باريس تمتنع عن إدانة استهداف إسرائيل للمدنيين في غزة

وزيرة الخارجية كاترين كولونا في زيارة لقطر والإمارات يوم الأحد

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوزبكستان يزور ضريح تيمورلنك في سمرقند يوم 2 نوفمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوزبكستان يزور ضريح تيمورلنك في سمرقند يوم 2 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

باريس تمتنع عن إدانة استهداف إسرائيل للمدنيين في غزة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوزبكستان يزور ضريح تيمورلنك في سمرقند يوم 2 نوفمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوزبكستان يزور ضريح تيمورلنك في سمرقند يوم 2 نوفمبر (أ.ف.ب)

اكتفت فرنسا بالإعراب عن «قلقها العميق» إزاء حصيلة الضربات الإسرائيلية الثقيلة التي أصابت المدنيين في مخيم جباليا الأربعاء. وعبَّرت باريس، في بيان صدر عن وزارة الخارجية، عن «تعاطفها» مع الضحايا مذكّرةً بما ينص عليه القانون الدولي الذي «ينطبق على الجميع»؛ من «واجب حماية المدنيين». وكرَّرت باريس دعوتها من أجل «هدنة إنسانية فورية» تمكّن من إيصال المساعدات للمحتاجين إليها بشكل «مستدام، آمن وكافٍ».

لكن فرنسا، على غرار الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، لم تذهب أبعد من التعبير عن القلق، فلم تصدر عنها أي إدانة لأعمال القصف الجوي والبري والبحري التي تنصبّ على غزة، منذ الثامن من الشهر الماضي، خصوصاً أنها ما زالت عند المطالبة بهدنة إنسانية، ولم تصل بعد إلى المطالبة بوقف إطلاق النار.

وما زالت باريس حريصة على عدم توجيه الانتقادات العلنية لما تقوم به إسرائيل في غزة، وأعربت عن «التضامن» معها. هي ترى أن لها الحقّ في الدفاع عن النفس، مع الحرص على احترام القانون الدولي الإنساني وتجنُّب المدنيين.

رجل يحمل سطل مياه وسط أبنية مهدمة بفعل الضربات الإسرائيلية المتواصلة في غزة (أ.ف.ب)

فداحة الخسائر الإنسانية

والحال أن محصلة 27 يوماً من القصف الإسرائيلي تبين فداحة الخسائر الإنسانية (أكثر من 8 آلاف قتيل، نصفهم من الأطفال، وأكثر من 20 ألف جريح، بحسب منظمة أطباء بلا حدود)، فضلاً عن تهديم مناطق كاملة في غزة، وتهجير ما لا يقل عن مليون شخص من شمال القطاع إلى جنوبه، واستهداف النازحين؛ سواء خلال تنقلهم أو في المناطق التي لجأوا إليها. وعدَّت المفوضية العليا لحقوق الإنسان الأربعاء أن عمليات القصف الإسرائيلية «يمكن أن تشكل جرائم حرب، نظراً للأعداد المرتفعة من الضحايا المدنية واتساع نطاق التدمير».

وترى مصادر سياسية فرنسية أن امتناع باريس عن الذهاب أبعد مما ذهبت إليه في التعاطي مع ما يجري في غزة مرده إلى 3 أمور: الأول الضغوط الداخلية التي تتعرض لها السلطات الفرنسية من اليمين التقليدي واليمين المتطرف والأوساط اليهودية الفرنسية وتلك الموالية لإسرائيل ومن الوسط الإعلامي، وكلها تدفع باتجاه الامتناع عن انتقاد ما تقوم به إسرائيل في غزة، بل غضّ النظر عن ذلك. وذهبت الأمور إلى حد أن المثقفة والكاتبة الفرنسية كارولين فوريست لم تتردد، في حديث تلفزيوني، يوم الاثنين الماضي، في التأكيد أنه «لا تجوز المقارنة» بين الأطفال الذين قتلتهم «حماس» في محيط غزة يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) والأطفال الذين تقتلهم الهجمات الإسرائيلية.

جندي إسرائيلي فوق دبابة يتمركز عند حدود غلاف قطاع غزة في وضع استعداد للهجوم (أ.ف.ب)

مناصرة إسرائيل

وبشكل عام، ثمَّة توجه إعلامي مناصر لإسرائيل، وهو يظهر في كيفية عرض الأخبار ونوعية الضيوف على قنوات التلفزة والإذاعات والصحف المكتوبة. وكان رد ماكرون على فوريست أن «كل الحيوات تتساوى»، وأن مدنيي غزة «ليست لهم علاقة بالهجمات الإرهابية»، وأنه يتعين على إسرائيل «استهداف ومعاقبة المجموعات الإرهابية، ولا يتعين استهداف المدنيين». وكان ماكرون يتحدث إلى طلاب في أستانة، بمناسبة زيارته لـكازاخستان.

يكمن العامل الثاني في الانقسامات الداخلية الأوروبية، حيث عجز قادة الاتحاد الأوروبي، حتى اليوم، عن تخطي الدعوة إلى «هدنات إنسانية متكررة» توصلوا إليها في قمتهم، يوم 25 الشهر الماضي، وهو ما يمكن تسميته موقف «الحد الأدنى». ولا تريد باريس أن «تغرد خارج السرب».

والعامل الثالث «والأهم»، وفق المصادر المشار إليها، يتعين البحث عنه في الموقف الأميركي الذي يحاكي ما تريده إسرائيل، والذي يرى أن وقف النار «ليس الموقف الصحيح»، بحسب ما جاء على لسان جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي، أمس، أو الذي عبَّر عنه وزير الخارجية أنطوني بلينكن الذي «وافق» على «عدم الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة إلى أن تتوقف (حماس) عن تشكيل خطر على إسرائيل». وسبق للرئيس بايدن أن عدّ أن وقف النار «سيفيد (حماس)»، وهو ما يروّج له رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ما زال يرفض العمل بالهدنات الإنسانية من أي نوع كان، رغم دعوات الحد الأدنى الصادرة عن المجتمع الدولي.

رجل يقود سيارة مدمّرة في شارع دمره القصف الإسرائيلي في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تصاعد العداء لفرنسا

حقيقة الأمر أن كثيرين في فرنسا وخارجها يبدون «خائبين» من السياسة التي تسير عليها الحكومة الفرنسية. وتفيد مصادر واسعة الاطلاع في باريس بأن ما تتلقاه الخارجية الفرنسية من رسائل من سفرائها لدى الدول العربية وغير العربية يشير إلى تصاعد الشعور المعادي لفرنسا، حيث إن النظرة العامة ترى أن سياستها «موالية إسرائيل» بشكل عام. ومن النتائج المباشرة لهذه المقاربة أن العراق أعلن تأجيل «مؤتمر بغداد للاستقرار الإقليمي» الذي كان يُفترض أن يحصل، نهاية الشهر الحالي. وقال فرهاد علاء الدين، مستشار الرئيس العراقي للعلاقات الخارجية، الخميس، إن مؤتمر بغداد 2023 للتكامل الاقتصادي والاستقرار الإقليمي في نسخته الثالثة «أُرجئ حتى إشعار آخر، على خلفية الأحداث الإقليمية، لا سيما ما يحصل في فلسطين»، وذلك لغرض «تركيز جهود العراق للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ومساعدة الشعب الفلسطيني». غير أن السبب الحقيقي يكمن، وفق ما جاءت به صحيفة «لو فيغارو» التي كانت أول مَن كشف الخبر، يعود لتردد رئيس الحكومة العراقية في استضافة المؤتمر واستقبال ماكرون، بينما تُعد سياسة فرنسا متحيزة لإسرائيل. وبحسب الصحيفة نفسها، فإن «الإليزيه» لا يزال «يراهن» على إمكانية زيارة ماكرون لبغداد بشكل ثنائي وبعيداً عن القمة. بيد أنه لا شيء مؤكد حتى اليوم، وتبقى الأمور مرهونة بتطورات حرب غزة.

وزيرة الخارجية كاترين كولونا مع نظيرها الإيطالي خلال مؤتمر صحافي في 31 أكتوبر (د.ب.أ)

زيارة قطر والإمارات

وقالت الخارجية الفرنسية، في بيان، يوم الخميس، إن الوزيرة كاترين كولونا ستقوم، يوم الأحد المقبل، بزيارة لقطر والإمارات العربية المتحدة، وذلك لبحث تطورات «النزاع بين إسرائيل و(حماس) والوضع الإقليمي» مع نظيريها القطري والإماراتي. وأضاف بيان الخارجية أن زيارة كولونا «تندرج في إطار التعاون الوثيق بين فرنسا وشركائها الرئيسيين في الشرقين الأدنى والأوسط»، وأن الهدف منها «التوصل إلى هدنة إنسانية فورية، مستدامة ومدعومة و(العمل على) تنظيم الاستجابة الإنسانية لصالح المدنيين في غزة ومن أجل تجنُّب تمدد الحرب، ومن أجل تعيين الوسائل التي تمكّن من إطلاق دينامية (سياسية) تفضي إلى تسوية دائمة وعادلة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على قاعدة حل الدولتين».

وختم البيان بالإشارة إلى أن الحل المذكور هو «الشرط الضروري للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وهو هدف تتقاسمه فرنسا مع شركائها الإقليميين».


مقالات ذات صلة

إردوغان: تركيا جاهزة للمساعدة في وقف إطلاق النار في غزة بكل الطرق

المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متحدثاً خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الأربعاء (الرئاسة التركية)

إردوغان: تركيا جاهزة للمساعدة في وقف إطلاق النار في غزة بكل الطرق

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استعداد بلاده للمساعدة بأي طريقة ممكنة للتوصل لوقف إطلاق نار دائم في غزة، كما عبَّر عن ترحيبها باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز) play-circle 00:50

ميقاتي: متمسكون بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأربعاء، التمسك بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تصاعد دخان كثيف وألسنة لهب جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى في الطيونة ببيروت الاثنين 25 نوفمبر 2024 (أ.ب)

واشنطن وباريس: محادثات وقف النار في لبنان حققت تقدماً كبيراً

قال البيت الأبيض، الاثنين، إن المناقشات التي أجرتها الحكومة الأميركية بشأن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل إيجابية، وتمضي في الاتجاه الصحيح.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الجيش الأميركي يعلن استهداف مخزن أسلحة لفصائل موالية لإيران في سوريا

قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا (رويترز)
قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا (رويترز)
TT

الجيش الأميركي يعلن استهداف مخزن أسلحة لفصائل موالية لإيران في سوريا

قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا (رويترز)
قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا (رويترز)

أعلنت القيادة المركزية الأميركية، أنها شنت الثلاثاء ضربة على مخزن أسلحة في سوريا، رداً على هجوم نفذته جماعة مدعومة من إيران استهدف قوات أميركية تشارك في عمليات مكافحة تنظيم «داعش» في سوريا.

واستهدفت الضربة منشأة تخزين أسلحة بهدف «إضعاف» قدرة الميليشيات المدعومة من إيران على «التخطيط وشن هجمات مستقبلية» ضد القوات الأميركية وقوات التحالف في المنطقة.

وقال قائد القيادة المركزية الأميركية، مايكل كوريلا: «كما ذكرنا سابقاً، لن نتسامح مع أي هجمات على أفرادنا وشركائنا في التحالف. نحن ملتزمون باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان حمايتهم».

وأضافت القيادة المركزية أنها لا تعتقد أن الضربة تسببت في وقوع أي خسائر بين المدنيين، لكنها أوضحت أن تقييم الأضرار لا يزال جارياً، وأنه سيتم تقديم تحديثات عند توفرها.