مستشار شيراك: المبادرات الإنسانية لا تشكل سياسة

موريس غوردو مونتاني يحذّر مما سيكتشفه العالم بعد أن يصير الدخول إلى قطاع غزة متاحاً

موريس غوردو مونتاني يحذّر مما سيجده العالم تحت ركام غزة (أ.ف.ب)
موريس غوردو مونتاني يحذّر مما سيجده العالم تحت ركام غزة (أ.ف.ب)
TT

مستشار شيراك: المبادرات الإنسانية لا تشكل سياسة

موريس غوردو مونتاني يحذّر مما سيجده العالم تحت ركام غزة (أ.ف.ب)
موريس غوردو مونتاني يحذّر مما سيجده العالم تحت ركام غزة (أ.ف.ب)

موريس غوردو مونتاني، الذي أجرت «الشرق الأوسط» مقابلة حصرية معه، دبلوماسي من خامة استثنائية بالنظر لمساره كسفير في عواصم رئيسية مثل لندن وبرلين وطوكيو وبكين، ولكونه كان لخمس سنوات المستشار الدبلوماسي الرئيسي للرئيس جاك شيراك خلال عهده الثاني.

وقبلها، كان مدير مكتب رئيس الحكومة ألان جوبيه وأنهى حياته الدبلوماسية أميناً عاماً لوزارة الخارجية. وقام غوردو مونتاني بمهمات حساسة كلفه بها الرئيس شيراك خصوصاً في الأشهر التي سبقت الحرب الأميركية على العراق عام 2003 وهو يروي تفاصيلها في كتاب الذكريات الذي نشره قبل أشهر قليلة تحت عنوان «الآخرون لا يفكرون مثلنا».

وفيما يلتئم في باريس الخميس مؤتمر إنساني لدعم مدنيي قطاع غزة بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون، اعتبر السفير الفرنسي السابق أن «العمل الإنساني ليس هو العمل الدبلوماسي. العمل الإنساني يسعى لإنقاذ الأرواح والتخفيف من معاناة الناس وإصلاح الأضرار، لكنه ليس السياسة، وفرنسا لا يمكن أن تبقى جانباً».

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، والمواقف التي عبر عنها ماكرون، ثمة أصوات كثيرة تنتقد خطه السياسي الداعم لإسرائيل. وما يؤخذ على باريس أنها، حتى اليوم، ما زالت تدعو إلى «هدنات إنسانية» ولم يصدر عنها مرة واحدة الدعوة لوقف إطلاق النار، بحيث تتماهى سياستها مع السياسة الأميركية.

السفير السابق موريس غوردو مونتاني (يسار) مع الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك (غيتي)

يرى غوردو مونتاني أن تراجع الموقف الفرنسي إزاء ما يحصل في غزة مرده إلى أمرين: الأول: الصعوبات الداخلية الاجتماعية والسياسية التي تواجهها فرنسا وهشاشة نسيجها الداخلي. والثاني: تراجع تأثيرها داخل الاتحاد الأوروبي بسبب الانقسامات الأوروبية، والتحاق دول أوروبا الشرقية بالقطار الأميركي بسبب حرب أوكرانيا، والتباعد مع ألمانيا بالنظر لتاريخها الخاص إزاء ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتأييد برلين المطلق إسرائيل. ونتيجة ذلك، بحسب السفير السابق، أن باريس «تجد نفسها إلى حد ما معزولة داخل الاتحاد الأوروبي»، علماً بأن إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وآيرلندا تنهج خطاً قريباً من المسار الفرنسي. ونتيجة ذلك كله أن فرنسا «لم تتوافر لها القوة للاستمرار في مواقفها التقليدية ودينامية دبلوماسيتها التي ظهرت في عام 2006 (زمن الحرب الإسرائيلية على لبنان)»، كما أنها «لم تعرف أن تستفيد من دينامية الاتفاقات الإبراهيمية التي كان يمكن أن تفيد الفلسطينيين من خلال العمل مع دول قريبة منها مثل المغرب والإمارات العربية المتحدة، ولغرض إطلاق مبادرة تمكّن الفلسطينيين من الحصول على شيء» مقابل التطبيع مع إسرائيل، بحسب غوردو مونتاني.

