معضلة إسرائيل... تحليل جيوسياسيّ عسكريّ

أصبح النمط تكرار العمليات الإسرائيليّة والرد عليها من الفصائل الفلسطينيّة

الفلسطينيون يحضرون مسيرة بمناسبة يوم النكبة في مدينة رام الله بالضفة الغربية (15 مايو 2023) حيث يحيي الفلسطينيون الذكرى 75 ليوم النكبة (يوم النكبة)
الفلسطينيون يحضرون مسيرة بمناسبة يوم النكبة في مدينة رام الله بالضفة الغربية (15 مايو 2023) حيث يحيي الفلسطينيون الذكرى 75 ليوم النكبة (يوم النكبة)
TT

معضلة إسرائيل... تحليل جيوسياسيّ عسكريّ

الفلسطينيون يحضرون مسيرة بمناسبة يوم النكبة في مدينة رام الله بالضفة الغربية (15 مايو 2023) حيث يحيي الفلسطينيون الذكرى 75 ليوم النكبة (يوم النكبة)
الفلسطينيون يحضرون مسيرة بمناسبة يوم النكبة في مدينة رام الله بالضفة الغربية (15 مايو 2023) حيث يحيي الفلسطينيون الذكرى 75 ليوم النكبة (يوم النكبة)

تندرج معضلة إسرائيل بثلاثة أبعاد مهمّة، وهي: الجغرافيا، والطوبوغرافيا والديموغرافيا. ومما يزيد الوضع سوءاً، أنه لا يمكن لإسرائيل أن تُحسّن، أو تُعدّل أو تُصلح أيّ بُعد من هذه الأبعاد. فهي مرافقة للكيان، وهي التي تُحدّد وترسم المسلّمات الجيوسياسيّة، كما الاستراتيجيّات العسكريّة التي اعتمدتها إسرائيل منذ اغتصابها للأرض وحتى الآن.

في الجغرافيا: لا تتمتّع إسرائيل بالعمق الجغرافيّ. وهي مُطوّقة بدول عربيّة مُعادية لها، حتى لو كانت هناك معاهدات مع بعض هذه الدول. عندما احتلّت إسرائيل شبه جزيرة سيناء بعد نكسة حرب الأيام الستّة، أمّنت إسرائيل عمقاً جغرافيّاً يقدّر بـ300 كلم. يُعد هذا العمق كأنه وسيلة إنذار مُبكّر. تأكّدت هذه النظريّة خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973. وعندما تخلّت عن سيناء بعد معاهدة كامب ديفيد، ضمّت إلى هذه المعاهدة مُلحقاً أمنيّاً مفصّلاً.

دروز هضبة الجولان المحتلة في مجدل شمس المجاورة للحدود مع سوريا احتفالاً بعيد الدلاء في سوريا أبريل الماضي (أ.ف.ب)

من الشرق، تحتّل إسرائيل هضبة الجولان المُطلّة على العاصمة السوريّة، وهي بدورها تُشكّل عمقاً استراتيجيّاً. أما من الشمال، فإن وجود قوات اليونيفيل بجنوب لبنان، يُعد كأنه عمق استراتيجيّ دوليّ، ومُقونن حسب قرار مجلس الأمن 1701.

وتُشكّل غزّة الشوكة المُوجعة في خاصرة إسرائيل من الجنوب. وبذلك يتظهّر السيناريو الأخطر على إسرائيل، وهو عندما تُفتح الحرب عليها من 3 جبهات؛ هي: غزّة من الجنوب، والجولان من الشرق، ولبنان من الشمال.

في الطوبوغرافيا: بسبب مشكلة العمق الجغرافيّ، تتظهّر مشكلة الطوبوغرافيا. ويُقال في هذا المجال، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون، كان في وقت من الأوقات يتنقّل بآليّة عسكريّة عبر الضفة الغربيّة، فقط لتحديد المناطق الطوبوغرافيّة المهمّة، وذلك بهدف السيطرة عليها، كي لا تُشكّل عبئاً عملانيّاً عسكريّاً على تحرّكات الجيش الإسرائيليّ في حال الحرب على إسرائيل من الجبهة الشرقيّة.

