باريس توجه 3 رسائل تحذيرية لإيران

باريس: طهران تسير في الاتجاه الخاطئ وعليها وقف التصعيد الإقليمي

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في نيويورك (الخارجية الإيرانية)
وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في نيويورك (الخارجية الإيرانية)
TT

باريس توجه 3 رسائل تحذيرية لإيران

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في نيويورك (الخارجية الإيرانية)
وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في نيويورك (الخارجية الإيرانية)

ترأس فرنسا خلال شهر يناير (كانون الثاني) مجلس الأمن الذي حلّ في وقت كانت فيه باريس منشغلة برحيل حكومة ومجيء حكومة جديدة، فخرجت من الأولى رئيسة الدبلوماسية كاترين كولونا ليحلّ محلها ستيفان سيجورنيه، النائب في البرلمان الأوروبي، والمستشار السياسي السابق للرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حزبه «النهضة». وكان من الطبيعي أن تدعو فرنسا إلى اجتماع رفيع في مجلس الأمن على المستوى الوزاري، الأمر الذي حصل الثلاثاء الماضي وكرّس للوضع في الشرق الأوسط وتحديداً حرب غزة وتمدداتها.

وتكمن أهمية الاجتماع المذكور الذي لم يتطرق إلى مشروع قرار ولا إلى تصويت على أي شيء آخر، في أنه يوفر الفرصة لوزراء الخارجية الحاضرين في نيويورك لإجراء سلسلة من المشاورات غير الرسمية، وهو ما قام به الوزير الفرنسي. وتبيّن الأصداء الواردة من نيويورك، أن أهم اجتماع قام به جمعه بنظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان انطلاقاً من مبدأ أن لطهران دوراً كبيراً في ما يجري في منطقة الشرق لأوسط من غزة، إلى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية امتداداً إلى البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن الملف النووي الإيراني الذي غاب عن الشاشة في الأشهر الأخيرة.

واستبق سيجورنيه لقاءه عبداللهيان بتحذير وجّهه لطهران من غير أن يسميها، في كلمته أمام مجلس الأمن التي أعقبت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وجاء في حرفية ما قاله سيجورنيه، في تعداده لثالث المبادئ التي تقود الدبلوماسية الفرنسية وعنوانه «مسؤوليتنا في مواجهة مخاطر التصعيد» ما يلي: «علينا أن نقوم بكل ما هو متاح لنا لمنع اشتعال المنطقة (الشرق الأوسط) وتمدد النزاع. ذلك أن بعضهم يعمد إلى استخدام المجموعات التابعة له لبث الفوضى ولضرب استقرار المنطقة؛ ولذا نحن نوجه له تحذيراً». وأشار الوزير الفرنسي إلى القلق الناتج من التوتر المتصاعد على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وإلى الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، فضلاً عن «انتهاك سيادة العراق» في إشارة إلى الهجمات الصاروخية التي قام بها «الحرس الثوري» ضد أربيل. وختم كلمته مؤكداً أن بلاده «مستمرة في تحمل مسؤولياتها».

صورة نشرتها وزارة القوات المسلحة الفرنسية للفرقاطة «لانغدوك»

لم تتأخر باريس في ترجمة أقوالها إلى أفعال. فقد أعلنت هيئة الأركان، الخميس، أن فرنسا ماضية في تعزيز وجودها العسكري في مياه الشرق الأوسط، حيث تم إرسال سفينة عسكرية ثالثة إلى المنطقة للقيام بمهام «الأمن البحري». وقال ناطق باسمها إن إرسال سفينة ثالثة هي الفرقاطة «ألزاس يأتي ضمن رصد هجمات ضد السفن التجارية وهو مساهمة في كل المبادرات في المنطقة»، وأنها عبرت قناة السويس الأسبوع الماضي للوصول إلى البحر الأحمر «للقيام بمهام أمنية بحرية». وأوضح أن فرقاطة أخرى هي «لانغدوك» التي أسقطت طائرات مسيّرة عدة أطلقها الحوثيون منذ ديسمبر (كانون الأول)، ستقوم الآن بدوريات في خليج عدن.

تضاف إلى هاتين القطعتين سفينة إمداد كبرى هي «جاك شوفالييه» الموجودة في المنطقة الممتدة من الخليج إلى البحر الأحمر مروراً بغرب المحيط الهندي وخليج عدن، وهناك بالتالي ثلاث سفن عسكرية في المنطقة. وذكر البيان الفرنسي، أن الهجمات الحوثية تعيق الملاحة في البحر الأحمر وتتسبّب بمضاعفة كلفة النقل، وأدت إلى تراجع عدد الحاويات بنسبة 70 في المائة في المنطقة، بحسب الخبراء البحريين.

