سلطان القاسمي يتعقب تاريخ الاحتلال البرتغالي لبحر عمان

واحد وعشرون مجلداً بالعربية... ومثلها بالإنجليزية

سلطان القاسمي يتعقب تاريخ الاحتلال البرتغالي لبحر عمان
TT

سلطان القاسمي يتعقب تاريخ الاحتلال البرتغالي لبحر عمان

سلطان القاسمي يتعقب تاريخ الاحتلال البرتغالي لبحر عمان

صدر حديثاً كتابٌ جديدٌ للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، بعنوان: «البرتغاليون في بحر عمان... أحداث في حوليات من 1497م إلى 1757م»، عن منشورات القاسمي.

صدر هذا المنجز التاريخي في واحد وعشرين مجلداً باللغة العربية، يقابلها عدد المجلدات نفسه باللغة الإنجليزية، وتتراوح صفحات المجلد الواحد ما بين 400 و600 صفحة بمجموع كلي يصل إلى 10500 صفحة، ويحتوي كل مجلد على مجموعة من الوثائق والرسائل، وقد بلغ مجموع الوثائق في الحولية 1138 وثيقةً، جُمعت من جميع مراكز الوثائق في العالم.

الكتاب مرتّب حسب التسلسل الزمني، حيث يحتوي كل مجلد من المجلدات على أحداث جرت في كل سنة، مرتّبة في صورة حوليات، وفي آخر كل مجلد من تلك المجلدات، دليل للبحث عن المعلومات المطلوبة، بالإضافة إلى الهوامش لتلك الوثائق».

ولا يقتصر هذا السفر على إيراد الرسائل فحسب، بل يضم كتباً كاملة ومؤلفات نادرة لمؤلفين برتغاليين تُنشَر للمرة الأولى.

«البرتغاليون في بحر عمان...» يرصد أحداثاً تاريخيةً مهمةً وحيويةً دارت وقائعها في بحر عمان، حيث كان بحر عمان شاهداً على تحركات الأساطيل البرتغالية وهي تشقُّ طريقها إلى الهند، كما يرد فيه ذكر جميع الأحداث والمعارك التي وقعت في تلك الفترة، التي امتدت إلى 260 سنة.

وتكشّف هذا العمل التاريخي لحاكم الشارقة عن حقائق تاريخية تُذكَر للمرة الأولى، مع تحقيق علمي رصين، ودراسة مستفيضة موثقة بالأدلة.

في هذه الحولية النادرة استطاع الشيخ سلطان اقتناء مجموعة كبيرة من المخطوطات البرتغالية والهولندية والبريطانية، وقد استغرق جمع تلك الوثائق مدةً طويلةً من الزمن، ومرَّ بمراحل من العمل العلمي الجاد، والغوص في بطون المخطوطات، بدءاً من فرزها حسب السنوات وتصنيفها، ثم ترجمتها من البرتغالية القديمة، إلى البرتغالية الحديثة فالإنجليزية، ومنها إلى العربية.

في تقديمه لهذا الكتاب الموسوعي يقول الشيخ د. سلطان القاسمي: «كانت التجارة بين الشرق والغرب ومنذ الأزمان البعيدة، تسلك طريقين رئيسيَّين، الأول طريق البحر الأحمر ومصر، والآخر طريق الخليج العربي والعراق والشام، وكلاهما تحت السيطرة العربية، وكان هذان الطريقان يغلقان للخلافات السياسية والنزاعات، وعندما يغلقان معاً، كانت البضائع المترفة، تنقطع عن الوصول إلى أوروبا، ما عدا ما كان يصل إليها عن طريق أواسط آسيا».

وأضاف: «كانت البضائع تصل إلى أوروبا في بداية القرن الخامس عشر عن طريق جنوة Genoa والبندقية (فينيسيا/ Venesia)، لكن جنوة خسرت موقعها التجاري بعد احتلال الأتراك للقسطنطينية في عام 1453م، والصراع بين البندقية والمماليك في مصر أبعد البندقية عن المنافسة. لذا كان البحث عن طريق يوصل أوروبا بالهند مطلب جميع الدول الأوروبية؛ لأنه سيجلب لها الشهرة والمال الوفير».

