤنفت في الدوحة وستعقبها جولة نقاشات أخرى في القاهرة بمشاركة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين ومن حركة «حماس». ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» عن مصادر مصرية «استئناف مفاوضات التهدئة بقطاع غزة، من خلال اجتماعات على مستوى المختصّين تُعقد بالعاصمة القطريّة الدوحة، وأخرى تعقبها في القاهرة»، حيث التقى مديرو الاستخبارات المصريّة والأميركيّة والإسرائيليّة ورئيس الوزراء القطري في 13 فبراير (شباط).

وتابعت: «مباحثات الدوحة والقاهرة تجرى بمشاركة مختصّين من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى وفد من حركة (حماس)».

وكان وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنيع زار باريس الجمعة لإجراء محادثات حول الهدنة. وقال مصدر في «حماس» للوكالة إنه تم اقتراح «بعض التعديلات الجديدة» بشأن القضايا الخلافية، لكن «إسرائيل لم تقدم أيّ موقف جوهري بشأن شروط وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة». ووصف نتنياهو مطلب سحب قواته بأنه «خيالي».

رفح «المعقل الأخير»

لكن من أجل التوصّل إلى اتّفاق، تشترط إسرائيل «الإفراج عن جميع الرهائن، بدءاً بجميع النساء»، وفق ما أعلن تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء.

وحتى إذا تمّ ذلك، فإنّ «اتّفاقاً كهذا لا يعني نهاية الحرب»، وفق هنغبي. تطالب «حماس» من جانبها بوقف كامل لإطلاق النار وبانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وتوفير مأوى آمن لمئات آلاف المدنيين الذين شرّدتهم الحرب. في موازاة ذلك، يتزايد القلق حول مصير مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع، حيث يتكدّس ما لا يقل عن 1.4 مليون شخص، معظمهم نازحون، بسبب العمليّة البرّية التي يُعدّ لها الجيش الإسرائيلي.

وأعلن نتنياهو، أول من أمس، أنّه سيجمع «في بداية الأسبوع مجلس الوزراء للموافقة على الخطط العملياتيّة في رفح بما في ذلك إجلاء السكّان المدنيّين» من المعقل الأخير لـ«حماس».

وأظهرت صور للوكالة تجدّد القصف في المدينة أمس، في حين استمرّ القتال أيضاً في بيت لاهيا وحيّ الزيتون شمالي قطاع غزة.

وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، أمس، أنّ العمليّات الإسرائيليّة ضدّ «حزب الله» في لبنان لن تتوقّف، حتّى إن تمّ التوصّل إلى اتّفاق على وقف النار والإفراج عن رهائن في غزة. وتفقّد الوزير مقرّ القيادة العسكريّة الشماليّة في صفد، الذي أصيب في وقت سابق من الشهر الحالي بصاروخ أطلق من جنوب لبنان وأسفر عن مقتل جندية.


مقالات ذات صلة

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دهوك)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».