الإسرائيليون يستقبلون خطاب بايدن بالدموع وشكوك بـ«تصريحاته الودية»

دبلوماسي سابق: لا ينبغي الخطأ فلا يوجد لنا شيك مفتوح لنفعل ما نريد

صورة الرئيس بايدن في المرآة وهو يدلي بتصريحات حول الوضع في إسرائيل مساء الثلاثاء (رويترز)
صورة الرئيس بايدن في المرآة وهو يدلي بتصريحات حول الوضع في إسرائيل مساء الثلاثاء (رويترز)
TT

الإسرائيليون يستقبلون خطاب بايدن بالدموع وشكوك بـ«تصريحاته الودية»

صورة الرئيس بايدن في المرآة وهو يدلي بتصريحات حول الوضع في إسرائيل مساء الثلاثاء (رويترز)
صورة الرئيس بايدن في المرآة وهو يدلي بتصريحات حول الوضع في إسرائيل مساء الثلاثاء (رويترز)

استقبل الإسرائيليون خطاب الرئيس بايدن الليلة (الثلاثاء - الأربعاء)، بالصدمة الإيجابية، معبرين عن شدة الاحتضان والتعاطف، لدرجة أن بعضهم راح يشكك في أهدافه الحقيقية، ويعتقدون أنه يخبئ صدمة أخرى معاكسة لاحقاً، بعد الحرب.

فالتأييد المطلق الذي أبداه لحكومة نتنياهو في الحرب على غزة، وصف على أنه «غير مسبوق في تاريخ السياسة الأميركية». والنقاشات التي جرت في استوديوهات القنوات التلفزيونية، شهدت تأثراً شديداً لدرجة بكاء بعض الصحافيين والخبراء وممثلي أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة، على السواء.

وركز هؤلاء، بشكل خاص على تبني بايدن لجملة كان قد استخدمها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو نفسه، عندما شبه «حماس» بـ«داعش»، وتعابير قال فيها بايدن: «هناك الكثير من العائلات في إسرائيل تنتظر بيأس أنباء عن ذويها»، «(حماس) متعطشة للدم، وأفعالها تشبه ما فعله تنظيم (داعش)»، «نقف إلى جانب إسرائيل وندعمها، وسنلبي لها كل الاحتياجات اللازمة للدفاع عن مواطنيها»، «(حماس) تستخدم المواطنين دروعاً بشرية»، «لإسرائيل كامل الحق في الرد على هجمات (حماس)، وبكل ما تملك من قوة حتى تحقق النصر». «قلت لنتنياهو إن رد إسرائيل يجب أن يكون حاسماً. سنوفر الذخائر والصواريخ للقبة الحديدية؛ للتأكد من بقاء إسرائيل قادرة على الدفاع عن مواطنيها»، و«وجهت بتحرك حاملة الطائرات جيرالد فورد لتدعم وجودنا البحري في المنطقة»، و«قلوبنا مفطورة بحفرة سوداء ولكن عزيمتنا قوية».

جنود الجيش الإسرائيلي قرب ناقلة جند مدرعة في موقع بالقرب من الحدود مع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

بعد دقائق من الخطاب، نشر الجيش الإسرائيلي بياناً، كشف فيه عن وصول أول دفعة من المساعدات الأميركية الحربية، وقال إنها عبارة عن ذخيرة وأسلحة حديثة مفيدة جداً للمعركة الإسرائيلية ضد «حماس». ويبدو أنها قنابل ذكية تستخدم في اختراق الأنفاق القائمة عميقاً تحت الأرض، والتي يعتقد بأن قادة «حماس» يحتمون فيها.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - د.ب.أ)

ثم نشر نتنياهو نفسه بياناً غير مألوف، قال فيه إنه تحدث مع الرئيس بايدن ونائبة الرئيس لمدة 40 دقيقة، قبيل إلقائه الخطاب، وإنه قال له «رجال (حماس) تصرفوا كوحوش وليس كبشر. البربرية التي أبدوها لم تُشهد في التاريخ الحديث منذ المحرقة ضد اليهود في ألمانيا. كانوا أسوأ حتى من (داعش)، وعلينا أن نتعامل معهم على هذا الأساس. لقد ذبحوا مئات الإسرائيليين. عائلات كاملة قتلت في الفراش. اغتصبوا النساء ثم قتلوهن. قيدوا بالأغلال الأطفال ثم أعدموهم. وقطعوا رؤوس الجنود. وقتلوا الشبان والصبايا في حفل راقص». وأضاف نتنياهو: «قلت له، سيدي الرئيس، جو. أريد أن أتقدم لك بالشكر على دعمك المتواصل الذي لا يتزعزع، وعلى كل الدعم الذي تقدمه الإدارة الأميركية».