في عام 1497م وصل الأسطول البرتغالي بقيادة «فاسكو دا غاما (Vasco Da Gama)»، عبر رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، إلى شرق أفريقيا، ومن ثم إلى الهند، ثم تتالت الأساطيل الحربية البرتغالية لتحتل أجزاء من الهند، وبلداناً على شاطئ بحر عُمان، وسواحل فارس.

قمت بجمع الوثائق الخاصة بذلك من جميع مراكز الوثائق في العالم وقد استغرق جمعها 15 عاماً

حاكم الشارقة

استمرَّ ذلك، يقول الشيخ د. سلطان القاسمي؛ الاحتلال والتسلط على خيرات تلك البلدان حتى عام 1757م.

ويتابع الشيخ د. سلطان القاسمي بقوله: «لقد قمت بجمع جميع الوثائق الخاصة بذلك الاحتلال الذي دام 260 عاماً، من جميع مراكز الوثائق في العالم، وقد استغرق جمع تلك الوثائق 15 عاماً... بعد ذلك الجهد قمت بترجمة الوثائق من اللغة البرتغالية إلى اللغة الإنجليزية، ومن ثمّ إلى اللغة العربية، كانت تلك الوثائق تحتوي على جميع الأحداث التي جرت هناك، والتي كانت توثّق تلك الحوادث من مصادر مختلفة».

وأوضح: «لقد صنفت تلك الوثائق في مجلدات بلغ عددها واحداً وعشرين مجلداً، باللغة العربية ومثلها باللغة الإنجليزية، وأطلقت على تلك المجلدات: (البرتغاليون في بحر عُمان أحداث في حوليات من 1497م إلى 1757م)، وكان كل مجلد من تلك المجلدات، يحتوي على أحداث جرت في كل سنة، ورتَّبتها في صورة حوليات.

وفي آخر كل مجلد من تلك المجلدات، دليل للبحث عن المعلومات المطلوبة، بالإضافة إلى الهوامش لتلك الوثائق.

وفي الختام يرجو الشيخ د. سلطان القاسمي أن يكون هذا العمل عوناً للدارسين والباحثين الذين يهمهم تاريخ عُمان والبلدان المجاورة لها، «والله أسأل أن يجزل النفع بما أديت من واجب، وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى».


مقالات ذات صلة

«النقد الثقافي»... البحث عن سلطة النص

كتب «النقد الثقافي»... البحث عن سلطة النص

«النقد الثقافي»... البحث عن سلطة النص

ينتمي كتاب «النقد الثقافي: نحو منهجية التحليل الثقافي للأدب»، للناقد والأكاديمي المصري الدكتور محمد إبراهيم عبد العال، منذ عنوانه، إلى حقل النقد الثقافي.

عمر شهريار
كتب سلمان زين الدين يقرأ «أسئلة الرواية السعودية»

سلمان زين الدين يقرأ «أسئلة الرواية السعودية»

يرصد الشاعر والناقد اللبناني سلمان زين الدين في كتابه «أسئلة الرواية السعودية» تحولات المشهد الروائي السعودي

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون مصطفى الضبع

مصطفى الضبع: كثير من النقاد يفتقر إلى الذائقة والعمق

يصف الناقد الأكاديمي د.مصطفي الضبع في هذا الحوار المشهد الأدبي بأنه «كارثي» وبتعبير أخف «ليس بخير» ويعزو ذلك إلى غياب المشروع النقدي المنتظم والمتابع لحركة الإبداع و يرى أن كثيراً من النقاد يفتقرون إلى الذائقة السليمة والعمق

عمر شهريار (القاهرة)
ثقافة وفنون جِرار من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

أفاعي ساروق الحديد

تحضر صورة الأفعى وتتعدّد تقاسيمها التشكيلية في مجموعات مختلفة من القطع الأثرية مصدرها مواقع متفرقة من شمال شرقي الجزيرة العربية

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

«عندما بدأت أتذوق اللغة الروسية كان عليّ أن أعمل لتأمين معيشتي. بدأت من الأصعب وقمت بترجمة الشعر وكانت قصيدة صعبة للشاعر يسينين لكنني فرحت بها»

رشا أحمد (القاهرة)

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر
TT

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر

فقدت الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي واحداً من النقاد المتميزين المتابعين بدأب ومحبة لفعالياتها وحراكها الإبداعي. فقد غيَّب الموت الشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، بعد معاناة مع مرض الكبد، وشُيعت جنازته الثلاثاء بقريته عن عمر يناهز 63 عاماً، بعد أن وهب أكثر من ثلثي سنوات حياته للأدب والثقافة، شاعراً وناقداً وباحثاً أكاديمياً وكاتباً مسرحياً، وترك للمكتبة العربية الكثير من الكتب المهمة.

