تهديد أوروبي لطهران ينذر بإشعال أزمة «النووي»

سوليفان: سنتخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً

سوليفان خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الشهر الماضي (أ.ب)
سوليفان خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الشهر الماضي (أ.ب)
TT

تهديد أوروبي لطهران ينذر بإشعال أزمة «النووي»

سوليفان خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الشهر الماضي (أ.ب)
سوليفان خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الشهر الماضي (أ.ب)

غداة تعهد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، «باتخاذ جميع الإجراءات لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً»، أكدت مصادر دبلوماسية أن طهران تلقّت تهديداً أوروبياً بتفعيل آلية إعادة العقوبات الأممية إذا ما واصلت تخصيب اليورانيوم إلى المستوى القريب من إنتاج الأسلحة النووية، الأمر الذي يهدد بإشعال أزمة البرنامج النووي الإيراني من جديد، وذلك في وقت تجد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها صعوبة في التعامل مع غزو روسيا لأوكرانيا وتصاعد التوترات مع الصين.

وقال ثلاثة مسؤولين أوروبيين إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا حذرت إيران من أنها ستثير مسألة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة إذا رفعت طهران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى المستوى الذي يرتقي لإنتاج سلاح نووي.

ويؤكد التهديد، الذي صدر العام الماضي في رسالة بعث بها وزراء خارجية الدول ولم تنشرها تقارير من قبل، مخاوف الغرب من أن إيران قد تُنتج يورانيوم بدرجة نقاء تبلغ 90 في المائة المستخدم في صنع قنابل.

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في «نطنز» 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)

وتفاقم القلق الأوروبي في فبراير (شباط) بعد أن كشف مفتشو الأمم المتحدة عن عثورهم على جزيئات يورانيوم بلغت درجة نقائها 83.7 في المائة في منشأة «فوردو» شديدة التحصين.

وربما يأتي تجدد الأزمة بشأن إيران في وقت سيئ بالنسبة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يركز على استمرار دعم الحلفاء للحرب في أوكرانيا وعلى حشد الدول الغربية للتصدي لطموحات الصين العسكرية والدبلوماسية.

وأشارت «رويترز» إلى محاولات بعض المساعدين بالبيت الأبيض إبعاد إيران عن اهتمامات الرئيس، لكنّ مسؤولين ومحللين قالوا إنها رفاهية قد لا يتمتعون بها.

وقال دبلوماسي غربي، طلب عدم نشر اسمه: «إنهم مشغولون بأوكرانيا وروسيا ولا يريدون في الوقت الحالي فتح جبهة أخرى... لذا يريدون فعل كل ما في وسعهم لمنع حدوث ذلك»، في إشارة إلى التخصيب إلى درجة نقاء 90 في المائة.

«إعادة فرض» عقوبات الأمم المتحدة؟

يخشى مسؤولون غربيون أن تهدد إيران، إذا أصبحت مسلحة نووياً، إسرائيل ودول المنطقة، وتُشعل سباقاً إقليمياً على التسلح.

وتواصل إيران التي تنفي السعي لامتلاك أسلحة نووية، مراكمة يورانيوم عالي التخصيب في منشأة «نطنز» منذ أبريل (نيسان) 2021. وتسارعت وتيرة تراكم اليورانيوم عالي التخصيب، منذ نوفمبر الماضي.

ويبحث مسؤولون أميركيون وأوروبيون عن سبل لكبح برنامج طهران منذ انهيار المحادثات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة.

واشترط الاتفاق، الذي استهدف منع إيران من تطوير سلاح نووي، على طهران قبول قيود على برنامجها النووي ومزيد من عمليات التفتيش المكثفة من الأمم المتحدة، مقابل إنهاء عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ووضعت الصفقة سقفاً لتخصيب إيران لليورانيوم عند 3.67 في المائة. وفي عام 2018 تخلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عن الاتفاق الذي انتقد عدم شموله البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية، وأنشطتها الإقليمية المتمثلة بـ«الحرس الثوري».