وعليه، قد تكفي نظرة سريعة على خريطة الطريق في إسرائيل، أو نظرة على البنى التحتيّة لنقل وتوزيع المياه في إسرائيل، كي نُحدّد بسهولة مشروع السيطرة الإسرائيليّ على مفاصل هذه الأبعاد. الطرقات لتأمين التحرّك العسكري السريع دون عوائق خلال الأزمات والحروب، وأنابيب المياه للحفاظ على الأمن القوميّ المائيّ. حتى إن بناء المستوطنات وقضم الأرض يرتكزان على استراتيجيّة التقطيع البشري والطوبوغرافيّ للوجود الفلسطينيّ، كما على اتّباع طريقة الاستيلاء الأفقي (Horizontal) على الأراضيّ، الأمر الذي يعطي مساحة وعمقاً جغرافيّين للمستوطنات كي تبقى، وتدافع عن نفسها.

أنصار «الجهاد الإسلامي» في غزة يحتفلون بعد توصل الفصائل الفلسطينية وإسرائيل إلى وقف إطلاق النار في 13 مايو (أ.ف.ب)

في الديموغرافيا: بغض النظر عن التوازن الديموغرافي بين الشعبين، فإن الهاجس الدائم لقيادات إسرائيل أن يُصبح اليهود أقليّة في فلسطين المحتلّة مع مرور الزمن، خصوصاً أن العنصر البشري لدى إسرائيل يعد من أهم نقاط الضعف الإسرائيليّة. فهي مستعدّة لتبادل الأسرى العرب بالمئات، مقابل جندي أسير، أو حتى جثّة هذا الجنديّ.

من هنا التركيز الدائم للقتال ضد إسرائيل من قبل الدول العربيّة، يتمحور حول أمرين مهمّين؛ هما: إطالة مدّة الحرب قدر الإمكان بعكس ما نصح به بن غوريون. والهدف هو الاستنزاف البشريّ والماديّ. حتى إن إسرائيل تسعى وبشكل مختلف لتقسيم الديموغرافيا الفلسطينيّة إلى عدّة أبعاد؛ وهي: جغرافيا عبر الفصل الدائم جغرافيّاً بين الضفة والقطاع؛ عبر التفرقة الدائمة بين الأهداف السياسيّة لكلّ من السلطة والمنظمات الفلسطينيّة، وحتى الفصل على الصعيد الآيديولوجيّ. وإلا فما معنى بناء جدار شارون العنصريّ؟

في الختام، تتكرّر المعركة بين الحروب بين كلّ من إسرائيل وفصائل قطاع غزّة. والخوف الأكبر لدى إسرائيل أن تتحوّل الضفة إلى غزّة. لكن إسرائيل تعيش حالة جديدة. فهي انتقلت من الصهيونيّة القوميّة، إلى الصهيونيّة الدينيّة.

في المقابل، هناك تحوّل جذري في الأجيال لدى الفلسطينييّن (Generational Shift). وإلا فما معنى تظهّر مقاومة فلسطينيّة جديدة في الضفة (عرين الأسد) لا تتبع لأحد من القوى الموجودة على الساحة الفلسطينيّة اليوم؟

ماذا عن المستقبل؟ حتى الآن أصبح النمط معروفاً؛ تكرار العمليات الإسرائيليّة تحت تسميات مختلفة، والرد عليها أيضاً من قبل الفصائل الفلسطينيّة بعمليات تحت تسميات مختلفة. أما الأفق السياسيّ فهو مفقود اليوم، لأن مبدأ أن «السياسة فن الممكن»، ليس معروضاً على الطاولة اليوم. الكلّ يريد كلّ شيء، أو لا شيء.