حصد رصيد سياسي

أراد نتنياهو أن يحصد رصيداً لنفسه، ويظهر أن بايدن تكلم بهذه الطريقة بتأثير من حديثه في المكالمات الثلاث التي أجراها معه منذ يوم السبت.

لكن خصوم نتنياهو السياسيين سارعوا إلى القول إن بايدن تكلم بهذه الطريقة على الرغم من أنه يمقت نتنياهو ورفض لقاءه في الولايات المتحدة طيلة تسعة شهور، ويرفض لقاءه في البيت الأبيض حتى اليوم؛ «لأنه يعتبر نفسه صهيونياً وملتزماً بأمن إسرائيل تاريخياً واستراتيجياً، ويرى في نتنياهو تهديداً للقيم الديمقراطية». وذكروا بأن وزراء ونواباً في حكومة نتنياهو هاجموا بايدن خلال الشهور الأخيرة، واتهموه بتدبير انقلاب عسكري ضد حكومة اليمين.

وحدة مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة على طول الحدود الأربعاء (إ.ب.أ)

وفي اليمين المتطرف، شككوا في نوايا بايدن، وقالوا إن «تصريحاته الودية» هذه تخبئ في طياتها نوايا سيئة للمستقبل. فهو سيمارس ضغوطاً بعد الحرب على نتنياهو، لكي يقدم للفلسطينيين تنازلات كبيرة يمكنها أن تقسم المجتمع الإسرائيلي من جديد، وربما تفكك الائتلاف الحكومي.

وفي اليسار الراديكالي رأوا أن بايدن يدفع إسرائيل إلى مغامرات حربية جنونية، ويظهر تأييداً لها في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية لخدمة مصالح أميركية بعيدة المدى. فهو يجعلها الشرطي الأميركي في المنطقة، ويحافظ عليها كجسم مكروه مربوط من الرقبة بالإرادة الأميركية والدعم الأميركي. يساندها في تدمير قطاع غزة، حتى تكون نموذجاً وعبرة لمن يقف ضد الولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم أجمع. وقد شبّه هؤلاء دعم أميركا لإسرائيل، بالدعم الذي تقدمه إلى أوكرانيا كي تحارب روسيا حتى آخر نقطة دم للأوكرانيين.

تعدد الرسائل

وأما الخبراء المهنيون فاعتبروا هذا الخطاب ذا طابع سياسي استراتيجي، إقليمياً ودولياً، وحتى أميركياً محلياً، وأن بايدن قصد بهذا الخطاب «توجيه عدة رسائل لعدة عناوين»، أولها لجمهور الناخبين الأميركيين، وبالذات لأولئك الذين ما زالوا محتارين بينه وبين دونالد ترمب، وثانيها لكل من إيران وأتباعها مثل «حزب الله»، حتى لا يجرؤوا على الانضمام إلى الحرب ضد إسرائيل.

وقالوا إن الرئيس الأميركي يرى أن هجوم «حماس»، تم بتخطيط إيراني مباشر وبتمويل وتدريب «الحرس الثوري» الإيراني. وتوقيته جاء للتخريب على توسيع «اتفاقيات إبراهيم». والولايات المتحدة تهدد بالتدخل الحربي المباشر، إلى جانب إسرائيل ضد إيران وميليشياتها في المنطقة وحتى ضد سوريا. وهنا برزت الجملة التي أنهى بها بايدن خطابه، عندما قال إن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد «حماس»، هي حرب لمصلحة الأمن الإقليمي والدولي. ولذلك أرسل البارجة الحربية جيرالد فورد وتوابعها وسيرسل سفناً حربية أخرى.

إجلاء جرحى القصف الجوي الإسرائيلي على جباليا قرب مدينة غزة (أ.ب)

أما العنوان الثالث لخطاب بايدن، فهو الجمهور الإسرائيلي، ومفاده أن إدارته تقف لمصلحة إسرائيل، وهي تحارب وتقف لمصلحة إسرائيل أيضاً عندما تنتقد خطة الحكومة الإسرائيلية لإصلاح القضاء، أو عندما تطالبها بإعادة الحياة إلى عملية السلام.

