أنجزت الولايات المتحدة وإيران اليوم (الاثنين) "صفقة الأسرى" التي شملت إفراجاً متبادلاً عن سجناء وتحرير أرصدة إيرانية مجمّدة.
وحطت طائرة قطرية في إيران لنقل السجناء الأميركيين الخمسة المشمولين في الصفقة، في وقت أعلن فيه محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين رسمياً وصول الأموال المفرج عنها (ستة مليارات دولار) إلى حسابات بنكية إيرانية محددة. وأضاف أن 6 بنوك إيرانية فتحت حسابات لدى مصرفَين قطريين لإيداع الأموال فيها.
وتمّ الإعلان عن هذا الاتفاق في 10 أغسطس (آب) الماضي. وفي إطاره، نقلت إيران خمسة أميركيين من السجن إلى الإقامة الجبرية في فندق خاضع للحراسة قبل نقلهم إلى قطر للإفراج عنهم. كما يتوجب على الولايات المتحدة الإفراج عن خمسة سجناء إيرانيين. وقال مصدر مطّلع على الملف في الدوحة التي تقود وساطة بين الطرفين، إن «خمسة مواطنين أميركيين تحتجزهم طهران يتم نقلهم إلى طائرة قطرية لمغادرة إيران». وأكد المصدر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ قطر أبلغت «المسؤولين الإيرانيين والأميركيين بأن مبلغ ستة المليارات دولار قد تم تحويله من سويسرا إلى حسابات مصرفية في قطر».
وأتى ذلك بعيد إعراب إيران عن أملها في أن يتم (الاثنين) تنفيذ الصفقة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمر صحافي أسبوعي: «نأمل في أن نلحظ، اليوم، الاستحواذ الكامل على الأصول الإيرانية»، مشيراً إلى أن «تبادل السجناء سيجري في اليوم نفسه».
ومن المقرر أن يحصل التبادل في قطر، التي أسهمت في جهود الوساطة بين البلدين اللذين لا تربط بينهما علاقات دبلوماسية منذ عقود.
وصول رئيسي إلى نيويورك
وفي حال جرى تنفيذ الاتفاق اليوم، سيتزامن تطبيقه مع الوصول المرتقب للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى نيويورك؛ للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال كنعاني: «سيجري الإفراج عن 5 مواطنين إيرانيين مسجونين في الولايات المتحدة»، مقابل 5 أميركيين كانت تحتجزهم إيران جرى نقلهم، الشهر الماضي، من السجن إلى الإقامة الجبرية خارجه في إطار الاتفاق. وأشار المتحدث إلى أنه من بين مواطني طهران الخمسة «سيعود اثنان إلى إيران، وآخر سيذهب إلى بلد ثالث بسبب وجود عائلته فيه، وسيبقى اثنان» في الولايات المتحدة.
غايات «إنسانية»
ومن المُفرَج عنهم رجل الأعمال سياماك نمازي، الذي يُمضي منذ عام 2016 عقوبة بالسجن 10 سنوات؛ لإدانته بتهمة «التجسس» لحساب الولايات المتحدة. وتشمل أيضاً قائمة المفرَج عنهم رجل الأعمال عماد شرقي، المُدان بالسجن 10 أعوام؛ لإدانته بتهمة التجسس، ومراد طهباز الذي يحمل أيضاً الجنسية البريطانية وحُكم عليه بالسجن 10 أعوام أيضاً بتهمة «التآمر مع الولايات المتحدة». وهؤلاء الثلاثة يحملون الجنسية المزدوجة.
إلى ذلك، فضّل الاثنان الآخران عدم كشف هويتهما. في المقابل، أكد القضاء الإيراني في أغسطس 2022 أن «عشرات» الإيرانيين محتجَزون في الولايات المتحدة. ومعظم هؤلاء مزدوجو الجنسية، ومتّهَمون بمخالفة عقوبات واشنطن على طهران. وتشمل قائمة الإيرانيين المسجونين في الولايات المتحدة كامبيز عطار كاشاني، ورضا سرهنك بور، المتهمَيْن بمخالفة العقوبات الاقتصادية.
وفي إطار الاتفاق، أكدت واشنطن أنها وافقت على نقل 6 مليارات دولار، هي أصول إيرانية كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية، إلى حساب خاص في قطر. وهذه الأصول هي أموال مستحقة لإيران بموجب بيع النفط إلى كوريا الجنوبية، لكنّ سيول جمّدتها منذ أن انسحبت الولايات المتحدة أحادياً عام 2018 من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي، وأعادت فرض عقوبات على إيران.
وتشدِّد إدارة الرئيس جو بايدن على أنه يمكن لإيران استخدام هذه الأموال حصراً لشراء الأغذية والأدوية والسلع الإنسانية الأخرى، التي لا تشملها العقوبات الأميركية، إلا أن بعض المسؤولين في طهران ألمحوا إلى عدم وجود قيود على إنفاق هذه الأرصدة، لكن واشنطن حذّرت من أنها قد تعيد تجميد الأصول في حال استخدمتها طهران لغير الغايات الإنسانية المحدّدة.
وقال المتحدث باسم «الخارجية» الأميركية ماثيو ميلر، للصحافيين، في وقت سابق من سبتمبر (أيلول): «سنبقى على يقظة، ونراقب إنفاق هذه الأصول، ولدينا القدرة على تجميدها مجدداً في حال دعت الحاجة». وشدّد على أنه سيكون لوزارة الخزانة الأميركية «إشراف صارم» على الأصول المنقولة من كوريا الجنوبية إلى قطر. وتابع: «لدينا اطّلاع على كيفية إنفاقها، وقدرة على ضبط استخدامها».
وسبق للطرفين أن أبرما اتفاقات لتبادل السجناء، آخِرها في يونيو (حزيران) 2020، رغم التوتر بينهما والخلافات بشأن ملفات متشعبة. ورأى محللون أن الاتفاق الجديد الذي جرى التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات خلف الكواليس، يُؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين، وقد يفضي إلى مزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف، منها ما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015، إلا أنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر، خصوصاً بشأن «النووي»، ولا سيما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها، واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقرَّرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
يأتي اتفاق تبادل السجناء والإفراج عن الأصول بعد زهاء عام من انهيار مباحثات هدفت لإحياء الاتفاق النووي. وأتاح الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى تقييد الأنشطة النووية لإيران، مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها، لكن واشنطن انسحبت أحادياً منه في 2018، وأعادت فرض العقوبات، مما دفع طهران للتراجع تدريجياً عن التزاماتها النووية، خصوصاً في مجال تخصيب اليورانيوم. وأجرت إيران والقوى الكبرى، بتسهيل من «الاتحاد الأوروبي» ومشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات اعتباراً من أبريل (نيسان) 2021 لإحياء الاتفاق، دون أن تؤدي إلى نتيجة.