وترك كثير من العقوبات التي أعاد ترمب فرضها، تأثيراً ثانوياً تَمثّل في إجبار الشركات غير الأميركية على التوقف عن التعامل مع إيران وإلا ستغامر بفقدان إمكانية دخول السوق الأميركية، لكن العقوبات المنصوص عليها في ستة قرارات أممية جُمّدت بموجب القرار (2231) الصادر بعد الاتفاق النووي، لا تزال مجمدة.

وحدد الاتفاق النووي آلية «سناب باك» التي من شأنها إعادة عقوبات الأمم المتحدة التي تتضمن الحظر النفطي والقيود المصرفية، إذا ما تخلت إيران عن التزامات الاتفاق النووي. وتستطيع أي من الدول التي وقّعت على الاتفاق الأصلي تفعيل إعادة فرض العقوبات.

ولم تفلح العقوبات الأميركية، حتى مع آثارها الثانوية، في منع إيران من إنتاج مستويات أكثر نقاءً من اليورانيوم، ولم تأبه لها الصين واشترت النفط الإيراني، مما يثير الشكوك فيما إذا كانت إجراءات الأمم المتحدة قد تكون أكثر فاعلية.

لكن قد تمتنع إيران عن التخصيب إلى درجة 90 في المائة لتجنب التوبيخ العلني الضمني في عودة عقوبات الأمم المتحدة.

وقال مسؤول إيراني كبير في المجال النووي لوكالة «رويترز» إن طهران لن تستسلم لإحياء عقوبات الأمم المتحدة دون مقاومة. وأضاف: «إذا أثارت الأطراف الأخرى ذلك تحت أي ذريعة، فسيكونون مسؤولين عن كل العواقب... رد فعل إيران قد يتراوح من ترك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى تسريع عملنا النووي».

والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي سيجعل إيران حرة في تطوير أسلحة نووية.

ويفك تهديد المسؤول الإيراني الذي تحدث لـ«رويترز»، شفرة الرسالة التي وجهها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، خلال المؤتمر الصحافي الأسبوع الماضي، الذي قال: «في حال ارتكب الطرف الآخر خطأً في حساباته واتخذ إجراءات غير منطقية حول الاتفاق النووي ومسار المفاوضات بناءً على رسائلنا السابقة فإنهم يعلمون ماذا سيكون رد إيران على هذه القضية، كانت رسالتنا واضحة بما فيه الكفاية».

ولم يتضح بعد إذا ما كانت الجزيئات المخصبة بنسبة 83.7 في المائة قد تم تخصيبها عمداً. لكنّ مسؤولين ومحللين غربيين يقولون إن إنتاج إيران يورانيوم مخصباً بنسبة 90 في المائة سيتطلب رداً شديداً.

*** تعهد أميركي

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي سوليفان إن واشنطن لا تزال تسعى إلى حل دبلوماسي للتحدي الذي تشكله طهران. وأشار سوليفان إلى أن واشنطن تعمل مع حلفاء من بينهم إسرائيل لردع إيران عن تطوير سلاح.

وقال سوليفان في تصريحات، خلال مؤتمر لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة لا تزال تسعى إلى حل دبلوماسي لبرنامج إيران النووي، وأعرب عن أسفه لقرار ترمب في 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وأضاف: «سنواصل إرسال رسالة واضحة حول تكلفة وعواقب المبالغة في ذلك، بينما نواصل في الوقت نفسه البحث عن إمكانية التوصل إلى نتيجة بوساطة دبلوماسية تعيد برنامج إيران النووي إلى الصندوق». وأكد: «نعم، سنتخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً». وتابع: «في نهاية المطاف، هذا هو الاختبار الأساسي: عدم تمكن إيران من امتلاك سلاح نووي. ليس لديهم اليوم ولا يمكنهم امتلاك واحد». وأوضح: «أكد الرئيس بايدن مراراً وتكراراً أنه سيتخذ الإجراءات الضرورية للالتزام بهذا البيان، بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في العمل».