حركة نزوح من شمال غزة عبر طريق صلاح الدين اليوم الأربعاء (أ.ب)

يؤكد المستشار السابق لشيراك، فيما خص النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، أن «التاريخ لم يبدأ في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)» أي مع الهجمة التي قام بها مقاتلو «حماس» في غلاف غزة، وأن الانقسام الذي نراه على المستوى العالمي في الوقت الحاضر إزاء ما يجري في غزة «يعمّق الهوة بين الغربيين (أميركيين وأوروبيين ومن يلتحق بهم) وبين ما يسمى الجنوب الشامل»، وهي الهوّة التي برزت مع الحرب في أوكرانيا. وبنظره، فإن قيادة العالم وتنظيمه آخذة بالتفلت من أيدي الغربيين لأن الجنوب الشامل يريد أن يخرج من عباءة الغرب.

ولأن الهوة تتعاظم بين الشمال والجنوب، فإن غوردو مونتاني يعتبر أن التركيز اليوم ينصب على رياء الغرب أو «ازدواجية المعايير» في تعامله مع الأزمات، مشيراً بالدرجة الأولى إلى أن الغربيين لم يمارسوا أي ضغوط على إسرائيل لحملها على تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة أو الالتزام بالقواعد الدولية، بعكس ما فعلوه مثلاً مع روسيا عقب إطلاق حملتها العسكرية على أوكرانيا أو ما فعلوه مع العراق زمن الرئيس صدام حسين.

مسجد دمرته الغارات الإسرائيلية في خان يونس اليوم الأربعاء (أ.ب)

ويقول غوردو مونتاني: «لإسرائيل الحق المشروع في الدفاع عن النفس. ولكنها كدولة فإن ثمة واجبات يتعين عليها احترامها والعمل بموجبها. والحال أنه منذ عام 1948، لم تطبق إسرائيل قرارات الأمم المتحدة، ولا أحد يطلب منها بقوة أن تطبقها أو أن يسعى لفرض عقوبات عليها، الأمر الذي يعمّق الهوة التي تحدثنا عنها».

يرى المستشار الرئاسي السابق أن إسرائيل «تمارس سياسة الثأر الأعمى من الشعب الفلسطيني»، ويحذر مما سيكتشفه العالم «من مشاهد مروعة» في قطاع غزة عندما يسمح للصحافة بالدخول إليه، بحيث إن التأثر الكبير ربما من شأنه أن يقود إلى انفجار أوسع في المنطقة.

من هنا، يرى غوردو مونتاني أنه «من الضروري اليوم البدء بالبحث عما سيتعين القيام به في اليوم التالي والنظر في شكل السلطة التي ستدير قطاع غزة». وإذ يؤكد أن الكلمة الأولى يجب أن تكون للفلسطينيين ولدول المنطقة المتأثرة بما هو حاصل في غزة، فإنه لا يستبعد أن تقوم حكومة «تحت رعاية دولية». بيد أنه في الوقت نفسه يدعو لبروز جيل جديد وقيادة جديدة على المستوى الفلسطيني، ويتساءل عن المسار الذي من شأنه إعادة تفعيل طرح حل الدولتين (دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل)، خصوصاً في ظل وجود 700 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس.

ويذكّر غوردو مونتاني بأن انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2006، حيث كان هناك فقط 20 ألف مستوطن، أدى إلى أزمة سياسية في إسرائيل. كما أنه يفلت إلى أن المتدينين الذين يشكلون بيضة القبان في تشكيل الحكومات، يعارضون الانسحاب ويدعون إلى تكثيف الاستيطان. ويشير في هذا الإطار إلى أن اليهود التقليديين (الأرثوذكس) سيشكلون الأكثرية العددية في إسرائيل بعد سنوات، وأن هؤلاء من أنصار ما يُعرف بدولة إسرائيل الكبرى.