على سبيل المثال، كتب ناحوم برنياع، في مقال افتتاحي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الرئيس الأميركي ذكرنا، أمس (الثلاثاء)، بما كاد ينسينا إياه الرعب والقنوط العاجز منذ صباح السبت: من هاجم إسرائيل هو الشر المطلق. ليسوا مقاتلين أرادوا احتلال هدف ما، وليسوا ثواراً ضد الاحتلال، بل قتلة ربّوهم على السير في أعقاب شهوة الدم للإرهابيين من بيت (داعش)».

وكتب إلون بنكاس، القنصل العام الأسبق في الولايات المتحدة، أن بايدن يقف بشكل حقيقي ومطلق إلى جانب إسرائيل. لكن هذا لا يجب أن يفاجئ أحداً باستثناء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والببغاوات التي تقف على كتفه وتحدثت ضده على مدى أشهر. وتابع أنه في الوقت الذي حرك فيه بايدن المشاعر والقيم، فإن الأشخاص المحيطين به يفحصون المصالح الأميركية والسيناريوهات التي يمكن أن تتطور في الشرق الأوسط.

لكن بنكاس حذر من الوقوع بخطأ التقدير؛ لأنه «لا يوجد لإسرائيل شيك مفتوح للقيام بما تريد»، ففي نهاية الأمر بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، عنده حسابات ومصالح واعتبارات سياسية ومعلومات استخبارية. والأمر الأخير الذي تريده الولايات المتحدة هو الانجرار إلى مواجهة في المنطقة.

وقال إن حتى تدخل بايدن في انقلاب نتنياهو النظامي وفي السياسة في المناطق، فرض على الولايات المتحدة. بين روسيا وأوكرانيا، والتحدي الاستراتيجي الذي تضعه الصين، مشدداً على أن الأمر الأخير الذي تريده واشنطن هو الشرق الأوسط. وأن الدعم الجارف لإسرائيل يمكن أن يتغير في الأسابيع القريبة المقبلة، وهذا خاضع للتطورات في غزة وللعلاقة المباشرة بالتصعيد، سواء بسبب درجة القتل في الهجمات أو بسبب اتساع المواجهات.


مقالات ذات صلة

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

شؤون إقليمية صبي فلسطيني ينقذ دراجة هوائية تالفة من بين أنقاض منزل دُمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة الأحد (الفرنسية)

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

تشير تصريحات إسرائيلية لمسؤولين حاليين وسابقين وحملات لقادة مستوطنين، إلى احتلال طويل لغزة واستئناف الاستيطان، حتى بات ذلك هدفاً غير معلن للحرب لكنه يُنفذ بدقة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي
صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي
TT

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي
صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

ستجري إيران محادثات بشأن برنامجها النووي مع فرنسا، بريطانيا وألمانيا، الجمعة في جنيف، وذلك بعد أسبوع من القرار الذي حركته القوى الثلاثة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وينتقد طهران على عدم تعاونها في الملف النووي.

وأكدت بريطانيا، الأحد أن هذه المحادثات ستتم. وقالت وزارة الخارجية البريطانية «ما زلنا ملتزمين باتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بما في ذلك عبر آلية العودة التلقائية (سناب باك) إذا لزم الأمر».

وينص اتفاق 2015 على بند «سناب باك» لإعادة العقوبات الأممية في حال عدم احترام طهران التزاماتها على الصعيد النووي، مما يسمح بإعادة ست قرارات أممية مجمدة بموجب الاتفاق النووي.

وكانت وكالة «كيودو» اليابانية، أول من أعلن صباح الأحد، نقلاً عن مصادر دبلوماسية إيرانية عدة، أن إيران تعتزم إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، المقبل 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

وقالت «كيودو» إن من المتوقع أن تسعى الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان، إلى التوصل إلى حل للأزمة النووية مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، حسبما أوردت «رويترز».

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في وقت لاحق إن نواب وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية الثلاث سيشاركون في المحادثات، التي قال إنها ستتناول قضايا إقليمية إلى جانب الملف النووي.ولم يذكر بقائي مكان إجراء المحادثات. وطلب متحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية إحالة الأسئلة إلى الدول المذكورة في تقرير كيودو.وأضاف بقائي «سيتم تبادل الآراء... بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية مثل قضيتي فلسطين ولبنان وكذلك القضية النووية».