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن «الخطر النووي الإيراني على الصعيد العالمي أكثر بـ50 مرة من الخطر الكوري الشمالي». وأضاف خلال لقائه وفداً من المشرعين الأميركيين إن إيران «إنها ليست مجرد دولة متنمرة مثل الأسرة الحاكمة التي تحكم كوريا الشمالية... إنها قوة آيديولوجية تنظر إلينا (إسرائيل) على أننا الشيطان الصغير، وتنظر إليكم على أنكم الشيطان الأكبر».

جاءت تصريحات نتنياهو بعد ساعات من تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، من أن لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج 5 قنابل نووية.

والشهر الماضي، أبلغت إسرائيل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ودولاً أوروبية عدة بأنها قد توجه ضربة عسكرية إلى إيران إذا خصّبت اليورانيوم فوق مستوى 60 في المائة.

«ستواجه أزمة في مرحلة ما»

صحيح أن المسؤولين الغربيين يريدون ترك المجال مفتوحاً للدبلوماسية، لكنّ التوترات مع روسيا والصين تجعل ذلك أصعب.

وأدت الانقسامات بشأن حرب أوكرانيا، التي شهدت تقديم إيران مساعدات عسكرية لروسيا، وتفاقم التوترات الصينية - الأميركية إلى تقليص احتمالات إحياء الاتفاق لأنه من غير الواضح إلى أي مدى قد تضغط موسكو أو بكين من أجل إحيائه.

وإذا وصل الاتفاق إلى طريق مسدود فسيكون لدى الغرب ثلاثة خيارات عموماً: الردع، والعمل العسكري، والتوصل إلى ترتيب جديد من خلال التفاوض.

وللردع جانب سلبي، فهو قد يمنح طهران الوقت للتسلل نحو امتلاك أسلحة نووية.

وأشار دنيس روس، وهو دبلوماسي أميركي مخضرم يعمل الآن في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إلى أن بايدن قد يضطر إلى بذل جهد أكبر لجعل إيران تخشى عواقب التخصيب إلى مستويات أعلى. وقال: «إذا لم تفعل ما يكفي لإقناع الإيرانيين بمغبة المخاطر التي يتجشمونها، فستواجه أزمة في مرحلة ما لأنهم سيصلون إلى 90 في المائة» من تخصيب اليورانيوم أو يتجهون نحو التسليح. وأضاف روس: «ما ترونه هو محاولة للسير على هذا الحبل المشدود».


مقالات ذات صلة

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

قال ضابط روسي هارب إنه في اليوم الذي تم فيه شن الغزو في فبراير 2022 كانت قاعدة الأسلحة النووية التي كان يخدم فيها «في حالة تأهب قتالي كامل».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

تسعى روسيا إلى تصعيد التهديد النووي، في محاولة لتثبيط الدعم الغربي لأوكرانيا بانتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض، آملة التوصل إلى اتفاق سلام بشروطها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري «أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

تحليل إخباري تحليل: صواريخ أتاكمز التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة بالغة الخطورة من بعد استخدام كييف للصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها من أميركا وبريطانيا لضرب أهداف في العمق الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أعمال تنفيذ محطة الضبعة النووية (هيئة المحطات النووية المصرية)

مصر وروسيا لتسريع العمل بمحطة «الضبعة» النووية

بحث مسؤولون من مصر وروسيا، الثلاثاء، في القاهرة، سبل تسريع إجراءات تنفيذ مشروع محطة «الضبعة» النووية، الذي تقيمه الحكومة المصرية بالتعاون مع روسيا.

أحمد إمبابي (القاهرة)

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
TT

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مجدداً، إلى احتلال قطاع غزة، وتشجيع نصف سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الهجرة خلال عامين، معززاً المخاوف حول وجود خطة فعلية لذلك.

