ينضم الرئيس الفرنسي يوم الثلاثاء إلى قافلة القادة الغربيين الذين زاروا إسرائيل للتعبير عن دعمهم إياها منذ بداية الحرب، وسيجتمع إيمانويل ماكرون في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما سيلتقي بالعائلات الفرنسية التي طالتها العملية الواسعة التي قامت بها «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول). وتفيد معلومات وزارة الخارجية الفرنسية بأن 28 فرنسياً وفرنسية قُتلوا خلال الهجمات، وما زال مصير 7 فرنسيين آخرين مجهولاً، ويُعتقد أنهم رهائن لدى حركة «حماس»، بينما تأكد وجود فتاة فرنسية ظهرت من خلال فيديو، الأسبوع الماضي، رهينة لدى الحركة.
وكان نتنياهو قد استبق إعلان قصر الإليزيه عن الزيارة الرئاسية التي كان حصولها موضع تداول على أعلى المستويات منذ أيام عدة. وأشار ماكرون شخصياً إلى رغبته في زيارة إسرائيل مرتين على الأقل، وقال قبل يومين لمجموعة من الصحافيين، إنه سيقوم بالزيارة «في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة»، لكنه ربط حدوثها بقدرته على تحقيق «أمور مفيدة» على صعيد نزع فتيل التوتر أو تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وأشار ماكرون إلى أنه سيحاول «الحصول على عناصر مفيدة للمنطقة من جانب إسرائيل والدول المجاورة، والتي ستجعل من الممكن إقامة سلام دائم، أي البحث عن العناصر التي ستضمن أمن إسرائيل ومواجهة الجماعات الإرهابية، والتي ستحول دون تصعيد الصراع، وستسمح باستئناف العملية السياسية».
ويريد ماكرون، وفق ما تؤكده مصادر واسعة الاطلاع ألا تقتصر زيارته على إسرائيل بحثاً عن «التوازن» في التعاطي مع النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي ورغبته في لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في إحدى العاصمتين العربيتين عمان أو القاهرة. لكن قصر الإليزيه لم يكن قد كشف عن هذا الجانب من الزيارة.
زيارة رئيسة البرلمان لتل أبيب
وتأتي زيارة ماكرون عقب تلك التي قامت بها رئيسة البرلمان الفرنسي إلى تل أبيب يوم الأحد، وقد أثارت جدلاً في فرنسا بسبب ما عُدَّ «تحيزاً» فاضحاً للجانب الإسرائيلي. وكانت يائيل براون ــ بيفيه قد عبّرت عن دعم «مطلق لإسرائيل»، وأكدت أن «لا شيء يتعين أن يمنعها» عن الدفاع عن نفسها، الأمر الذي عُدَّ ابتعاداً عن الخط الرسمي الفرنسي والأوروبي الذي يدعو إسرائيل إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والامتناع عن استهداف المدنيين.
وفُهم كلام رئيسة البرلمان على أنه إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار في عملياتها العسكرية إلى أمد غير مسمى بغضّ النظر عن الضحايا المدنيين، وغالبيتهم من الأطفال والنساء، والذين قارب عددهم 5 آلاف. وسعت براون ــ بيفيه، صباح يوم الاثنين، في حديث لإذاعة «فرانس أنتير» إلى «تعديل» موقفها بأن أشارت إلى الحاجة لوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وحماية المدنيين.
وجاءت أقسى الانتقادات من جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق و«زعيم» حزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتشدد الذي نقل صورة للمظاهرة الداعمة للفلسطينيين التي حدثت بعد ظهر الأحد في ساحة «لا ريبوبليك»، وضمت ما بين 15 ألفاً و30 ألف شخص، وعلق عليها في تغريدة قائلاً: «هذه هي فرنسا التي نعرفها. وفي الوقت نفسه، فإن براون ــ بيفيه تخيم في تل أبيب لتشجيع الإسرائيليين على ارتكاب المجازر. إنها لا تتكلم باسم الشعب الفرنسي».
تهديد بالمحاسبة
وقال مانويل بومبار، منسق الحركة المتشددة، في السياق نفسه: «إن رئيسة الجمعية الوطنية تقف إلى جانب الجيش الذي يرتكب في الوقت الحالي جرائم حرب». وحذر النائب المذكور براون ــ بيفيه من أنه «سيطلب محاسبتها» في البرلمان في الاجتماع المخصص يوم الاثنين للحرب في غزة.
ولم تقتصر الانتقادات على «فرنسا المتمردة» التي شاركت بقوة في مظاهرة الأحد، إذ انتقد أوليفيه فور، أمين عام الحزب الاشتراكي، براون ــ بيفيه التي أكدت «دعم فرنسا غير المشروط» لإسرائيل. وقال فور إنه يتمنى «إدانة أعمال (حماس) الإرهابية والتضامن مع الشعب الإسرائيلي، ولكن أيضاً إدانة أعمال الثأر العمياء» التي تقوم بها إسرائيل.
ورفض الاشتراكيون وكذلك «الحزب الشيوعي» و«الخضر»، الانضمام إلى رئيسة البرلمان في زيارة إسرائيل، واتهموها باصطحاب نواب من «الصقور»، وهم إريك سيوتي رئيس حزب «الجمهوريون» الذي يطالب بوقف المساعدات المقدمة للفلسطينيين، ومئير حبيب النائب عن فرنسيي الخارج «وفي إسرائيل بالذات» المعروف بتعصبه لإسرائيل، وماتيو لوفيفر رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية ــ الإسرائيلية في البرلمان الفرنسي والمنتمي إلى الحزب الرئاسي «النهضة».
انقسام اليمين واليسار
وبشكل عام، تنقسم فرنسا اليوم إلى قسمين: من جهة، اليمين المؤيد لإسرائيل ومنهم اليمين المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبان، ومن الجهة الأخرى أحزاب اليسار الداعمة بدرجات مختلفة للفلسطينيين، والذين يطالبون الرئيس ماكرون والحكومة بالدعوة إلى هدنة إنسانية أو لوقف إطلاق النار.
بيد أن ماكرون ومعه الحكومة الفرنسية لم يدعوا حتى اليوم إلى هدنة، الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة التي أطاحت بمشروع القرار البرازيلي في مجلس الأمن الدولي. لكن الاختبار الأكبر الذي سيواجهه ماكرون يتمثل في جانبين: الأول، تمكنه من التوصل إلى تحقيق شيء من الأهداف التي ربط بها زيارته والتي فصلها كالتالي: العمل على توفير أمن إسرائيل، وتمكينها من محاربة المجموعات الإرهابية مع دعوتها إلى «رد مستهدف» على «حماس»، وتجنيب المدنيين، وخفض التوتر خصوصاً على جبهة الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، والدفع نحو استعادة المسار السياسي وحل الدولتين.
أما الجانب الثاني فعنوانه المحافظة على الوحدة الداخلية في فرنسا، وتجنب الانقسامات العميقة في بلد يحتضن أكبر جاليتين يهودية وعربية مسلمة في أوروبا. ويبدو اليوم الاستقطاب السياسي الداخلي على أشده، وستكون زيارة ماكرون تحت المجهر، ويريد، في الوقت نفسه التأكيد مجدداً على دعم إسرائيل من غير استثارة مشاعر المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في الداخل، ولكن بالمقابل، إبراز رفضه لتساقط الآلاف من الضحايا الفلسطينيين المدنيين وفتح الباب المغلق أمام تحسين أوضاعهم، واستعادة «الأفق السياسي» المغلق منذ عام 2014.