شهدت إمارة الشارقة على مدى ثلاثة أيام انعقاد الملتقى العربي الخامس للتراث الثقافي، الذي نظَّمه مركز «إيكروم» الإقليمي في الشارقة برعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد وحاكم الشارقة، مشاركةً واسعة من مسؤولين وخبراء وأكاديميين وممارسين من مختلف الدول العربية ودول أخرى. وقد شكَّل الملتقى منصة جامعة لبحث مستقبل التراث الثقافي العربي، مع التركيز على دور المرأة والشباب بوصفهما من القوى الأساسية للابتكار والاستدامة.
منذ اليوم الافتتاحي، حملت كلمات المتحدثين والمشاركين رسائل واضحة تؤكد أن التراث ليس مجرد ذاكرة ماضية، بل هو مورد حي يعزز الهوية والمرونة الاجتماعية، ويشكل قاعدة للتنمية المستدامة. وقد شددت الجلسات على ضرورة إشراك النساء والشباب في صياغة السياسات الثقافية واتخاذ القرارات، بما يضمن تجديد التراث وإبقائه حياً في مواجهة التغيرات المتسارعة.
وتوزعت فعاليات الملتقى بين كلمات رئيسية، وجلسات حوارية، ودراسات حالة من دول عربية عدة مثل: الإمارات، وسلطنة عمان، والعراق، وسوريا، ومصر، وفلسطين، والأردن، والسودان، والكويت، والمغرب، وتونس، وقطر، وغيرها... حيث عُرضت مبادرات مجتمعية وحرفية وحلول عملية لضمان استمرارية التراث عبر المعرفة التقليدية.
كما قدّم متحدثون من هولندا وموريتانيا تجارب دولية في المتاحف التشاركية والممارسات الثقافية القائمة على إشراك المجتمعات، مما منح الملتقى بعداً عالمياً. ولم يقتصر البرنامج على النقاشات النظرية، إذ أجرى المشاركون زيارة ميدانية لموقع «الفاية» الأثري في الشارقة، المدرج حديثاً على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، لتأكيد أهمية الربط بين المعرفة الأكاديمية والممارسة الميدانية.
في اليوم الأخير، خُصصت جلسة لعرض مبادرات شبابية ونسائية رائدة من العالم العربي، تلتها جلسة حول «الحوار بين الأجيال وتبادل المعارف»، التي شددت على ضرورة خلق جسور تواصل بين الصغار والكبار لنقل الخبرات وتعزيز الانتماء. كما ناقشت جلسة أخرى تطوير السياسات الوطنية والإقليمية بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية، خصوصاً في ظل التحديات المرتبطة بحماية التراث في مناطق النزاع وما بعد النزاع.
وخرج الملتقى بحزمة توصيات أكدت ضرورة دمج موضوعات التراث في المناهج الدراسية بمختلف المراحل، وتطوير برامج تدريب مهني متخصصة للشباب والنساء في مجالات الحفظ والتوثيق وريادة الأعمال الثقافية والإعلام، مع إطلاق مبادرات لتعزيز الوعي المجتمعي عبر المتاحف والمكتبات والتعليم غير الرسمي. كما شددت على تمكين المرأة والشباب من المشاركة وصنع القرار، وتوثيق مساهماتهم في حفظ التراث، إلى جانب إدماج الفئات المهمشة والنازحين باعتبار التراث أداة للتماسك والسلام، وتشجيع الحوار بين الأجيال ومنصات المشاركة الشبابية.
وفي مجال الابتكار الرقمي، أوصى الملتقى بدعم المبادرات الشبابية والنسائية عبر منح تأسيسية، وتطوير مهارات التسويق الثقافي، وإنشاء أرشيفات إلكترونية إقليمية، مع توظيف تقنيات كالذكاء الاصطناعي والتوثيق المكاني وفق معايير أخلاقية دقيقة. كما دعا إلى تطوير سياسات ثقافية شاملة وآليات تمويل مستدامة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، والانفتاح على القطاع الخاص. وللمستقبل، أوصى المشاركون بتوسيع إشراك الجامعات وإنتاج محتوى موجه للشباب، وإطلاق جائزة للمبادرات الشبابية والنسائية، بما يعكس التزام الملتقى بجعل التراث رافعةً للتنمية والاستدامة.






