تمتد واحة تيماء داخل أراضي الجزء الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية، وتشكل اليوم جزءاً من محافظة تحمل اسمها، تتبع منطقة تبوك، في شمال غربي المملكة العربية السعودية. تحتل هذه الواحة مكانة رئيسية في خريطة المواقع الأثرية الخاصة بهذه المملكة، وهي من أول هذه المواقع التي بدأ استكشافها في القرن التاسع عشر، ومنها خرجت مجموعات متنوعة من القطع الأثرية، ضمنها مجموعة كبيرة من المجامر المخصصة لحرق الطيوب، تجاوز عدد قطعها الستين. تعود هذه القطع المتعدّدة الأشكال إلى حقب زمنية متعاقبة، آخرها الحقبة التي ساد فيها الأثر النبطي، بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الذي تلاه، وأبرزها أربع قطع مستطيلة متشابهة من حيث التكوين، تحمل كلّ منها كتابات نبطية نُقشت على واجهتها.
تعود أقدم مجامر تيماء إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، وهي قطع صغيرة من الخزف، تبدو أشبه بأكواب تزيّنها تقاسيم تجريدية تجمع بين الأسود والأحمر والأصفر العسلي. تقابلها مجموعة أخرى تعود إلى النصف الثاني من الألفية نفسها، وتتمثل بمباخر صُنعت من الصلصال الرملي، ومجملها من الحجم الصغير، وهي أشبه بأوعية ذات سطح مكعّب، لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات. تواصل هذا الإنتاج في حقبة صعود مملكة الأنباط التي قامت في شمال شبه الجزيرة، وكانت عاصمتها مدينة البتراء. كما هو معروف، شكلت هذه المملكة العربية محطة تجارية تمرّ بها القوافل القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلى الهلال الخصيب، وطبعت ثقافتها نواحي الحجاز، كما تشهد النقوش الكتابية التي سُطرت بلغتها في واحة تيماء، ومنها تلك التي ظهرت على مجامر مستطيلة صُنعت كذلك من الصلصال الرملي.
تحضر في هذا الميدان مجمرة اكتُشفت في مطلع ثمانينات القرن الماضي في موقع معزول من الواحة، فجرى تصنيفها كـ«لُقية منفردة»، وفقاً للتعبير المعتمد في علم الآثار. يبلغ طول هذه القطعة 44 سنتيمتراً، وهي على شكل عمود ينبثق من قاعدة يبدو حجمها أوسع من حجمه بشكل طفيف. يعلو هذا العمود تاج زُيّنت واجهته بنقش هندسي يتمثّل بمثلثين ناتئين يحدّان منطقة وسطى مجوّفة، تأخذ شكل مثلّث مقلوب. تحت هذا التاج مباشرة، يظهر نقش كتابي غائر حلّت أحرفه على سطرين فوق واجهة سطح العمود الأملس، ومعنى نصّه: «مدفن عبد القتاب، ابن بولان». يتضح أن هذه المجمرة ذات وظيفة جنائزية، وهي تعود لقبر رجل جرى تعريفه باسمه وبكنيته المتمثّلة باسم والده، وفقاً لتقليد متّبع يحضر في صيغ مماثلة عبر نقوش كتابية تعدّدت وظائفها.
تختزل هذه المجمرة في بنيتها نمطاً يتجلّى في نماذج أخرى، منها مجمرة اكتشفت عام 2005 خلال حملة مسح أجرتها بعثة سعودية ألمانية مشتركة، تناولت منطقة سكنية من تيماء. يبلغ طول هذه المجمرة كذلك 44 سنتيمتراً، ويعلوها تاج زُيّنت كل جهة من جهاته الأربع بنقش على شكل نصف دائرة غائرة تستقرّ في الوسط. يحضر على مساحة الواجهة المجرّدة نقش في ثلاثة أسطر، ضاع العديد من أحرفه بفعل تفتّت الصلصال الرملي الذي شكّل قاعدة لها. ما بقي من هذه الكتابة يذكر اسم «ابن بدو»، و«سنة» غاب عددها، و«ملك» غاب اسمه كذلك للأسف، وفي هذا الغياب المزدوج، بات من الصعب تحديد تاريخ هذه القطعة بدقّة.
تتبنّى هذا البناء العمودي المستطيل مجمرة أخرى عُثر عليها كذلك داخل منطقة سكنية، خلال حملة لاحقة جرت في عام 2009. تبدو هذه القطعة أصغر حجماً؛ إذ يبلغ طولها 22 سنتيمتراً، وقمّتها مجرّدة من أي زينة زخرفية. يعلو واجهة العمود المسطّحة نقش كتابي في خمسة سطور، تفصل بينها ستة خطوط أفقية غائرة، تضفي على هذه الكتابة طابعاً خاصاً. تآكلت حروف هذا النقش بشكل كبير، وبات من الصعب قراءتها، وما بقي منها يسمح بالقول بأنها تسمّي صاحب المجمرة، وتذكر السنة التي صُنعت فيها هذه القطعة المميّزة بنقشها الممتد على مجمل مساحة واجهتها، من أعلى القمة إلى أسفل القاعدة.
إلى جانب هذه المجامر الثلاث، تحضر مجمرة عثرت عليها البعثة السعودية الألمانية المشتركة خلال حملة جرت في عام 2014. يبلغ طولها 30 سنتيمتراً، وتاجها مهشّم بشكل كبير، وما بقي من أساسه لا يسمح بتحديد تكوينه. تنقسم مساحة الواجهة إلى مساحتين، يفصل بينهما شريط زخرفي أفقي، تعلوه سلسلة من الخطوط العمودية المرصوفة كأسنان المشط. ويتكرّر حضور هذا الشريط بشكل متناسق في القسم الأعلى من التأليف، حيث يشكّل قاعدة للتاج الذي تساقط واندثر. تبدو المساحة العليا أصغر حجماً من المساحة الدنيا، ويعلوها نقش جاء في سطرين. في المقابل، يعلو المساحة الدنيا نقش موازٍ جاء في ثلاثة أسطر.
حافظت هذه الأسطر على جزء كبير من أحرفها، غير أن قراءتها تبدو مستحيلة؛ إذ إنها تجمع كما يبدو بين اللغة النبطية، ولغة أخرى لم ينجح أهل الاختصاص في تحديد هويّتها إلى يومنا هذا.