النيران تشتعل جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة اليوم الأربعاء (أ.ف.ب)

من هنا، يدعو غوردو مونتاني الذي يشدد على ما يسميه «العزلة الأميركية»، على ضرورة التوصل إلى تعبئة دولية دافعة باتجاه حل الدولتين الذي يرى فيه الحل الوحيد الممكن، والاستفادة من التحولات الجارية حالياً على مستوى العالم وتغيّر موازين القوى حتى إغلاق ملف النزاع العربي - الإسرائيلي الذي بقي حتى اليوم مفتوحاً بسبب الحماية الأميركية الدائمة التي تمتعت بها إسرائيل.

وفي أي حال، يرى الدبلوماسي السابق أن هناك تحولات حتى داخل الولايات المتحدة، ودليله على ذلك ما يجري في الوقت الحاضر داخل صفوف الحزب الديمقراطي من انقسامات بسبب الانحياز الكلي للإدارة الأميركية إلى جانب إسرائيل. كذلك يمكن إضافة ما يجري على صعيد الرأي العام الأميركي والمظاهرات الحاشدة التي عرفتها العاصمة واشنطن مؤخراً.

يبقى ملف إيران. وفي هذا السياق، يذكر غوردو مونتاني بأن إسرائيل والولايات المتحدة هما العدوان اللدودان لإيران، وكل ما يضعفهما يصب في مصلحة إيران الساعية إلى تعزيز مواقعها. إلا أنه أشار إلى أن إيران تعاني من مشكلة أولى هي خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، ومن مشكلة ثانية عنوانها الضعف الذي ألمّ بها بعد ما عرفته من احتجاجات عقب وفاة الشابة مهسا أميني. وبالنظر لهذه الصعوبات التي تضاف إليها الصعوبات الاقتصادية والسياسية، فإن السفير السابق يرى أن إيران «تحذر من الدخول في نزاع مع الولايات المتحدة وتحذر الانزلاق إلى وضع تجد نفسها ضالعة في هذا النزاع». ولذا فإنها تفضّل العمل عن طريق ممارسة الضغوط الخارجية على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة عبر وكلائها في المنطقة، ولكن من دون الانغماس فيها مباشرة.

 


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

مسؤول إسرائيلي يوضّح كيف تسبب نتنياهو في قرار «الجنائية الدولية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

مسؤول إسرائيلي يوضّح كيف تسبب نتنياهو في قرار «الجنائية الدولية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

صرّح مسؤول كبير لهيئة البث العامة الإسرائيلية، اليوم الجمعة، بأن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمرَيْ اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، كان من الممكن تجنبه لو سمح نتنياهو بفتح لجنة تحقيق رسمية في هجوم حركة «حماس» الفلسطينية يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب التي اندلعت بسببه.

وقد رفض نتنياهو دعوات إجراء التحقيق، مدعياً أن مثل هذا التحقيق يجب أن ينتظر إلى ما بعد انتهاء الحرب، مع اتهامات من منتقديه أنه يحاول تجنب المسؤولية عن الفشل الذي حدث خلال الهجوم، وفق ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وأوضح المسؤول الإسرائيلي الكبير، الذي لم يتم الكشف عن هويته، أن «الإجراءات التي تقررها المحاكم الدولية يتم اتخاذها ضد دول ليس لديها قضاء مستقل قادر على التحقيق بنفسه. وكان من شأن لجنة تحقيق أن تثبت أن إسرائيل مستعدة للقيام بذلك».

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت والقائد العسكري في حركة «حماس» الفلسطينية إبراهيم المصري المعروف باسم محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحرب الدائرة بقطاع غزة.