وسيثمل الجانب الإيراني، نائب وزير الخارجية في الشؤون الدولية، مجيد تخت روانتشي، حسبما أوردت وسائل إعلام إيرانية.

يأتي ذلك بعد أيام من تبني مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قراراً يأمر طهران مجدداً بتحسين التعاون مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة على وجه السرعة.

وطلب القرار من مدير الوكالة الدولية إصدار «تقييم شامل ومحدث بشأن احتمال وجود أو استخدام مواد نووية غير معلنة فيما يخص قضايا عالقة ماضية وحالية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني».

ورفضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والولايات المتحدة التي اقترحت القرار، تحرك إيران في اللحظة الأخيرة لوضع سقف لمخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 في المائة، القريب من درجة صنع الأسلحة، ووصفته بأنه غير كافٍ وغير صادق.

ورداً على القرار، أعلنت طهران عن تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة، من مختلف الطرازات في منشآت تخصيب اليورانيوم، فوردو ونطنز.


تشغيل أجهزة الطرد

قال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، الأحد، إن طهران باشرت تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن قاليباف قوله في مستهل الجلسات الأسبوعية للبرلمان، أن «النهج السياسي غير الواقعي والمدمر الذي تتبناه الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة، أدى إلى إصدار قرار غير مبرر وغير توافقي بشأن البرنامج النووي السلمي لإيران في مجلس المحافظين».

وحصل القرار على تأييد 19 دولة من أصل 35 عضواً في مجلس المحافظين، وامتنعت 12 دولة عن التصويت، وصوتت 3 دول ضد القرار.

وقبل تبنِّي القرار بأيام، زار زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي طهران بهدف حل القضايا العالقة بين الطرفين. وعدت الزيارة إحدى الفرص الدبلوماسية الأخيرة المتاحة قبل عودة ترمب في يناير (كانون الثاني) إلى البيت الأبيض خصوصاً أنه كان مهندس «سياسة الضغوط القصوى» على إيران خلال ولايته الأولى بين عامَي 2017 و2021.

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام مدخل منشأة نطنز في أصفهان (إرنا)

وقال قاليباف: «لقد استخدمت الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة الأنشطة النووية لبلدنا ذريعة لإجراءات غير مشروعة، ما عرّض مصداقية واستقلالية الوكالة للخطر من خلال نقض العهود وانعدام الصدق، وجعلوا الأجواء البناءة التي تم إنشاؤها لتعزيز التفاعل بين إيران والوكالة مشوشة»، وفقاً لوكالة «إيسنا» الحكومية.

وأفادت مصادر دبلوماسية إيرانية لوكالة «كيودو» بأن هذه المحادثات تأتي مع اقتراب تولي إدارة ترمب المعادية لإيران الحكم في يناير المقبل، ما دفع حكومة الإصلاحية بقيادة الرئيس بزشكيان إلى تعزيز الحوار مع الغرب، والسعي إلى التوصل لحل للأزمة النووية قبل تنصيب ترمب.

حل دبلوماسي

أكد مسؤول إيراني كبير أن الاجتماع سيعقد، يوم الجمعة المقبل، مضيفاً أن «طهران تعتقد دائماً أن القضية النووية يجب حلها من خلال الدبلوماسية. إيران لم تنسحب مطلقاً من المحادثات».

وفي عام 2018، انسحبت إدارة ترمب آنذاك من الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 مع 6 قوى كبرى، وأعادت فرض عقوبات قاسية على إيران؛ ما دفع طهران إلى تجاوز الحدود النووية المنصوص عليها في الاتفاق بإجراءات مثل زيادة مخزونات اليورانيوم المخصب ومعالجته إلى درجة نقاء انشطارية أعلى وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة لتسريع الإنتاج، ووقف البروتوكول المحلق بمعاهدة حظر الانتشار النووي.

في بداية عهد الرئيس جو بايدن زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم العالي التخصيب بشكل كبير، ورفعت عتبة التخصيب إلى 60 في المائة، لتقترب بذلك من النسبة للازمة لصنع قنبلة نووية.

وقد حدد الاتفاق النووي مع إيران المعروف رسمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» والذي فشلت مفاوضات في إحيائه في عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند نسبة 3.67 في المائة.