«الحرس الثوري»: سماء إسرائيل مفتوحة أمامنا

المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)
المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)
TT

«الحرس الثوري»: سماء إسرائيل مفتوحة أمامنا

المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)
المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني خلال مؤتمر صحافي الاثنين (تسنيم)

قال «الحرس الثوري»، على لسان المتحدث باسمه، إن «سماء الكيان الصهيوني مفتوحة وغير محمية بالنسبة لإيران»، مضيفاً: «لا يوجد أي عائق لتنفيذ عمليات جديدة ضد إسرائيل في الوقت المناسب»، نافياً تضرّر الدفاعات الجوية وتعطّل دورة إنتاج الصواريخ في الهجوم الذي شنّته إسرائيل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأفاد الجنرال علي محمد نائيني، في مؤتمر صحافي، بأن المناورات الهجومية والدفاعية التي بدأتها قواته مع الجيش الإيراني تستمر لثلاثة أشهر، لافتاً إلى أنها «تجسّد صفحة جديدة من قوة الردع الإيرانية»، وتشمل الكشف عن «مدن صاروخية وتجارب صواريخ باليستية».

وأضاف أن «الجمهورية الإسلامية كانت مستعدة تماماً للمعارك الكبرى والمعقّدة والصعبة على أي مقياس منذ وقت طويل».

وأشار نائيني ضمناً إلى التطورات السورية، والإطاحة بنظام بشار الأسد. وقال في مؤتمر صحافي إنه «بسبب تحولات الأسابيع الأخيرة، نشأت لدى العدو حالة من الحماس الكاذب والفهم الخاطئ؛ حيث حاول تصوير التطورات الحالية على أنها ضعف للجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال حرب إدراكية»، حسبما أوردت وكالة «إيسنا» الحكومية.

وأشار نائيني إلى تبادل الضربات المباشرة وغير المسبوقة بين إيران وإسرائيل في أبريل (نيسان) وأكتوبر الماضي. وقال إن الهجومين الإيرانيين «كانا جزءاً صغيراً فقط من القوة اللامتناهية».

وأضاف أن «العدو يعلم أن السماء فوق الأراضي المحتلة مفتوحة وغير محمية بالنسبة لنا على خلاف دعايتها الإعلامية، ويمكننا التحرك بحجم ودقة وسرعة أكبر، مع قدرة تدميرية أكبر». وتابع: «العدو يقوم يومياً بإنتاج قضايا وأفكار مشكوك فيها للتأثير في الإرادة والروح الوطنية».

وتوعّد نائيني بما وصفه «بتغيير إدراك العدو المضلل مرة أخرى»، وأردف: «نقول لأعدائنا إننا دائماً مستعدون، وعلى أهبة الاستعداد، ولا نتهاون أبداً. في اللحظة التي تُعطى فيها الأوامر، سنُظهر قوتنا كما في السابق».

وزاد أن المناورات «هي قصة القوة والثبات والردع». وقال إن «العدو الصهيوني يعاني من وهم وخطأ في الحسابات». وأضاف أن رسالة المناورات الدفاعية والهجومية «ستصل إلى العدو في الأيام المقبلة».

قادة من الجيش و «الحرس الثوري» خلال جلسة تنسيقية للمناورات في غرب البلاد (تسنيم)

وبدأ الجيش الإيراني والوحدات الموازية في «الحرس الثوري» مناورات سنوية تستمر لمدة ثلاثة أشهر، في البر والبحر والجو.

وقال نائيني إن «الجزء الأساسي من المناورات سيكون في يناير، وسيستمر حتى نهاية العام، وهي مناورات دفاعية وهجومية وتركيبية، تم تصميمها استجابة للتهديدات الأمنية الجديدة».

ولفت المتحدث إلى أن المناورات «أقرب للتمارين على محاكاة المعارك الفعلية». وقال إن «الهدف الرئيسي منها هو تعزيز القوة لمواجهة التهديدات العسكرية المحتملة، والتصدي للإرهاب والتخريب في البلاد، ورفع الروح الوطنية، وتغيير حسابات العدو».

وقال إن «ادعاءات إسرائيل بشأن ضعف دفاعات إيران بعد هجوم 26 أكتوبر غير صحيحة؛ إذ لم تتوقف إيران عن إنتاج الصواريخ، ونظامها الدفاعي مستمر ومتطور».

