حرب غزة... فرنسا لم تقدّم «دعماً غير مشروط» لإسرائيل

باريس ترى أن الهدنة الإنسانية لا تتحقق بعصا سحرية

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا في باريس يوم الثلاثاء (إ.ب.أ)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا في باريس يوم الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

حرب غزة... فرنسا لم تقدّم «دعماً غير مشروط» لإسرائيل

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا في باريس يوم الثلاثاء (إ.ب.أ)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا في باريس يوم الثلاثاء (إ.ب.أ)

منذ اندلاع حرب غزة، يحرص المسؤولون الفرنسيون، بدءاً بالرئيس إيمانويل ماكرون، على حماية فرنسا من تبعاتها على الداخل بالنظر لاحتضانها أكبر جاليتين عربية -ـ إسلامية ويهودية في أوروبا، وعلى العمل من أجل وحدة الداخل والابتعاد عن الانقسامات السياسية. إلا أنه سريعاً جداً، تبيّن أن تداعيات حرب غزة وصلت إلى فرنسا وأحدثت فيها انقسامات عامودية بين يمين ويسار، وداخل كل معسكر. كذلك، فإن المواقف الرسمية التي عبّر عنها ماكرون، قبل وخلال جولة اليومين التي قام بها إلى الشرق الأوسط بداية الأسبوع الماضي، تعرضت لانتقادات حادة؛ من اليسار من جهة، ومن أصوات داخل أحزاب الأكثرية الداعمة للعهد والحكومة من جهة ثانية. كذلك، فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، وتحديداً وزارة الداخلية، أمرت بمنع المظاهرات الداعمة للفلسطينيين على كامل الأراضي الفرنسية بحجج أثارت بدورها انتقادات قوية فيما غالبية الإعلام الفرنسي، خصوصاً المرئي والمسموع باستثناء قلة قليلة، كشف عن تبنيه النظرة الإسرائيلية، لا بل إن بعضها تحوّل إلى بوق للدعاية الإسرائيلية. وأدى رفض السماح لمظاهرة يوم السبت الماضي في العاصمة الفرنسية بحجة الخوف من الإخلال بالنظام العام، ورفض الالتماس الذي تقدم به الداعون إليها لدى المحكمة، إلى موجة من الانتقادات الحادة ضد الإجراءات الحكومية.

ولم يسلم ماكرون من اتهامات بالتحيّز لإسرائيل والتخلي عن سياسة فرنسا التقليدية المتوازنة إزاء النزاع في الشرق الأوسط، وعدم الاهتمام بهذا الملف منذ وصوله إلى الرئاسة في ربيع عام 2017. ولم تتردد الصحافة الفرنسية في اتهامه بتبني الرؤية الأميركية التي كانت تعتبر أن «تطبيع» العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية من خلال الاتفاق الإبراهيمي «يعني دفع ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى الثلاجة، وأن التسوية القائمة على حل الدولتين أصبحت من الماضي». وظهرت في الصحافة الفرنسية تحليلات وقراءات تضع الإصبع على تراجع التأثير الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط، وتصوّب على مقترح ماكرون في تل أبيب القائل ببناء «تحالف إقليمي - دولي» لمحاربة «حماس»، وامتناعه عن الإشارة ولو لمرة واحدة إلى ضرورة التوصل إلى هدنة في الكلمة التي ألقاها للصحافة، وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

مظاهرة لمسلمين هنود الثلاثاء في مدينة شيناي دعماً للفلسطينيين في غزة (إ.ب.أ)

إزاء هذه الصورة المتسمة بالسلبية، سعى مصدر رسمي فرنسي إلى «تصحيحها» من خلال التركيز على الأولويات التي سعى ماكرون إلى تحقيقها، ومن خلال أداء الدبلوماسية الفرنسية، سواء أكان في إطار الاتحاد الأوروبي أم في الأمم المتحدة، أم من خلال الاتصالات الثنائية. ركز المصدر في البداية على أن الدعم الفرنسي لإسرائيل، عقب هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الذي وصفته باريس، كما غيرها من العواصم الغربية، بـ«الإرهابي»، كان في سياق التأكيد على «الحق المشروع في الدفاع عن النفس»، و«لم يكن أبداً دعماً غير مشروط». بيد أن رئيسة البرلمان الفرنسي، يائيل براون - بيفيه، فاتها التذكير، خلال زيارتها لإسرائيل مع وفد صغير من النواب، بهذه المبادئ، ولم تشر إلى أن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون «وفق القانون الدولي الإنساني»، وأن يحرص على «حماية المدنيين». وإذا كان ماكرون قد وافق على أن يكون رد إسرائيل على «حماس» بـ«لا هوادة»، فإنه شدد على ضرورة أن يكون «ضمن القواعد»؛ أي أن يحترم «قانون الحرب»، ويتيح وصول المساعدات الإنسانية، وألا يستهدف المدنيين. وإذا لم يطالب ماكرون في تل أبيب، علناً، بهدنة إنسانية ولا بوقف لإطلاق النار، فإنه نقل هذه الرسالة إلى كل من التقاهم هناك، وقال لنتنياهو: «نحن نريد هدنة إنسانية»، بحسب ما قال المصدر الدبلوماسي.

وحرص المصدر الفرنسي على التذكير بأن فرنسا كانت «أول بلد غربي دعا إلى هدنة إنسانية» على لسان الرئيس ماكرون، وأنها كانت «الدولة الغربية الوحيدة التي صوتت لصالح المشروع البرازيلي في مجلس الأمن الدولي الذي أطاح به الفيتو الأميركي»، كما أنها صوتت لصالح مشروع القرار الذي طرحه الأردن في الجمعية العامة، فضلاً عن أنها كانت ناشطة في دفع الأوروبيين، بمناسبة قمتهم الأخيرة في بروكسل، إلى قبول الدعوة لـ«هدنات إنسانية» تُمكن من إيصال المساعدات إلى المدنيين في غزة. ولفت المصدر الفرنسي أيضاً إلى أن باريس تعمل على المستوى الدبلوماسي من أجل حصول هذه الهدنة بحيث لا تبقى حبراً على ورق، إلا أنها تعترف سلفاً بصعوبة تحقيقها؛ نظراً لأنها لا يمكن أن تحصل «بعصا سحرية».

بيد أن ما يؤخذ على فرنسا أنها، حتى اليوم، لم تدع إلى وقف لإطلاق النار، وأنه لم يصدر عنها أي بيان إدانة لما يقوم به الجيش الإسرائيلي من عمليات قصف جوي وبري وبحري منذ 23 يوماً في غزة، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا. وإذا كانت نقطة الانطلاق بالنسبة إليها أن الهدنة الإنسانية يمكن أن تقود إلى وقف لإطلاق النار، فلا الهدنة تحققت ولا وقف إطلاق النار على جدول الغربيين. ومرة أخرى، رفضت واشنطن وقف إطلاق النار متبنّية الموقف الإسرائيلي الرافض؛ لأن «حماس» ستكون «الطرف المستفيد». وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي إن بلاده «لا تؤيد دعوات وقف إطلاق النار»، وأن جل ما تؤيده «هدن مؤقتة» لإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية، وتوفير ممر آمن للخروج من غزة.

فلسطينيون يجلسون فوق ركام منزل صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» الذي دمرته إسرائيل في الضفة الغربية اليوم الثلاثاء (إ.ب.أ)

لا تعرف باريس كيف ومتى يمكن أن تنتهي الحرب الدائرة اليوم التي لا تريد أن تتحول إلى حرب إقليمية. لذا، فإنها «توجه الرسائل» إلى الأطراف المعنية، وأولها لبنان الذي يزوره، الأربعاء، وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو. وتعي باريس هشاشة لبنان، وسبق لوزيرة الخارجية كاترين كولونا أن زارته في 16 أكتوبر، ونقلت إلى رئيسي الحكومة ومجلس النواب «رسالة قوية» حول ضرورة ألا تشتعل جبهة الجنوب؛ لأن الثمن الذي سيدفعه لبنان سيكون «ثقيلاً». وبحسب القراءة الفرنسية، فإن «السيناريو الأسوأ ممكن، ولكنه ليس الوحيد المطروح على الطاولة»، وثمة «عوامل كثيرة مؤثرة» ليس أقلها قوة الردع الأميركية في البحر المتوسط وإعادة إيران النظر بحساباتها. وتنبه باريس من «خطأ في التقديرات والتفسيرات» من الجانبين ما من شأنه أن يدفع إلى التصعيد والحرب المفتوحة.

غير أن ما تريد باريس العمل لأجله هو العودة إلى الأساسيات أي إلى الحل السياسي الذي سيكون وحده الضمانة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وتعد المصادر الفرنسية أن ما حصل في 7 أكتوبر هو «صدمة كبرى للإسرائيليين الذين يتعين عليهم أن يعوا أن الحل الأمني قد سقط»، وأن الحواجز الإلكترونية الفاصلة «خيارات فاشلة». من هنا يمكن فهم تشديد ماكرون في محطاته الأربع في المنطقة على ضرورة العودة إلى حل الدولتين الذي تم تغييبه منذ عام 2014. وتؤكد المصادر الفرنسية ضرورة العودة لـ«بناء أفق سياسي وإعادة إطلاق دينامية سياسية»، تريد باريس أن تساهم فيها. وتنبه باريس إلى أن غزة «يجب أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية»، وأن الحل «يجب أن يوفر الأمن لإسرائيل وللفلسطينيين على السواء». لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الاستفاقة لحل الدولتين ستبقى مطروحة بعد أن تضع الحرب أوزارها أم أن جهود السلام ستجهض مجدداً كما أجهضت خلال ثلاثين عاماً على أيدي إسرائيل وبتواطؤ أميركي وغربي؟


مقالات ذات صلة

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الخليج الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

أكدت السعودية وبريطانيا ضرورة خفض التصعيد الإقليمي، والالتزام بالمعايير الدولية، وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مبنى مدمر نتيجة القصف الإسرائيلي في محيط مخيم النصيرات (أ.ف.ب)

مقتل 25 شخصاً وإصابة العشرات في غارة إسرائيلية بوسط غزة

قال مسعفون فلسطينيون، الخميس، إن 25 شخصاً لقوا حتفهم وأصيب عشرات آخرون جراء غارة إسرائيلية على مبنى بوسط غزة، مع إصابة 40 آخرين معظمهم أطفال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)

السعودية تطالب بوقف النار في غزة ودعم «الأونروا»

طالَبت السعودية، الخميس، بإنهاء إطلاق النار في قطاع غزة، والترحيب بوقفه في لبنان، معبرةً عن إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي من وقائع المؤتمر الصحافي لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في تل أبيب (إ.ب.أ)

مستشار الأمن القومي الأميركي: أعتقد أننا قريبون من اتفاق لوقف النار في غزة

يعتقد مستشار الأمن القومي الأميركي أن التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن قد يكون قريباً بعد تحركات من جانب إسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)

غالبية أممية ساحقة تطالب بوقف فوري للنار في غزة

أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة الوقف الفوري للنار في غزة مؤكدة على دعم وكالة «الأونروا» وسط اعتراضات أميركية وإسرائيلية.

علي بردى (واشنطن)

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.