انتقادات لمِنَح «الحشد الشعبي» الدراسية في جامعة طهران

دوافع «آيديولوجية وسياسية» وراء استقطاب الأجانب للجامعات الإيرانية

قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)
قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)
TT

انتقادات لمِنَح «الحشد الشعبي» الدراسية في جامعة طهران

قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)
قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)

بعد أسبوعين من إزاحة الستار عن اتفاق بين جامعة طهران، و«الحشد الشعبي العراقي» على «التعاون العلمي» في صالة تحمل اسم قاسم سليماني، مسؤول العلميات الخارجية السابق لـ«الحرس الثوري»، تواجه أقدم جامعة إيرانية انتقادات حادة من الأوساط العلمية والثقافية بسبب انخراطها في «برامج آيديولوجية وسياسية».

وأصبحت تفاصيل الاتفاق محل اهتمام الأوساط والناشطين المعنيين بمصير الجامعات الإيرانية من جهة، ومن جهة أخرى، وسائل الإعلام التابعة لـ«الحرس الثوري» التي تتابع برنامجاً مكثفاً للتأثير على الرأي العام العربي، خصوصاً في مناطق «نفوذ» إيران، الخاضعة لجماعات مسلحة تتلقى تمويلاً من طهران، وتدين بالولاء الآيديولوجي لـ«ولاية الفقيه».

وذكرت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» في 9 يوليو (تموز) الماضي، أن جامعة طهران وافقت على طلب «الحشد الشعبي» العراقي لمنح منتسبيه فرصاً دراسية في الجامعة التي تعدّ الدراسة فيها حلماً لغالبية الشباب الإيراني.

وقالت الجامعة في بيان: «سنطبق المعايير العلمية على أصدقائنا في (الحشد الشعبي) أكثر من الطلاب الأجانب الآخرين؛ لأن هدفنا تحسين الكفاءة المهنية للمجاهدين».

رئيس جامعة طهران ومسؤول قسم التعليم في «الحشد الشعبي» العراقي أثناء الإعلان عن اتفاق «علمي» (تسنيم)

جاء الإعلان على هامش اجتماع حضره مصطفى رستمي، ممثل المرشد الإيراني في الجامعات، وناقش توسع التعاون العلمي والثقافي بين البلدين، بما في ذلك قبول المزيد من الطلاب العراقيين، خصوصاً منتسبي ميليشيا «الحشد الشعبي» الذي يضم فصائل تدين بالولاء الآيديولوجي لإيران.

وينظر إلى ««الحشد الشعبي» العراقي في إيران على أنه نسخة مماثلة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، الذي يملك وحدات وأجهزة موازية للجيش الإيراني والاستخبارات والقطاعات الاقتصادية والإعلامية. ويقدّر نشاطه الاقتصادي بنحو 40 في المائة من اقتصاد البلاد.

مسار آيديولوجي

وقال محمد مقيمي، رئيس جامعة طهران، أمام مجموعة من الطلاب العراقيين إن «مسار حركة الأجزاء المختلفة من منظومة العلم والتكنولوجيا بما في ذلك مسار جامعة طهران، مسار واضح يرسمه المرشد الإيراني (علي خامنئي)».

وأشار مقيمي أيضاً إلى دوافع آيديولوجية لهذا البرنامج «العلمي»، قائلاً: «هدفنا النهائي جميعاً خلق حضارة إسلامية جديدة، والتمهيد لحضور المهدي المنتظر، من أجل هذا سنواصل طريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس». وتحدث عن «أعداء مشتركين» لإيران والعراق، موجهاً كلامه على وجه التحديد إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.

وسيكون التركيز على «الحشد الشعبي» العراقي «الخطوة الأولى» للهدف الإيراني، على حد تعبير مقيمي. وقال: «نتابع تمهيدات قبول طلاب من دول محور المقاومة بجدية من هذا المنطلق» في إشارة إلى الدافع الآيديولوجي.

