باكستان وإيران تتفقان على تبريد التوتر وإعادة السفيرين

إسلام آباد حضت طهران على تعاون أوثق في القضايا الأمنية

باكستانيون يحرقون الإطارات في مظاهرة تدين الضربة الإيرانية في منطقة بلوشستان في لاهور (أ.ب)
باكستانيون يحرقون الإطارات في مظاهرة تدين الضربة الإيرانية في منطقة بلوشستان في لاهور (أ.ب)
TT

باكستان وإيران تتفقان على تبريد التوتر وإعادة السفيرين

باكستانيون يحرقون الإطارات في مظاهرة تدين الضربة الإيرانية في منطقة بلوشستان في لاهور (أ.ب)
باكستانيون يحرقون الإطارات في مظاهرة تدين الضربة الإيرانية في منطقة بلوشستان في لاهور (أ.ب)

اتفقت باكستان وجارتها الغربية إيران على «خفض» التوتر بينهما، اثر تبادل البلدين شن غارات دامية قالتا إنها استهدفت مناوئين لهما في أراضي البلدين هذا الأسبوع.

وأكدت باكستان أنها لا تريد تصعيد المواجهة مع إيران. وقال مكتب رئيس الوزراء الباكستاني إن الجارتان قادرتان على التغلب معاً على الخلافات البسيطة عبر الحوار والدبلوماسية. وأدت العمليات العسكرية التي قلما تحدث في منطقة بلوشستان الحدودية السهلة الاختراق والمشتركة بين البلدين، إلى زيادة التوترات الإقليمية المتصاعدة أساسا بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس.

وحض وزير الخارجية جليل عباس جيلاني، في اتصال هاتفي، نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، على تعاون أوثق في القضايا الأمنية، معبراً عن استعداد بلاده للعمل مع جارتها الغربية، في جميع القضايا، وفقاً لوزارة الخارجية الباكستانية.

وذكر المدير العام لشؤون جنوب آسيا بالوزارة الخارجية الإيرانية أن عبداللهيان و جيلاني أجريا محادثات هاتفية «جيدة للغاية» لإعادة العلاقات إلى مستواها. وأضاف أنه «كانت هناك محادثات حول العودة الوشيكة لسفيري البلدين»، مشيراً إلى تلقي عبداللهيان دعوة من نظيره الباكستاني إلى زيارة إسلام آباد.ونقلت وكالة «أرنا» الرسمية عن عبد اللهيان تأكيده في اتصال هاتفي مع نظيره الباكستاني احترام طهران لسيادة باكستان ووحدة أراضيها، قائلا إن «من المناسب متابعة التعاون الأمني والعسكري الذي اتفق عليه في الماضي بين مسؤولي البلدين بجدية».وأدعى عبد اللهيان أن «المعطيات والقرائن تشير إلى أن أكثر من 50 مسلحا كانوا في الموقع الذي استهدفته إيران في باكستان «يتهيؤون لتنفيذ عمل إرهابي ضد إيران لكنهم أخفقوا بفعل إجراء القوات الإيرانية الذي جاء في أوانه».

وقالت إيران إن ضربات الجيش الباكستاني، الخميس، أدت إلى مقتل تسعة أشخاص في قرية حدودية بضواحي مدينة سراوان، بينهم أربعة أطفال. وقالت باكستان إن الهجوم الإيراني، الثلاثاء، أدى إلى مقتل طفلين.

أتى الاتفاق الإيراني-الباكستاني بعدما اجتماع طارئ للجنة الأمن القومي الباكستانية برئاسة رئيس الوزراء الباكستاني أنوار الحق كاكار. وقطع كاكار مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس» وعاد للبلاد الخميس.

وأبلغ وزير الإعلام الباكستاني مرتضى سولانجي، وسائل الإعلام بأن الاجتماع يهدف إلى إجراء «مراجعة واسعة النطاق للأمن القومي عقب الأحداث بين إيران وباكستان».

وأشاعت إيران حالة من الصدمة عبر المنطقة، يوم الثلاثاء، بضربة صاروخية ضد جماعة «جيش العدل» البلوشية المعارضة، في جنوب غربي باكستان. وردت باكستان بعدها بيومين بهجوم على ما قالت إنهم مسلحون انفصاليون في إيران، في أول ضربة جوية على الأراضي الإيرانية منذ الحرب الإيرانية العراقية التي دارت رحاها بين عامي 1980 و1988.

ويعد هذا التوتر الأكبر من نوعه في السنوات القليلة الماضية، وأثار قلقاً بشأن اتساع رقعة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). إلا أن الجانبين أشارا بالفعل إلى رغبتهما في تهدئة التوترات. وقال مسؤول أمني باكستاني كبير لـ«رويترز»، الخميس، إن الجيش في حالة تأهب قصوى، وسيواجه أي «مغامرة غير محسوبة» من الجانب الإيراني بقوة.