وفي حديثه خلال مؤتمر نظمه مجلس «يشع»، وهو منظمة تمثل بلديات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قال سموتريتش: «يمكننا احتلال غزة، وتقليص عدد سكانها إلى النصف خلال عامين، من خلال استراتيجية تشجيع الهجرة الطوعية». وأضاف: «من الممكن خلق وضع كهذا... لن يكلف الكثير من المال، وحتى لو كان مكلفاً، فلا ينبغي لنا أن نخاف من دفع ثمنه».

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أ.ب)

ومطالب سموتريتش باحتلال غزة ليست جديدة، لكنها تعزز المخاوف الكثيرة من أن هذه المطالب المتكررة تعكس وجود أهداف غير معلنة للحرب الحالية في غزة، وتشمل احتلالاً طويلاً وحكماً عسكرياً واستئناف الاستيطان هناك. وعلى الرغم من أن الأهداف المعلنة للحرب، ما زالت كما هي، «القضاء على (حماس)» و«استعادة المحتجزين»، لكن ما يجري في تل أبيب وقطاع غزة نفسها، لا يؤيد ذلك، ويشير إلى أهداف أخرى، إذ يمتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وضع خطة لليوم التالي في قطاع غزة، وتعمل إسرائيل في غزة على تعميق السيطرة عبر توسيع المحاور، وإنشاء ما يشبه «المواقع العسكرية» الدائمة.

ولا يبدو أن إسرائيل تخطط لحكم عسكري وحسب، إذ أصبح هذا مكشوفاً إلى حد ما، لكن أيضاً لاستئناف الاستيطان هناك، وهي الخطوة الأكثر إثارة للجدل لو حدثت.

وتثير العملية العسكرية الدامية في شمال قطاع غزة القائمة على تهجير الفلسطينيين تحت النار، وعزل جزء من الشمال عن بقية مناطق القطاع المقسمة، المخاوف من أن الجيش يمهد المكان لعودة المستوطنين.

وفي وقت سابق الأسبوع الماضي، في ذروة الهجوم الإسرائيلي المنظم، قام جنود إسرائيليون في غزة بمساعدة قيادية استيطانية على دخول القطاع لمسح المواقع المحتملة للمستوطنات اليهودية دون الحصول على إذن من قادتهم.

وقالت «هيئة البث الإسرائيلية» آنذاك إن دانييلا فايس، التي تقود الجهود لإعادة الاستيطان في شمال غزة، قامت بجولة على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي لغزة، وقد عبرت مع مجموعتها الحدود، من خلال وسائل غير واضحة، وسارت مسافة قصيرة داخل القطاع، مؤكدة أنها تنوي الاستفادة من الوجود العسكري في غزة لتوطين اليهود هناك تدريجياً.

وثمة ربط مباشر بين تهجير الفلسطينيين وإقامة مستوطنات جديدة في غزة. وكانت إسرائيل تقيم في غزة 21 مستوطنة، فككت جميعها بموجب خطة فك الارتباط عام 2005، والتي أدت كذلك إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

ويتضح من تصريحات سموتريتش أنه يضع ميزانية لاحتلال غزة. وقال سموتريتش إن «احتلال غزة ليس كلمة قذرة. إذا كانت تكلفة السيطرة الأمنية (على القطاع) 5 مليارات شيقل (1.37 مليار دولار)، فسأقبلها بأذرع مفتوحة. إذا كان هذا هو المطلوب لضمان أمن إسرائيل، فليكن».

وكانت سموترتيش يرد على مخاوف أثارتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ووزارة الخزانة من العواقب الهائلة التي قد يخلفها احتلال غزة على الاقتصاد الإسرائيلي.

وأصر سموتريتش على أن الطريقة الوحيدة لهزيمة «حماس» هي استبدال حكمها في غزة، وأن إسرائيل هي الطرف الوحيد القادر على القيام بذلك، حتى لو كان ذلك يعني تكليف الجيش الإسرائيلي بإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين في غزة.

وزعم سموتريتش أنه بمجرد إثبات نجاح سياسة «تشجيع الهجرة» في غزة، يمكن تكرارها في الضفة الغربية، حيث يعيش 3 ملايين فلسطيني.