وُلد إسماعيل عام 1962 في قرية طحانوب (30 كيلومتراً شمال القاهرة)، وبدأ مشروعه الثقافي مع مطلع الثمانينات وهو لا يزال طالباً في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، لحق أخيراً برفاق جيله من مبدعي الثمانينات وأصدقاء رحلته، الشعراء محمود قرني، وشريف رزق وفتحي عبد الله، وغيرهم من الذين سبقوه في الرحيل، ويبدو أن شعراء جيل الثمانينات في الشعر المصري مُنذَرون للموت مبكراً، دون أن يحصلوا على ما يوازي عطاءهم الشعري والنقدي.

لم يكن غريباً أن تتحول صفحات المثقفين المصريين في مواقع التواصل الاجتماعي سرادق عزاء مفتوحاً، يعزون فيه بعضهم بعضاً في فقيدهم، فهم يعرفون قيمته وقدره جيداً، رغم أنه ليس من المنتشرين في اللجان وتحكيم الجوائز والسفريات لمعارض الكتب والمؤتمرات بالخارج، وكان منشغلاً بأن يضع بصمته في الداخل، يتابع المبدعين الشبان، يكتب عنهم في بداياتهم، يشجعهم ويشد على أيديهم، ويكتب عن المبدعين الكبار بغض النظر عن شهرتهم، أو ما سيجنيه من ورائهم من مكاسب كما يفعل كثيرون، فالراحل تقريباً له يد بيضاء على معظم مبدعي مصر، شعراء وروائيين، ويندر أن تجد مبدعاً مصرياً لم يكتب إسماعيل مقالاً عن روايته أو ديوانه، أو على الأقل يذهب ليناقش هذه الأعمال في ندوة هنا أو هناك، دون حتى سابق معرفة أو مصلحة.

كان محمد السيد إسماعيل يسافر إلى كل محافظات مصر تقريباً، بلا مقابل، ليناقش مبدعاً في بداية طريقه، ولم يعرفه أحد بعد، لمجرد أنه يتوسم في كتابته الموهبة، فيأخذ بيده، ويرشده إلى بدايات الطريق. وكان يشارك بأبحاثه في مؤتمرات قصور الثقافة بكل المحافظات، متجشماً عناء السفر، إيماناً منه بأهمية وصول الثقافة إلى القاطنين في الهامش، هناك في المدن والقرى البعيدة عن مركزية العاصمة.

هذا الخط الذي انتهجه، كان نابعاً من إيمانه بأن المثقف ليس دوره فقط أن يبدع الكتب وينشرها؛ بحثاً عن شهرة أو مال، أو جائزة هنا أو هناك، بل كانت قناعته أن وظيفة المثقف الأولى أن يساهم في نشر الوعي في محيطه القريب، ودائرته الأولى الصغيرة، ثم تتسع هذه الدائرة إلى دوائر أكبر، ولعل فهمه هذا لطبيعة المثقف ودوره ووظيفته، كان دافعه لأن يعدّ رسالة الدكتوراه عن موضوع «المثقف والسلطة في الرواية السياسية»، ولعل هذا التصور هو الذي جعله محافظاً على الإقامة في قريته، دون الانتقال إلى العاصمة بكل أضوائها، وكان كثيراً ما يقيم ويشارك في ندوات في مكتبة صغيرة بها، ويدعو لها كبار المثقفين من أصدقائه، محاولاً إضاءة شمعة وسط عتمة الليل في فضاء القرية.