وكانت الخارجية الإيرانية قد قالت، الخميس، إنها ملتزمة بعلاقات حسن الجوار مع باكستان، لكنها دعتها إلى منع إقامة «قواعد إرهابية» على أراضيها.

في المقابل، قالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان مشابه: «الهدف الوحيد من تحرك اليوم كان السعي لتحقيق أمن باكستان ومصالحها الوطنية، وهو أمر بالغ الأهمية ولا يمكن المساس به».

شرطي باكستاني يقف في حراسة خارج المركز الثقافي الإيراني في روالبندي (إ.ب.أ)

دعوات لضبط النفس

وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، إن الأمين العام حث إيران وباكستان على «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس؛ لتجنب المزيد من تصعيد التوتر».

وقال المتحدث ستيفان دوجاريك: «الأمين العام يؤكد ضرورة معالجة جميع المخاوف الأمنية بين البلدين بالوسائل السلمية عبر الحوار والتعاون، ووفقاً لمبادئ السيادة ووحدة الأراضي وعلاقات حسن الجوار».

كما دعت الولايات المتحدة لضبط النفس، رغم أن الرئيس جو بايدن قال إن الاشتباكات أظهرت أن إيران لا تحظى بقبول في المنطقة.

وكررت موسكو دعوتها إسلام آباد وطهران إلى ضبط النفس واستخدام الوسائل الدبلوماسية. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن التصعيد يدعو للقلق وهو نتيجة جزئية لأزمة غزة.

روايتان متضاربتان

وقالت إسلام آباد إنها ضربت قواعد لانفصاليين من «جبهة تحرير بلوشستان» و«جيش تحرير بلوشستان»، في حين قالت طهران إن طائراتها المسيرة وصواريخها استهدفت مسلحين من جماعة «جيش العدل»، وهي جماعة ثالثة. وتعمل الجماعات المسلحة المستهدفة في منطقة تشمل إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان وإقليم بلوشستان جنوب شرقي إيران. والإقليمان يشهدان اضطرابات وغنيان بالمعادن ويفتقران للتطور إلى حد كبير. وتخوض الجماعتان اللتان استهدفتهما إسلام آباد داخل إيران تمرداً مسلحاً منذ عقود ضد الدولة الباكستانية، بما في ذلك عن طريق شن هجمات ضد مواطنين صينيين واستثمارات صينية في بلوشستان. وتعتبر إيران جماعة «جيش العدل» البلوشية المعارضة التي استهدفتها، تهديداً لها. ونفذت الجماعة هجمات في إيران ضد قوات «الحرس الثوري» الإيراني.

ولأول مرة بعد هجوم الثلاثاء على باكستان، ربطت إيران بين الجماعة البلوشية المعارضة، والتفجير الدامي الذي وقع في الثالث من يناير (كانون الثاني)، وأودى بحياة نحو 94 شخصاً في مراسم بمدينة كرمان بجنوب شرقي البلاد، مراسم مسؤول العمليات العسكرية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني الذي قُتل في هجوم بطائرة أميركية مسيرة مطلع 2020. ونسبت وكالة «رويترز» إلى أحد المطلعين على الشأن الإيراني، وهو مقرب من رجال الدين، أن تفجير كرمان كان «إحراجاً للقيادة»، وأظهر ضعف الأمن الإيراني. وقال المصدر إن هجوم الثلاثاء استهدف إبراز قدرات المنظمات الأمنية في البلاد وسط مخاوف الإيرانيين من ضعف الأمن. وأضاف: «مثل هذه الهجمات الإرهابية ستحظى برد ساحق من إيران».

وقال مسؤول أمني إيراني كبير لـ«رويترز» إن إيران «قدمت لباكستان أدلة على تورط (جيش العدل) في هجوم كرمان وتنسيقه له لوجيستياً، وطلبت من باكستان التحرك ضده». وأضاف أن إيران «حصلت على أدلة تشير إلى أن أعضاء في الجماعة كانوا من بين عدد من المتشددين الذين يخططون لهجمات أخرى في إيران». وأضاف المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويته: «حذرنا الجميع من أن أي إجراء ضد أمتنا وأمننا القومي لن يمر دون رد». ومنذ سنوات تصر وسائل إعلام الإيرانية على وصف المعارضين البلوش بـ«الجماعات المتشددة»، على خلاف جارتها باكستان التي تصف المعارضة البلوشية بـ«الجماعات الانفصالية».