وينادي رئيس حزب «الصهيونية الدينية» منذ فترة طويلة بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وأعلن في وقت سابق من هذا الشهر أن فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الانتخابات يوفر فرصة لتحقيق هذه الرؤية.

وكان سموتريتش واحداً من بين الكثير من الوزراء في الحكومة الذين حضروا حدثاً، الشهر الماضي، يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة. وقال سموتريتش قبيل مشاركته في المؤتمر إن الأراضي التي تخلت عنها إسرائيل في الماضي تحولت إلى «قواعد إرهابية أمامية إيرانية»، وعرضت البلاد للخطر.

فلسطينيون على طول الطريق بعد هطول الأمطار في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

لكن هل يستطيع سموترتيش إعادة احتلال واستيطان غزة؟ بالنسبة للكثيرين نعم، وهناك آخرون يعتقدون أنه لا يمكن ذلك، وعلى الأغلب فإن الأمر منوط بكيف ستنتهي الحرب في القطاع. وكتب عيران هلدسهايم في «تايمز أوف إسرائيل» متهماً سموتريتش بأنه يحاول أن يقنع الجمهور بسرد جديد يقوم على أنه إذا حققت إسرائيل أهدافها في الحرب وهزمت أعداءها، فإن السلام والأمن سيعودان إلى المنطقة.

وقال هلدسهايم: «في الظاهر، تبدو هذه الرواية منطقية، لكنها في الواقع شعار فارغ. ويبدو أن هذه الرواية تهدف بالأساس إلى إعداد الرأي العام لاستمرار الحرب، وفي الوقت نفسه الترويج لرؤية الاستيطان في قطاع غزة، وهو الهدف المركزي لسموتريتش ومؤيديه، لكن التاريخ يروي قصة مختلفة تماماً».

وأضاف: «يظهر التاريخ أن الحروب المطولة انتزعت ثمناً اقتصادياً باهظاً من إسرائيل، ولم تسهم في النمو». وتابع: «نهاية الحرب، كما طرحها سموتريتش، تعني الاستيلاء على مساحات واسعة في قطاع غزة. في المرحلة الأولى، يضغط الوزير بأن يكون الجيش هو من يقوم بتوزيع المواد الغذائية على السكان. وبعد أن تحظى هذه الخطوة بقبول الجمهور، يخطط سموتريتش للانتقال إلى المرحلة التالية: تطبيق الحكم العسكري الكامل في القطاع وإدارة حياة السكان الفلسطينيين بشكل مباشر. والهدف النهائي لهذه الخطة العظيمة هو إعادة الاستيطان في قطاع غزة».

ورأى الكاتب أن «رؤية سموتريتش تضع عبئاً مالياً ثقيلاً لا يطاق على كاهل إسرائيل»، مشيراً إلى أن التقديرات إلى تكلفة إضافية تبلغ نحو 20 مليار شيقل سنوياً، وهو مبلغ لا تملكه الدولة، ودون الأخذ في الحسبان تكاليف إعادة إعمار القطاع والثمن الباهظ المتمثل في حياة الجنود. ستُضطر إسرائيل إلى اعتماد خطة «الاقتصاد بعون الله» للخروج من هذا الوضع بسلام.

وتحدث الكاتب عن تهديدات خارجية أهم من «حماس» مثل إيران، وأخرى داخلية متمثلة بالتهديد الذي يقوض قدرة «الصمود الوطنية» أكثر من أي عدو. وقال: «إن ادعاء سموتريتش بأن النصر سوف يجلب الأمن، والأمن سوف يؤدي إلى النمو، يتجاهل الواقع المعقد»، وحقيقة أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي لا يتحقق من خلال الحروب التي لا نهاية لها والحكم العسكري، بل من خلال الاستقرار الإقليمي. وأردف: «لكن كل هذه الأمور تتعارض مع الهدف الرئيسي لسموتريتش وهو الاستيطان في قطاع غزة؛ لذلك لا يمكنه إلا الاستمرار في بيع الأوهام للجمهور».