وخلال السنوات الأخيرة، استخدم قادة «الحرس الثوري» شعار «إقامة حضارة جديدة» للدفاع عن الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة. وهي التسمية الجديدة التي يطلقها قادة «الحرس» على استراتيجية «تصدير الثورة» منذ إعلان المرشد الإيراني خطة «الخطوة الثانية للثورة الإيرانية» في عامها الأربعين قبل أربع سنوات.

وقال محمد زلفي، وزير العلوم والأبحاث والتكنولوجيا في حكومة إبراهيم رئيسي، الأربعاء الماضي، للصحافيين: إن الوزارة ستعتمد «المعايير العلمية» مع طلاب «الحشد الشعبي».

تمهيدات اللغة الفارسية

شرح مقيمي أيضاً برامج جامعة طهران لتعليم اللغة الفارسية للوافدين العراقيين، عبر المركز الدولي للتعليم اللغة الفارسية، في السفارة الإيرانية لدى بغداد، لافتاً إلى افتتاح مركز لهذا الغرض في ميناء عبادان الواقع جنوب غرب إيران، على الضفة الشرقية من شط العرب، بالقرب من ميناء البصرة.

وكشف مقيمي عن تكليف إلهام أمين زاده، مستشار الرئيس الإيراني السابق، والمستشارة الحالية لوزير الخارجية لمتابعة ملف الطلاب العراقيين، الذين من المقرر أن ترسلهم جامعة طهران بعيداً عن مقرها الرئيسي وسط العاصمة، إلى كلية في شرق العاصمة، بجوار قواعد عسكرية تابعة لـ«الحرس الثوري».

وليست المرة الأولى التي تعلن فيها إيران عن برامج لاستقطاب طلاب أجانب. ومنذ سنوات، توافد طلاب أجانب غالبيتهم من الدول المنطقة للدراسة في الجامعات إيران، وأسست إيران جامعة «المصطفى الدولية» بهدف استقطاب طلاب أجانب، منذ عام 2003.

لكنها المرة الأولى التي تعلن جامعة في إيران إبرام اتفاق مع جماعات مسلحة تدين بالولاء لطهران، بهدف منحها مقاعد دراسية.

وقال المسؤول في «الحشد الشعبي» العراقي، حسين موسوي بخاتي: إن قائد «الحشد الشعبي» السابق، أبو مهدي المهندس أرسل مجموعة من 95 شخصاً من منتسبيه للدراسة في الجامعات الإيرانية.

بدوره، ذكر موقع «رويداد 24» الإيراني أن المؤشرات تشير إلى أن خلفية قبول طلاب أجانب بدوافع سياسية وآيديولوجية تعود إلى عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2004). وقالت: «خلال هذه السنوات أجهزة مثل (فيلق القدس) ومنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية لعبا دوراً مهماً في قبول الطلاب الأجانب».

وإستناداً إلى تقارير وزارة العلوم الإيرانية، أفاد موقع «رويداد 24» الإيراني، بأن «الملحقة الثقافية الإيرانية في الخارج الخاضعة لمنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية، وجامعة المصطفى العالمية، و(حزب الله) اللبناني و(حركة أمل)، تلعب دوراً في اختيار الطلاب الأجانب في إيران».

عدد من الطلاب الأجانب في قاعة للبرلمان الإيراني (مهر)

وقال أيضاً: إن «دور هذه الجامعات لا ينتهي بعد دخول الطلاب إلى الجامعات الإيرانية»، وأشارت إلى مجموعة عمل ثقافية تابعة لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، تحمل على عاتقها تنظيم مراسم وبرامج ورحلات سياحية مخصصة للطلاب الأجانب.

في ديسمبر (كانون الأول) 2020، صنفت الولايات المتحدة جامعة «المصطفى» على قائمة المنظمات الإرهابية، لارتباطها الوثيق بـ«فيلق القدس» ذراع «الحرس الثوري» الإيراني.

بالإضافة إلى جامعة «المصطفى الدولية»، تعد جامعة «الخميني الدولية» في مدينة قزوين المحطة الأولى للطلاب الأجانب الوافدين إلى إيران، حيث يخضعون لدورات تعليمية مكثفة في اللغة الفارسية، قبل غربلتهم وتوزيعهم على الجامعات الإيرانية والفروع الدراسية في مختلف أنحاء البلاد.