ويشكو أهالي بلوشستان إيران، ذات الأغلبية السنية، من تمييز مزدوج طائفي وعرقي، متهمين إيران بمتابعة سياسة التغيير الديموغرافي واستهداف هويتهم المذهبية.

انتخابات باكستانية

وفي داخل باكستان، تجتمع القيادات المدنية لإبداء الدعم للجيش رغم الانقسامات العميقة على الساحة السياسية مع اقتراب الانتخابات الوطنية المقررة الشهر المقبل. وقال وزير الخارجية السابق بيلاوال بوتو زرداري، المرشح عن حزبه لمنصب رئيس الوزراء، وكذلك نواز شريف الذي شغل المنصب ثلاث مرات وتظهر استطلاعات الرأي أنه المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات، إن من حق باكستان الدفاع عن نفسها، لكنهما أبقيا على الدعوة للحوار مع إيران. كما أدان حزب «حركة الإنصاف» بزعامة رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان إيران، لكنه وصف الهجمات على باكستان بأنها إخفاق من جانب حكومة تصريف الأعمال التي جرى تشكيلها للإشراف على الانتخابات. وقال الحزب، في بيان، إن «حركة الإنصاف» «تسعى للحصول على تفسير فوري من الحكومة غير الدستورية وغير القانونية وغير الممثلة وغير المنتخبة لفشلها الكامل في حماية سلامة باكستان وأمنها والدفاع عنها».

لماذا الضربة الإيرانية المفاجئة؟

يميل بعض المحللين إلى أن ضربات «الحرس الثوري» المفاجئة لباكستان، تأتي في سياق استعراض إيران وحلفائها قوتهم في المنطقة في ظل الديناميكيات المضطربة الحالية، على خلفية حرب غزة. وقبل ساعات من الهجوم في أراضي باكستان، شنت إيران ضربات في سوريا ضد ما قالت إنها مواقع لتنظيم «داعش»، وفي أربيل مركز إقليم كردستان العراق، حيث قالت إنها ضربت مركز تجسس إسرائيلياً، ونفت الحكومة العراقية المزاعم الإيرانية. وتستهدف حركة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن سفن شحن في البحر الأحمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني)، كما هاجمت جماعات عراقية موالية لإيران، قواعد أميركية في سوريا والعراق، قائلة إنها تتضامن مع الفلسطينيين.

يقول غريغوري برو، المحلل في شركة «أوراسيا غروب» لاستشارات المخاطر الدولية، إن ضربات طهران مدفوعة إلى حد كبير بقلقها المتزايد من مخاطر العنف الداخلي المسلح في أعقاب الهجوم الفتاك في الثالث من يناير الذي أعلن تنظيم «داعش خراسان» مسؤوليته عنه. وقال برو: «هناك كثير من الضغط الداخلي للقيام بشيء، والقيادة تستجيب لهذا الضغط»، مشيراً إلى أن إيران تضغط على إسلام آباد منذ سنوات لتعالج مسألة وجود متشددين بالقرب من حدودها، مشيراً إلى أن الهجوم الصاروخي كان علامة على نفاد صبر طهران. ولكن لا تزال إيران ترى دورها ونفوذها في الشرق الأوسط محوراً أساسياً في أهدافها الأمنية. وقال برو إن الضربة الإيرانية على الأراضي الباكستانية تشير أيضاً إلى رغبة طهران في أن تظهر لأعدائها وحلفائها على السواء عزمها على الدفاع عن أمنها وسط الأزمة الإقليمية المتعلقة بغزة.

من جانبه، يرى مايكل كوجلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون البحثي بواشنطن، أن التوتر الأمني على الحدود مشكلة قائمة منذ فترة طويلة بين إيران وباكستان. وأضاف أن وقف التصعيد سيكون صعباً على المدى القريب «نظراً للتوتر الشديد». لكن البلدين لا يرغبان في الصراع على ما يبدو. وفي تصريحات علنية أشارت إيران وباكستان إلى أن الهجمات لم تستهدف أياً من مواطني البلدين، وإلى أنهما لا يريدان التصعيد. وقال كوجلمان إن البلدين قد يرحبان بحوار ثنائي ووساطة محتملة من طرف ثالث قد يكون الصين التي لها علاقات طيبة ونفوذ لدى الطرفين. وأضاف: «الدبلوماسية ستكون حاسمة من الآن فصاعداً».


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
TT

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

تقدم أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع بحق زعماء إسرائيل و«حماس»، بسبب الجرائم التي تتهمهم بارتكابها في غزة، رؤى مهمة حول مدى اختصاص المحكمة وحدود سلطتها.

وقدم تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت؛ ورئيس الجناح العسكري لـ«حماس» محمد الضيف، الذي قد يكون ما زال على قيد الحياة.

لماذا تدعي المحكمة الاختصاص في هذه القضية؟

لقد انضمت أكثر من 120 دولة إلى معاهدة دولية، وهي نظام روما الأساسي، وهي أعضاء في المحكمة. تأسست المحكمة، التي يقع مقرها في لاهاي في هولندا، منذ أكثر من عقدين من الزمان لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجريمة العدوان.

واتهمت المحكمة نتنياهو وغالانت باستخدام التجويع كسلاح حرب، من بين تهم أخرى، في الصراع مع «حماس» في غزة.

واتهمت المحكمة محمد الضيف، أحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والعنف الجنسي واحتجاز الرهائن.

لا تعترف الدول القوية، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والصين، بسلطة المحكمة. ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا تحترم المذكرات الدولية الصادرة عن المحكمة ولن تسلم مواطنيها للمحاكمة.

لا إسرائيل ولا فلسطين عضوان في المحكمة. ولكن في حين لا تعترف العديد من الدول بدولة فلسطين، فقد فعلت المحكمة ذلك منذ عام 2015، عندما وقع قادة السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على جزء كبير من الضفة الغربية.

وعلى الرغم من سيطرة «حماس» على غزة منذ عام 2007 ولا تعترف الجماعة المسلحة بخضوعها لدولة فلسطينية، فقد قضت المحكمة بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وقال ديفيد شيفر، السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيسي في النظام الأساسي الذي أنشأ المحكمة: «أود أن أزعم أن هذا يجعل تصرفات (حماس) أكثر عرضة للمحكمة الجنائية الدولية. إن السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لا تقتصر على (حماس) فقط، بل إن (حماس) أثبتت دورها كسلطة حاكمة لذلك الجزء من دولة فلسطين، وبالتالي فإن هذه السلطة تحمل المسؤولية، بما في ذلك ارتكاب جرائم فظيعة».

ومن الأهمية بمكان بالنسبة لسلطة المحكمة أن اختصاصها يمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء. ويمنح نظام روما الأساسي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سلطة إحالة جرائم الفظائع المرتكبة في أي دولة -عضو في المحكمة الدولية أم لا- إلى الهيئة القانونية للتحقيق.

وقد أحال مجلس الأمن السودان إلى المحكمة في عام 2005 بشأن الوضع الإنساني في دارفور، وأحال ليبيا في عام 2011 رغم أن كلتا الدولتين ليست عضواً في المحكمة.

وقال الخبراء إنه نظراً للتوترات الحالية بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، فمن غير المرجح أن يحيل المجلس بالإجماع فرداً إلى المحكمة للمحاكمة في أي وقت قريب.

وأشار شفير إلى أنه «نظراً للطبيعة غير الوظيفية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، فمن غير المرجح أن تنجو أي إحالة مقترحة لأي حالة معينة في العالم من الفيتو».

هل سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء؟

بالفعل، سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء، فروسيا ليست عضواً في المحكمة، ولكن في عام 2023 أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن غزو موسكو الكامل لأوكرانيا، التي لم تصبح عضواً بعد ولكنها منحت المحكمة الاختصاص ودعتها للتحقيق.

كما أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عمر حسن البشير، الرئيس السابق للسودان، والعقيد معمر القذافي، الزعيم السابق لليبيا. ولا تتمتع أي من الدولتين بعضوية المحكمة.

في عام 2017، بدأ المدعي العام للمحكمة التحقيق في مزاعم جرائم الحرب في أفغانستان، بما في ذلك أي جرائم ربما ارتكبها الأميركيون. ورداً على ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة في ذلك الوقت، وألغت تأشيرة دخولها. وأسقطت المحكمة تحقيقاتها في وقت لاحق.

هل يمكن للمحكمة إنفاذ أوامر الاعتقال؟

في حين أن نطاق المحكمة قد يكون عالمياً تقريباً من الناحية النظرية، فإن قوتها في نهاية المطاف في أيدي أعضائها.

لا يمكن للمحكمة محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم غيابياً وليس لديها آلية لمحاكمة المتهمين. إنها تعتمد على الدول الأعضاء للعمل كجهات منفذة واحتجاز المشتبه بهم قبل أن يتمكنوا من المثول للمحاكمة في لاهاي. ومع ذلك، لا تلتزم جميع الدول الأعضاء بالاتفاق.

قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، إنه دعا نتنياهو لزيارة بلاده، وهي عضو في المحكمة، وأنه سيتجاهل التزامه الرسمي بالتصرف بناءً على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة.

في سبتمبر (أيلول)، زار بوتين منغوليا، وهي عضو آخر، من دون أن يتم القبض عليه.

وزار البشير جنوب أفريقيا، وهي أيضاً عضو، لحضور قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2015.