محمد، القروي، ظل يتعامل مع الثقافة والأدب كفلاح يرعى الأرض ويحرثها، ويغرس النبتة ويرويها؛ أملاً في أن تزهر وتؤتي ثمارها، دون أن يكترث بمن الذي سيحصد ثمارها في نهاية المطاف، فالمهم لديه أن تطرح شجرة الثقافة والوعي، أما جني الثمار فلا يشغل حيزاً من تفكيره، ويترك الآخرين ليتسابقوا على الحصاد، مستمتعاً بأن غرسه أثمر. كل هذا نتيجة تكوينه الشخصي، وتركيبته النفسية وقناعاته الآيديولوجية، فقد كان اعتناقه أفكار اليسار عن العدالة الاجتماعية هو المرجعية العقلية لمساره الثقافي. وإضافة إلى عقله يساري التوجه، كان يتحرك بروح متصوف زاهد، لا يسعى إلى مكاسب الدنيا، ويعيش كأنه ناسك، لا يلهث وراء مكاسب زائلة. العقل اليساري والروح المتصوفة، امتزجا بقلب الشاعر الحالم، الباحث دوماً عن عالم أفضل، والحالم بالمدينة الفاضلة، مؤمناً بأن نشر الثقافة والجمال والإبداع والشعر هو أقصر طريق لمقاومة القبح والتطرف وكل سلبيات العالم.

حصل الراحل على الماجستير والدكتوراه في الدراسات الأدبية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وعمل طوال حياته مدرساً للغة العربية، بدأ كتابة الشعر في مرحلة مبكرة، ورغم النزعة المحافظة التي تسم خريجي دار العلوم، فإنه اختط لنفسه مساراً مغايراً، فكان أحد المبشرين للحداثة الشعرية والنقدية، حتى أنه كان أحد أهم شعراء قصيدة النثر، وأحد نقادها البارزين أيضاً.

نُشرت قصائد الشاعر الراحل ودراساته النقدية في مجلات مصرية وعربية، وشارك في مهرجانات شعرية متعددة. وأصدر الكثير من الأعمال الإبداعية، منها سبعة دواوين، هي: «كائنات في انتظار البعث»، و«الكلام الذي يقترب»، و«استشراف إقامة ماضية»، و«تدريبات يومية»، و«قيامة الماء»، و«أكثر من متاهة لكائن وحيد»، و«يد بيضاء في نهاية الوقت». هذه الدواوين جعلته واحداً من أهم الأصوات الشعرية في جيل الثمانينات، ولا يمكن لباحث أو ناقد عمل مقاربة شعرية لهذا الجيل دون أن يتوقف طويلاً عند هذه الدواوين. كما أصدر أربعة أعمال مسرحية: «السفينة»، و«زيارة ابن حزم الأخيرة»، و«وجوه التوحيدي»، و«رقصة الحياة».

كما أصدر إسماعيل الكثير من الكتب النقدية التي رسّخت اسمه واحداً من أهم العقول النقدية الفاعلة في المشهدين الأدبي والنقدي، ولم تتوقف أعماله النقدية عند نوع أدبي بعينه، بل تناولت الشعر والقصة والرواية، منها: «رؤية التشكيل»، و«الحداثة الشعرية في مصر»، و«غواية السرد»، و«حداثة النص الشعري: الوعي النظري والاستجابة الجمالية»، و«شعرية شوقي»، و«الخروج من الظل: قراءة في القصة النسائية القصيرة في مصر»، و«بناء فضاء المكان في القصة العربية القصيرة»، و«أساليب السرد في الرواية الأفريقية»، و«الرواية والسلطة»، و«دلالات المكان السردي»، و«التراث والحداثة: قراءة في القصيدة العربية المعاصرة». إضافة إلى ثلاثة كتب فكرية، هي: «التراث والحداثة» و«نقد الفكر السلفي» و«تنوير المستقبل».

حاز الراحل جوائز عدة تقديراً لجهده المتواصل على مدار أربعة عقود، منها جوائر في النقد من المجلس الأعلى للثقافة، وهيئة قصور الثقافة، ودائرة الإبداع بالشارقة، ومجمع اللغة العربية، وجائزة في الشعر من صندوق التنمية الثقافية، وأخرى في المسرح من اتحاد الكتاب، وجائزة إحسان عبد القدوس. كُرم بصفته أفضل ناقد أدبي في مؤتمر أدباء مصر، واختير شاعراً في معجم البابطين، وتولى أمانة مؤتمر القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي. لكن بعيداً عن هذه الجوائز، فإنه حاز جائزة أكبر، وهي تقدير الأوساط الثقافية المصرية لدأبه وتجرده، ومسيرته الإبداعية والنقدية الناصعة.