ولم تفلح المحادثات غير المباشرة بين إدارة الرئيس جو بايدن وطهران في محاولة إحياء الاتفاق، لكن ترمب قال في حملته الانتخابية في سبتمبر (أيلول): «علينا أن نبرم اتفاقاً، لأن العواقب غير محتملة. علينا أن نبرم اتفاقاً».

ومع فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أرسل المسؤولون الإيرانيون إشارات متناقضة بشأن رغبة طهران في التواصل مع الإدارة الأميركية، فضلاً عن تحسين العلاقات مع الدول الأوروبية، في محاولة لردع مساعي إدارة ترمب في إحياء الضغوط القصوى.

ترمب يحتفل بانتصاره في الانتخابات الرئاسية (رويترز)

وحض مسؤولون إيرانيون ترمب على اعتماد سياسة جديدة، وحذروا من تجربة نسخة ثانية للضغوط القصوى.

ولم يتضح بعد النهج الذي يسير عليه ترمب، وما إذا سيرد الاعتبار لتوقيعه بالانسحاب من الاتفاق النووي أو يبقي على المسار التفاوضي الذي أطلقه جو بايدن لإحياء الاتفاق.

واختار ترمب ماركو روبيو لشغل حقيبة الخارجية، وهو معروف بعدائه للصين وإيران.

وكان ترمب قد أكد في يوم الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر أنه «لا يسعى إلى إلحاق الضرر بإيران». وقال بعد الإدلاء بصوته: «شروطي سهلة للغاية. لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. أود منهم أن يكونوا دولة ناجحة للغاية».

في وقت سابق من هذا الشهر، نفت إيران «نفياً قاطعاً» ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، الخميس، عن عقد لقاء بين سفيرها لدى الأمم المتحدة ورجل الأعمال إيلون ماسك المقرب من الرئيس الأميركي المنتخب، بهدف «تخفيف التوتر» مع الولايات المتحدة.

وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي تولى منصبه في يوليو (تموز) والمؤيد للحوار مع الدول الغربية، أنه يريد رفع «الشكوك والغموض» حول برنامج بلاده النووي.

«سناب باك»

وقال وزير الخارجية عباس عراقجي، بداية الأسبوع الماضي، إن حكومة مسعود بزشكيان حاولت استئناف المفاوضات في نهاية سبتمبر الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك.

وأعرب عراقجي عن مخاوفه من أن تقدم الدول الأوروبية على تفعيل آلية «سناب باك» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، قبل انتهاء مفعولها في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، مع انقضاء موعد القرار 2231 الذي يتبنى الاتفاق النووي. وأشار عراقجي في جزء من تصريحاته، إلى توقف «مسار مسقط»، في إشارة إلى الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان بين طهران والقوى الغربية بشأن البرنامج النووي منذ سنوات.

وأوضح عراقجي أن «القوى الأوروبية والولايات المتحدة رحبتا بمواصلة المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط العماني... وجرى التعبير عن الرغبة في بدء مسار المفاوضات مع الأوروبيين ومسار مسقط، وكنا مستعدين لبدء المفاوضات، لكن الأحداث في لبنان أدت إلى توقفها. الآن، هناك رغبة من قبل الدول الأوروبية في استئناف المفاوضات، وسنقوم بذلك قريباً». ومع ذلك، قال إن «على الحكومة الأميركية الجديدة أن تقرر، ونحن سنتصرف بناءً على ذلك».

لاحقاً، قال مجيد تخت روانتشي، نائب وزير الخارجية الإيراني، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن طهران «تفضّل المفاوضات، لكنها لا تخضع لاستراتيجية الضغوط القصوى».

وقال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية، كاظم غريب آبادي، الخميس الماضي إن بلاده «ستنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية» إذا قرّرت الدول الغربية إعادة فرض عقوبات أممية على إيران، بموجب تفعيل آلية «سناب باك».

ويحذر محللون إيرانيون من احتمال تعاون ترامب وأوروبا ضد إيران لتخفيف خلافاتهما في قضايا أخرى، مؤكدين أن الترويكا الأوروبية قد تدعم مساعي ترمب لتفعيل آلية «سناب باك»، في ظل التوتر غير المسبوق بين إيران والاتحاد الأوروبي وبريطانيا.