وبشأن التهديدات التي كرّرها مسؤولون إيرانيون لشن عملية إيرانية ثالثة ضد إسرائيل، قال نائيني إنه «لا يوجد أي عائق لتنفيذ عمليات جديدة ضد إسرائيل في الوقت المناسب».

وأضاف أن «الشعب الإيراني يثق بذكاء وتدبير قادته العسكريين، وأن أي عملية مستقبلية ستكون أكثر قوة ومفاجأة». وأشار إلى أن «العدو يتلقى رداً على شروره بأساليب متنوعة وفي مواقع جغرافية متعددة».

وذكر في السياق نفسه، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي «خسر ألف جندي منذ (طوفان الأقصى)». وعدّ نائيني دعم «المقاومة وتطوير التعبئة العالمية» بأنها «أساس في العقيدة العسكرية الإيرانية».

وأضاف في السياق ذاته أن عملية «(الوعد الصادق) أظهرت ضعف أجواء الكيان الصهيوني أمام الهجمات الإيرانية».

ومع ذلك، أشار إلى أن إيران لن تبدأ أي حرب، لكن المناورات المقبلة تهدف إلى تعزيز الردع والاستعداد الدفاعي والهجومي لحماية الشعب والثورة ومواجهة أي تهديد.

وقالت وسائل إعلام إيرانية، الاثنين، إن الدفاعات الجوية أجرت تدريبات قرب المواقع الحساسة.

وقال نائيني إن الدفاعات الجوية التابعة للجيش أجرت مناورات قرب منشأة نطنز النووية في وسط البلاد. كما أشار إلى نشر وحدة «صابرين» للقوات الخاصة في الوحدة البرية لـ«الحرس الثوري» في غرب البلاد.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية مطلع أكتوبر الماضي (أرشيفية - رويترز)

ضربات متبادلة

في أوائل أكتوبر، أعلنت إيران عن إطلاق 200 صاروخ باتجاه إسرائيل، حيث أفادت تل أبيب بأن معظم هذه الصواريخ تم اعتراضها بواسطة دفاعاتها الجوية أو دفاعات حلفائها.

وأكدت طهران أن الهجوم جاء رداً على اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، بالإضافة إلى قيادي في «الحرس الثوري» الإيراني، وذلك خلال غارة إسرائيلية استهدفت جنوب بيروت، إلى جانب اغتيال هنية.

في 26 أكتوبر، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات على مواقع عسكرية في إيران، مستهدفة منشآت صاروخية ومنظومات رادار، ما أدى إلى تدميرها.

وحذّرت إسرائيل إيران من أي ردّ إضافي بعد تعهد مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين بتنفيذ عملية ثالثة. وجاء تصاعد التوترات قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي أُجريت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، وأسفرت عن فوز دونالد ترمب.

في 3 نوفمبر، أعلنت الولايات المتحدة عن نشر قدرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، من المتوقع أن تصل «خلال الأشهر المقبلة»، في خطوة تهدف إلى «دعم إسرائيل» وتحذير إيران، وفقاً لبيان صادر عن البنتاغون.

صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران 26 أكتوبر الماضي (شبكات التواصل)

وشهد شهر أبريل (نيسان) الماضي تبادلاً غير مسبوق للضربات المباشرة بين إيران وإسرائيل، رغم تجنبهما الانزلاق إلى حرب شاملة.

في 13 أبريل، تصاعدت المخاوف من اندلاع تصعيد إقليمي حين شنت إيران هجوماً غير مسبوق باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت الأراضي الإسرائيلية، وذلك رداً على ضربة جوية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق ونُسبت إلى إسرائيل.

وفي 19 أبريل، سُمع دوي انفجارات في وسط إيران، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية بوقوع هجوم استهدف مطاراً عسكرياً في مدينة أصفهان. يُعتقد أن هذا المطار يتولى حماية منشأة «نطنز»، وهي المحطة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران.