استعرضت القوات المسلحة الإيرانية، اليوم الجمعة، صواريخ باليستية وكروز فرط صوتية، وأنظمة دفاع جوي وطائرات مسيرة، في ذكرى حرب الثمانينات مع العراق، ووجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عدة رسائل بشأن تنامي القوة العسكرية الإيرانية، معتبراً إياها مهمة لتعزيز موقف إيران التفاوضي مع القوى الكبرى، ودعا دول المنطقة إلى التعاون العسكري، في وقت أبدى فيه تمسكاً بـ«التمدد الاستراتيجي» في المنطقة والعالم، ووجه تحذيراً شديد اللهجة بشأن أي تغييرات حدودية في إقليم كاراباخ، وتمسك بنزع أسلحة الأحزاب المعارضة في إقليم كردستان العراق.
وقدم رئيسي روايته عن تأييد الشارع الإيراني لتوسع إيران العسكري، في تأكيد لاستمرار النهج الإيراني. وقال: «ما يجبر الأعداء على التراجع ليس الاستسلام والتنازل إنما الصمود والمقاومة»، لافتاً إلى أن «حضور قواتنا في الخليج (...) والمنطقة، يتسبب في الأمن على خلاف حضور القوات الأجنبية الذي يتسبب في قلق أهل المنطقة»، على حد تعبيره.
وقال أيضاً إن حضور القوات الأجنبية «أكبر مشكلة للمنطقة». وفي رسالته إلى الدول الغربية، قال: «لقد تصوروا أن فرض العقوبات سيوقفنا، لكن قواتنا المسلحة نموذج بارز من تحويل التهديدات إلى فرص».
«الامتداد الاستراتيجي»
ورفع الرئيس الإيراني «شعار الوحدة بين (الحرس الثوري) والباسيج، الوحدة بين الباسيج وقوات إنفاذ القانون (الشرطة)، والوحدة بين القوات المسلحة والشعب الإيراني مع الامتداد الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في المنطقة والعالم».
وتفاخر رئيسي بالقوات المسلحة ووصفها بـ«رأس مال كبير»، وبأنها «ذخر» إيران، شعباً وحكومة، في المفاوضات والمعادلات الإقليمية والدولية. وقرأ الرئيس الإيراني من ورقة يحملها بيده بأن «حضور القوات المسلحة ومعداتها يتضمن قوة الردع مقابل أي مخططات للاعتداء على الأراضي الإيرانية».
وأضاف في السياق نفسه أنه «بسبب حضور القوات المسلحة والناس لم يعد يدور الكلام عن الهجوم على إيران». وأضاف: «هذا الخيار أزيل من أدبيات الأعداء». وكانت هذه التصريحات تكراراً لما قاله المرشد الإيراني منتصف الشهر الماضي، خلال لقاء جمعه بقادة «الحرس الثوري»، حين قال إن «عبارة الخيار العسكري المطروح على الطاولة، أصبحت فاقدة للمعنى».
ومع ذلك، أصر رئيسي على ضرورة حفظ الاستعداد العسكري، قائلاً إن «توجهاً دفاعياً للأمن المستدام والردع سياسة دائمة وعملية»، وتابع: «فشل مشروع العدو لعزل الجمهورية الإسلامية وفشل مشروعه لإحباط الشعب الإيراني، لقد فشل هذان المشروعان للعدو». وعزا ذلك إلى «قوة القوات المسلحة». وقال إن حكومته ملزمة بدعم وحدات القوات المسلحة وتجهيزها.
وبذلك، خلص رئيسي إلى أن بلاده تعرض «الجمهورية الإسلامية» بوصفها نموذجاً من نظام الحكم إلى العالم، وبمقدوره أن «يجمع المعنوية (الدين) مع السياسية، أو يأخذ مكانه في قلوب الناس، ويدافع عنهم ويقف بقوة في وجه الأعداء».
يأتي عرض رئيسي بعد أشهر من مطالبة ميرحسين موسوي، رئيس الوزراء الإيراني السابق، خلال 8 سنوات من الحرب الإيرانية - العراقية، بإقامة استفتاء عام لتقرير مصير نظام الحكم.
«سياسة الجوار»
وأشار رئيسي إلى سياسة «الجوار» التي تتبناها حكومته، وقال: «نحن نؤكد مرة أخرى سياسة الجوار. واحد من مظاهر سياسة الجوار، إلى جانب الاقتصاد والتجارة والعلم والمجالات المختلة، التعاون العسكري والأمني». وأعلن «استعداد القوات المسلحة للتعاون مع كل دول المنطقة على بناء الثقة». وقال إنها «ستشد على يد القوات العسكرية للمنطقة، وبهذا التعاون ستجعل الخليج (...) والمنطقة خالية من حضور القوات الأجنبية، وأن تعلن أن أمن المنطقة ستحافظ عليه القوات العسكرية في المنطقة، حضور الأجانب يتسبب في مشكلات وليس حلها».