والخميس، قالت الخارجية الفرنسية، في إطار مؤتمرها الصحافي إن إيران «تتحمل مسؤولية خاصة» في المنطقة، وإن الوزير سيجورنيه أوصل إلى نظيره الإيراني ثلاث رسائل رئيسية: الأولى، «تحذيره من أي محاولة من شأنها تصعيد الوضع واشتعاله على المستوى الإقليمي».

والرسالة الثانية تتناول مصير الرهائن الفرنسيين الذين ما زالوا محتجزين «اعتباطياً» في إيران. وما فتئت فرنسا تدعو إلى إخلاء سبيل الفرنسيين الأربعة الذين ما زالوا محتجزين في إيران والذين تعدّهم باريس «رهائن دولة».

والثالثة تتناول برنامج إيران النووي ووصفت باريس الأعمال التي تقوم بها طهران بـ«غير المسؤولة في إطار وضع إقليمي متوتر»، معتبرة أنها «تسير في الاتجاه الخاطئ».

ومجدداً، دعت باريس الجانب الإيراني إلى التراجع عن الخطوات التي يقوم بها، خصوصاً لجهة مواصلة تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية (60 في المائة) في حين تفيد تقارير أخرى بأن نسبة التخصيب أعلى من ذلك بكثير. وذكرت الخارجية الفرنسية بالتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة النووي في 26 ديسمبر الماضي، وفيه أن طهران سرّعت وتيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة وفي مختلف مواقعها. وخلاصة الخارجية، أن تقلع طهران عن كل الخطوات التي من شأنها «دفع المنطقة إلى مزيد من اللااستقرار».

اللافت، أن نووي إيران قد تراجع في تراتبية المسائل الدولية وفي دوائر الاهتمامات الدولية. ورغم التقرير المقلق الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة، فإن أياً من الدول الغربية لم يشر إلى ضرورة القيام بخطوة ما من أجل لجم البرنامج النووي الإيراني. وليس من المستبعد، وفق أوساط فرنسية متابعة هذا الملف، أن الغرب «لا يريد أن يزيد من منسوب التوترات مع إيران» بضم الملف النووي مع الملفات الخلافية الأخرى، في حين ترى أوساط أخرى أن الجميع يلتفت، من جهة، إلى ما يجري بعيداً عن الأضواء من تواصل بين الجانبين الإيراني والأميركي بشأن الملف المذكور، ومن جانب آخر نحو مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وثمة اقتناع بأن وصول دونالد ترمب مجدداً إلى البيت الأبيض سيدخل الملف النووي في مسارات قد تكون مختلفة تماماً عما هي عليه في الوقت الحاضر.


مقالات ذات صلة

ماكرون: «النووي الإيراني» يقترب من نقطة اللاعودة

شؤون إقليمية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

ماكرون: «النووي الإيراني» يقترب من نقطة اللاعودة

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، إن البرنامج النووي الإيراني يقترب من نقطة اللاعودة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً حول عمل أجهزة الطرد المركزي (الذرية الإيرانية)

إيران تترقب سياسة ترمب بشأن برنامجها النووي

إحدى القضايا المعقدة في السياسة الخارجية التي سيرثها دونالد ترمب عندما يتولى منصبه في البيت الأبيض هي إيران التي تقف على أعتاب أن تصبح قوة نووية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - لندن)
العالم الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من محادثات غروسي وغريب آبادي نهاية أكتوبر الماضي

محادثات إيرانية - أوروبية تسبق تنصيب ترمب

أعلن نائب لوزير الخارجية الإيراني أن جولة جديدة من المحادثات بين إيران ودول مجموعة «الترويكا» الأوروبية الثلاث، ستُعقد يوم 13 يناير (كانون الثاني) في جنيف.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان يتحدث إلى أعضاء الغرفة التجارية اليوم (الرئاسة الإيرانية)

مستشار بزشكيان: القيادة اقتنعت بضرورة التفاوض المباشر مع واشنطن

أعطى المرشد الإيراني علي خامنئي الضوء الأخضر لإزاحة الغبار عن ملف الخطة الحكومية لقبول شروط مجموعة «فاتف» الدولية المعنية بمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

عادل السالمي (لندن)

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».