ويعد تأهيل كوادر سياسية وإعلامية، ضمن أولويات الجامعات الإيرانية خلال السنوات الأخيرة مع إطلاق مشاريع إعلامية تخاطب العالم العربي، وتحظى برعاية المؤسسات الإيرانية.

زاد عدد الطلاب الأجانب بشكل ملحوظ خلال السنوات ما بعد «ثورات الربيع العربي»، وبحسب إحصائية العام الماضي، فإن عددهم يقدر بـ100 ألف طالب. وفي ديسمبر الماضي، نقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن نائب وزير العلوم ورئيس الشؤون الطلابية هاشم داداش بور، أن بلاده تلقت مليوناً و489 ألف طلب من أجانب للانضمام إلى الجامعات الإيرانية، مشيراً إلى وجود 94 ألف طالب أجنبي في إيران، من بينهم 27 ألف طالب، ما يعادل 24 في المائة، حاصلون على منح من الحكومة الإيرانية.

احتجاج طلابي

أثار الاتفاق بين جامعة طهران و«الحشد الشعبي» العراقي احتجاجاً بين النقابات الطلابية في جامعات طهران. واصفين الخطوة بـ«حشد العساكر في الجامعات».

وعبّر مجموعة من طلاب جامعة طهران عن رفضهم قبول قوات عسكرية في الجامعة «سواء بملابس العسكر أو ملابس الدراسة»، متوعدين بمواجهة الخطوة التي عدّوها «حرباً جديدة» لـ«خنق الاحتجاج الطلابي». وقال: إنها «آخر محاولة لنظام منهار لإظهار القوة».

وأضافوا أن الجامعة تحولت إلى محل لحضور «الأساتذة المرتبطين وميليشيا الباسيج» وتابع البيان: «لقد أفرغوا الجامعة عبر إقصاء وتعليق وقمع الطلاب والآن يريدون استبدالنا بقوات تمثل الجماعات العسكرية العراقية».

تعليقاً على الانتقادات الحادة، دافع رئيس جامعة طهران محمد مقيمي عن الاتفاق مع «الحشد الشعبي»، وقلل من المخاوف الأمنية واحتمال مشاركة هؤلاء في قمع الحراك الطلابي. وصرح في هذا الصدد بأن الحكومة العراقية خصصت ميزانية لدراسة أعضاء «الحشد الشعبي» وأسرهم، وادّعى أنهم «يدرسون في جامعات أميركية وبريطانية وأوروبية». وأضاف: «نظراً لكون جامعة طهران من الجامعات الرائد في العالم؛ فإن الإخوة العراقيين خصوصاً في (الحشد الشعبي) يفضّلون الدارسة في جامعة طهران على جامعات تركيا وأميركا وبريطانيا، لأسباب علمية وثقافية».

وقال لوكالة «إيلنا» الإصلاحية اليوم (الاثنين): إن قبول أعضاء «الحشد الشعبي» للدراسة يتماشى مع برامج الجامعة لاستقطاب الطلاب الأجانب، متحدثاً عن «فوائد ثقافية واجتماعية»، بالإضافة إلى موارد اقتصادية.

ولفت إلى قبول طلاب أجانب من العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان على وجه خاص، مشدداً على أن الطلاب الأجانب يدفعون عشرة أضعاف الطلبة الإيرانيين مقابل كل فصل دراسي، بالعملة الأجنبية، نافياً أي تـأثير على عدد الطلاب الإيرانيين في الجامعة. كما وعد بإنفاق الموارد التي تحصل عليها جامعة طهران على تحسين الخدمات التي تقدم للطلبة الإيرانيين. وأوضح أن زيادة الطلاب الأجانب ينعكس إيجابياً على التصنيف العالمي للجامعات الإيرانيين.


مقالات ذات صلة

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

تقرير: إيران تخفي برامج الصواريخ والمسيرات تحت ستار أنشطة تجارية

قالت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إن إيران لجأت إلى قطاعها التجاري لإخفاء تطويرها للصواريخ الباليستية، في خطوة للالتفاف على العقوبات الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».