تحذيرات
وصعّد رئيسي لهجته عندما قال إن القوات العسكرية الإيرانية مستعدة للتصدي لأي تغيير جيوستراتيجي في المنطقة، وتغيير الحدود، وأشار تحديداً إلى جارتي إيران الشماليتين، أذربيجان، وأرمنستان. وقال: «لا جدل حول عائدية كاراباخ إلى أذربيجان، لكننا نؤكد أن حفظ حقوق الأرمن ضرورة، يجب الحفاظ على أمنهم وحقوقهم في المنطقة، مع الحفاظ على أوضاع الحدود».
وتطرق أيضاً إلى الضغوط التي تمارسها إيران على بغداد وإقليم كردستان بشأن نزع أسلحة الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة. وقال إن «الحكومة العراقية بدأت خطوة إيجابية»، لكنه طالب رئيس الأركان الإيراني محمد باقري الذي كان يقف على يمينه، بأن يرسل وفوداً إلى إقليم كردستان للتأكد من نزع أسلحة الأحزاب الكردية «الانفصالية»، سواء في الحدود مع إيران، أو عمق الإقليم، أو أي مكان آخر.
صواريخ ومسيرات
وبعد نهاية خطاب رئيسي، عرضت القوات المسلحة صواريخ باليستية وصواريخ كروز ومسيرات وأنظمة دفاعية. ومن بين الصواريخ التي حملتها شاحنات مرت أمام منصة يقف عليها رئيسي وقادة القوات المسلحة، صاروخ «فتاح» الذي وصف بأنه أول صاروخ باليستي فرط صوتي، أعلنت إيران عن إنتاجه في يونيو (حزيران) الماضي. ويبلغ مداه 1400. كما عرضت قوات «الحرس الثوري» صاروخ كروز بحرياً باسم «باوه» البالغ مداه 1650 كيلومتر، وأزيح الستار عنه في فبراير (شباط) الماضي.
ولم يحدد «الحرس الثوري» موعداً لدخول الصاروخين «فتاح» الباليستي، وكروز «باوه»، الخدمة.
وأظهرت لقطات فيديو بثها التلفزيون الرسمي أن الطائرة المسيرة «تم الكشف عنها» في العرض الذي تم بثه على الهواء مباشرة، وأن الطائرات المسيرة التي ظهرت خلال الفعالية تحمل أسماء «مهاجر»، و«شاهد 136» و«آرش» الانتحارية حسبما أوردت وكالة «رويترز».
ونشرت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» قائمة طويلة من الأسلحة التي استعرضها وحدات الجيش الإيراني والوحدات الموازية في «الحرس الثوري».
وأعلنت إيران، الشهر الماضي، أنها صنعت طائرة مسيرة متقدمة تحمل اسم «مهاجر - 10» بتحسينات في مدى وفترة التحليق، مع القدرة على نقل حمولة أكبر. وذكرت وسائل إعلام رسمية في ذلك الوقت أن مدى الطائرة يصل إلى ألفي كيلومتر، ويمكنها الطيران لمدة تصل إلى 24 ساعة، مضيفة أن حمولتها يمكن أن تصل إلى 300 كيلوغرام، أي مثلي الحمولة التي يمكن للطائرة المسيرة «مهاجر - 6» نقلها.
وشمل عرض المسيرات، طائرات «شاهد 136» الانتحارية التي تطلق من منصات ثابتة. وتقول إيران إن مداها يصل إلى ألفي كيلومتر، ويبلغ وزنها 200 كيلوغرام. ويبلغ طولها 3.5 متر، وتحمل أجنحة بطول 2.5 متر.
تتهم الولايات المتحدة إيران بإمداد روسيا بطائرات مسيرة من طراز «شاهد 136» و«مهاجر - 6» من بين وحدات جوية أخرى غير مأهولة من أجل الحرب على أوكرانيا. وفرضت واشنطن، يوم الثلاثاء، المزيد من العقوبات المرتبطة بإيران، عازية ذلك إلى نشر طهران «المستمر والمتعمد» للوحدات الجوية غير المأهولة التي تساهم في تمكين روسيا ووكلاء لها في الشرق الأوسط وأطراف أخرى تزعزع الاستقرار.
ورغم الأدلة، تنفي إيران إمداد روسيا بطائرات مسيرة من أجل استخدامها في الحرب في أوكرانيا.
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال العرض العسكري الذي أقيم اليوم في طهران: «تضمن قواتنا الأمن في المنطقة والخليج... يمكننا أن نعلم شعوب المنطقة أن الصمود هو السبيل اليوم. ما يجبر العدو على التراجع ليس الخضوع والتردد، بل المقاومة».
اندلعت الحرب العراقية - الإيرانية في سبتمبر (أيلول) 1980، عندما غزت قوات في عهد الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين إيران بعد أشهر من المناوشات الحدودية المتقطعة والتلاسن بين مسؤولي البلدين.
وانتهى الصراع، الذي كان مدمراً اقتصادياً وخلّف ما لا يقل عن نصف مليون قتيل، إلى طريق مسدود في أغسطس (آب) 1988.